أدى انهيار سوريا إلى نزوج أكثر من عشرة مليون سوري من منازلهم، وقد بقي معظمهم داخل حدود سوريا بينما غادر بعضهم البلاد. يستمرّ اللاجئون السوريون بالتدفّق إلى أوروبا ولكن بشكل أساسيّ إلى الدول المجاورة – الأردن، مصر، لبنان، السعودية وتركيا – بينما فقدوا كافة ممتلكاتهم وأصبحوا منكوبين. تم توجيه معظمهم إلى أماكن عيش قائمة وغير مستقرة وكذلك إلى معسكرات اللجوء الجديدة التي أقامتها الدول المستضيفة من أجلهم، بشكل عام في المناطق الحدودية، وهم يعتاشون على المساعدات الدولية التي توفر حاجياتهم الأساسية فحسب.
نحو ثلاثة أرباع اللاجئين السوريين في دول المنطقة هم من النساء. وفقا لبيانات UNICEF، قدمت المنظمات الدولية حتى الآن فقط ربع مبلغ التزامها تجاه اللاجئين السوريين، مما يجعل الميزانية اليومية مبلغا صغيرا يصل إلى نحو 3.2 دولار للاجئ (وفقا لبيانات مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة). يعتمد نحو ربع عائلات اللاجئين في كسب الرزق على النساء، وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنّ واحدة فقط من بين كل خمس نساء تحصل على أجر مقابل عملها، حيث إنّ معظم الأسر، ولا سيما في لبنان، تقع تحت خطّ الفقر. فضلا عن ذلك، فالمساعدات الإنسانية للاجئين ترتكز على بقائهم المادي، يوميَّا. وليس هناك ما يضمن للنساء السوريات الأمان، وهذه هي المشكلة الكبرى التي تعترض طريقهن، كذلك ليس هناك الأساس التعليمي والمدني الجيد من أجل حياتهنّ المستقبلية.
أدى انهيار سوريا إلى نزوج أكثر من عشرة مليون سوري من منازلهم
لا تسمح المساعدات الإنسانية، ولا المكانة، المقدمة إلى اللاجئات السوريات في الدول المستضيفة أن يعشن حياة كريمة. فقد معظمهنّ الرجال الذين يعيلون الأسرة؛ الأزواج، الآباء والإخوة. والتحدي الذي يقف أمامهن صعب جدا: لاجئات يفتقدن إلى المكانة والحقوق، وعليهن إعالة أسرهن لوحدهنّ، ولا يحظين بالحماية الرجولية، ومصيرهنّ مرهون بأيدي أصحاب القوة والسلطة. وهكذا أصبحنَ فريسة سهلة للرجال، ولا سيما، في دول الخليج، مما أدى إلى ازدهار ظاهرة زواج السترة أو زواج المتعة: استغلال النساء السوريات تحت ذريعة دعمهنّ وحمايتهنّ.
ينبع هذا “الزواج” من الرؤيا المجتمعية – الدينية السائدة والتي تشير إلى أن العلاقة الزوجية فقط هي القادرة على حماية المرأة، وليس، على سبيل المثال، المؤسسات الاجتماعية، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تدعم النساء، وتحديدا، النساء المعرّضات إلى ضائقة. إن نطاق هذه الظاهرة بين اللاجئات السوريات ليس واضحا، ولكن تتحدث منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام عن حوادث ليست قليلة مثل هذا “الزواج” في أماكن عديدة، ولا سيما، في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن. وفقا لبيانات المجلس القومي لحماية المرأة في مصر، ففي عام 2013 وحده تزوجت 12 ألف سورية زواج مثل هذا. وظهر من تقارير الأمم المتحدة أنّ نحو أربعة آلاف امرأة سورية تزوجت من رجال أتراك، وأنّه في نحو ثلث الزيجات في تركيا عام 2014 كانت العرائس فتيات سوريات تحت سنّ الثامنة عشرة. وبيانات منظمة save the children أكثر مقلقة: نحو نصف اللاجئات السوريات اللاتي يتزوجن يتم زواجهن من رجال يكبرنهنّ بعشر سنوات، ونحو ربعهنّ لم يصلنَ بعد إلى سنّ الثامنة عشرة.
هذه الظاهرة شائعة جدّا في الدول المستضيفة للاجئين السوريين إلى درجة أنها منظّمة جيّدا. أقيمت على الحدود التركية – السورية مكاتب ارتجالية للزواج من اللاجئات السوريات، وفي ليبيا تعمل مكاتب لاستيراد النساء السوريات، في مصر يتوجه الرجال إلى المساجد ويقدّمون طلبا رسميا للزواج من السوريات، وفي الأردن ذكر رئيس مؤسسة الكتاب والسنة أنّه في السنة الماضية تلقى 500 طلب للزواج من سوريات. في الإنترنت وفي الفيس بوك افتُتحت صفحات لبيع النساء السوريات وبأسعار مختلفة: 500 جنيه مصري مقابل المرأة المطلّقة أو الأرملة و 2000 جنيه مصري للعذراء.
نحو نصف اللاجئات السوريات اللاتي يتزوجن يتم زواجهن من رجال يكبرنهنّ بعشر سنوات، ونحو ربعهنّ لم يصلنَ بعد إلى سنّ الثامنة عشرة
هذه الصورة المتشكّلة هي من صناعة الإتجار بالنساء السوريات ومدعومة من قبل منظمات ومؤسسات اجتماعية ودينية تعمل بشكل علني، وأمام أعين السلطات، في الدول المستضيفة. جعلت هذه الخدمات النساء السوريات “منتَجًا” يمكن الوصول إليه، سهلا ومتاحا لجميع الرجال في العالم العربي: نقرة على صورة في الموقع، الدفع بواسطة بطاقة الاعتماد ومن ثم يتم إرسال البضاعة إلى الزبون. ولكن التوسّطات التي تقام من قبل المنظمات الدينية أو الخطّابات في المجتمعات المحلية هي تلك التي جعلت الإتجار بالنساء السوريات أمرًا دينيّا مشروعًا، وربما واجبا أخلاقيا، يقع على أكتاف الرجال.
الخطاب المهيمن الذي يدور حول هذه الظاهرة ويمنحها شرعية هو “السترة”، حماية النساء المسلمات، والتي في إطارها يكون الرجال مجددا ليسوا مجرّد حلّ لضائقة النساء وإنما الأبطال الذين يعملون عملا بطوليا من أجلهنّ. وهذا هو أحد أسباب عدم رغبة الدول العربية المستضيفة للاجئين في مكافحة الظاهرة: كالعادة، فهي تجد صعوبة كبيرة في الحسم بين القانون المدني وبين الشريعة وتتجاهل التوتر الواقع بين هاتين المنظومتين القانونيتين، مما يكون في العادة لصالح العادة المحافظة الاجتماعية والدينية. وهناك سبب آخر وهو الحساسية السياسية – الديمغرافية في جميع البلدان المستضيفة لقضية منح الحقوق للاجئين السوريين، ولو حتى كمقيمين مؤقتين.
وهكذا تصبح ظاهرة تستند إلى علاقات القوة، السلطة، الاستغلال والسيطرة مقبولة وشرعية من الناحية الدينية. ومن المثير للاهتمام أن نذكر أنّ جزءًا كبيرا من الخطاب النسائي في العالم العربي يدور حول “اللاجئات السوريات سلبن منا الرجال” وليس حول العار الأخلاقي. بكلمات أخرى، يقف الرجال مجدّدا في مركز الاهتمام، الحاجة إليهم والمنافسة عليهم بدلا من مؤاخاة النساء وتعزيز حقوق اللاجئين.
وهكذا تضطر النساء السوريات إلى قبول الخيار “الرجولي” والتزوج من رجال محليّين أو خليجيين ليحظينَ بمكانة قانونية وليهربن من الفقر والتهديد بالطرد. وهو حلّ جزئي على أية حال، لأنّ الدول مثل مصر، الأردن والسعودية لا تعترف بوثائق الزواج من نساء لسنَ مواطنات البلاد. هذا التشريع المقيّد لا يمنع من استغلال النساء السوريات وإنما يُضاف إلى التجاهل العام للدول المستضيفة إلى ضائقة اللاجئات السوريات.
إنّ الخطاب الاجتماعي – السياسي المفتوح، والذي من الصعب مجرّد تصوّره في الظروف الحالية في الشرق الأوسط، هو الطريق الوحيد لحلول هيكلية تخفّف عن النساء بشكل عام واللاجئات السوريات بشكل خاص؛ ويقدم حلول لا تشتمل على الاعتماد على الرجل كمصدر أساسي.
نشر هذا المقال لأول مرة في موقع منتدى التفكير الإقليمي
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني