يزور الهند في وقتنا هذا عشرات آلاف الشبان الإسرائيليين. إذا أخذنا بعين الاعتبار أن في إسرائيل نحو 80 ألف شاب في عمر 20 عاما، فيمكن أن نعرف أن نسبة ليست ضئيلة منهم موجودة الآن في الهند وليس في إسرائيل. غالبا، تستغرق زيارة الهند بضعة أشهر حتى سنة، وتصل تكلفتها إلى آلاف الدولارات حيث يدفع مقابلها الشبان الإسرائيليين من أموالهم دون مساعدة ذويهم. بهدف معرفة لماذا ينجذب الشبان الإسرائيليون إلى الهند بشكل كبير، سألنا بعض الشبّان بعض الأسئلة حول تجاربهم الشخصية.
الهند هي شبه قارة كبيرة تتضمن عشرات المدن المختلفة. هناك اختلاف بين شمال الدولة وجنوبها، وكذلك اختلاف بين المدن والقرى من حيث الثقافات المميّزة والمتنوعة. رغم ذلك، المدينة الأولى التي يزورها الإسرائيليون غالبًا في الهند هي دلهي، حيث يعيش فيها نحو 20 مليون نسمة – يشكلون ضعفين ونصف عدد سكان إسرائيل بأكملها.
سافرت روتم ابنة 28 عاما، وهي طالبة جامعية تدرس الطب، إلى الهند قبل عامين وتنزهت فيها لمدة ثلاثة أشهر. “أكثر ما لاحظته في دلهي هو كثرة الأحداث الملفتة للانتباه. فهناك الكثير من الأشخاص في الشوارع، وتحدث أمور كثيرة من حول في كل لحظة. تُسمع الضجة، تنبعث الروائح والمذاقات من كل حدب وصوب. تشكل هذه الظاهرة مصدر صعوبة لدى السائح لاستيعابها دفعةً واحدةً، ولكن من الواضح أن الأمور تسير بتناغم هادئ حيث يشكل جزءا من الحياة فيها”.
شبان إسرائيليون في الهند (هداس هاروش)
“تحدث هذه الظاهرة بسبب التفاعل الإيجابي بين الأشخاص والتكلفة القليلة – فكل شيء رخيص ويكتفي الأشخاص بالقليل عند زيارة الهند”
“تختلف كل الأمور في الهند عما نعرفه. ففي إسرائيل وتيرة الحياة مختلفة. ويمكن في الهند تمرير اليوم بأكمله دون أن نشعر أننا قد خسرنا شيئا ما”، يقول ميخائيل وهو طالب جامعي يدرس القانون وعمره 28 عاما، تنزه في الهند قبل ثلاث سنوات ونصف. “شاهدت إسرائيليين في الهند، وكانوا مصدومين فغادروها سريعا. تختلف الحياة في الهند عن الحياة الغربية التي نعيشها. على السائحين أن يعتادوا على الاكتظاظ، الأوساخ، والفقر. رأيت في دلهي الكثير من الأشخاص يفرشون فراشا في وسط الشارع، يخلعون ملابسهم، ويخلدون إلى النوم. ويتنقل في شوارع المدينة الكثير من القردة بدلا من القطط”.
عادت دورون ابنة 20 عاما من الهند قبل يومين بعد أن قضت فيها أربعة أشهر. فهي تقول إن أكثر ما أعجبها في الهند هو الكثرة. “فهناك الكثير من الأشخاص، ويمكن شراء الكثير من الأغراض بالقليل من المال، وحتى أن كميات الأكل التي قُدِمت لها كانت تبدو كثيرة نسبة لما هي معتادة على تناوله. هناك فائض من الموارد البشرية في الهند، فالعملية التي يقوم بها شخص واحد في إسرائيل ينفذها سبعة أشخاص في الهند. كان يبدو لي كل شيء كبيرا وغير متناسق، بصفتي أعيش حياة غربية”.
لم يكن الموعد الذي اختار فيه كل من روتم، ميخائيل، ودورون السفر إلى الهند صدفة. كسائر الإسرائيليين، فقد اشتراوا بطاقات الرحلة الجوية إلى الهند في نقطة مفترق في حياتهم وغالبا تحدث هذه الرحلة عندما يكون الشبان في العشرينيات من العمر، بعد انتهاء الخدمة العسكرية وقبل الالتحاق بالتعليم الأكاديمي.
مطعم إسرائيلي في الهند تتناول فيه مأكولات الحمص والفلافل (Serge Attal / Flash 90)
سافرت دورون إلى الهند بعد تسريحها من الجيش بهدف “كسر الإطار والانضباط اللذين اعتدت عليهما في الجيش”. أما ميخائيل فقد سافر إلى الهند بعد أن بدأ تعليمه في مجال القانون عندما شعر أنه على وشك الانهيار في ظل عبء التعليم. وسافرت روتم إلى الهند في السنة الثالثة من دراستها الطب، حين كانت مترددة فيما إذا كانت ستكمل تعليمها في هذا المجال أو أنها ستتوقف وتتعلم موضوعا آخر، “فكرت أن الهند قد تساعدني على العثور على طريقة تفكير أخرى وعلى اتخاذ قراري في أمور مُحيّرة”.
كذلك الهنديون لا يظلون لا مبالين عند زيارة الإسرائيليين مدن الهند وقراها. “فهم يهتم جدا بالإسرائيليين، وأصبح وجودنا هاما وملحوظا في مناطق معنية في الهند. تعلم الكثير من الهنديين الذين لم يزوروا إسرائيل أبدا العبريّة أثناء تواصلهم مع المتنزهين الإسرائيليين. هناك في الهند أيضًا شوارع عليها لافتات بالعبرية، وتقدم مطاعم قوائم الطعام باللغة العبريّة”، وفق أقوال دورون. وأضافت أن الإسرائيليين قد فتحوا في الهند مطاعم حمص، طحينة، وفلافل.
بالمقابل، يجلب الإسرائيليون معهم عند عودتهم من الهند تأثيرات الحضارة الهندية التي تصبح جزءا من المشهد الطبيعي الإسرائيلي. جزء من هذه التأثيرات هو مهرجان الطبيعية، إلى ما لا نهاية من الصفوف لتعليم اليوجا والاسترخاء في أنحاء البلاد، وعشرات المطاعم ذات الأسلوب الهندي.
شابات إسرائيليات يمارسن اليوغا (Serge Attal / Flash 90)
ولكن هل يجد الإسرائيليون في نهاية الرحلة إلى الهند ما يبحثون عنه؟ الإجابة نعم لدى جزء من السياح. وفق أقوال الإسرائيليين المتحمسين، فقد مروا في الهند بتجارب ليس في وسعهم خوضها في أي مكان آخر ووجدوا حلا للضائقة التي يشعرون بها. “لقد شعرت بإلهام لممارسة الرسم والإبداع، ولم أشعر به قبل أبدا”. تقول روتم وأوضحت أنها مرت بتجربة روحانية في الهند ما زالت ترافقها حتى وقتنا هذا “شاركت في دورة بوذية مدتها 10 أيام، كانت مليئة بالتعليم والاسترخاء، اللذين يسيران بهدوء تام. لقد غيّرت هذه الرحلة تجربتي الحياتية نحو الأفضل وساعدتني على مواجهة أمور كثيرة في حياتي بشكل أفضل”.
“تختلف وتيرة الحياة كالفرق بين السماء والأرض. وصلنا إلى قرية صغيرة ونائية فاكتشفنا أنه ليست لدينا تغطية شبكة خلوية ولا كهرباء. لو كنا في إسرائيل كنا سنشعر بتوتر، أما في الهند فكانت هذه التجربة رائعة. اتضح لنا أن الكهرباء لم تعمل في القرية منذ شهر قبل أن نصل، وحتى أنه لم يعمل أحد على تصليحها، لأن عدم وجوده لم يؤثر في نمط حياة القرويين الهنود.”
بالمُقابل، هناك من يعتقد أن زيارة الهند تشكل وقت استراحة مؤقت من وتيرة الحياة السريعة في إسرائيل، أو تجربة لذيذة تمر تأثيراتها تدريجيا بعد العودة إلى إسرائيل. “تشكل الهند حلما مثاليا يمكن أن يتم فيها فقط. فالهند دولة يمكن أن يسود فيها الهدوء”، قال ميخائيل وأضاف: “شعرت بوتيرة حياة وجو مختلف. شعرت بهدوء، وقرأت الكتب وأنا مرتاح، لكني عدت لاحقا إلى وتيرة الحياة السريعة في إسرائيل”.
ولكن انتهت زيارة الهند من قبل بعض الإسرائيليين بضياعهم تام. فمعظم السياح الإسرائيليين يستغلون الرحلة إلى الهند لتعاطي المخدّرات، ولكن لا تنتهي هذه التجربة بسلام دائما. إذ يمكث 600 سائح في المستشفيات للأمراض النفسية في إسرائيل كل سنة في أعقاب أضرار استهلاك المخدّرات أثناء زيارة الهند. ويتلقى نحو 2.000 متلقي علاج علاجا في أطر خاصة، بسبب الأضرار النفسية التي تحدث أثناء الرحلة.
هناك مخاطر أخرى في الدولة الكبيرة والفقيرة. إضافة إلى الأمرأض مثل الملاريا واضطرابات المعدة، هناك فوارق أيضا بين الحضارة الهندية والإسرائيلية تؤدي إلى تجارب ليست مرغوبة أحيانا، مثل التعامل مع النساء. “دُهشت من معاملة الهنديين للنساء. لم يكفوا عن النظر إلى الفتيات لدرجة أنهن شعرن بانزعاج ومضايقة. لم أشاهد معاملة كهذه من قبل”، قال ميخائيل. تحدثت روتم من مصدر أول عن التحرشات الجنسية التي مرت بها النساء سواء السائحات أو النساء المحليات. فقالت إن بعض التجارب السلبية التي مرت بها أثناء الرحلة ذات صلة بهذه المشكلة. “هناك الكثير من الرجال الهنديين الذين لا يعرفون أن المرأة مصنوعة من لحم ودم. مرت كل شابة تنزهت في الهند حتى وإن كانت برفقة شريكها بتحرشات صعبة ومُزعجة”.
شابات إسرائيليات يشعلن شمع السبت في ولاية غوا في الهند (Serge Attal / Flash 90)
رغم كل ذلك، لا ينوي الإسرائيليون التنازل عن زيارة الهند. فيزور الكثير منهم الهند، خلافا بالدول الأخرى. “تحدث هذه الظاهرة بسبب التفاعل الإيجابي بين الأشخاص والتكلفة القليلة – فكل شيء رخيص ويكتفي الأشخاص بالقليل عند زيارة الهند”، قال ميخائيل موضحا السبب وفق رأيه الذي يجذب الإسرائيليين ويجعلهم يزورون الهند ثانية.
“تختلف وتيرة الحياة كالفرق بين السماء والأرض”، قال دورون محاولا توضيح سحر الهند “إحدى التجارب التي أتذكرها كثيرا هي أننا صعدنا على جبل بعيد ووصلنا إلى قرية صغيرة ونائية. فاكتشفنا أنه ليست لدينا تغطية شبكة خلوية ولا كهرباء. فرغت بطارية الهاتف الخلوي لدى جميعنا ولمن نعرف التوقيت. لكن لو كنا في إسرائيل كنا سنشعر بتوتر، أما في الهند فكانت هذه التجربة رائعة. طيلة كل الأيام التي قضيتها في القرية، قرأت ورسمت كثيرا، تحدثت مع الأشخاص الذين التقيت بهم كل اليوم وكنا معا كل الوقت. اتضح لنا أن الكهرباء لم تعمل في القرية منذ شهر قبل أن نصل، وحتى أنه لم يعمل أحد على تصليحها، لأن عدم وجود تيار كهربائي لم يؤثر في نمط حياة السكان. في إسرائيل، بالمُقابل، فإن انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعتين يثير جنون الجميع”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني