دون أن يلاحظ أحد تقريبا، بدأ يسطع نجم موضة قديمة بعد أن كانت خامدة طيلة أكثر من أربعة عقود. تظهر هذه الموضة في شهر تشرين الثاني تحديدًا، الذي يعتبر شهر الشارب الدولي (Movember= Mustache + November)، ولكن مؤخرا ظهر الشارب ثانية، وبدأ يغطي وجوه السياسيين، الممثلين المشهورين، الهيبسترز العرب والغربيين، والكثير من المطربين (قائد فرقة مشروع ليلى، حامد سنو) الذين قرروا إطلاق الشارب وإعادته إلى الموضة.
يمكن العثور على إثبات آخر للافتراض بأن موضة الشارب عادت بشكل كبير، في استطلاع أجرته شركة العناية الألمانية Braun في مدن مركزية في أوروبا. ووفقا للاستطلاع، فإن نسبة الرجال في برلين، الذين يطلقون الشارب أو اللحية هي %53، ووُجدت نسبة أعلى من الرجال ذوي الشارب في إسطنبول (63%)، وهناك نسبة عالية أيضا لدى الرجال في لندن، ميلانو، وبرشلونة.
لمزيد من الدقة، لا نتحدث عن ثورة اللحى، التي تغطي معظم وجوه الرجال في العالم اليوم؛ بل عن الشارب الذي تعرض في الماضي لآراء مسبقة سخرت منه. في الوعي الإنساني، تُذكّر الشوارب بالظالمين (بشار الأسد، هتلر، وستالين) وبالكوميديَين (تشارلي تشابلن وياسر العظمة) وشخصيات تعرضت للفشل (السياسي الإسرائيلي السابق ووزير الدفاع عمير بيرتس).
وربما تكمن مشكلة الشارب الكبيرة في حقيقة أنه مثير للضحك. أصبح خيار موضة الشارب المثير للجدل على مر السنين مصدرا للضحك الحقيقي. أطلق الكوميدي الصامت، تشارلي تشابلن الشارب وكذلك بورات ساغديب (Borat) المراسل الكازاخستاني الذي أراد أن يتعلم الثقافة الأمريكية، الشخصية الكوميدية التي أداها الممثل اليهودي ساشا بارون كوهين عام 2006.
وحاول كلاهما بصفتهما مؤثرين في الرأي العام في مجال الأزياء الرجالية التخلص من موضة الشارب إلا أن محاولتهما قد فشلت مرارا وتكرارا. وقد عادت الشوارب إلى الموضة بعد 40 عاما من الاختفاء تماما مثل اللحى رغم أنها مثيرة للضحك.
الشارب القديم
كانت السبعينيات بمثابة العصر الذهبي للشارب في القرن العشرين. وقد تضاءلت أهميته في الثمانينيات، ومن ثم ظهر في مجال الموضة بعد أن بدأ الهيبسترز في تل أبيب أو بعد أن تأثر رجال بالحملة التسويقية بمجال الأزياء “Movember” التي شجعتهم على إطلاق الشارب، وانتشرت في شهر تشرين الثاني لرفع الوعي وجمع الأموال لإجراء بحث وتقديم علاج لمرضى سرطان البروستات.
ولكن جذور الشارب الصغير عميقة وقديمة ومعروفة في تاريخ البشرية وتحظى بأهمية دينية، اجتماعية، ومكانية.
اعتاد المصريون القدماء والفراعنة، على حلق شعر جسمهم كله، ربما بسبب الحرارة والرطوبة، وليس لأسباب دينية فقط. ومع ذلك، في فترة قصيرة نسبيا من التاريخ المصري القديم الذي دام طويلاً، ظهر في الرسومات الجدارية، رجال مع شوارب دقيقة. في حين أن الناس ما زالوا منقسمين، أطلق الفراعنة لحى مزيّفة ومزخرفة، من الفضة والذهب كانت معلقة حول الأذنين – بدءا من لحية مربعة الشكل وحتى اللحية المعتنى بها التي كانت توضع على أجسادهم بعد الموت.
اعتاد الحكام البابليون أيضا، على التفاخر باللحى والشوارب المجعّدة ذات الألوان التي كان يُحظر على عامة الناس استخدامها.
وقد أمر الإسكندر المقدوني، الذي قاتل ضد الحاكم الفارسي صاحب اللحية، درويش الثالث، جنوده بأن يحلقوا لحاهم أو شواربهم تماما، لئلا يتمكن العدو من الإمساك بها أثناء القتال المباشر.
في عام 1705، فرض القيصر بطرس الأكبر ضريبة تتراوح بين 30 حتى 100 روبل، أو ممارسة الأعمال الشاقة، على كل رجل أطلق لحية أو شارب، مما أدى إلى هجرة المثقفين أصحاب اللحى والشوارب. وبالمناسبة، هناك من يدعي أن الفيلسوف، الاقتصادي، وأب الثورة الاشتراكية، كارل ماركس، أطلق شاربا سميكا ولحية كرد فعل خلافا لما كان مقبولا في الإمبراطورية في تلك الأيام.
وفي الشرق الأوسط، ما زال الشارب يشكل علامة طبيعية للرجولة والقبلية التقليدية. انظروا إلى شوارب الأتراك، وُجهاء الطائفة الدرزية المنتشرة في لبنان، سوريا، وإسرائيل. في سُهوب آسيا في كازاخستان وكردستان، يعتبر الرجل مع الشارب المهذب جيدا صاحب مكانة سواء في أوساط عائلته أو في مدينته أو قبيلته.
الشارب العصري
لا شك أن أولئك الذين يشجعون موضة إطلاق الشارب، إضافة إلى إطلاق اللحية أو عدمه، يعرفون أن الموضة تتغير كل الوقت. والدليل على ذلك هو الظهور الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، الذي أصبح هيبسترا خبيرا مع لحية وشارب. فاجأت المغنية أديل العالم بعد أن اعترفت أنها عندما كانت حاملا قد ظهر لديها شارب بسبب التأثيرات الهرمونية وأسمته “لاري” وظل بعد الولادة أيضًا.
يمثل الشارب في العصر الحديث جوانب كثيرة: إنه يُزين الكعك في الإنستجرام أو أنه يظهر على حقائب الظهر والقمصان. خلافا للمسيحية التي كان يشكل فيها الشارب “علامة الوحش”، سمح الإسلام به وكان يمثل علامة وحاجة دينية للتمييز بين أعضاء المجتمع الإسلامي وغيرهم في أيام الجاهلية.
تختلف وجهات النظر في العصر الحديث حول الشارب: في أسوأ الحالات، يشكل الشارب تعبيرا عن العناية الذاتية المفرطة والنرجسية، وفي أفضل الأحوال يمثل الذكاء ومواكبة الموضة. أيا كان الأمر، سيظل الجدل الأبدي حول أهمية الشارب، جماله، وفائدته الاجتماعي مستمرا طيلة سنوات كثيرة.