عقب الإطاحة بالرئيس المصري السابق، محمد مرسي، إندلعت موجة من الهجمات ضد الجيش والشرطة بشمال سيناء أودت بحياة المئات من عناصرهم. وكرد فعلٍ على هذه التطورات، بدأت الحكومة المصرية بإنشاء منطقة عازلة بمدينة رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة من أجل وقف تدفق المسلحين والأسلحة.
قامت قوات الجيش بإنذار الأهالي شفهيا بإخلاء المدينة خلال ٤٨ ساعة، وهو ما اعتبره الأهالي بأنه وقت غير كاف للبحث عن سكن بديل وإخلاء منازلهم. وأعلنت الحكومة المصرية أنها ستقوم بتعويض الأهالي تعويضا مناسبًا عن منازلهم التي فقدوها، ولكنها لن تعوضهم عن الأرض المقامة عليها حيث تعتبر أراضي حدودية عسكرية .
وكمرحلة أولى، قامت الدولة المصرية بتدمير نحو ٦٠٠ منزل يسكنهم ما يقرب من ١١٥٠ أسرة قام بعضها بالنزوح لمدن العريش والشيخ زويد، ونزح آخرون إلى خارج سيناء ، كما قام البعض بإقامة عشش وخيام بالزراعات المجاورة لمدينة رفح. وقال أحد أهالي منطقة رفح، الذي رفض ذكر اسمه، أنهم فوجئوا بعدد من المدرعات وسيارات الجيب العسكرية وشاحنات تحمل كميات من المتفجرات عقب انتهاء المهلة الزمنية المحددة له لإخلاء منزله. “قامت القوات بتفخيخ المنزل وتفجيره عن بعد، وكنا على مقربة منه نشاهده رغم عدم انتقالنا لمكان آخر بديل حيث كان أثاثنا بالشارع المجاور للمنزل. وطلبوا منا التوجه الى مجلس مدينة رفح للتسجيل من أجل تلقي التعويض.”
لم تستغرق المرحلة الأولى ثلاثة أشهر، ثم ما لبث الجيش أن أعلن عن اكتشافه لأنفاق أطول من التي سبق له اكتشافها والتي تقع فتحاتها خارج نطاق ال ٥٠٠ متر ليقرر مضاعفة المنطقة العازلة الى ١٠٠٠ متر، والتي أعلن عن الانتهاء منها في شهر مارس بعد تدمير نحو ١٠٦٩منزلاً . ويزعم العديد من الأهالي أنه سيكون هناك مرحلة ثالثة حيث سيقوم الجيش بزيادة مساحة المنطقة العازلة بحو ١٠٠٠ متر ليكون اجمالي المنطقة العازلة نحو ٢٠٠٠ متر. في حين أن الجيش المصري لم يعلن رسميًا عن المرحلة الثالثة، أعلن المتحدث العسكري أن قوات الجيش قامت باكتشاف نفقًا داخل بئر للمياه بمنطقة العوايضة بقرية الماسورة، الواقعة غرب مدينة رفح والتي تبعد نحو ٢ كم عن الحدود مع قطاع غزة، وقام بتدمير عدد من المنازل المجاورة للنفق في٢٩ مارس ٢٠١٥.
يقول أحد الأهالي النازحين الى مدينة العريش: “لقد فقدنا ليس فقط منازلنا وإنما تاريخنا وتراثنا ومزارعنا ومدينتنا العتيقة التي توارثناها عن أجدادنا ،والتي لم تعد موجودة بالأساس.” ويضيف، “لقد عملنا بالتهريب وكانت معظم المنازل التي تم ازالتها تحتوي على أنفاق بالفعل، لكننا يوما لم نضر بأمن بلادنا ولم نسمح بالدخول لما من شأنه إثارة القلاقل، ثم وقعنا فريسة لأصحاب الأراضي والشقق في العريش حيث ارتفع سعر المتر المربع الواحد من ٤٠٠ جنيه الى ٧٠٠ جنيه عندما علموا أننا من رفح. كما أدفع نحو ١٠٠٠ جنيه ايجارا شهريا حتى استكمل بناء بيتي الجديد…ولقد تلقيت ٦٠٠ ألف جنيه تعويضا عن منزل مكون من ثلاث طوابق كل طابق به شقتان.”
لكن العديد من أهالي رفح ليسوا على دراية بأن هناك غطاءً قانونيا لإنشاء منطقة عازلة تمتد من ساحل البحر المتوسط وحتى البحر الأحمر ، وهو القرار الذي أصدرته وزارة الدفاع بتوقيع المشير عبد الفتاح السيسي ،الرئيس الحالي لمصر، في نوفمبر من العام ٢٠١٢. القرار يقضي بحظر تملك او تقرير حق الانتفاع أو الايجار للأراضي والعقارات في المناطق العسكرية والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية. كما يسمح القرار فقط للمصريين من أبوين مصريين بالتملك وإقامة المشروعات في شبه جزيرة سيناء، حيث يحق لهم تملك الأراضي داخل كردونات المدن، أما المناطق الواقعة خارج كردونات المدن في المنطقة (ج)، فيسمح لهم بالتواجد فيها ولكن فقط مقابل حق الانتفاع دون تملك الاراضي.
أثار القرار حينها غضب العديد من البدو، سكان المنطقه الحدودية، حيث قاموا بتنظيم عدة مؤتمرات ضخمة لمناهضة القرار، وقاموا بدعوة وسائل اعلام محلية وعالمية للضغط على الحكومة. ووجهت دعوة للعديد من شيوخ القبائل البدوية آنذاك من قبل رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع وجمعتهم لقاءات بكل من مرسي، رئيس الجمهورية آنذاك، والسيسي، وزير الدفاع حينها، لكنها لم تسفر عن تغيير على أرض الواقع، ووعد كلاهما السكان بأن يظل الوضع قائما كما هو، أي أنه لن يتم إخلاء المنطقة أو تهجير سكانها، لكن هذا بالضبط ما يحدث الآن في سيناء. الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها لوسائل الاعلام تغطية ما يحدث هي السفر الى قطاع غزة.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع منتدى فكرة