نشطاء حقوق إنسان إسرائيليون (Flash90)
نشطاء حقوق إنسان إسرائيليون (Flash90)

منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل تحارب من أجل مكانتها

من أسبوع لآخر تصبح الأجواء العامة في إسرائيل أكثر عدائية بالنسبة للمنظمات التي تكافح من أجل حقوق الفلسطينيين

ربما كان الشهر الأخير هو الأكثر صعوبة في تاريخ منظمات حقوق الإنسان والمواطِن التي تعمل في دولة إسرائيل. إنّ هذه المنظمات، مثل “بتسيلم”، “تعايش”، “لجنة مناهضة التعذيب”، “نكسر الصمت” و “حاخامات من أجل حقوق الإنسان”، بالإضافة إلى الحركات اليسارية مثل “حركة السلام الآن” – وجدت نفسها جميعا في وسط عاصفة عامة، حيث جميع أصابع الاتهام موجّهة تجاهها.

وهناك سببان رئيسيان قادا إلى هذا الوضع المحزن. الأول، هو حملة مموّلة من قبل حركة “إم ترتسو” اليمينية، التي تعرض بعض هذه المنظمات باعتبارها “مزروعة” – أي عملاء أجانب يعملون داخل دولة إسرائيل بسرية، من أجل تدمير دولة إسرائيل. وهناك مقطع فيديو مثير للجدل نشرته الحركة يُظهر شابّا فلسطينيا يلوّح بسكين لطعن اليهود، مع علمه أنّ أعضاء منظمات “حقوق الإنسان” ستدافع عنه إذا تم القبض عليه.

انضم جميع السياسيين اليمينيين في إسرائيل معًا لإدانة منظمات حقوق الإنسان

وثانيا، في الأسبوع الماضي كُشف في تحقيق على القناة الثانية الإسرائيلية كيف يعمل ناشط كبير في منظمة “تعايش” على تسليم فلسطيني، يسعى إلى بيع أراض لليهود، إلى أيدي السلطة الفلسطينية، حيث من المتوقع أن يمرّ هذا الفلسطيني هناك بتعذيبات قاسية. تم تسجيل الناشط، واسمه عزرا نافي، وهو يتفاخر بأنّه سيسلّم اسم وصورة الفلسطيني الذي يرغب ببيع أراضيه إلى الأمن الوقائي، والذي سيعذّب هذا الشخص ويقتله.

وعلى خلفية هذه الاتهامات وما يبدو أنّه اشتعال للانتفاضة الثالثة، وُضعت منظمات حقوق الإنسان في قفص الاتهام. ففي إسرائيل هناك من يسميها “خونة” من دون تردّد، وتم فعلا وضع اقتراح قانون على طاولة الكنيست يطالب بإخراج منظمة “نكسر الصمت” خارج القانون، والتي توثق شهادات لجنود إسرائيليين عن انتهاكات لحقوق الإنسان.

فعلى سبيل المثال، أدى فورا تقرير عن حريق في مقرّ منظمة “بتسيلم”  نُشر في الأسبوع الماضي، إلى موجة من الفزع من اليمين واليسار. فسارع مؤيدو المنظمة من اليسار إلى التصريح بأنّه إشعال متعمّد، كنتيجة للتحريض المباشر من قبل حكومة نتنياهو. بينما أعرب الكثيرون من مؤيدي اليمين في مواقع التواصل الاجتماعي عن فرحهم بهذا الإشعال، وتمنّوا مقتل نشطاء المنظمة.

أطباء إسرائيليون من أجل المرضى الفلسطينيين (Noam Moskowitz)
أطباء إسرائيليون من أجل المرضى الفلسطينيين (Noam Moskowitz)

وانضم جميع السياسيين اليمينيين في إسرائيل، بدءًا من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحتى آخر عضو في أحزاب “الليكود”، “البيت اليهودي” و “إسرائيل بيتنا”، معًا لإدانة منظمات حقوق الإنسان. ففي رأيهم جميعًا، فإنّ هذه المنظمات تعمل ضدّ دولة إسرائيل، وليس لصالح حقوق الإنسان الفلسطيني. صرّح نتنياهو أنّ هذه المنظمات “تختبئ خلف قناع من الحرص على حقوق الإنسان”.

بنيامين نتنياهو: “المنظمات حقوق الإنسان تختبئ خلف قناع من الحرص على حقوق الإنسان”

ويهاجم الكثيرون منظمات حقوق الإنسان لكونها تحصل على تبرعات من حكومات أجنبية، وخصوصا من الدول الأوروبية. ففي الأيام التي تتم فيها إدانة وزيرة الخارجية السويدية في إسرائيل لكونها تسعى إلى التحقيق في قتل فلسطينيين حاولوا طعن يهود، يتم اعتبار التمويل الأجنبي كطريقة للدول الأوروبية لتحقيق سياساتها المعادية لليهود. وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويتّهم هذه المنظمات بكراهية الذات الحقيقية، مثل اليهود من أبناء الأجيال القديمة الذين بدّلوا دينهم وفقدوا هويّتهم الفريدة.

وفي مثل هذه الحالة التي تكون فيها شعبية هذه المنظمات أقل من أيّ وقت مضى، فهناك قليلون مِن مَن مستعدون ليُسمعوا موقفا مؤيدا لنشاطها بصوت واضح. أحد هؤلاء هو البروفسور مردخاي كرمنيتسر، نائب رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والذي كتب هذا الأسبوع في صحيفة “هآرتس”: “كل من هو ليس أعمى أو غافلا تماما يعلم أنّ حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة تُنتهك انتهاكا منهجيًّا. لذلك، فمن يعتبر حقوق الإنسان موضوعا هاما، عليه أن يتقدّم بالشكر للمنظمات العامة لحمايتها”.

في حين قالت عضو منظمة “نكسر الصمت” في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي: “هذه أيام ليست بسيطة في نضالنا لإنهاء الاحتلال. سنستمر في أن نكون بيتا للجنود الذين يرغبون بالحديث عمّا قاموا به في الضفة الغربية وغزة”.

اقرأوا المزيد: 550 كلمة
عرض أقل
صلاة عيد الاضحى في ساحة الأقصى (Sliman Khader/FLASH90)
صلاة عيد الاضحى في ساحة الأقصى (Sliman Khader/FLASH90)

نتنياهو يعارض صلاة اليهود في الأقصى: “يُمنع إشعال الحروبات الدينية”

نقلا عن مقابلة، أجرتها القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية قد تجاهل الانتقادات الأمريكية حول عمليات البناء في القدس، قائلًا: "ألا يستطيع اليهود شراء بيتٍ في القدس؟"

بعد الانتهاء من زيارته في الولايات المتحدة، والذي تضمن خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقاء ساده التوتر الشديد مع رئيس الولايات المتحدة، بارك أوباما، أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلسلة مقابلات على ثلاث قنوات تلفزيونية رئيسية في إسرائيل، وقد تطرق، من خلالها، إلى موضوع العلاقات مع الولايات المتحدة، المحادثات مع الفلسطينيين، الملف النووي الإيراني ومواضيع إسرائيلية أخرى.

رفض نتنياهو، صراحة، الانتقادات التي انغمس فيها الأمريكان على خلفية إعلان إسرائيل عن عدة مناقصات لبناء وحدات سكنية إسرائيلية شرقي القدس، وكذلك بالنسبة لاقتحام شقق من قبلِ مستوطنين إسرائيليين كانوا قد اشتروها، في حيّ السلوان.

لقد أطلق نتنياهو على مشروع بناء الوحدات السكانية الذي نظمته منظمة “سلام الآن” الإسرائيلية بما دعاه “انعدام المسؤولية الوطنية”. وقد أضاف نتنياهو: “لقد كانت هناك نية واضحة لاتخاذ برنامج يقوم على أرض الواقع، والإعلان عنه فورا قبل دخولي في اجتماع مصيري مع رئيس الولايات المتحدة، والذي نناقش من خلاله أمورا أمنية- وطنية تتعلق بإيران وداعش”.

أوباما ونتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض (Avi Ohayon/GPO)
أوباما ونتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض (Avi Ohayon/GPO)

أما بالنسبة لملف البناء وشراء الشقق السكنية من قبل اليهود شرقي القدس، قال نتنياهو للقناة العاشرة: “أنا، كرئيس لحكومة دولة اليهود، لا أستطيع أن أتقبل فكرة أن اليهود لا يستطيعون شراء شقق سكنية في العاصمة الإسرائيلية”. وفي مقابلة على القناة الثانية، قال نتنياهو: “إذا قلت لليهود في الولايات المتحدة، في أي مدينة كانوا أو أي حيّ، أنه ممنوع عليهم شراء بيت في هذه المناطق، كان سيُواجه هذا الأمر باحتجاج رهيب. لذا، ألا يستطيع اليهود في القدس شراء بيت لهم؟”

وقد سُئل نتنياهو، في المقابلة التي أجرته معه القناة الثانية، بالنسبة للقرار الإسرائيلي الذي يقضي بمنع اليهود من أداء صلواتهم في ساحة المسجد الأقصى. قال نتنياهو: “فيما يتعلق بجبل الهيكل، فإن هذه الحالة قد  أقرت قبل 50 سنة تقريبا، وهي تقضي بأني لا أنصح بإشعال الحروب الدينية”. وقد كرر موقفه بالنسبة إلى حلّ الدولتين، وذلك كما قال لأوباما.

ومع ذلك، فقد قال نتنياهو إن لقاءه مع أوباما، كان “جيدا جدا” و”صريح”. فيما يتعلق بالملف الإيراني، قال نتنياهو إنه وأوباما “موافقان على الكثير من الأمور، لكن هناك خلافات في وجهات النظر بيننا، وعندما يوجد أمر من هذا القبيل، فأنا أخبره بذلك”. وحسب رأي نتنياهو، إن الخلاف يدور حول ضرورة منع إيران من قدرتها على تخصيب اليورانيوم بشكل نهائي تام.

اقرأوا المزيد: 341 كلمة
عرض أقل
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو  (FLASH90)
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (FLASH90)

فرض عقوبات إسرائيلية ردًا على حكومة الوحدة الفلسطينية

ردود فعل قاسية في اليمين الإسرائيلي: "حكومة الإرهابيين بالبدلات"، واليسار يُهنئ

التأم المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية اليوم لبحث أبعاد حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس على السياسة الإسرائيلية. وتقرر بالإجماع أن دولة إسرائيل لن تجر أي مفاوضات أو اتصال مع حكومة الوحدة الوطنية هذه، طالما بقيت المنظمة الإرهابية حماس عضوًا فيها.

كذلك، خوَّل المجلس الوزاري المصغّر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، صلاحية فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، كما تقرر عدم السماح بإجراء العملية الانتخابية في السلطة الفلسطينية طالما بقيت حماس ضلعًا فيها. وأخيرًا، اتُفق على إنشاء طاقم وزاري خاص لفحص الإجراءات أحادية الجانب الإضافية التي يتوجب على إسرائيل اتخاذها ردًا على الخطوة الفلسطينية.

كما وستحاول إسرائيل في الأيام القريبة تأخير، قدر المستطاع، إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اعترافهما بالحكومة الفلسطينية الجديدة. (رغم أن هذه الحكومة لا تُخالف شروط الرباعية الدولية لأنها تعترف بإسرائيل). ورد نتنياهو على ذلك قائلا: ” إن أبي مازن قال اليوم نعم للإرهاب ولا للسلام مما يشكل استمرارًا مباشرًا لسياسة الرفض التي يتبعها. سنبقى ملتزمين بالمسيرة السلمية في الوقت الذي يُحرِّض فيه أبو مازن ضدّ إسرائيل ويتحالف مع منظمة حماس الإرهابية”.

في غضون ذلك، جاء رد اليمين الإسرائيلي بتصريحات قاسية مشددًا على معارضته لحكومة الوحدة الفلسطينية. ووصف وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، الحكومة الفلسطينية الجديدة بأنها “حكومة الإرهابيين ذوي البدلات”، قائلا: “عشرون عامًا بعد اتفاق أوسلو وتسع سنوات بعد عملية الانفصال، والآن تصطدم أجندة الدولة الفلسطينية بجدار الواقع. وإن “حكومة الإرهابيين ذوي البدلات” التي أقامتها كل من حركتي فتح وحماس، المنظمة التي تناشد قتل اليهود هي حكومة غير شرعية. وبناءً على ذلك، قررت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع عدم الاعتراف بها وعدم إجراء أي اتصال معها”.

أما وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، فكان رد فعله أكثر اعتدالا ودبلوماسيًّا، وقال إنه يتوجب على إسرائيل وقف توجيه التهديدات للفلسطينيين واتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع. “نحن نكثر من الكلام، لا حاجة لأن نصرّح تصريحات تجاه حكومة الوحدة الفلسطينية. ولكن، إذا أردنا الرد على إقامتها، فيتوجب علينا العمل وليس الكلام”.

بالمقابل، سُمعت ردود فعل إيجابية في اليسار الإسرائيلي على أداء حكومة الوحدة الفلسطينية اليمين الدستورية. حيث نشرت حركة “السلام الآن” رد فعل رسمي جاء فيه أنه وفي أعقاب إعلان أبي مازن عن أن الحكومة الجديدة ستعترف بإسرائيل وستحترم الاتفاقيات السابقة”، وجاء فيه أيضًا: “تشكل الحكومة الفلسطينية فرصة للتوصل إلى اتفاقية مع جميع الشعب الفلسطيني وسيكون ذلك خطأ تاريخيًّا لإضاعتها”.

من جانبه، هنأ عضو الكنيست بار ليف من حزب العمل على هذه الخطوة قائلا: “وأخير سيكون عنوانًا واحدًا لجميع الفلسطينيين”. كذلك، قال وزير البيئة، عمير بيرتس، إن: “أهمية العملية السياسية هي أهمية استراتيجية لدولة إسرائيل لذا يتوجب اختبار الحكومة الفلسطينية الجديدة من خلال توجهاتها. ففي حال إعلانها عن الاعتراف بدولة إسرائيل وبالاتفاقيات الدولية، فيتوجب اختبار التفاوض معها وعدم إغلاق الطريق أمامها وإلا فإن ذلك سيخدم فقط مصلحة حماس”.

اقرأوا المزيد: 419 كلمة
عرض أقل
سلام الآن (FLASH90)
سلام الآن (FLASH90)

الربيع العربي في منظمات السلام الإسرائيلية

الربيع العربي "يزوّد منظمات السلام بعدد من الفرص لإثارة نقاش جماهيري جديد".‎ ‎لكنّ ذلك مشروط باستعدادها للنظر في المرآة القاسية ولتحديث صورتها النمطية الليبرالية، النيو ليبرالية، العلمانية، الشكنازية، الذكورية، والنخبوية

قبل شهرَين، نشر معهد متفيم، المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، ورقة موقف بحثت في تعامُل منظمات السلام الإسرائيلية مع مفاجأة “الربيع العربي”.‎ ‎وتعتقد الكاتبة، ياعيل باتير، مندوبة منظمة جي ستريت في إسرائيل، أنّ الاختلاف الرئيسي بين ردّ فعل منظمات السلام على ما يحدث وردّ فعل حكومة إسرائيل هو “مقدار بسيط من الارتياب والاستعداد للنظر في التطورات الإقليمية بمنظار إيجابي”.‎ ‎وادّعت أنّ المنظمات، التي سبب وجودها هو تعزيز جدول أعمال السلام والتعاون العربي – الإسرائيلي، قد خشيت من التأثيرات المحتملة لـ “الربيع العربي” على جدول الأعمال هذا.‎ ‎لذلك، فضّلت تجاهل الأحداث، وإبقاء استراتيجية عملها كما هي.‎ ‎وأوصت باتير منظمات السلام الإسرائيلية، التي لم “يُنبت الربيع العربي حتى الآن زهورا جديدة في بساتينها”، بأن تجد طرقًا للتعايُش مع التطورات في المنطقة، سواء كانت تخدم أهدافها الآنيّة أم لا.

وتأتي باتير في الوثيقة بادّعاءات عديدة صحيحة وهامّة.‎ ‎مثلًا، أهمية طرح مبادرة إسرائيلية موازية للمبادرة العربية؛ الحاجة إلى إنشاء تعاون وحوار عربي – إسرائيلي على المستوى المدني عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ تفهّم النقاش حول الحقوق الذي يتصدر موجة الاحتجاجات التي غمرت الدول العربية، وهلمّ جرّا.‎ ‎لكن النقد الذي توجهه إلى منظمات السلام يتسم بالحذر والتهذيب الشديد، حسب رأيي.‎ ‎فالتحليل الأساسي لرد فعل هذه المنظمات على الربيع العربي يتطلب التطرق إلى وجهات النظر التي تحرّكها، طرق عملها، تشكيلتها، والأدوات المهنية والحضارية الكامنة أمامها.‎ ‎في كل هذه الجوانب، يبدو أنّ منظمات السلام الإسرائيلية مُطالَبة بإجراء مراجعة نقدية مريرة ومؤلمة، لا تصحيحات تجميلية طفيفة تقترحها باتير.

فقبل سنوات معدودة، تحدثتُ إلى قيادي في إحدى المنظمات التي تذكرها باتير.‎ ‎سألتُه لمَ منظمات السلام مشبَعة بخريجين ممجَّدين ومُنَمَّقين للعلوم المالية من الجامعات الرئيسية في الولايات المتحدة، كلهم يتحدثون الإنكليزية الرفيعة، لكنّ أقليَّة طفيفة منهم يعرفون شيئًا عن الشرق الأوسط والإسلام، هذا دون أن نتحدث عن القدرة على إدارة محادثة يومية بسيطة باللغة العربية.‎ ‎لم تكن إجابته مقنعة، فقد قال: ثمة القليل من الوظائف والمناصب في منظمات السلام.‎ ‎لكنّ سؤالي كان لمَ يشغل هذه الوظائفَ القليلة أناسٌ معينون، لا غيرهم.‎ ‎تساءلتُ أيضًا لمَ تتنازل منظمات السلام أصلًا عن خريجي دراسات الإسلام، الشرق الأوسط، والعربية في مؤسسات التعليم العالي لصالح أجهزة الدولة، المدنية والعسكرية – الأمنية، التي تُسرّ بضمهم إلى صفوفها.‎ ‎هكذا يتشكل نوع من “تقسيم العمل” الذي يفرض نفسه. فمنظمات السلام تتحدث الإنكليزية الليبرالية، والنيو ليبرالية عادةً، وهي منقطعة كليًّا عمّا يجري في الشرق الأوسط، فيما خريجو دراسات الشرق الأوسط، الإسلام، واللغة العربية يجدون مكانهم في خدمة الدولة.‎ ‎يوفر لهم العمل في القطاع العام الكثير من الفرص لفهم الشرق الأوسط والعربية من وجهة نظر مؤسساتية ومحافِظة قلقة من المخاطر أكثر مما هي مهتمة بالاحتمالات.

لم أتلقَ إجابة شافية.‎ ‎ولا تعزّيني سوى كلمات أرسلها لي عبر البريد الإلكتروني مدير منظمة سلام آخر، يشغل اليوم منصبًا رفيعًا في منظمة دولية، حيث أصرّ على أنه “لا حاجة لمعرفة العربية للتحدّث إلى المصري أو الفلسطيني”!‎ ‎واكتفى المدير نفسه بقدرته على “عقد صفقات” مع واحد بالألف من واحد بالألف من نخبة المجتمع المصري.‎ ‎فهو يتمتع بالاختباء في ظل دبلوماسيين وسياسيين، ذوي نفوذ، “تأثير”، وقوة. ولا يقلقه مطلقًا عجزه عن التحدث إلى العربي العادي بلغته.

هذا هو السبب الأول للمأزق الذي تواجهه منظمات السلام الإسرائيلية حاليًّا.‎ ‎فهي عاجزة عن فهم ما يحدث في الدول العربية دون وساطة اللغة الإنكليزية، وهي عاجزة كذلك عن تحليل الأحداث والتطورات في الدول العربية بعمق دون مساعدة اختصاصيين ومهنيين من الخارج؛ والأسوأ من كل ذلك، لا ندري إلى أي مدى يهمها ذلك أصلا.‎ ‎فمن الممكن إبرام صفقة بالإنكليزية المهنية المصقولة مع عم الزعيم وابن الرئيس!‎ ‎إذا كان الأمر كذلك، فلا.‎ ‎لم يعُد ذلك صحيحًا.‎ ‎فالملوك والرؤساء يُستَبدلون الآن بنخبة سلطوية جديدة، تتحدث العربية وتفكّر بطريقة إسلامية.‎ ‎مَن يمكنه أن يفهمهم في منظمات السلام؟‎ ‎مَن يريد أن يفهمهم في منظمات السلام؟

في مناسبة أخرى، سألتُ دبلوماسيًّا سابقًا، كان ناشطًا في منظمات السلام الإسرائيلية لماذا، حسب رأيه، هناك هيمنة شكنازية، علمانية، وليبرالية (ويمكن إضافة: ذكورية) في منظمات السلام؟ ألا يعتقد أنّ معسكر السلام الإسرائيلي يتعالى على محيطه الداخلي (في إسرائيل) والخارجي (في المنطقة)؟‎ ‎لم يفهمني الدبلوماسي، رجل ذكي ومتعمّق، كاملًا وشعر بالإهانة من الإيماءة.‎ ‎هل أظن، سألني، أنّ الشرقيين، المتدينين، وذوي التوجه المحافظ يُستثنَون عمدًا من هذه المنظمات؟‎ ‎لم تجد هذه المجموعات طريقها إلى منظمات السلام لأسباب مرتبطة بها.‎ ‎في هذه الحالة، يُخيّل لي، شعرتُ بقلة رجاء مرتفعة أكثر من تلك التي شعرتُ بها أثناء النقاش حول مكان “المستشرقين” و”دارسي العربية” في تلك المنظمات.

في ورقة الموقف التي وضعتها باتير، تنتقد تركيبة منظمات السلام، وتعترف بالهيمنة الشكنازية في معسكر السلام الإسرائيلي، بانقطاعه عن الصراع على الهوية الشرقية والعربية في إسرائيل، وبانقطاعه عن الصراع ضد الأنظمة الطاغية والاستبدادية في الشرق الأوسط.‎ ‎وتعترف أيضًا بأنه “بالنسبة لبعض منظمات السلام، فإنّ الانتقال إلى سياسة الصراع ضد الغرب أو النظام الرأسمالي – العالمي بعيد مسافةَ سنوات ضوئية”.‎ ‎لكن في نهاية الأمر، تظنّ أن المنظمات “ليست بحاجة إلى التغيّر، بل لإتاحة المجال أمام مجموعات جديدة لدخولها والتأثير فيها”.‎ ‎يبدو لي أنّ هذه التوصية هي تفويت كبير لفرصة التصحيح الجوهريّ في منظمات السلام.

وتكشف توصيات باتير أنها تقبل النظرة النمطية “الليبرالية” للسلام.‎ ‎ورغم أنها تعترف بأهمية قنوات الاتصال مع عناصر دينية، وإسلامية تحديدًا، فهي تظنّ أن الشراكة الطبيعية لمنظمات السلام هي مع الليبراليين العرب.‎ ‎وهي تتجاهل غياب التمثيل الديني والمحافظ في منظمات السلام الإسرائيلية، وتتغاضى عن كون منظمات السلام هذه، في تركيبتها الحالية، عاجزة عن التواصل مع مجموعات دينية ومحافظة عربية: فهي لا تراهم مُطلقًا، وحتى لو أرادت، ليس لديها الأدوات المهنية والحضارية لفهم هذه المجموعات والتواصل معها.

صحيح أنّ مواقع التواصل الاجتماعي توفّر اتصالا دون وسيط بمجموعات عديدة ومتنوّعة، لكنّ المثالَين اللذَين تذكرهما باتير في هذا السياق هما حملتا: “نحن نحبك، إيران”، و “نحن مع مصر”. ‎‎ ‎هذه الحملات لا قيمة لها بالنسبة للنقاش الجماهيري في مواقع التواصل الاجتماعي بالعربية – سواء من حيث طابعها أو مدى تمثيلها.‎ ‎هل ستنشأ من مجرد حوار باللغة الإنكليزية، جرى مثله الآلاف حتى الآن، “فرصةٌ حقيقيّة لإصغاء مفتوح وفاعل لأشخاص ومجموعات مختلفة”، وفيما بعد “وجهات نظر جديدة وطرق عمل جديدة” بين الإسرائيليين وجيرانهم؟‎ ‎توصي باتير، على سبيل المثال، بتعزيز القوى المعتدلة والليبرالية في الدول العربية، التي تشكل، رغم ضعفها السياسي والانتخابي، “فرصة لتحديد وإقامة علاقات مع قوى جديدة”.‎ ‎فهل يأتي الخلاص من مجرد حوار مع ليبراليين عرب، سبقه الآلاف من الحوارات حتى الآن؟‎ ‎وتقترح البحث عن مصالح مشتركة مع “مثقفين، رجال أعمال، دبلوماسيين سابقين، وما شابه”.‎ ‎فهل يؤدي حوار آخر مع أشخاص من النخبة، جرى الآلاف مثله حتى الآن، إلى إحداث تغيير؟

صدقت باتير في دعوتها منظمات السلام الإسرائيلية إلى إعادة فحص وجهات النظر التي تحرّكها.‎ ‎لذلك، يصحّ السؤال: ألا تحتاج الصورة النمطية الليبرالية، النيو ليبرالية، العلمانية، الذكورية، والنخبوية إلى زلزلة من الأساس، إذا أرادت هذه المنظمات أن تكون أكثر ارتباطًا بالمجتمع الإسرائيلي والمجتمعات المحيطة به؟‎ ‎وتشير باتير إلى هذا التغيير المطلوب، إذ تقول: اعترافًا بأنّ الربيع العربي يعكس أيضًا انقلابًا عُمريًّا في الدول العربية، فعلى منظمات السلام الإسرائيلية أن تندمج في هذا الانقلاب أو “تخلي المكان للاعبين جُدُد يستطيعون فعل ذلك”.

منهجية باتير هي جزء من المشكلة، وكذلك جزء من الحل.‎ ‎فهي تميّز بين منظمات سلام على شاكلة “سلام الآن”، “مبادرة جنيف”، “مركز بيريس للسلام”، “صندوق التعاون الاقتصادي”، “مجلس السلام والأمن”، وبين منظمات حقوق إنسان وحركات نزاع مثل “الشيخ جرّاح”، “هتحبروت – ترابط”، وغيرها لا تتناولها ورقة الموقف.‎ ‎لكنها تشرح لاحقًا أنّ التعامل مع النقاش حول الحقوق، الذي يتصدر الاحتجاجات التي تدفع “الربيع العربي” في الدول المجاورة، فرصة لإقامة ائتلافات إسرائيلية – عربية في شؤون غير سياسية.‎ ‎وهي توصي المنظمات أيضًا “بدعم النضالات من أجل التحرّر والعدالة”.‎ ‎لكنّ التعامل مع نقاش الحقوق والنضال من أجل التحرّر والعدالة يمكن أن يكون موثوقُا به فقط إذا كان إسرائيليا داخليا.‎ ‎لذلك، لا مبرر للتمييز بين منظمات السلام ومنظمات حقوق الإنسان، ولا مبرر لتنكّر منظمات السلام والتنظيمات اليسارية لمنظمات حقوق الإنسان.‎ ‎حان الوقت أن ينزل اليسار الصهيوني من على الجدار “ويشرح كيفية استعداده للنضال من أجل إنهاء الاحتلال والمساواة في الحقوق داخل إسرائيل”.‎ ‎للاحتلال منتقدون كثيرون، من داخل المؤسسة الأمنية أيضًا.‎ ‎ويعتقد بعضهم أنّه يقود إسرائيل إلى حافة الهاوية.‎ ‎فماذا هم مستعدون ليفعلوا ليمنعوا الكارثة؟‎ ‎أليس مطلوبًا هنا تغيير في القالب النمطي؟‎ ‎ألم يحن الوقت لهجر اعتبارات الشعبوية و”الرسمية” لعرض وجهة نظر شاملة وموثوق بها لتعاون في السلام بين إسرائيليين وعرب؟

ويمكن أن يكون تغيير هام إضافي في الصورة النمطية لمنظمات السلام تموضعًا في الواقع، ووقفًا لتوزيع الأوهام على الشعب الإسرائيلي.‎ ‎يمكن أن يزوّد الربيع العربي حاليًّا المزيد من النقاط الإيجابيّة.‎ ‎ويمكن أن يتجسد التغيير الإيجابي الذي يمثّله – سقوط أنظمة الاستبداد والقمع وازدياد قوة المواطن – فقط بعد جيل أو جيلَين من تصوير حياة الشعب قوميًّا، أنظمة قمع أخرى، ازدياد معاناة النساء والأقليات في العالم العربي، وهلم جرا. ‎ ‎قد تكون مخاوف وتشاؤم مواطني إسرائيل وحكومتها منطقية ومبرَّرة.‎ ‎ماذا تستفيد منظمات السلام الإسرائيلية من زرع أوهام بأنّ دولة فلسطينية ستتيح “سلامًا دائمًا ودافئًا أكثر مع كل الشعوب في المنطقة”، أو أنّ الأنظمة العربية الجديدة، التي هي تمثيلية أكثر ومتعلقة أكثر بالشعب، “ستستصعب القيام بهجومات أو حروب خارجية”؟‎ ‎من الأفضل لمنظمات السلام أن تعترف أنها لا تحمل بشارة بالضرورة في هذا الشأن.‎ ‎ليعترفوا بوجود تهديدات، لكن ليشدّدوا على أنّ على إسرائيل إنهاء الاحتلال أولا من أجل مصلحتها، بغض النظر عمّا يقوله العرب.‎ ‎يجدر بمنظمات السلام أن تعتاد من الآن على شرق أوسط أكثر تديُّنًا، أكثر قوميّةً، وأكثر مُحافظةً – بما في ذلك في إسرائيل نفسها – وأن تسأل كيف يمكنها أن تتأقلم معه.‎ ‎يجدر أيضًا الاعتراف بنزاهة أنّ اتفاقًا سياسيًّا يمكن أن يولّد فترة صعبة من عدم الاستقرار، الإحباط، واليأس. لكن يجب الإصرار على أنّ هذا هو الحل الوحيد الذي بإمكانه دفع عملية إنعاش العلاقات بين إسرائيل وجيرانها، وبين اليهود والعرب.

الربيع العربي “يزوّد منظمات السلام بعدد من الفرص لإثارة نقاش جماهيري جديد”، كما تدّعي باتير.‎ ‎لكنّ ذلك مشروط باستعداد هذه المنظَّمات أن تنظر في المرآة المحرجة، وأن تسأل كيف يمكنها أن تعيد تشكيل نفسها لتكون على صلة بإسرائيل والشرق الأوسط المتغير.‎ ‎بكلمات أخرى، حان الوقت أن يعرّج الربيع العربي على منظمات السلام الإسرائيلية أيضًا.

اقرأوا المزيد: 1539 كلمة
عرض أقل
الكنيست الإسرائيلي (Miriam Alster/FLASH90)
الكنيست الإسرائيلي (Miriam Alster/FLASH90)

شالوم: أوروبا منعزلة، لن يكون بمقدورها أن تكون شريكة في المفاوضات

ضجة على الحلبة السياسية في إسرائيل في أعقاب قرار الاتحاد الأوروبي عدم شمل المستوطنات في الاتفاقيات مع إسرائيل

أبدت جهات كثيرة على الحلبة السياسية في إسرائيل، من اليمين ومن اليسار، ردود فعل على ما نُشر هذا الصباح حول قرار الاتحاد الأوروبي غير المسبوق، والذي سيبدأ سريان مفعوله بعد يومين، والقاضي بعدم شمل الضفة الغربية، القدس الشرقية وهضبة الجولان في اتفاقيات التعاون بين الاتحاد وإسرائيل.

وقد كان رد الوزير أوري أريئيل من حزب اليمين “البيت اليهودي” شديد اللهجة إذ قال:” “يجري الحديث عن قرار تشوبه العنصرية والتمييز السافر ضد الشعب اليهودي، والذي يذكرنا بالمقاطعات التي تعرض لها اليهود في أوروبا قبل أكثر من 66 سنة”.

وقد اقترح زميله في الحزب، عضو الكنيست نيسان سلومينسكي، على الاتحاد الأوروبي أن يعالج ما يحدث في سوريا ومصر. على حد أقواله، “في الوقت الذي يشتعل فيه الشرق الأوسط كله، وآلاف الأشخاص يُقتلون كل شهر، أنصح الاتحاد الأوروبي أن يتناول المشاكل الحقيقية في المنطقة.

كما هاجم أعضاء من حزب نتنياهو القرار بشدة، فقد قالت عضوة الكنيست غيلا غمليئيل من الليكود: “ليس الاتحاد الأوروبي هو من يرسم حدود الدولة وليس أي جهة أخرى، بغض النظر عن مكانتها، بل حكومة إسرائيل والكنيست في إسرائيل”.

وقال الوزير سيلفان شالوم أن القرار الأوروبي سوف يضرّ بالجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات بين الطرفين، بدل أن يعود بالفائدة عليها. وقال شالوم: “أعتقد أن أوروبا تثبت كم هي منعزلة، إلى أي مدى هي ليست شريكة كاملة في المفاوضات”. وأضاف “إنهم يسألون دائما لماذا لا يلعبون دورًا أكبر كوسيط، وقلت لهم أنكم لستم وسيطًا عادلا. صحيح أن في الولايات المتحدة من لا يؤيد فكرة المستوطنات، ولكن الأمريكيين قد تخلوا عن فكرة التجميد لأنهم أدركوا أن هذا الأمر لا يزيد ولا ينقص”.

بالمقابل، كانت هناك جهات، في اليسار الإسرائيلية، قد أثنت على القرار. وقد صرحت رئيسة حزب “ميرتس” زهافاه غلئون أن “الاتحاد الأوروبي يصنع معروفًا مع إسرائيل حين يرسم حدودًا لم تنجح حكومة إسرائيل في رسمها. لا يجري الحديث عن مقاطعة إسرائيل، بل عن تمييز بين إسرائيل وبين المستوطنات والاحتلال. القرار هو حصيلة الجمود التام في العملية السياسية ومتابعة البناء في المستوطنات وفي البؤر الاستيطانية. يحصل الآن إعلان الاتحاد الأوروبي، حول عدم قانونية المستوطنات، على تعبير فعلي في سياسته”.

أما في حركة “سلام الآن” فقد صرحوا في رد فعلهم أن “قرار الاتحاد الأوروبي يبعث رسالة واضحة، والعالم لا يعترف بالمستوطنات وهي تتعارض والقيم الديموقراطية الدولية. وتدير حكومة إسرائيل معركة أخيرة ضد المفهوم الدولي بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يجب أن ينتهي. لن تتمكن إسرائيل من إرغام جهات إسرائيلية ودولية على التعاون مع مشروع الاستيطان، الذي يتعارض والمفاهيم القيمية والأخلاقية.

اقرأوا المزيد: 384 كلمة
عرض أقل