تستدعي الحياة المختلطة لليهود والعرب في دولة إسرائيل الكثير من اللقاءات غير الاعتيادية وغير المتوقعة. إذ، ينشئ نسيج الحياة المشتركة، التي يعيش فيها العرب واليهوديات، اليهود والعربيات سويّة، ويعملون ويقضون أوقاتًا معًا؛ حالة تكون فيها علاقة الحب بين شريكين من كلا الطرفين ظاهرة طبيعية وضرورية. وتشيع الظاهرة بشكل خاصّ في المدن المختلطة حيث فرص الاحتكاك بين الشعبين مرتفعة بشكل خاصّ.
ولكن، تعمل الجهات المحافظة من كلا الطرفين بكلّ ما في وسعها من أجل إحباط علاقات الحبّ بين زوجين من العرب واليهود، وخصوصًا بين الفتيات اليهوديات والرجال العرب. وفقًا للتقديرات، فهناك عشرات الأزواج المختلطين الذين يعيشون في إسرائيل. إنهم يعيشون معًا ويبقون في ظلّ جميع الاضطرابات السياسية التي تمرّ بها المنطقة، ويحاولون أن يثبتوا بأنّ الحبّ أقوى من كلّ شيء. ولكن في معظم الحالات، فإنّ الآراء المسبقة التي تحيط بهم تمنعهم من إظهار حبّهم إظهارًا صريحًا.
إبراهيم من لواء جفعاتي
فمثال على ذلك، هو إبراهيم، شاب من أحد الأحياء العربية في القدس والذي لا يمكن الكشف عن اسمه كاملا. فقد درس في مدرسة يهودية، تحدّث العبرية بطلاقة، عمل مع شبّان يهود وتعرّف أيضًا إلى الكثير من الفتيات الإسرائيليات. ولقد تدرّب في صالة رياضية في حيّ يهودي في القدس قرب مكان سكنه، وتعرّف هناك على كيرن (اسم مستعار)، وهي فتاة من أصل يهودي تعيش في نفس الحيّ.
أحبّ إبراهيم وكيرن بعضهما بعضًا سريعًا. وحقيقة أنّها فتاة يهودية، وأنّه شابّ عربي، لم تزعج أيّا منهما. ولكن، كانت المسألة أكثر تعقيدًا بالنسبة لعائلتيهما؛ فقد فضّل والدا إبراهيم أن يرتبط فقط مع فتيات عربيات من حيّه، حيث يمكنه الزواج منهنّ وفق الشريعة الإسلامية.
بالمقابل، أراد والدا كيرن أن تتعرف على شاب يهودي فقط. وكان لدى إبراهيم حلّ؛ حين التقى مع أسرة كيرن فقد عرض نفسه ببساطة باعتباره “آفي” – وهو اسم إسرائيلي، ولإضافة المصداقية قال إنّه خدم في الجيش الإسرائيلي في لواء “جفعاتي”. “أنا آفي من جفعاتي”، هكذا قدّم نفسه.
درويش وريتا
ومن المعروف أنّ الشاعر الوطني الفلسطيني محمود درويش أيضًا كانت لديه علاقة رومانسية مع امرأة يهودية، والتي تخلّدتْ في قصيدته التي تبدأ بـ “بين ريتا وعيوني.. بندقية”. وظلّ السؤال إذا ما كانت “ريتا” نفسها هي امرأة حقيقية دون جواب لفترة طويلة.
محمود درويش (AFP)
وفي الواقع فإنّ “ريتا” في القصيدة هي لها حياة خاصّة بها، بعضها حقيقي وبعضها خيالي، ولكن لا شك أن هناك شيء حقيقي في القصة. حين سُئل محمود درويش عن ذلك، أجاب: “إذا كان يريحك أن أعترف بأن هذه المرأة موجودة، فهي موجودة أو كانت موجودة. تلك كانت قصة حقيقية محفورة عميقًا في جسدي…”.
إنّ شرح درويش لعلاقته مع المرأة اليهودية يفسّر شيئًا عن العلاقة بين الصراع العربي اليهودي، الذي كان يجري على مستوى الأمة، وبين علاقة اليهودية والعربي في الغرفة الخاصة المغلقة: “في الغرفة كنا متحررين من الأسماء، ومن الهويّات القوميّة ومن الفوارق، ولكن تحت الشرفة هناك حرب بين الشعبين” (الكرمل، ع 52، 1997. ص 220).
هكذا الأمر أيضًا بالنسبة لإبراهيم وكيرن؛ لم تكن هناك حاجة للهويّة القوميّة، الدينية أو أي هوية اجتماعية أخرى في العلاقة بينهما، ولكن في الخارج كان على إبراهيم أن يغلّف نفسه بهوية مستعارة، من أجل الإعلان عن حبّهما.
الشرعية العامة
ولكن إذا كان الأزواج المختلطون في الماضي مضطرين للاختباء في الظلام، ففي أيامنا صعد بعض هؤلاء الأزواج إلى خشبة المسرح، وقدّموا تعبيرًا علنيّا عن علاقتهم بشكل ينشئ شرعية متنامية للعلاقات بين شريكين من كلا الطرفين. في برنامج الرياليتي الشعبي “السباق نحو المليون”، الذي فاز بنسب مشاهدة عالية بشكل خاصّ عند الإسرائيليين، تألّق زوجان من قوميتين مختلفتين من المتسابقين: فراس حليحل وشيرا دهان.
ولكن مع ظهور فراس وشيرا المشترك فورًا، سُمعت صرخة ضدّهما. طالب احتجاج في شبكة الفيس بوك بمقاطعة البرنامج الذي يعرض زوجين من قوميتين مختلفتين باعتباره أمرًا شرعيّا: “شعبنا ليس غبيّا ونحن لسنا مستعدّين للانجرار إلى الأماكن المنخفضة التي يجذبوننا إليها”، هكذا كُتب في الاحتجاج.
فراس حليحل وشيرا دهان (علاقات عامة عدي أورني)
تمسكت الشبكة التي تبثّ البرنامج الشعبي برأيها، وأعلنت أنّ “السباق نحو المليون” يفخر بكونه برنامجًا يستهدف الإسرائيليين حول العالم، وعلى هذا النحو فهو يمثّل سكان إسرائيل، على أنواعهم”. واصل فراس وشيرا التمسّك بحبّهما، بل وانتقلا للعيش معًا في مدينة تل أبيب.
وتنتشر ظاهرة الأزواج المختلطين أيضًا في أوساط المشاهير الإسرائيليين. فعلى سبيل المثال، أحبّت الممثّلة والمبدعة دانا مودان خلال تصوير أحد المسلسلات الممثّل قيس ناشف، وحوّل الاثنان الحبّ على الشاشة إلى حبّ حقيقي. أيضًا الممثّل العربي القدير يوسف سويد متزوّج للمخرجة اليهودية ياعيل رونن، ولديهما طفل. لدى سويد رأي سلبي شديد تجاه العرب الذين يحاولون انتحال شخصية يهودي من أجل كسب الفتيات: “إخوتي المنتحلين، أنا أحثّكم، حافظوا على الطابع العربي”، هذا ما كتبه سويد لموقع “والاه” الإسرائيلي، وأكمل: “ارفعوه عاليًا واحملوه بفخر”.
ثمة مثال آخر وهو الممثّل الراحل جوليانو مار خميس، والذي هو بنفسه ثمرة مختلطة كهذه؛ لحبّ صليبا خميس العربي من الناصرة وأورنا مار اليهودية. بل إنّ مار خميس قد دفع ثمنًا باهظا بسبب أصله المختلط وقُتل من قبل مسلّحين فلسطينيين في مدينة جنين، حيث أدار هناك المسرح المحلّي.
مقارنةً بمار خميس الذي كانت أصوله المختلطة معروفة، فإنّ الكاتبة الإسرائيلية كارين أرد، التي وُلدت لأم عربية وأب يهودي، أخفت أصولها وخجلت منها. “حين كان الناس يسألونني عن أصولي كنت أغيّر الموضوع. لم أتحدّث عن طفولتي إطلاقًا. لم يعرف أحدٌ والديّ”، قالت أرد.
ولكن رغم الحرج، كشفت أرد عن سرّها، بشكل قد يشجّع الأزواج المختلطين من اليهود والعرب للكشف عن هويّتهم، وهويّة أبنائهم ثمرة حبّهم. لا يعتبر الأزواج المختلطون في إسرائيل اليوم ظاهرة منتشرة، ولكنهم يتزايدون ويحتلّون المكانة التي تليق بهم في المجتمَع الإسرائيلي.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني