زواج المتعة

عالم النساء العراقيات مهمش (AFP)
عالم النساء العراقيات مهمش (AFP)

رحلة في عالم الدعارة العراقي

تقييدات فرص العمل، فقر وقوّادون ينتظرون لحظة الأزمة - النساء في العراق يتدهورن إلى الدعارة ويحاولن البقاء على قيد الحياة في واقع الحرب التي لا تتوقف

“يبدأ ذلك بشابة تأتي وحدها إلى المحطّة المركزية”، كما توضح دلال الروبعيل من “منظمة حرية المرأة في العراق” (OWFI) والتي تساعد النساء اللواتي يمارسن الدعارة. في تلك الدولة الشرق أوسطية، لا تذهب المرأة إلى مدينة غريبة وحدها، عبثا، من دون أن تُحجز لها مسبقا غرفة في فندق أو ينتظرها أحد الأقارب. في دولة كالعراق، فالشابة التي تنزل وحدها من الحافلة وتبدو تائهة تجذب الانتباه. هناك أشخاص ينتظرون تماما مثل هذا النوع من الفتيات: سائق أجرة أو امرأة ودّية، وأحيانا زوجان متزوجان مع نظرة بريئة تعرض عليها مكانا للإقامة.

في دولة كالعراق، فالشابة التي تنزل وحدها من الحافلة وتبدو تائهة، تجذب الانتباه

في هذه اللحظة تقف أمام الفتاة عدة خيارات. الأول هو أن ترفض أن تستقل إحدى سيارات الأجرة باهظة التكلفة في بغداد والبحث عن غرفة في فندق رخيص (والذي تصل تكلفته في حيّ مشتبه به إلى نحو 19 دولاراً في الليلة). ولكن كم من المال تملك الفتاة التي هربت من البيت؟ القليل. كم من الوقت ستستغرق للعثور على عمل؟ الكثير، إذا عثرت أصلا. وصلت نسبة البطالة في العراق إلى 15%، وفقا لأكثر التقديرات تحفّظا، وتعاني النساء بشكل خاص من فرص عمل محدودة. كما تشرح أمينة (اسم مستعار)، التي تقطن في بغداد، “المرأة لا تمشي ببساطة في الشارع وتبحث عن عمل”. وفقا لكلامها، فإذا أرادت العمل هناك أعمال يُسمح لها بممارستها: أعمال بنيكة، أعمال حكومية أو في الأكاديميا. “إذا كانت تفتقد إلى المؤهلات الملائمة يمكنها أن تنظف منازل الجيران”، كما تضيف أمينة، “ولكنها لن تذهب وتطرق أبواب الغرباء”.

حانة في بغداد (تصوير تمار برس، صحيفة هآرتس)
حانة في بغداد (تصوير تمار برس، صحيفة هآرتس)

الخيار الثاني بالنسبة للنساء اللواتي يعانين من ضائقة مالية هو المبيت في الشارع، ومن الواضح أن هذا ليس حلّا جيّدا. عندما تيأس المرأة قد تستجيب إلى دعوة الغرباء، كما فعلت ريما (اسم مستعار) قبل سنوات، عندما وصلت إلى المحطّة المركزية في بغداد، وحدها وهي حامل. بدأت قصتها عام 1991، فترة حكم صدام حسين، حينها كان البشر يختفون أو يُلقون في السجن من دون محاكمة، ومن بينهم كان كلا أخويّ ريما. عندما ذهبت إلى زيارتهما أوضح لها قائد السجن بشكل لا لبس فيه: سيُطلق سراحهما فقط إذا مارست الجنس معه. وإذا رفضت، فسوف يقضيان بقية حياتهما في السجن، وربما يحصلان على حكم الإعدام. كان هذا الطلب بعيدا عن عالم ريما المحافِظ، ولكنها كانت الطريقة الوحيدة أماما لإنقاذ أخويها. ولكن لم تخبر أحدا بذلك بعد أن استجابت إلى طلب القائد. “كانا سيقتلاني”، كما أوضحت، “كانا سيسألان: لماذا مارستِ الجنس معه؟! كنّا مستعدّين للبقاء في السجن وألا تفعلي ذلك!”. فبعد أن جمعها ذلك اللقاء بالقائد تلبية لطلبه، أطلق سراح الأخوين، ولكن ريما أصبحت حاملا بعد أن مارسة العلاقة الجنسية معه. ومن أجل إنقاذ نفسها وألا يقتلها إخوانها، سافرت من البصرة، المدينة التي تقطن فيها، إلى بغداد. التقت في محطة الحافلات في العاصمة بـ “مطربة” دعتها للاستضافة في منزلها. “لقد رتّبت من أجلي عملية الإجهاض”، كما قالت ريما. ولكن بعد فترة قصيرة من ذلك قالت “المطربة” إنّ توفير الطعام والسكن ليسا مجانا، وإذا أرادت البقاء في شقّتها فعليها أن “تعمل” – أن تغني أو ترقص أمام الرجال، وأن تبيع جسدها. فاستجابت لذلك الطلب، لأنه لم يكن أمامها مناص.

وقد أعجبتْ ريما أحد الزبائن، والذي تزوّجها مع مرور الأيام، وبفضله استطاعت ترك عالم الزنا والبقاء في المنزل. في أحد الأيام، بعد عدة أشهر من زواجهما، لم يعد إلى منزله، وحينها فقط كشفت لها أسرته أنّه كان عضوا في الدولة الإسلامية (داعش)، قبل فترة طويلة من تصدّر التنظيم المتطرف العناوين. وقد اعتقلت السلطات زوجها وأُعدمته، وبقيت ريما لوحدها مجدّدا ومن دون القدرة على كسب الرزق، فعادت إلى حياتها السابقة في منزل “المطربة”. “كنت امرأة أخرى في تلك الفترة”، كما تقول ريما، “ضعيفة، ميتة”.

ريما، امرأة عملت بالدعارة في الماضي (تصوير تمار برس، صحيفة هآرتس)
ريما، امرأة عملت بالدعارة في الماضي (تصوير تمار برس، صحيفة هآرتس)

بعد نحو عقد من ممارسة ريما للدعارة اعتقلتها الشرطة. في العراق، تعتبر الدعارة جريمة عقوبتها القصوى هي ستّ سنوات من السجن، وقد قضت ريما خمس سنوات في السجن. بعد إطلاق سراحها وجدت شقّة في أحد الأحياء مع حضور كبير لإحدى الميليشيات الشيعية. لاحظ المقاتلون أن هناك امرأة غريبة تعيش وحدها، وافترضوا أنّها “امرأة سيئة السمعة”. فبدأوا بالذهاب إلى منزلها، لمضايقتها وعرضوا عروض متنوعة عليها. وعندها أخبرت ريما سائق أجرة التقته في الشارع بضائقتها. ولذلك عدها أنه سيساعدها في العثور على شقة بديلة، وأوفى بوعده. وبدأ يغازلها وبعد مرور شهرين عرض عليها الزواج. وهما اليوم متزوجان منذ عشر سنوات.

والآن تكرّس ريما كل وقتها من أجل مساعدة النساء والفتيات اللواتي يمارسن الدعارة. يقلّها زوجها إلى النوادي الليلية في بغداد، حيث يفترضون أنها قوّادة جاءت “لفحص البضاعة” و “شراء الفتيات”. “إذا اكتشفوا الحقيقة سيقتلونني”، كما تقول ريما. عندما تقدّم لها الفتيات في النوادي المشروبات، تُظهر لهنّ رقم هاتف مكتوب على كفّ يدها. لاحقا يتواصلن معها، ويحدّدن معها وقتا ومكانا للقاء، ويقتنصن من أجل ذلك الوقت القليل الحر الذي يُعطى لهنّ “لشراء الملابس الداخلية والأشياء الأخرى”. فتهرّب ريما هؤلاء النساء وتوجّههن إلى أحد الملاجئ في المدينة. هذه الملاجئ ليست قانونية، لأنّه وفقا لرأي الحكومة فإنّ مثل هذه الأماكن تشجّع التصرّفات غير الأخلاقية، لـ “فتيات سيّئات” هربنَ من المنزل وخرجنَ لممارسة الأعمال غير الأخلاقية. تناضل ناشطات جمعية OWFI في هذه الأيام للحصول على رخصة لإقامة ملاجئ من هذا النوع.

صعود الميليشيات

https://www.youtube.com/watch?v=Ro1LR6INzDw

القليل من الميليشيات التي كانت تلاحق ريما كانت موجودة منذ فترة صدام، والذي تميّز حكمه السنّي بقمع الشيعة. قاتلت الميليشيات لأجل حقوق الأقلية الشيعية، وبعد الغزو الأمريكي عام 2003 وسقوط نظام صدام، قامت حكومة مثّلت الغالبية الشيعية. في فترة لاحقة لذلك ازدهرت الميليشيات الشيعية وبلغ عددها نحو 50. عمل بعضها مع الحكومة، وقد أعدم عناصرها أشخاصا من السنة، وفي بعض الأحيان بشكل عشوائي، وأصبحت عمليات الخطف، الاعتداءات، السطو، والنهب شائعة. أصبح السنة أقلية، وأقاموا مجموعات مقاتلة نفذت عمليات في أماكن عامة، حفلات زفاف، جنازات، ومساجد شيعية. انضم بعض تلك المجموعات مع الوقت إلى مظلّة أوسع، والتي شكلت مع الأيام الدولة الإسلامية. في تلك الأيام أصبح العراق ساحة حرب، وباستثناء الاستخدام الكبير للعنف، كان هناك أمر إضافي مشترك بين كلا فريقي المقاتلين: استغلال أجساد النساء كمصدر تمويل.

في موازاة الحرب توسّعت الدعارة على جميع أشكالها، مع عدد لا حصر له من الملاهي الليلية، شقق الدعارة والحانات. تركت المعارك والعمليات الكثير من الأرامل، ووسعت من نطاق الفقر، وعلى هذه الخلفية اضطرّت النساء أحيانا إلى التوجّه بمبادرتهنّ إلى الدعارة. في حالات أخرى زوّج الأهل بناتهم الفتيات من رجال أثرياء من دول الخليج، لأنهم لم يكونوا قادرين على تمويل معيشتهنّ. كانت تلك زيجات “متعة”. استغلّ الرجال زواج المتعة من أجل أخذ نسائهنّ الجديدات إلى ما وراء الحدود الكويتية وبعد فترة قصيرة من ذلك باعوهنّ لبيوت الدعارة في الخليج. بالإضافة إلى ذلك، فقد هرب الكثير من اللاجئين العراقيين إلى الحدود السورية حتى عام 2011، حيث كان المهرّبون هناك يأخذون بعض الفتيات إلى الملاهي الليلية في دمشق. حدث الأمر نفسه مع اللاجئين الذين ذهبوا إلى كردستان العراق.

في موازاة الحرب توسّعت الدعارة على جميع أشكالها، مع عدد لا حصر له من الملاهي الليلية، شقق الدعارة والحانات. تركت المعارك والعمليات الكثير من الأرامل، ووسعت من نطاق الفقر، وعلى هذه الخلفية اضطرّت النساء أحيانا إلى التوجّه بمبادرتهنّ إلى الدعارة

مع الوقت بدأت الميليشيات بالسيطرة على عالم الدعارة، الذي كان يدار في الماضي من قبل نساء مستقلّات استدرجن النساء للدعارة وباعوهنّ لبعضهنّ البعض. ولا تزال تدار الدعارة بشكل أساسيّ من قبل النساء، ولكن في أكثر من مرة يُجبر عناصر الميليشيات مديرات بيوت الدعارة على “إعطائهم فتيات”، ويهدّدون بالإضرار بهنّ وبأسرهنّ إذا لم يفعلوا ذلك. وإذا كان ذلك لا يكفي، ففي بعض الأحيان تختطف الميليشيات نساء وفتيات من أماكن عامة في بغداد، مباشرة إلى بيوت الدعارة، والتي يدفع بعضها للمقاتلين رسوم رعاية مقابل الدفاع عنهم ضدّ الشرطة. بالإضافة إلى ذلك، فرغم أن بعض الميليشيات تكسب من الدعارة، إلا أنّ ميليشيات أخرى تتميّز بالتعصّب الديني، تعمل بعنف ضدّ النساء. في تموز عام 2014، عُثر على نحو 30 امرأة ميّتة في شقة استُخدمت للدعارة في بغداد، مستلقيات على بعضهنّ البعض داخل بركة من الدماء. ترك المهاجمون رسالة على باب الشقة: “هذا هو مصير كل زانية”. حتى اليوم لا يعلم أحد من هو المسؤول عن القتل، والذي نُشرت صوره في الإنترنت وفي وسائل الإعلام حول العالم.

في العراق، تعتبر الدعارة جريمة عقوبتها القصوى هي ستّ سنوات من السجن

بالإضافة إلى الميليشيات، فقد أثّر التطوّر التكنولوجي أيضًا في الدعارة بالعراق. “هناك اليوم أيضًا رجال يجرون اتصالا مع الفتيات عن طريق الفيس بوك”، كما تقول الروبعيل من منظمة OWFI‎. وفقا لكلامها، يقيم الرجال علاقة غرامية افتراضية مع نساء ويقنعوهنّ بالهرب من البيت والزواج منهم. “وهكذا يأتين إلى بغداد وينتقلن للسكن مع رجل”، كما توضح الروبعيل، “مع الوقت يوضح الرجل لـ “صديقته” أنّها إنْ لم “تعمل” من أجله بالدعارة، فسوف يلقيها في الشارع، أو أنّه يؤذيها بطريقة أخرى”. في حالات أخرى، عندما تكون المرأة لا تزال تعيش في منزل أهلها وتخفي عنهم تلك العلاقة، يصوّر الرجل سرّا الممارسات الجنسية التي يقوم بها الاثنان، وبعد ذلك يهدّدها بأنّها لو لم تمارس الدعارة فسوف ينشر مقطع الفيديو.

على هامش عالم الدعارة

عالم النساء العراقيات مهمش (AFP)
عالم النساء العراقيات مهمش (AFP)

في الهوامش الغامضة لعالم الدعارة توجد “الملاهي” – وهي حانات تُستخدم فيها النراجيل. يقع واحد منها في الطابق السفلي من مبنى في بغداد يُستخدم كله للدعارة. “يعلم الجميع ماذا يحدث هنا”، يقول نجيب (اسم مستعار)، “ولكن الشرطة لا تقترب”. السبب هو أنّ الميليشيات تسيطر على المبنى وتأخذ من سكانه رسوم حماية. يعمل نجيب، الحائز على اللقب الأول ولديه ماض في شركة تكنولوجيا فائقة، في ذلك المكان منذ نحو عام. ويقول لزوجته إنّه يعمل في مقهى عادي، ولكن عندما يدخل المرء إلى المكان يكون واضحا لماذا يُستخدم مكان العمل ذلك. فالقاعة مليئة بالرجال الذين يدخّنون النرجيلة، برفقة نادلات يرتدين بناطيل جينز ضيقة وممزقة، أو يكن عاريات ويضعن الكثير من الماكياج. صوت الموسيقى السيء يجعلها مزعجة، ولكن لا يهتم بذلك أحد. “الهدف من وجود الفتيات في الملهى هو أن يشتري الرجال المزيد من المشروب. إنهنّ فتيات يعملن في مجال المبيعات”، كما يقول نجيب ويضيف: “وهناك أيضا فتيات لسنَ جيدات، ويأخذن أرقام الهواتف من الزبائن ويبعنَ أجسادهنّ”.

زُوّجتْ ميساء (اسم مستعار) في سنّ الخامسة عشرة وبدأت بالعمل في ذلك الملهى بعد أن طُلّقت. وهي واحدة من بين الكثير من النساء في العراق اللواتي زُوّجنَ في سنّ صغيرة، واضررنَ إلى الهرب من زوج عنيف وبعد ذلك وجدنَ أنفسهنّ من دون مساعدة. يمكننا أن نعرف عن ظاهرة تزويج الفتيات من دائرة إحصاءات السكان (PRB) وبحسبها فإنّ نحو 25% من النساء في العراق يتزوّجنَ قبل سنّ الثامنة عشرة. وفي الماضي كان هذا الرقم أقل بكثير: وفقا لمنظمة الإحصاءات العالمية، ففي عام 1997، فإن 15% فقط من النساء في العراق تزوّجنَ قبل سنّ الثامنة عشرة. قيل كثيرا عن زيادة نسبة تزويج الفتيات بعد الغزو الأمريكي – وهي نتيجة لانعدام الاستقرار وتزايد الفقر.

تعمل ميساء كمضيفة (تصوير تمار برس، صحيفة هآرتس)
تعمل ميساء كمضيفة (تصوير تمار برس، صحيفة هآرتس)

وفقا لأقوال ميساء، فقد كان زوجها عنيفا واعتاد على تناول المخدّرات، وعندما اشتد الحال في المنزل قررت مغادرته. “قلت لزوجي: “نحن لم نعد بحاجة إلى نقودك، دعني آخذ بناتي وأذهب من هنا فقط”، كما تقول. وافق الزوج على الطلاق وعادت ميساء إلى منزل والدتها. وتوفي والدها قبل زمن طويل، فلم يكن هناك أحد يعيل الأسرة، ومع انعدام مصادر الإعالة، لجأت ميساء للعمل في الملهى. “لا أحبّ العمل هنا”، كما تقول، “الرجال هناك ثملون ومثيرون للاشمئزاز. أريد مستقبلا أفضل من أجل بناتي”. وهي في الوقت الراهن تداعب الرجال في ذلك المكان، تجعلهم يشترون المشروبات وتحلم بفتح صالون تجميل خاص بها. “هناك فتيات يمارسنَ الجنس مع الزبائن بعد العمل، ولكني أحافظ على نفسي”، كما تصرّح.

عملت جينا (اسم مستعار) في الملهى بالماضي. وهي تقول إنّها لم تمارس الجنس مع أي رجل في المكان أبدا، وقد قدّمت المشروبات أثناء العمل فقط. ولكن خلال المحادثة تنهار: “مارست الجنس مع صاحب العمل”، كما تعترف، “لقد ضغط علي ولم يكن لدي مناص. لم يكن عندي مكان أذهب إليه”. لدى تطرقها إلى ذلك، تقول الروبعيل من منظمة OWFI إنّ “ذلك شائع جدا في الملاهي”. وتضيف قائلة “ظاهريًّا، لن تكن الدعارة هدف عملهن، ولكن هناك اسم سيّء لتلك الأماكن، ويحدث فيها الكثير من استغلال الفتيات”. وتقول الناشطة الاجتماعية أيضًا إنّه في أحيان كثيرا يُجبر أصحاب الملاهي النساء على ممارسة الجنس مع أصدقائهم أو زبائنهم، كشرط لاستمرار العمل.

طُلّقت جينا، مثل ميساء، من زوجها قبل أن تبدأ بالعمل في الملهى. وبسبب الطلاق نبذتها أسرتها في ذلك الحين وحتى اليوم، وقد اكتشف إخوتها أنّها حامل وتعمل في ملهى، وسلّموها إلى أيدي السلطات، رغم أنه لم يكن أساس التُهم واضحا. مكثت جينا في السجن وبعد أن أطلق سراحها انتقلت للعيش في ملجأ. وهي تعمل اليوم في عمل مكتبي، وتربّي ابنها. “لقد أصبحت هذه الحادثة المؤلمة شيئا من الماضي”، كما تقول جينا، “لم أعد مرتبطة بالحياة السابقة. كنت أريد أن ألتقي بأمي فقط. لم أرها منذ سنوات طويلة”.

تم نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 1934 كلمة
عرض أقل
حي على جهاد النكاح
حي على جهاد النكاح

الجذور العميقة لجهاد النكاح لدى داعش

الموقف الغامض من ظاهرة الجهاد الجنسي الداعشي في العالم العربي والإسلامي يسمح بازدهار هذه الظاهرة ويؤهلها لتكون معيارية ومشروعة فقهيا

إنّ تأهيل، تشويه وتقييد جسد المرأة المسلمة فقهيا وعمليا هو اشتغال ذكوري قديم جدا، مهيمِن وقهري غالبا. اهتمت “السنة” – وهي التراث الشفهي، المستند إلى تعليمات النبي محمد (صلعم)- بجنسوية المرأة في التقييد أو في السماح، ولكن النبي نفسه اخترع سابقات جنسية خطيرة، غير أخلاقية، على حساب جسد المرأة. أشهرها هو زواج المتعة، والذي تم تقديمه خلال المعارك أثناء احتلال مكة في السنة الثامنة للهجرة. توجه المقاتلون المسلمون، وهم منهكون من القتال وبعيدون عن منازلهم ونسائهم، إلى النبي وطلبوا منه ملجأ جنسيا مؤقتا لتلبية رغباتهم ليستطيعوا الانتصار على كفار مكة. وبغض النظر عن أية سلطة إلهية أو أخلاقية سمح النبي لمقاتليه باتخاذ نساء المتعة لأنفسهم واللاتي ستنسيهم معاناتهم وتعززنَ احتمالهم في مواجهة العدوّ الكافر.

من خلال هذا القرار قد اتخذ النبي سابقة جنسية ولكن أيضًا تشيئا جنسيا للمرأة على مدى المئات من السنين.‎ ‎في العقد الأخير أفتى فقهاء الشريعة، السعوديون بشكل أساسيّ، بأنواع مختلفة من الجوازات الجنسية المشبوهة من الناحية الفقهية والأخلاقية: زواج المسيار (وهو اتفاق لا يلزم الرجل من الناحية الاقتصادية وهدفه الوحيد هو إجازة العلاقة الجنسية)، زواج الفريند (والذي يشبه في أساسه زواج المسيار ولكنه يتعلق بالعازبين/العازبات المسلمين/المسلمات في الغرب)، الزواج العُرفي (اتفاق زواج سري لا يعطي مكانة رسمية وحقوق شرعية ومدنية للمرأة)، زواج المتعة (اتفاق زواج يدفع فيه الرجل للمرأة مبلغا ماليا معيّنا مقابل الزواج لفترة زمنية محددة والتي لا تتمتع خلالها بأية حقوق)، وأخيرا جهاد النكاح.

لا يمكن وصف أنواع الاتفاقات الجنسية هذه وآثارها على جسد ومكانة النساء المسلمات الاجتماعية. ولكن بشكل عام فهي تجعل المرأة شيئا جنسيا تحت تصرف الرجل، وتشجع على الاستغلال الاقتصادي، الاجتماعي والعاطفي للنساء، وتسلب منهنّ حقوقهن الدينية والفقهية. نشأت جميع هذه النماذج من قبل الهيمنة الذكورية في الدول العربية المختلفة وهي تخدم المصالح الاجتماعية، الاقتصادية، والجنسية للرجال.

اندفعت ظاهرة جهاد النكاح لدى داعش إلى الوعي العام الإسلامي والعربي عام 2013، عندما أفتى الشيخ السعودي محمد العريفي في تويتر أنّه يجوز لمقاتلي الجهاد في سوريا، فقهيا، أن يتزوجوا أية فتاة عمرها 14 عاما وما فوق. ولدى انتهاء عدة ساعات من هذا “الزواج”، والذي يهدف إلى تعزيز روح المقاتلين، تنتقل النساء إلى مقاتلين آخرين. دعا بعض فقهاء الدين السعوديين النساء المسلمات، لاحقا لفتوى العريفي، إلى الخروج إلى سوريا من أجل متعة مقاتلي الجهاد.

ولا يُعرف عدد النساء اللواتي استجبنَ إلى هذه الدعوة، ولكن ظهر من الصحافة العربية أنّ النساء ذوات الجنسيات المتنوعة (بما في ذلك الغرب) قد خرجن إلى سوريا. ذكرت رابطة النساء الوطنية التونسية أنّ هناك 100 امرأة تونسية انضممن إلى جهاد النكاح، ورفعت مصادر غير رسمية الرقم إلى 700 امرأة. وذكر رياض بقارة، من رؤساء الحرس الوطني التونسي، أنّ هناك نحو 3000 امرأة من دول مختلفة خرجنَ لممارسة جهاد النكاح في سوريا، وذكر أنّه في مدينة حلب قد افتُتح مكتب رسمي لتجنيد وتوجيه النساء لجهاد النكاح مع مقاتلي داعش. ولا تشمل هذه الأرقام الاغتصاب الجماعي والمنهجي للنساء اليزيديات في العراق من قبل عناصر داعش، أو التقارير عن الفظائع الأخرى في هذه الدولة، مثل شنق 30 امرأة من الموصل بعد أن رفضن الاستسلام لعناصر داعش.

https://www.youtube.com/watch?v=GFCdpii1pAo

وإلى جانب خدماتهنّ الجنسية تعاني نساء جهاد النكاح من اضطهاد آخر: أعمال الصيانة، الطبخ والتنظيف، إدارة معسكرات الجنس لدى داعش وأعمال الدعاية في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف جلب المزيد من النساء للخضوع إلى العبودية الجنسية والخدمة. مديرات معسكرات الجنس، وهنّ نساء قد استبطنَّ الاضطهاد الذكوري ومارسنه على نساء أخريات، هنّ الذراع الشنيع للاستغلال الجنسي. تختلف آراء فقهاء الدين المسلمين كثيرا حول مسألة جهاد النكاح؛ فالمصريون يعربون عن معارضتهم الشديدة في حين أن السعوديين متحمّسون ومؤيدون. في الواقع، فإنّ الكثير من الفتاوى الفقهية تأتي من السعودية، وهي دولة غنية يتوسع فيها فقهاء الدين والأثرياء في الاستعباد واستغلال الدول الإسلامية الفقيرة أيضا في الجوانب الجنسية.

وفيما عدا جهات رسمية، مدنية، ودينية من تونس، لم تدِن أية دولة إسلامية هذه الظاهرة رسميا. إنّ الموقف الغامض من هذه الظاهرة يسمح بازدهارها في أوساط المقاتلين، ولكن الأسوأ من ذلك في أوساط الرجال والنساء العاديين الذين يعتبرونها ظاهرة معيارية ومشروعة فقهيا.‎ ‎توجه الفتاوى الفقهية في العالم الإسلامي مسبقا إلى متعة وعظمة الرجل بواسطة استغلال جسد المرأة.

نشر هذا المقال لأول مرة في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 636 كلمة
عرض أقل
فتيات لاجئات من سوريا (AFP)
فتيات لاجئات من سوريا (AFP)

تحت غطاء الحرب: فتيات سوريات يتحوّلن إلى “بضاعة ساخنة”

السنّ تنخفض مع الوقت، والأسعار تزداد: عرائس سوريات شابات يتحوّلنَ إلى أشياء ثمينة مطلوبة، تبيع أسر اللاجئين بناتها كي تبقى على قيد الحياة

ليس سهلا أن تكون امرأة سورية في هذه الأيام. والحقيقة أنّه ليس من السهل أن تكون سوريًّا إطلاقًا، ولكن الأمر يزداد سوءًا إذا كنت امرأة. في إطار الحرب الأهلية الفظيعة التي تشتعل في البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات، تحوّلت فتيات سوريات إلى “بضاعة” مطلوبة، وتتمّ المتاجرة بهنّ في السوق كما لو كنّ أغراضًا، سواء كانت أسرهنّ هي التي تبيعهنّ للزواج من كل من يدفع أكثر، أو كنّ من المختطفات اللواتي يُبعنَ كرقيق للجنس في سوق العبيد.

نساء وقعن في أسر داعش يعرضن للبيع في سوق الرق
نساء وقعن في أسر داعش يعرضن للبيع في سوق الرق

نساء للبيع

إنّ بيع النساء الشابات للزواج ليست ظاهرة جديدة تمامًا. على مدى سنوات طويلة كانت عادة “المتعة” أمرًا مقبولا في سوريا، وهي الزواج من أجل المتعة، لمدّة زمنية محدّدة ومعروفة مسبقًا. بل تطوّرت حول هذا الموضوع السياحة إلى سوريا، حيث إنّ الرجال من كلّ العالم العربي، من بين دول أخرى: السعودية، دول الخليج، الأردن وحتى فلسطين، جاؤوا لاختيار فتاة شابّة لقضاء أسبوع معها، أو شهرين، من المتعة، مقابل بضعة مئات من الدولارات التي يدفعونها لوالدها. ولكن لا تدعو المصطلحات تخدعكم. يبدو أنّه بالنسبة لأولئك النساء فليس الأمر “متعة” حقّا، والتي بقيت من نصيب الرجل فحسب.

وككلّ بضاعة، كلّما كانت نادرة أكثر، فإنّ السعر يرتفع. ولذلك فكلّما كانت العروس أصغر سنّا، وبالطبع إذا كانت عذراء، فإنّه بإمكان أسرتها جني أرباح أكبر مقابل بيعها. وكما في كلّ مرة، حين تنضمّ الحرب إلى المعادلة، تبدأ السوق السوداء بالازدهار.

منذ أن بدأت الحرب الأهلية السورية، في شهر آذار 2011، أصبح وضع المرأة أسوأ بكثير. بقي آلاف اللاجئين والنازحين دون منزل، مال، طعام، وتحوّلت بنات الأسرة فجأة إلى أشياء ثمينة، وإلى بضاعة مطلوبة في “سوق اللحوم” الذي يُحسن استغلال حالة اللاجئين.

أصبح بيع بناتهنّ للزواج إحدى الطرق الأفضل للبقاء على قيد الحياة: من جهة، فإنّ الأهل يشعرون بأنّهم قلقون لمستقبل ابنتهنّ، التي قاموا ببيعها لرجل ثريّ يحميها ويحرص على حاجيّاتها. ومن جهة أخرى، فليس الأمر أنّهم وفّروا شخصًا واحدًا لإطعامه، بل كذلك يمكّنهم المهر الذي يتلقّونه مقابل الفتاة من كسب الرزق وإطعام بقية أفراد الأسرة، وربما أيضًا إيجاد مأوى أفضل.

 

ثائر سوري يعقد قرانه على خطيبته خلال الحرب (AFP)
ثائر سوري يعقد قرانه على خطيبته خلال الحرب (AFP)

في الظاهر، فإنّ جميع الأطراف قد استفادوا، ولكن في الواقع، بالنسبة للفتيات، فبعضهنّ لا زلن أطفالا، ليس هناك سيطرة على مصيرهنّ، وبالتأكيد ليس لهنّ دور في اتخاذ القرارات. في بعض الحالات تكون الفتيات أنفسهنّ راضيات عن قرار الزواج، فهذا قد يعني إنقاذهنّ من الاغتصاب.

عروس ذات 13 ربيعًا

كلّما استمرّت الحرب، واستمرّت التجارة بالنساء؛ ينخفض سنّ الفتيات، وتزداد قيمتهنّ. المحظوظات منهنّ يتم زواجهنّ من شاب صغير، وأحيانًا يكون هو أيضًا طفل، بينما قد تجد أخريات أنفسهنّ رقيقًا للجنس لرجل كبير السنّ أو عجوز، وأحيانًا جدّ لأحفاد.

نحو ثلث حالات الزواج المسجّلة والتي تمّت في مخيّمات اللاجئين السوريين في الأردن في النصف الأول من هذا العام، قد كان سنّ النساء أقلّ من 18

ويدخل أيضًا إلى كلّ تلك المعادلة، في إطار الحرب، التهديد المستمرّ بالاغتصاب وإساءة المعاملة بشدّة، والتي أصبحت واقعًا يوميًّا رهيبًا في السنوات الأخيرة، سواء في سوريا أو في مخيّمات اللاجئين خارجها. في وسط حياة مزدحم، قذر وفقير، فإنّ النساء، وخاصةً الفتيات، يجدن أنفسهنّ تحت تهديد مستمرّ، وأكثر من ذلك إذا لم يكنّ متزوّجات. من المفترض أن تحظى المرأة المتزوجة بحماية أكبر، من قبل زوجها وأسرته، ويعتبر اغتصابها أخطر من الناحية الاجتماعية.

نُشر في نهاية الأسبوع الأخير في صحيفة نيو يورك تايمز مقالا في الموضوع، والذي يصف – من بين أمور أخرى – خطوبة فتاة ذات 13 ربيعًا فقط، والتي تمّ ترتيب زواجها من ابن عمّها البالغ من العمر 18 عامًا. وصفت الفتاة بأنّها هادئة، نحيفة وخجولة، والتي تخشى أنّها بسبب زواجها لن تستطيع إنهاء دراستها، “ولكن لا أحد يُصغي إليها”.

قاصرة أم عروس؟ لجيئة سورية (AFP)
قاصرة أم عروس؟ لجيئة سورية (AFP)

وفقًا لمعطيات اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، التي وُصفتْ في المقال، فمنذ بداية الحرب في سوريا تضخّم عدد العرائس الصغيرات تضخمًا ملحوظًا، وذلك أساسا بسبب التهديد على أمنهنّ والجانب الاقتصادي. على سبيل المثال، فإنّه في نحو ثلث (32%) حالات الزواج المسجّلة والتي تمّت في مخيّمات اللاجئين السوريين في الأردن في النصف الأول من هذا العام، قد كان سنّ النساء أقلّ من 18، وذلك أيضًا دون حساب عدد الزيجات غير المسجّلة. وللمقارنة، فقد كان الرقم في السنة الماضية 16% وفقًا لمعطيات اليونيسيف (أو 23% وفقًا للسلطات الأردنية).

تبديل خطر بآخر

في بعض الحالات، تترك العرائس اللاتي تزوجن مخيّم اللاجئين مع أزواجهنّ، وهكذا، بالنسبة لشعور الأسرة فإنّها تستطيع أن تضمن لنفسها المستقبل الأفضل كلاجئة، ولكنّ منظمات حقوق الإنسان قلقة بأن تكون الأسر تبادل فقط التهديدات والمخاطر على المدى القصير بأخرى على المدى الطويل، ابتداء من العنف المتزايد داخل الأسر تجاه أولئك الشابات العاجزات، وصولا إلى خطر اختطاف الفتيات والصغيرات من أجل المتاجرة بهنّ في السوق السوداء في الحالات المتطرّفة.

 في وسط حياة مزدحم، قذر وفقير، فإنّ النساء، وخاصةً الفتيات، يجدن أنفسهنّ تحت تهديد مستمرّ

إذا كان الزواج في هذه السنّ المبكّرة مقبولا في الماضي، وخصوصًا في المناطق الريفية والنائية أكثر في سوريا، فقد أصبحت الظاهرة اليوم أكثر قبولا لدى جميع شرائح المجتمع السوري، وأيضًا لدى من يعتبرون في سوريا مرموقين وينالون تعليمًا أفضل، وأصبحوا يشكلون اليوم خيمة أخرى بين عشرات الآلاف من أسر اللاجئين.

لاجئون سوريون في مخيم الزعتري في الأردن (AFP)
لاجئون سوريون في مخيم الزعتري في الأردن (AFP)

تواجه السلطات الأردنية صعوبة في مكافحة الظاهرة، وهناك شكّ إذا كانت معنيّة بالقيام بشيء، وإثارة غضب ما يزيد عن 600 ألف لاجئ تم استيعابهم حتى الآن، والذين يعيشون في ظروف معاناة وحياة صعبة. من ناحية أخرى، فإنّها غير قادرة على فرض القانون داخل مخيّمات اللاجئين الضخمة التي تمّ إنشاؤها فجأة كمدن من الخيام دون بنى تحتية، والفقر، القذارة والجريمة آخذة بالازدياد فيها.

وهكذا تتواصل هذه الدائرة المستحيلة من الزواج بدافع الخوف من الاغتصاب والفقر، والذي لا ينجح دومًا في إنقاذ الأوضاع: قد تجد النساء المتزوجات من مقاتلين الذين عادوا للصراع مع السلطة في سوريا أنفسهنّ أكثر عرضة للخطر. في حالات أخرى تتحوّل النساء إلى ضحايا الاغتصاب والعنف من قبل أزوجهنّ، ولا يملكن دائمًا القدرة على الهرب.

اقرأوا المزيد: 874 كلمة
عرض أقل