اكتسى ملعب “تيدي” يوم الإثنين المنصرم حلّة فاخرة. فقد استضاف صرح كرة القدم المقدسي اللقاء المشحون بين بيتار القدس وهبوعيل تل أبيب. وعلى الرغم من وضع الفريقين البائس في لائحة الدوري، إلا أنّ ما لا يقل عن 30 ألف مشجع صوّتوا بأقدامهم وملأوا المدرجات التي أعيد ترميمها. لم تبلغ المباراة ذاتها مستويات عالية وقد كان هدف “فوليه” الجميل، الذي أحرزه نيسو كبيلوتو، مدافع بيتار القدس, كافيًا لحسم المواجهة في الدقيقة الـ 84. واتصل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بمسؤولي الفريق وهنأهم على الفوز وشكرهم على “هدية عيد ميلاده” التي قدموها له.

شاهدوا كبيلوتو يرفع رجله ويُقفز الجمهور إلى السماء:

إذًا ما الذي أدى بجمهور المشجعين إلى القدوم إلى لقاء ناعس بين فريقين من وسط لائحة الترتيب؟ لماذا هذه المباراة بالذات هي التي أدت إلى ارتفاع نسب المشاهدة في التلفزيون؟ ما الذي يختفي خلف المكالمة الهاتفية التي أجراها ’بيبي’ (المقصود بنيامين نتنياهو)؟ تتعدى الإجابة مجال كرة القدم، وهي تحمل في طياتها دمجًا بين علم الاجتماع، السياسة وكراهية الآخر، التي تشوب المجتمع الإسرائيلي برمته.

منذ تأسيس الفريق عام 1936، مثّل نادي كرة القدم بيتار القدس – بما فيه من لاعبين، إداريين ومشجعين – التيار اليميني في السياسة الإسرائيلية، حتى قبل إقامة دولة إسرائيل، وأكثر بعدها. شكل أتباع حركة “الإتسل”، التي عملت على إنهاء الانتداب البريطاني في أرض إسرائيل، عمادَ النادي. كما ربط حزب الليكود، وهو الوريث السياسي لحركة “الإتسل”, مصيره بفريق كرة القدم. فعلى سبيل المثال، عمل رئيس الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي السابق، روبي ريفلين، رئيسا للفريق خلال السبعينات. وتحت إشرافه، وبالتوازي مع الانقلاب السياسي الذي حدث في إسرائيل في العام 1977 (مع تسلم “الليكود” برئاسة مناحم بيجن زمام السلطة)، حظي فريق بيتار بأول لقب له – كأس الدولة في العام 1976.

اللقاء المشحون بين بيتار القدس وهبوعيل تل أبيب (Flash90/Yonatan Sindel)
اللقاء المشحون بين بيتار القدس وهبوعيل تل أبيب (Flash90/Yonatan Sindel)

وكما كانت الحكومة اليمينية ترمز إلى إنهاء هيمنة أبناء البلاد والقادمين الجدد من أوروبا الشرقية (أشكناز)، رسّخت بيتار في مجال كرة القدم نفسها كبيت للقادمين من الطوائف الشرقية، الذين تم قمع حقوقهم وثقافتهم منذ قيام إسرائيل. تدفق مقدسيون من الأحياء الفقيرة وإسرائيليون من كافة أنحاء البلاد إلى مباريات بيتار، التي أصبحت تُحسَب على حكم اليمين – والتي نُسبت إليها لاحقًا العنصرية وكراهية العرب. بدأت تُسمع في مباريات الفريق هتافات ضد اللاعبين ذوي الأصل العربي والمسلم الذين لعبوا بين صفوف الفرق الأخرى، وقد اهتمت نواة غير قليلة من المشجعين بالتعبير عن معارضتها الصاخبة لإدخال لاعبين مسلمين بين صفوف النادي.

مشجع "لا فاميليا" (Flash90)
مشجع “لا فاميليا” (Flash90)

صحيح أن العنصرية كانت سائدة في مدرجات تيدي منذ التسعينات، إلّا أنه في العام 2005، تمأسست هذه العنصرية مع إقامة منظمة المشجعين “لا فاميليا” (La Familia). في البداية، تعاونت إدارة الفريق مع المنظمة، على الرغم من أنه منذ المراحل الأولى كان معروفًا أن نشطاء فيها قد شاركوا في عمليات عنيفة ضد جماهير أخرى وحتى ضد اتحاد كرة القدم، وشجعوا على العنصرية تجاه المسلمين ودينهم. وقد دعمهم مالك بيتار في حينه، الملياردير الروسي-الإسرائيلي، أركادي غايدماك. ولكن حين حاول اتخاذ خطوات ضدهم، وأحضر إلى إسرائيل لاعبَين مسلمَين من الشيشان، بدأ الهرج والمرج. تحوّل زئور سداييف وجبرائيل كداييف إلى ضحيتين للجمهور العنيف وتم توجيه هتافات معادية ضدهما خلال المباريات.

اللاعبَ المسلمَ من الشيشان، زئور سداييف (Flash90)
اللاعبَ المسلمَ من الشيشان، زئور سداييف (Flash90)

لمزيد الأسف، حين ترك الملياردير الفريق، أضحت صورته سيئة جدًا وموصومة بكراهية الآخر، حتى إنّ رئيس الفريق، إيتسيك كورنفاين، واجه صعوبة في العثور على لاعبين جدد. كان هذا الوضع قائمًا حتى الصيف الأخير، حين سيطر على النادي رجل الأعمال إيلي طبيب.

وها نحن نعود إلى نقطة البداية. الخصومة بين بيتار القدس وهبوعيل تل أبيب أخذت تتعدى حدود الملعب والمدرجات. في الوقت الذي يعتبر فيه المقدسيون أنفسهم ضحايا للمؤسسات ويتعاطفون مع اليمين، ينتمي مشجعو هبوعيل تل أبيب إلى الطرف اليساري في الخارطة السياسية، ويمكننا أن نجد في مباريات الفريق مشجعين ولاعبين كثيرين من أصل عربي، من المسلمين والمسيحيين على حد سواء.

كان طبيب، الذي اقتنى بيتار من غايدماك، حتى الصيف الأخير مالك فريق آخر، وهو ليس سوى… هبوعيل تل أبيب. لم ينجح رجل الأعمال في نيل محبة الجمهور في تل أبيب، ولكنه وجد بيتًا في مدرجات بيتار، وتمكن من إيجاد لغة مشتركة مع أتباع “لا فاميليا”. فهو لا ينتقدهم ولا يتعاون مع الشرطة ضدهم. طبيب، الذي ترعرع في حي فقير في كفار سابا، وهو بالأساس “أندر دوغ” (خاسر)، ولكونه كذلك فهو يتعاطف مع الإحساس بالإجحاف والقمع اللذَين ترعرع عليهما مشجعو بيتار. في مثل هذه الحال، من الصعب أن نتخيل كيف سيتم القضاء على العنصرية والعنف في مدرجات ’تيدي”.

شاهدوا مشجعي بيتار يغنون مفتخِرين بعنصريتهم:

على الرغم من ذلك، يواصل اتحاد كرة القدم النضال ضد التطرف، آملا أن يجتاز الجمهور المقدسي عملية مشابهة للعملية التي اجتازتها جماهير أخرى. إذا كانت العنصرية وكراهية الآخر قد سادت في العقد الأخير في ملاعب كثيرة في مختلف أنحاء البلاد، فإن البرامج التربوية بالتعاون مع جهات حكومية – مثل وزارة الرياضة ومجلس المراهنات في الرياضة – ووسائل الإعلام المختلفة، وكذلك سياسات العقاب الملائمة، قد أحدثت تحسنًا ملحوظًا. تتحول ملاعب كرة القدم المختلفة رويدًا رويدًا إلى مكان يمكن للعائلات أن تؤمه، ويأمل القائمون على هذا الفرع في أن تتغلغل هذه الظاهرة بشكل غير متوقع في القدس أيضًا.

اقرأوا المزيد: 761 كلمة
عرض أقل