رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)
رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)

قناة في غاية السرية

في الثالث عشر من أيلول عام 1993، تمّ التوقيع على اتّفاق أوسلو في البيت الأبيض. وبدأت المسيرة السرية التي قادت إلى المصافحة بين إسحاق رابين وياسر عرفات قبل تسعة أشهر بلقاء في النروج.

بدأت القناة السرية في أوسلو، عاصمة النروج، في كانون الثاني 1993، وأدارها كلٌّ من يائير هيرشفيلد ورون بونداك، مبعوثَي نائب وزير الخارجية آنذاك، يوسي بيلين.

بادر نائب وزير الخارجية بيلين إلى المحادثات السرية، بدايةً في لندن، ومن ثم في أوسلو. جرت هذه اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر، رغم أنّ اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير كانت ممنوعة قانونيًّا في إسرائيل.

وقال بيلين لاحقًا إنّ وزير الخارجية شمعون بيريس جرى إطلاعه بعد شهرَين فقط من إطلاق القناة السرية بين الوفد الفلسطيني والوفد الإسرائيلي. أمّا رئيس الحكومة رابين فقد أُعلِم بعد ذلك بكثير.

في أيار 1993، جرى ضمّ المدير العام لوزارة الخارجية حينذاك، أوري سافير، للمحادثات السرية ولكن الرسمية. وبعد ثلاثة أشهر، في 20 آب 1993، وقّع سافير سرًّا على إعلان المبادئ إلى جانب أبي العلاء. بعد مرور بضعة أيام، تسرب الخبر إلى الإعلام محدثًا ضجيجًا في العالم.

في 9 أيلول، تبادل رابين وعرفات رسالتَي اعتراف متبادل عبر وزير الخارجية النروجي يوهان يورغن هولست. وجاء في الرسالة الإسرائيلية التي أرسلها‎ ‎‏رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين أنّ إسرائيل‏ تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثّل قانوني وشرعي للشعب الفلسطيني.‎ والتزمت إسرائيل بإلغاء القانون الذي يحظر اللقاء بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والإعلان عن المنظمة تنظيمًا إرهابيًّا.

أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)
أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)

في الرسالة الفلسطينية التي أرسلها رئيس‎ ‎‏منظمة التحرير الفلسطينية‏‎ ‎‏ياسر عرفات، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في أن تعيش بسلام وأمان. قبلت المنظمة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 (الأرض مقابل السلام)، وقرار مجلس الأمن رقم 338 (وقف إطلاق النار خلال 12 ساعة). بالمقابل، أعلنت المنظمة نبذ الإرهاب والعنف، والتزمت بإنهاء النزاع بطرق سلمية. أمّا البند الأكثر أهمية من جهة إسرائيل فكان موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على تقديم تغييرات في بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ليصادق عليها المجلس الوطني الفلسطيني، حيث إنّ هذه البنود تنكر حق وجود إسرائيل.

رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)
رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)

وقال رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي للمحادثات: “إنّ الهدف الأكبر كان ولا يزال إتمام عملية إقامة دولة إسرائيل، التي بدأت في 29 تشرين الثاني 1947 مع إعلان الأمم المتحدة عن التقسيم. أكبر إنجازَين حققهما اتّفاق أوسلو هما الاعتراف المتبادل التاريخي بين حركتَين وطنيتَين – الحركة الصهيونية ممثلةً بدولة إسرائيل، والحركة الوطنية الفلسطينية ممثَّلةً بمنظمة التحرير الفلسطينية، قاتلتا حتى ذلك الوقت الواحدة ضدّ الأخرى في مباراة مجموع نقاطها صفر، أي أنّ انتصار الطرف الواحد يعني هزيمة الآخر. أمّا الإنجاز الثاني فهو الموافقة على أنّ الطريق إلى الحل يكمن في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242، وبكلمات أخرى، تقسيم أرض إسرائيل/ فلسطين إلى كيانَين سياسيَّين – إسرائيلي وفلسطيني”.

في 13 أيلول 1993، أقيمت في حديقة البيت الأبيض، بمشاركة رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، رئيس الحكومة إسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، مراسيم احتفالية للتوقيع على “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”. ووقّع على الوثيقة نفسها باسم إسرائيل شمعون بيريس، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، وكشاهدَين وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر ووزير الخارجية الروسي أندريه كوزيريف. وبعد التوقيع، جرت مصافحة تاريخية بين عرفات ورابين المتردّد، حيث اهتمّ كلينتون بأن يمتنع عرفات عن أن يقوم عرفات، كعادته، بتقبيله أو تقبيل رابين.

اقرأوا المزيد: 468 كلمة
عرض أقل
اتّفاق أوسلو (Vince Musi/The White House/Wikipedia)
اتّفاق أوسلو (Vince Musi/The White House/Wikipedia)

مُصمم السلام توفي

رون بونداك، الذي كان من قادة الطريق لاتفاق أوسلو، توفي في سنّ 59. شارك في السنوات الأخيرة بمبادرات سلام مختلفة

11 أبريل 2014 | 16:00

رون بونداك، الذي كان “مهندس” اتّفاق أوسلو عام 1993، توفي اليوم بالسرطان. كان بونداك، ابن التاسعة والخمسين عامًا في وفاته، وهو أحد دعاة السلام الإسرائيليين الأكثر شهرة.

خدم بونداك في الاستخبارات الإسرائيلية بعدد من الأدوار المختلفة، قبل أن يبدأ بالعمل بصفته صحافيًّا في صحيفة “هآرتس” في السنوات 1991-1992. في وقت سابق، كتب بونداك أطروحته للدكتوراة في جامعة لندن، وكتب الكثير من المقالات والتقارير حول عملية السلام الإسرائيلي – العربي.

من بداية سنوات التسعينات شارك بونداك في قسم من المحادثات السريّة التي أجرتها دولة إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكان بعد ذلك جزءًا من فريق المفاوضات الإسرائيلي المقلّص والذي صاغ اتفاق المبادئ مع منظمة التحرير الفلسطينية، والذي مهّد لـ “اتفاق أوسلو” الشهير.

بعد اتّفاق أوسلو شارك في مبادرات سلام، مجموعات بحثية، لجان توجيهية وفرق عمل روّجت لفكرة السلام الإسرائيلي – العربي، في محادثات مع الفلسطينيين، من بينها، وثيقة بيلين أبو مازن منذ عام 1995 ومبادرة جنيف 2003.

رون بونداك (Miriam Alster/FLASH90)
رون بونداك (Miriam Alster/FLASH90)

حتى وفاته كان بونداك عضوًا في اللجنة التوجيهية التابعة لمبادرة جنيف ولمجموعة AIX، والتي هي مجموعة إسرائيلية – فلسطينية تهدف إلى ربط وتوزيع أوراق موقف لتعزيز النتائج المطلوبة لكلا الجانبين. وقد شغل أيضًا منصب المدير العامّ لمركز بيريس للسلام وغيره من المنظّمات.

كتب بونداك قبل عدّة سنوات أنّ المفاوضات التي أجراها محمود عباس وإيهود أولمرت، باعتباره رئيس الحكومة الإسرائيلية، تقدّمت بشكل كبير. كتب بونداك أنّه قبل استقالة أولمرت في أعقاب لائحة الاتهام التي قدّمت ضدّه كان أولمرت وعباس مقتنعَين أنّه فيما لو كان لديهما بضعة أشهر، كانا سيصلان لاتفاق مبادئ موقّع، ترافقه خريطة للحدود الدائمة النهائية بين الدولتين.

قبل وفاته، ادّعى بونداك أنّ بنيامين نتنياهو وعبّاس لا يستطيعان التوصّل إلى اتفاق سلام. “لا يوجد اليوم أي زعيم من النوع الذي يستطيع اتخاذ قرارات صعبة. لا يستطيع نتنياهو تقسيم القدس، ولا يستطيع عباس التوقيع على الاتفاق”. يعتقد بونداك أنّ أولئك الذين سيستطيعون ربّما في المستقبل أن يصلوا لاتفاق هم يوفال ديسكين وجابي أشكنازي من الجانب الإسرائيلي، ومروان البرغوثي من الجانب الفلسطيني.

نعى بونداك الكثير من السياسيين، ومعظمهم من اليسار في الطيف السياسي الإسرائيلي. أصدرت وزيرة العدل والمسؤولة عن المفاوضات مع الفلسطينيين، تسيبي ليفني، بيان نعي قالت فيه: “هناك أبطال للحرب، رون كان بطلا للسلام. رجل صهيوني آمن بالسلام وسعى إليه حتّى يومه الأخير، سعى إلى المساهمة وتسخير نفسه من أجل تحقيق السلام، دون أن يرتدع من المتطرّفين، من المتهكّمين ومن اليائسين. فليتبارك ذكره”.

اقرأوا المزيد: 361 كلمة
عرض أقل
رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)
رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)

قناة في غاية السرية – أوسلو قبل عشرين عامًا

في الثالث عشر من أيلول عام 1993، تمّ التوقيع على اتّفاق أوسلو في البيت الأبيض. وبدأت المسيرة السرية التي قادت إلى المصافحة بين إسحاق رابين وياسر عرفات قبل تسعة أشهر بلقاء في النروج.

بدأت القناة السرية في أوسلو، عاصمة النروج، في كانون الثاني 1993، وأدارها كلٌّ من يائير هيرشفيلد ورون بونداك، مبعوثَي نائب وزير الخارجية آنذاك، يوسي بيلين.

بادر نائب وزير الخارجية بيلين إلى المحادثات السرية، بدايةً في لندن، ومن ثم في أوسلو. جرت هذه اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر، رغم أنّ اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير كانت ممنوعة قانونيًّا في إسرائيل.

وقال بيلين لاحقًا إنّ وزير الخارجية شمعون بيريس جرى إطلاعه بعد شهرَين فقط من إطلاق القناة السرية بين الوفد الفلسطيني والوفد الإسرائيلي. أمّا رئيس الحكومة رابين فقد أُعلِم بعد ذلك بكثير.

في أيار 1993، جرى ضمّ المدير العام لوزارة الخارجية حينذاك، أوري سافير، للمحادثات السرية ولكن الرسمية. وبعد ثلاثة أشهر، في 20 آب 1993، وقّع سافير سرًّا على إعلان المبادئ إلى جانب أبي العلاء. بعد مرور بضعة أيام، تسرب الخبر إلى الإعلام محدثًا ضجيجًا في العالم.

في 9 أيلول، تبادل رابين وعرفات رسالتَي اعتراف متبادل عبر وزير الخارجية النروجي يوهان يورغن هولست. وجاء في الرسالة الإسرائيلية التي أرسلها‎ ‎‏رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين أنّ إسرائيل‏ تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثّل قانوني وشرعي للشعب الفلسطيني.‎ والتزمت إسرائيل بإلغاء القانون الذي يحظر اللقاء بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والإعلان عن المنظمة تنظيمًا إرهابيًّا.

أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)
أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)

في الرسالة الفلسطينية التي أرسلها رئيس‎ ‎‏منظمة التحرير الفلسطينية‏‎ ‎‏ياسر عرفات، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في أن تعيش بسلام وأمان. قبلت المنظمة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 (الأرض مقابل السلام)، وقرار مجلس الأمن رقم 338 (وقف إطلاق النار خلال 12 ساعة). بالمقابل، أعلنت المنظمة نبذ الإرهاب والعنف، والتزمت بإنهاء النزاع بطرق سلمية. أمّا البند الأكثر أهمية من جهة إسرائيل فكان موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على تقديم تغييرات في بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ليصادق عليها المجلس الوطني الفلسطيني، حيث إنّ هذه البنود تنكر حق وجود إسرائيل.

رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)
رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)

وقال رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي للمحادثات: “إنّ الهدف الأكبر كان ولا يزال إتمام عملية إقامة دولة إسرائيل، التي بدأت في 29 تشرين الثاني 1947 مع إعلان الأمم المتحدة عن التقسيم. أكبر إنجازَين حققهما اتّفاق أوسلو هما الاعتراف المتبادل التاريخي بين حركتَين وطنيتَين – الحركة الصهيونية ممثلةً بدولة إسرائيل، والحركة الوطنية الفلسطينية ممثَّلةً بمنظمة التحرير الفلسطينية، قاتلتا حتى ذلك الوقت الواحدة ضدّ الأخرى في مباراة مجموع نقاطها صفر، أي أنّ انتصار الطرف الواحد يعني هزيمة الآخر. أمّا الإنجاز الثاني فهو الموافقة على أنّ الطريق إلى الحل يكمن في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242، وبكلمات أخرى، تقسيم أرض إسرائيل/ فلسطين إلى كيانَين سياسيَّين – إسرائيلي وفلسطيني”.

في 13 أيلول 1993، أقيمت في حديقة البيت الأبيض، بمشاركة رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، رئيس الحكومة إسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، مراسيم احتفالية للتوقيع على “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”. ووقّع على الوثيقة نفسها باسم إسرائيل شمعون بيريس، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، وكشاهدَين وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر ووزير الخارجية الروسي أندريه كوزيريف. وبعد التوقيع، جرت مصافحة تاريخية بين عرفات ورابين المتردّد، حيث اهتمّ كلينتون بأن يمتنع عرفات عن أن يقوم عرفات، كعادته، بتقبيله أو تقبيل رابين.

اقرأوا المزيد: 468 كلمة
عرض أقل