في ظل الأزمة المستمرة بين إسرائيل وحماس في غزة، أجري هذا الأسبوع اجتماعا فريدا من نوعه في سديروت. في مركز هذه المدينة الجنوبية التي تطلق عليها حماس صواريخ، اجتمع إسرائيليون قلقون من التفافي غزة وبلدات أخرى لبحث إمكانية التوصل إلى العيش بهدوء في كلا الجانبين.
أثناء المؤتمر، حاول عدد من النشطاء السياسيين، من بينهم أدباء، من التفافي غزة وبلدات أخرى، الإجابة عن السؤالين هل الفصل بين الشعبين يشكل حلا للمشكلة أم هو المشكلة بحد ذاتها، وهل يمكن تخيّل وخلق حيز مشترك بين سديروت وغزة. كانت اللحظة الأهم في الاجتماع عندما صعد الدكتور عز الدين أبو العيش، الطبيب الغزوي الذي اشتهر لأسباب مأسوية عندما مات ثلاثة من بناته إثر تعرضهن للصواريخ أثناء عملية “الرصاص المسكوب” في عام 2008. وصل الدكتور من غزة بشكل خاصّ للمشاركة في المؤتمر.
نظمت حركة “بلاد للجميع”، التي أسسها الصحفي الإسرائيلي، ميرون ربوبورت، والناشط السياسي عوني المنشي، عام 2012، لدفع مبادَرة “دولتان، وطن واحد” التي تدفعها الحركة قدما. وفق رؤيا الحركة فإن أرض إسرائيل/ فلسطين هي وطن مشترك لشعبين – اليهودي والعربي، وكل من تربطه علاقة تاريخية بها، دينية، وثقافية عميقة. يتمتع كل من يعيش في هذا الوطن المشترك، بحقوق متساوية للعيش بحرية، مساواة، واحترام، ويجب أن تستند كل تسوية على ضمان الحقوق”.
https://www.facebook.com/2states1homeland/photos/a.574669029326807/1562991537161213/?type=3&theater
يؤمن أعضاء الحركة أن الحلول المطروحة على الطاولة اليوم من الصعب تحقيقها، وتؤدي بكلا الجانبين إلى طريق مسدود، لهذا يقترحون رؤيا تستند إلى مبادئ جديدة، من الاحترام المتبادَل، المساواة في الحقوق، والتعاون. وفق الرؤيا، بدلا من تقسيم البلاد بين الأردن والبحر، على الشعبين أن يعيشا فيها. أي أنه يجب أن تقام في هذه المنطقة دولتان – “إسرائيل وفلسطين، تكونان مستقلتين وسياديتين، على حدود 1967، تسيطران بشكل تام على أراضيهما، دون احتلال، ودون أن يسيطر أي منهما على الآخر.” كما يؤمن أعضاء الحركة أن الحدود بين هاتين الدولتين يجب أن تكون مفتوحتين وتسمحا بالانتقال الحر لمواطني كلا الجانبين، شريطة أن يتم احترام حقوق كل المواطنين.
قال عضو الحركة، أفي دبوش، الذي يسكن في سديروت، في بداية المؤتمر: “هناك علاقة متينة مع غزة، علاقة تاريخية، ولكن يمكن النظر إليها من أجل المستقبل”. وأوضح الأفكار التي تدعمها حركة “بلاد للجميع”، مؤكدا أن ما يميز رؤيتها هو التعاون بين كلا الدولتين، اللتين ستقومان، وفق أقواله، في الحيز المشترك، من خلال الفصل بحد أدنى، قدر المستطاع. “علينا النظر إلى الواقع، لأننا مسؤولون عن أطفالنا، ونعيش في هذه البلاد. وهذا ما تهتم به الحركة”، قال دبوش.
وتحدث عضو الكنيست، موسي راز، من حزب “ميرتس” عن أهمية هذه النشاطات، التي تجرى في سديروت والتفافي غزة في السنوات الأخيرة. وفق أقواله: “اتهام الجانب الآخر هو الأسهل، ولكن ننسى في الواقع الثمن الذي ندفعه. لا يعرف مواطنون غزة مواطني سديروت والعكس صحيح. يفكر كل جانب أن الجانب الآخر يود قتله، والعكس صحيح أيضا”.
وتحدث دكتور موتي جيجي، رئيس مدرسة الإعلام في كلية سابير، الذي ترعرع في سديروت، عن تجاربه كمواطن في منطقة سديروت في الماضي، متسائلا هل يمكن إقامة حيز مشترك. “يعيش هنا أطفال لا يعرفون واقع آخر، فقد ترعرعوا في واقع لا يحتمل من الخوف، وحالات الطوارئ المتواصلة”، قال جيجي. وأضاف “لا يرى الإسرائيليون والفلسطينيون بعضهم بعضا – ينظرون الواحد إلى الآخر عبر عدسات الكاميرات، الشاشات، البنادق، الكراهية، والخوف”، معربا عن أمله في خلق حيز آخر. “متى سنخلق حيزا خاليا من الحدود؟ كيف يمكن أن نخلق في ظل هذا الواقع حيزا مشتركا دون أن نكون ضحايا فيه؟”، تساءل.
وقال الدكتور عز الدين أبو العيش، الذي يعيش في كندا في السنوات الأخيرة، كيف وجد في كل الحزن الذي يعتريه أملا وقوة لمتابعة النضال من أجل مستقبل أفضل. “لن تعيد الاتهامات بناتي. وصلت من كندا إلى غزة سعيا لتحمل المسؤولية وإحداث التغيير”، قال أبو العيش، مستخدما تشبيهات من عالم الطب الخبير به قائلا: “أنظر إلى الوضع كأنه مرض يجب معالجته، ويحظر علينا اتهام الطرف الآخر. التحدي الأكبر هو ليس التهرب من المسؤولية، بل على كل منا أن يتساءل ما الذي يمكنه القيام به”.
تحدث أبو العيش عن الوضع الخطير الذي يعانيه مواطني غزة، مؤكدا أنه آن الأوان للعمل لأهداف إنسانية وليس لاعتبارات سياسية. “الحرية للجميع، العدل، والمساواة – هذه هي الضمانات لمستقبل السلام”، أوضح. في حديث أبو العيش عن إقامة دولتين يكون لديهما حيز مشترك، قال: “هذا حلم ويمكن أن نترجمه إلى واقع ونعيشه. مَن كان يحلم بأن يتصافح عرفات ورابين؟ ليس هناك ما هو مستحيل. علينا أن نتحلى بالأمل والإيمان وأن نعمل بكل قوتنا لتحقيق الأمل”.
وقال أيضًا: “يعيش الفلسطينيون في ظل الاحتلال، ويعيش الإسرائيليون في ظل الخوف الذي يعتريهم – سواء كان حقيقي أو اصطناعي – والقيادات تستخدم هذه الحقيقة”. أوضح أن هناك جهلا كبيرا في كلا الجانبين قائلا: “لا ينتمي معظم مواطني غزة إلى حماس، لأنه لديهم رغبات جيدة، أمل، طموحات، وأحلام. لديهم أطفال وهم يريدون العيش، الحرية، ومستقبل أفضل”.