“هنا أكثر راحة، أستطيع الضحك بصوت عال”، كما تقول غصون غالية، وهي حلاقة من سخنين اقتنصت استراحة الظهر لديها من أجل تناول الطعام في مقهى النساء في الشارع الرئيسي في سخنين. وتضيف صديقتها سوزان، التي تجلس معها ومع ابنتها الصغيرة حول الطاولة الممتلئة، أنّه في هذا المكان “نشعر بضغوط أقل. هنا أكثر تحرّرا، ليس هناك من ينظر إلينا”. تجلس غالية وسوزان في مقهى “نساء كافيه”، الذي تم افتتاحه في شهر كانون الثاني.
إنه مقهى للنساء فقط ومن شأنه أن يذكرنا بالجمعيات الدينية أو الانعزالية، ولكنه ليس كذلك. تُعرف داليا وسوزان أنفسهما كتقليديات ولكن غير متديّنات. لا يكرهن كلاهما الرجال، ولا صاحبة المكان، ميسون أبو ريا. “في مجتمعنا، وخصوصا هنا في المنطقة، لا يسمح الكثير من الرجال للنساء الخروج إلى المقاهي بسبب هذه الأمور”، تقول أبو ريا التي أقامت هذا المقهى. بحسب كلامها، فإن معظم الرجال، عندما يرون نساء في المقهى، ما زالوا ينظرون إليهن قبل كل شيء كموضوع للجنس، “وليس كنساء في لقاءات عمل أو لمجرّد الهدوء”.
تسعى أسمهان نعامنة، وهي زبونة في المقهى، إلى التأكيد على حقيقة أنّ وجود المقهى في المدينة هو ميزة إضافية، حيث “يوجد أزواج لا يسمحن لنسائهن بالخروج للترفيه خارج المدينة”.
بحسب أبو ريا، فإنّ ثقافة الإسبرسو، التي عمّت المجتمع العربي في السنوات الأخيرة، تخطّت النساء. يمكن أن نرى رجالا يخرجون، بل عائلات، ولكن النساء اللواتي يخرجن للترفيه فهذا أمر آخر. “يشعر الرجال براحة أكبر في الخارج، هم أكثر ضجيجا. النساء أكثر هدوءا بكثير”، كما تقول أبو ريا. تأتي النساء إلى مقهاها، كما تقول، عندما يكنّ في حاجة إلى مكان خاص بهنّ. “هنا يتحدّثن ويضحكن، ولا يتلقّين ردود فعل سلبية. هذا يسمح للنساء كبيرات السنّ أيضًا أن يخرجن – على سبيل المثال: الجدّة مع البنات والحفيدات.
على مدخل المقهى تم تثبيت لافتة تحظر على الرجال الدخول وحدهم. في وسط الأسبوع يعمل المقهى للنساء فقط، ويبقى مفتوحاً أحياناَ حتى إلى ما بعد منتصف الليل. في آخر الأسبوع يكون مفتوحاَ للعائلات. أمر آخر مكتوب على اللافتة وهو أنه يحظر تدخين الأرجيلة. بحسب أبو ريا، كان ذلك ولا يزال أحد الجدالات الكبيرة: “بعض النساء يرغب بالأرجيلة، والبعض الآخر لا يرغب بذلك، ولا يرغب معظم الرجال بأن تدخّن النساء الأرجيلة”، كما توضح. موقفها الشخصي قوي ويستند أيضًا إلى مهنتها الثانية، مربية: “لا يمكنني أن أقول للشباب بأنّها سيئة، ثم أقول لهم، “والله، افتتحنا محلّ أراجيل”.
حتى دون الأراجيل، فإن بعض الاهتمام في المقهى هو بالأنشطة ذات المحتوى: المحاضرات (للنساء، بطبيعة الحال)، أمسيات شعرية وعروض ستاند أب، معارض تتبدّل على الجدران (لنساء، كما قلنا).
تخطت ثقافة الإسبرسو التي عمّت المجتمع العربي النساء (تصوير رامي شلوش/ هآرتس)
وُلد المعرض بعد أن حضرت أبو ريا معرضا في سخنين، والذي كانت “أسماء الفنانين كبيرة، في الخارج، وأسماء الفنانات في الداخل، على لافتة صغيرة. أغاظني ذلك”، كما تقول. “نشرنا نداء سمّيناه “أن أكون أنا”، بهدف جلب النساء من الهامش إلى المركز”.
ولكن الأنشطة المختلفة التي بادرت إليها جلبت معها عددا غير قليل من المعضلات. على سبيل المثال، فالكتب الموضوعة على الرفوف في المقهى، للقراءة أو للاستعارة. في البداية أرادت التركيز على الكتب ولكنها قرّرت التنازل: “حتى لا نزعج النساء الأقل تعليما”، ولأنها تريد أن تشعر كل امرأة بالراحة في مقهاها.
تقول ميسون أبو ريا إنّه في الأسبوع الماضي قدمت إلى المقهى امرأة تعمل بالتنظيف، مع صديقاتها، وفي الجانب الآخر من المقهى جلست طالبة للقب الثاني. “التنوع مثير”، كما تقول. وقد أثار تحديد الأسعار معضلة مشابهة: في البداية أرادت تسعير الوجبات بالأسعار المعيارية أو حتى أكثر بقليل، من أجل بثّ الفخامة، ولكن في النهاية قررت اعتماد أسعار معقولة، “بحيث تستطيع النساء الفقيرات المجيء والجلوس في المقهى”، كما تقول.
بجانب نقطة الاستقبال تقف هبة خليل، في التاسعة والعشرين من عمرها. وهي مسؤولة عن الورديات وأيضا شقيقة صاحبة المكان. درست موضوع المعدّات الطبية وعملت في مستشفى في حيفا، ولكن بحسب كلامها، منذ أن ولدت أولادها، أصبح العمل في المقهى أكثر ملاءمة لها. “إنه ممتع، نساء فقط”، كما تقول وتسارع بالابتسام إلى إحدى الطاولات لتلبية طلب الحضور.
أحد أهداف أبو ريا في إقامة هذا المقهى، باستثناء تقديم مكان ترفيه للنساء، كان أيضًا توفير عمل للنساء في المنطقة، وبالفعل، فإنّ جميع الموظفين في المقهى نساء، باستثناء واحد: الطباخ الرئيسي. يأتي لتكوين قائمة الطعام، ولكن بعد أنّ اتّضح أنّه يصعب على الطباخات العمل في ساعات المساء، بقي في وظيفة المسؤول عن المطبخ. ليس لدى أبو ريا مشكلة مع ذلك: “شعرت بأنه جزء من نجاحنا”، كما تقول، وتوضح كيف أثر جمهور الهدف أيضًا على قائمة الطعام: “تحبّ النساء الدجاج أكثر، فهو طعام لذيذ. لم يكن لوجبات اللحوم نجاح كبير”.
والآن، بعد نحو نصف عام من الافتتاح، يبدو أنّ كل شيء منظّم. تم حلّ المعضلات، المقهى مدهون بعناية باللونين الأرجواني والأبيض، “بروح نسائية”، كما تعرّفه أبو ريا، وفي هذه الأيام بدأت بالترويج لمقهاها أيضًا في بلدات مسغاف، رغم وجود زبونات يهوديات فعلا يأتون من تلك البلدة.
ولكن النجاح لا يمحو الصدمة في البداية، والتي كانت بحسب كلامها غير سهلة إطلاقا. هي بنفسها شخصية غير عادية: في الأربعين من عمرها، أم أحادية المعيل تربي بنتين، تبلغان 14 و 17 عاما، وهي مطلّقة منذ 12 عاما. بالمقابل لإدارة المقهى فهي تعدّ شهادة دكتوراة في دراسات الجندر ومرشدة للتعليم الخاص في لواء الشمال في الوسط العربي. قبل نحو ستّ سنوات أقامت جمعية للأمهات أحاديات المعيل في المجتمع العربي، “إيمانا بأنّ المرأة بإمكانها القيام بكل شيء، ولكن في المجتمع الذكوري لا يسمحون لها”، كما تقول. ليست الصراعات أمرا جديدا بالنسبة لها: “مررت بذلك مع إقامة الجمعية، ولكن لم أكن أتخيل ماذا سيكون حقّا”.
قبل الافتتاح أنشأت مجموعة على الفيس بوك من أجل تسويق المقهى بين النساء، وبشكل مفاجئ لها، وواجهت المجموعة الكثير من المعارضة. كان بعض أشكال التعبير عن المعارضة من نساء كتبن أنّ كل موضوع المقهى هو للتعرف على رجال.
“لمجرّد الاسم – مقهى – جاءت الأفكار السلبية”، كما تقول أبو ريا. بحسب كلامها، فإنّ الرجال أيضًا عارضوا، “كما لو أن ذلك لو كان للنساء فقط، فإنّ هناك شيء غير شرعي فيه. كما لو كنّ يحاولن إخفاء شيء ما”.
ولكن الفيس بوك كان البداية فقط. لاحقا، كما تقول، استيقظ أيضًا رجال الدين في المدينة وبدأوا بطرح الأسئلة عليّ. “أرسل لي الأئمة والمشايخ امرأة كبيرة في السنّ، حاجّة، والتي تعرف المجتمع. طلبت مني الجلوس”، كما تقول أبو ريا. في تلك الفترة كانت تحت ضغوط كبيرة جدا متعلقة بافتتاح المحلّ، ولذلك لم تجد الوقت للقاء مع تلك المرأة، وإنما فقط لمكالمة هاتفية. في تلك المكالمة، كما تقول أبو ريا، “قالت المرأة بأنّهم طلبوا منها الاستفسار. قلت لها أنني أدعو المشايخ والأئمة إلى المقهى، ليروا بأنفسهم”.
حتى في أسرتها لم يمر ذلك بسهولة. تقول والدة ميسون أبو ريا، حورية خلايلة، بأنّهم في البداية عارضوا هم أيضا الفكرة. “قلنا إنّ ذلك غير مقبول. ولكن بعد أن أصرّت، فرحنا ودعمنا. لقد وضعتنا أمام الواقع. هي كبيرة فعلا”، كما تقول الأم.
“في البداية أزعجها العمل النسائي، يهمها قيمة البيت والأسرة”، كما توضح أبو ريا. الأم متدينة، وسوى أبو ريا لديها خمسة أبناء، وبحسب كلامها، ينشط جميعهم في المجتمع بطريقة أو بأخرى. أحد المخاوف التي كانت لديها هي في فترة افتتاح المقهى، حيث إنّ أبو ريا مشغولة جدا على أية حال في التعليم، وقد يكون المقهى مصدر دخل غير مستقر وهناك إمكانية للفشل. رغم المخاوف، تصرّح الأم بأنّها فخورة بابنتها. “لو كنت متزوجة، لم أكن أعتقد بأنني سأصل إلى هذا”، كما تلخص أبو ريا وتنظر بارتياح إلى المقهى، ولكنها تسارع فورا للتوضيح وتسعى للتأكيد على أنها لا تؤيد الطلاق. ولكن، كما تقول ضاحكة، “إذا كان مجتمعنا لا يشجّع الزواج من جديد، فإننا نحاول النجاح في أماكن أخرى”.
تم نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني