راشد الغنوشي

الإحواني، الرئيس المخلوع محمد مرسي خلف القضبان (AFP)
الإحواني، الرئيس المخلوع محمد مرسي خلف القضبان (AFP)

الإخوان المسلمون الجدد: الدولة هي الحل؟

تفكُك الدولة في سوريا، السودان، اليمن، وليبيا يخرج الريح من أشرعة حركة الإخوان المسلمين ويدفعها إلى التجمع داخل حدود الدولة وإظهار المسؤولية

في الآونة الأخيرة يظهر الإسلام السياسي علامات الانزعاج الذاتي. هكذا تسير الأمور في حركة النهضة في تونس، وفي حركة الإخوان المسلمين في مصر والأردن. تبنّت حركة النهضة في مؤتمرها قبل نحو شهر، بعد تردد كبير، اقتراح زعيمها، راشد الغنوشي، وهو قبول مبدأ الفصل بين الدين والدولة. منذ ذلك الحين يدعي زعماء الحركات الإسلامية في دول مجاورة أنّ هذا الفصل قد يحدث في أقاليمهم أيضا.

فازت حركة النهضة في الانتخابات الأولى في تونس بعد الإطاحة بالرئيس بن علي. ورغم أنها دعت أحزابا علمانية للدخول في الحكومة برئاستها، فقد طمحت إلى وضع حدّ للعلمانية في تونس. عرّضَت حكومة الغنوشي نفسها أمام الكثير من النقاد في أعقاب الكشف عن الإكراه الديني، العنف وطغيان الغالبية، بل وحتى اغتيال خلايا إسلامية لزعماء سياسيين يساريين وعلمانيين. فشلت الحكومة في تهدئة الأوضاع وتعزيز الاستقرار، وبالطبع في تنفيذ الكثير من وعودها للمواطنين المتمرّدين.

زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (AFP)
زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي (AFP)

جاء قرار الحركة حول فصل الدين عن الدولة بعد خسارتها في الانتخابات العامة قبل نحو عام ونصف.‎ تتميز الحكومة الجديدة في تونس في التوجه العلماني والخطاب المؤيد للفصل التام بين الدين والدولة، كما يليق بـ “دولة متحضرة” – هذا هو حال الائتلاف والأحزاب الجديدة والصغيرة التي تصارع الرموز الدينية التي أورثها حكم النهضة قصير الأمد.

فرضت تونس، ذات التاريخ العلماني، وشريحة سكان المدن القوية والطبقة الوسطى الواسعة والثرية، على حركة النهضة أن تتغير وتلائم نفسها مع الواقع الجديد. وقد رفض الشعب التونسيّ، المنظّم في أحزاب وحركات فكرية متنوعة، قبول حركة تسعى إلى إعادة التاريخ إلى الوراء وتطبيق الشريعة، حتى ولو بصيغة منفتحة ومتطورة. أعرب المواطنون عن معارضتهم العنيدة وربطوا بين الإكراه والخطاب الديني الإسلامي وبين المركزية، الفساد والقمع وكل ما سبق ثورة 2011. والآن أصبحت حركة النهضة حزبا كسائر الأحزاب. وعليها أن تقنع المواطنين ليس بقوة الله وعطفه ولا بقدرة الإسلام أن هو الحل، وإنما بقدرتها الذاتية، كلاعب سياسي يخضع للرقابة، قادر على إحداث تغيير حقيقي يلبي حاجة المواطن التونسي الماسّة.

لم تكشف جميع حركات الإسلام السياسي في المنطقة عن عدم وجود علاقة بين الله وبين الإدارة السليمة للاقتصاد والدولة. أصبحت حركة الإخوان المسلمين في الأردن، في هذه الأيام، في قلب العاصفة وهي على شفا الانقسام إلى ثلاث حركات منفصلة. والآن تُمارس ضغوط كبيرة عليها، من الداخل والخارج، لتتماشى مع دستور النظام الهاشمي، وتعمل كحركة وطنية أردنية وأن تقطع علاقتها مع حركات الإخوان المسلمين في المنطقة، ولا سيما مع حماس. تعكس مبادرة “زمزم” ومبادرة “الشراكة والإنقاذ”، والتي يدعي البعض أن النظام الهاشمي يقف خلفهما، أيضا الضغط الداخلي الذي تُمارسه جهات ذات مناصب متوسطة ورفيعة في الحركة للاندماج في السياسة الأردنية اندماجا كاملا. تتجه الحركة نحو الحسم، ووفقا لأحد التفسيرات فستنقسم إلى ثلاث مجموعات: مجموعتان ذواتا سكان تعود جذورهم إلى عبر الأردن، والذين يقبلون قواعد اللعبة التي حدّدها النظام، والمجموعة الثالثة، المرتبطة بحركة حماس الفلسطينية، ستبقى وفية لمبدأ “الإسلام هو الحل”.

مظاهرات جماعة الإخوان في الأردن (AFP)
مظاهرات جماعة الإخوان في الأردن (AFP)

وهناك جدل صاخب أيضًا داخل الحركة الأم للإخوان المسلمين في مصر. وقد أثارت الضغوط الداخلية والخارجية توترا علنيا وكبيرا بين الدوائر التي تحاول تحويلها إلى حركة سياسية تخضع لقوانين الدولة، وبين دوائر وفية للنهج المحافظ والمتشدّد الذي ينادي بتحويل مصر إلى دولة شريعة، كخطوة أولى في الطريق نحو إقامة الخلافة الإسلامية في المنطقة. ومن الواضح أنّه لا ينبغي فصل هذه الضغوط عن حملات الملاحقة وقمع نظام السيسي لحركة الإخوان المسلمين.

أثار السعي نحو سياسة الاستبداد في مصر في سنة حكم الرئيس مرسي مجددا الشعب المصري والنخب الخائفة وأخرج نحو 25 مليون شخص للاحتجاجات في الشارع. إنّ الشعور بالخطر والذي شعر به الأردنيون على ضوء “مناورات” الإخوان المسلمين في المملكة في الأشهر الأولى من الربيع العربي شوّش قدرتها على العمل في المجال السياسي ومع السلطات. ولكن الفظائع التي ضربت المنطقة تركت أيضًا طابعها على هذه الحركة الشرق أوسطية، بعد أن أصبحت بعد الربيع العربيّ وبفضله لاعبا رئيسيا في المنطقة.

للوهلة الأولى، كان يبدو أنّ الإخوان المسلمين يلمسون النقطة الأكثر حساسية في التاريخ العربي. إن تفكُك الدولة في سوريا، السودان، اليمن وليبيا أخرج الريح من أشرعة حركة الإخوان المسلمين ودفعها إلى التجمع داخل حدود الدولة وإظهار المسؤولية. وقد خرج بقية اللاعبين أيضًا، بطبيعة الحال، للدفاع عن مصالحهم على ضوء الفظائع، مع الحرص على إطار الدولة كأساس للسياسة، مما يعارض، على الأقل، أيديولوجيا، نهج الإخوان المسلمين. أثار الظهور التهديدي للإسلام المتطرف العنيف في المنطقة في حركات الإخوان المسلمين أيضًا الحاجة إلى تمييز نفسها عنه من خلال الحوار واستعدادات مختلفة.

يعتقد خبراء عرب يتابعون الإسلام السياسي في الشرق الأوسط أنّ التغييرات في حركة الإخوان المسلمين في المنطقة قد تدلّ على تغييرات عميقة في تطوّرها. ولكن يُمكن اعتبار هذه التغييرات على أنها براغماتية ومطلوبة على ضوء التجربة العملية لتنظيمات الإخوان المسلمين في دول المنطقة. فإنّ اختبار التنظيمات السياسية ليس بكتاباتها وأفكارها وإنما بأفعالها واسقطاتها. يتضح أيضًا أن الحركة الجماهيرية التي تدعي العلاقة مع الله تتصرف كآخر التنظيمات السياسية على الأرض: بداية بالتجربة والخطأ، وأيضا سقوطها وتغييراتها بالتجربة والخطأ.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 749 كلمة
عرض أقل
مظاهرات في شوارع تونس (AFP)
مظاهرات في شوارع تونس (AFP)

زهرة “الربيع العربي” الوحيدة

فهم راشد الغنوشي، زعيم الحزب الإسلامي في تونس، ما لم يفهمه زملاؤه في مصر: من الأفضل التسوية مع المناوئين العلمانيين بدلا من أن نملي عليهم قواعد اللعبة السياسية

لذلك بإمكان تونس أن تبدأ بمعالجة اقتصادها المدمّر، بينما تئنّ مصر تحت ظلم الحكم العسكري.

“نحن لسنا ملائكة. نحن نريد قوة، ولكننا نعتقد أن الدستور الديمقراطي أهم لتونس”، هذا ما قاله راشد الغنوشي، زعيم الحركة الإسلامية – النهضة، في محاضرة ألقاها بواشنطن خلال جولته في العاصمة الأمريكية.

كان واضحًا من سلسلة الخطابات التي ألقاها في الولايات المتحدة أن الغنوشي ينظر إلى بلاده من زاوية رؤية تاريخية: “يمثّل دستورنا حلم الإصلاحيين الكبار في القرن التاسع عشر، الذين سعوا إلى دمج قيم الإسلام مع قيم الديمقراطية”، تصنع تونس التاريخ، وفقًا للغنوشي، وتنفذ برنامجًا سياسيًّا توقف لأكثر من مئة عام بسبب تدخّل الاستعمار من الخارج والمستبدّين من الداخل. وأهمّ من كلّ شيء، أنها تثبت إمكانية دمج المبادئ الإسلامية مع المبادئ الديمقراطية.

والسبب في أنّ تصريحات الغنوشي مقنعة ليس في الكلمات الظاهرة في الدستور الذي يفخر به وإنما في حقيقة أنّه من أجل الوصول إلى صيغة متفق عليها للدستور، تمكّنت التيارات الإسلامية والعلمانية في تونس من إيجاد حلّ وسط فيما بينها.

السيد راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي في تونس (AFP)
السيد راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي في تونس (AFP)

والفرق الملحوظ بين تونس ومصر هو أنّ الإسلاميين في تونس أدركوا القيود المفروضة عليهم ووافقوا على التنازل عن مواقع السلطة، مع علمهم بأنّها ستقع في يد ممثّلي التيارات العلمانية. إن التفاهم حول الدستور المتفق عليه، وإنْ كان ليس كافيًا تمامًا بالنسبة للإسلاميين، فهو مهمّ لتونس وللإسلاميين أنفسهم أكثر من بعض البنود التي تعزّز سيطرة الإسلام على الدولة، وهذا هو مصدر القوة لتونس والسبب في أنّ هناك أساس في الواقع لتصريحات الغنوشي. وقد فهم زعماء النهضة جيّدًا بأنّه في النظرة التاريخية، الأهمّ أن تثبت للعالم كلّه بأنّ الإسلام والديمقراطية قادران على التعايش بدلا من الإصرار على قوانين مصدرها القانون الإسلامي التقليدي (الشريعة).

وكما يتناسب مع الاعتبارات العملية التي اتّسمت بها النهضة في السنوات الثلاث الأخيرة، والتي تحوّلت فيها من حركة إسلامية إلى حزب سياسي واندمجت في الساحة السياسية في تونس، فقد أعلنت النهضة بأنّها لن تطرح مرشّحًا في الانتخابات الرئاسية، وتنازلت بذلك مسبقًا عن موقع القوة الأهمّ في تونس. وذلك بخلاف مصر، حيث أعلن فيها في الشهور الأولى من “الربيع العربي” الحزب الإسلامي الرائد، “الإخوان المسلمون”، تصريحًا مشابهًا – رغم تراجعهم عنه فيما بعد – وفاز الحزب في الانتخابات، وفي نهاية المطاف أيقظ غضب الجماهير وتم عزله من الساحة السياسية بيد الجيش. وسنعلم قريبًا إذا ما كان في نيّة زعماء النهضة أن يقوموا بعملية مماثلة لما قام به “الإخوان المسلمون” في مصر أو إنّهم سيتنازلون فعلا، في الوقت الراهن، عن موقع القوة الأكبر في تونس.

احتفالات في تونس بمناسبة ثلاث سنوات لإطاحة بن علي (AFP)
احتفالات في تونس بمناسبة ثلاث سنوات لإطاحة بن علي (AFP)

يسود الهدوء النسبي في تونس (بالمقارنة مع دول أخرى مرّت بتجربة “الربيع العربي”) وقد اتّضح في الأسبوع الماضي حين أعلن الرئيس منصف المرزوقي، ممثّل التيار العلماني، عن إلغاء حالة الطوارئ في البلاد. ووفقًا للقانون في تونس، فإنّ الإعلان عن حالة الطوارئ يُمكّن السلطات من منع التجمّعات، فرض الرقابة على وسائل الإعلام، إلغاء الفعاليات الفنية بل وحتى تتبّع السيّاح. في السنوات التي سبقت “الربيع العربي” أعلن الرئيس زين العابدين بن علي حالة الطوارئ مرّات عديدة. بعد اندلاع “الربيع العربي” استمرت تونس في حالة الطوارئ بسبب أعمال الشغب والصراع العنيف ضدّ قوى الجهاد. في هذا الأسبوع فحسب، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، يثق قادة تونس بأنفسهم جيّدًا بحيث ألغوا حالة الطوارئ وأعادوا الجنود، الذين كانوا يقومون حتى الآن بدوريات في المناطق المدنية، إلى معسكرات الجيش.

وفضلا عن الثقة بالنفس التي تعكسها، فإنّ لهذه الخطوة آثار اقتصادية كبيرة، حيث إنّها إشارة إيجابية للمستثمرين التونسيين بل وحتى المستثمرين من الخارج، وستساعد أيضًا في انتعاش صناعة السياحة؛ وهي مصدر الدخل الرئيسي في اقتصاد البلاد، والذي تضرّر بشدّة في أعقاب “الربيع العربي”. ويدلّ إلغاء حالة الطوارئ على أنّ تونس تستعدّ للخطوة التالية في الانتقال من الدكتاتورية إلى الديموقراطية: التعامل المباشر مع مشاكل الاقتصاد المنهار، وهي القضية المؤلمة في معظم البلدان العربية (في الواقع في جميعها، باستثناء الدول التي تتمتّع بدخل النفط).

يبدو أنّه على الرغم من ارتفاع العنف في تونس عام 2013، وربما بسبب تراكمه في هذا العام بالذات، قرّر زعماء التيارات المختلفة، وعلى رأسهم زعماء الإسلام المعتدل، التنازل لخصومهم السياسيّين عن مواقع القوة والتوصّل إلى تسوية من شأنها أن تحدّد قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية الجديدة وأن تتوجه أخيرًا لمعالجة الصعوبات الحقيقية في المجتمع التونسي.

تم نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think

اقرأوا المزيد: 641 كلمة
عرض أقل

الغنوشي: الطائفة اليهودية جزء لا يتجزأ من الشعب التونسي

اعتبر راشد الغنوشي رئيس حركة “النهضة” الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس أن الطائفة اليهودية هي “جزء لا يتجزأ” من الشعب التونسي