مقدم "أ" المسؤول عن مشروع "حسن الجوار"
مقدم "أ" المسؤول عن مشروع "حسن الجوار"

مقابلة خاصة مع الضابط المسؤول عن المساعدات الإسرائيلية للسوريين

"في حين لم يقدّم العالم المساعدات إلى جنوب سوريا، كانت دولة إسرائيل الوحيدة التي فتحت أبوابها"

هذا الأسبوع، تصدر مشروع “حسن الجوار” الإسرائيلي، الذي يهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية والطبية إلى السوريين الذين تضرروا أثناء الحرب، العناوين في أعقاب الهجمات التي شنها النظام ضد جنوب سوريا، وتسببت بنزوح عشرات آلاف السوريين الذين فروا من ويلات الحرب باتجاه الحدود.

أجاب المقدم “أ”، الضابط المسؤول عن المشروع منذ السنوات الماضية، عن عدد من الأسئلة التي طرحناها رغم الأيام الصعبة بشكل خاصّ. حاولنا أن نطرح أسئلة تخطر على بال قرائنا عبر الفيس بوك، لمعرفة الحقيقة وراء الصور المؤثرة، وما الذي يتوقع أن يحدث في الأسابيع القادمة:

سؤال: كيف تسير الأمور اليوم، وماذا يُتوقع أن نشاهد في الأيام القريبة؟

جواب: من الصعب أن نعرف. لا تتدخل دولة إسرائيل في الحرب الأهلية السورية ذاتها. يمكن القول إن هناك محادثات للتوصل إلى تسوية، وبدأنا نشهد انخفاضا في عدد النازحين السوريين. من جهتنا، نحن على استعداد منذ الأسبوع الماضي لتقديم مساعدات لعلاج النازحين. يمكن القول إننا نستقبل حاليا جرحى تضرروا في الحرب، لا سيّما الأطفال. لم نشهد هذه الحال منذ عامين. معظم الجرحى هم مواطنون تضرروا جراء القصف الذي شنته قوات النظام، وجرحى يعانون من صدمة.

مشروع “حسن الجوار”

س: أية حالات تتوقعون حدوثها؟

ج: أكثر من نتوقع حدوثه هو زيادة عدد مخيّمات اللاجئين، لهذا أرسلنا 300 خيمة، وأصبحنا نستعد لإرسال المزيد، وغير ذلك. يجب أن نضمن للنازحين الظل، ومكان للبقاء فيه.

س: ما هي الاحتياجات الطارئة الأخرى لدى النازحين؟

ج: في البداية، اعتقدنا أنه ليست هناك حاجة طارئة لتقديم الملابس، لأننا في فصل الصيف، ولكن عرفنا أن السوريين فروا من منازلهم وبحوزتهم حقيبة يد فقط، دون أن يأخذوا معهم حاجياتهم، لهذا أرسلنا ملابس لأنها من الاحتياجات الضرورية، حفاظا على النظافة ومتابعة الحياة العادية. في الأيام القريبة، سنعرف ما هي الحاجيات الضرورية وسنعمل وفقها.

س: السؤال الذي يطرح كثيرا هو مَن يموّل حملات المساعدات الإنسانية هذه؟

ج: تساعد دولة إسرائيل في التمويل اللوجستي، ولكن هذه المساعدة تشكل جزءا ضئلا فقط. نحن نعمل مع منظمات مساعدة مدنية: إسرائيلية، أمريكية، وعربية أيضا. لقد ساهمت هذه المنظمات في تقديم معدّات وأدوية حجمها أكثر من مئتي مليون شاقل. منذ الآن، بدأت هذه المنظمات بشن حملات لجمع الأموال.

س: هل يمكنك التحدث أكثر عن التنظيمات العربية التي تتبرع؟ هل يجري الحديث عن منظمات من دول الخليج؟

ج: أفضلُ عدم التطرق إلى هذا الموضوع منعا لإلحاق الضرر بهذه الجهات، إذ إن الوضع صعب.

س: هل لا تخافون من أن النشر حول المساعدات الإسرائيلية، رغم أنه قد يساهم في صورة إسرائيل في العالم العربي، قد يؤدي إلى وصول اللاجئين إلى الحدود مع إسرائيل؟

ج: لا نخشى من حدوث ذلك. في نهاية المطاف، رغم أن السوريين لا يكرهوننا الآن كما كان في الماضي، فهم يفضلون عدم الدخول إلى إسرائيل. أعتقد أن القواعد واضحة للجميع. ليس في وسع دولة إسرائيل أن تستقبل لاجئين سوريين، وهي لا تتدخل في  سوريا.

س: ماذا سيفعل الجنود إذا حاول السوريون الدخول إلى إسرائيل؟

ج: في الواقع لا أعتقد أن هذا سيحدث. لقد تعلمنا من تجارب الماضي، مثلا كانت هناك قرى في هضبة الجولان حارب أفرادها ضد النظام، ولكن وقعوا معه على تسوية لاحقا. نحن لا نتدخل في شؤون السوريين ولا نقدم لهم النصائح، إذ إنهم يعملون وفق ما يناسبهم.

س: هل يمكن أن تحدد الفئة السكانية السورية التي تتلقى مساعدات من إسرائيل؟

ج: يجري الحديث عن نحو 250 ألف سوري من القنيطرة وجزء منهم من درعا. أشخاص من عامة الشعب، مواطنون سنيون، وجزء منهم فلاحون، يعيشون في هاتين المنطقتين منذ سنوات. هناك من يحصل على الأطعمة وزيت الديزل من إسرائيل. ولكن تخدم غرفة الولادة الميدانية التي أقمتها إسرائيل كل المواطنات السوريات. وكما تقدم إسرائيل الأطعمة للأطفال والملابس للسوريين.

س: هل هناك ما تريد أن تتحدث عنه أمام القراء؟

ج: أريد أن أتحدث عن مشاعر الفَخر الوطنيّ التي أشعر بها جراء هذا المشروع. تساعد دولة إسرائيل على مدار الساعة، المواطنين في الدولة العدوة، الذين ترعرعوا على كره الإسرائيليين لسبب غير معروف. ففي حين لم يقدم العالم المساعدات لجنوب سوريا، كانت دولة إسرائيل الأولى التي فتحت أبوابها.

 

 

اقرأوا المزيد: 597 كلمة
عرض أقل

الرسالة الإسرائيلية إلى السوريين: نقدم المساعدات الإنسانية، ولكن نحظر الدخول إلى إسرائيل

نازحون من ريف درعا بعد حملة النظام العسكرية الأخيرة (AFP)
نازحون من ريف درعا بعد حملة النظام العسكرية الأخيرة (AFP)

نقلت إسرائيل في نهاية الأسبوع كميات كبيرة من الأطعمة والأدوية إلى سوريا، التي تتعرض لهجمات الأسد، ولكن أوضح ليبرمان أن إسرائيل لا تسمح بالدخول إلى إراضيها

01 يوليو 2018 | 09:34

في ظل الهجمات الوحشية  التي يشنها الأسد في سوريا، نشاطات روسيا في جنوب سوريا، والهروب الجماعي للسوريين، توضح إسرائيل أنها ستواصل تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين، ولكنها لا تسمح بدخولهم إلى أراضيها. قال وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان: “نقدم المساعدات للنساء والأطفال، ولكن لا نسمح بدخول أي لاجئ”.

يوم الجمعة الماضي، استقبل الجيش الإسرائيلي ستة جرحى كانت حالتهم متوسطة حتى خطيرة، ومن بينهم أربعة أطفال قُتِل أفراد عائلاتهم أثناء التفجيرات. يمكث هؤلاء الجرحى في مستشفيات في شمال إسرائيل ويتلقون علاجا طبيا. نقلت إسرائيل مرة أخرى كميات هائلة من المساعدات الإنسانية إلى المعسكرات والمخيمات في الجولان السوري، تضمنت 300 خيمة، 13 طنا من الأطعمة، 15 طنا من الأطعمة للأطفال، معدّات طبية، أدوية، وملابس وأحذية وزنها 30 طنا.

تشير التقديرات إلى أنه لا يتوقع حدوث اشتباكات مباشرة بين جيش الأسد وبين إسرائيل. تنقل إسرائيل رسائل عبر أمريكا، والأردن إلى سوريا توضح فيها أنها لن تسمح بالتمركز الإيراني في الجولان، ولا بتمركز مليشيات شيعية أو عناصر حزب الله. من جهة، تأمل إسرائيل بأن يطرأ تحسن على الوضع، ومن جهة أخرى، تسعى إلى منع دخول جهات أجنبية برعاية الجيش السوري إلى المنطقة الحدودية بعد احتلالها.

هناك تنسيق بين إسرائيل والأردن في العمليات، (بين نتنياهو والملك عبد الله)، إذ إن الأردن يتحمل عبء الحرب في سوريا، وقد استقبل حتى الأن أكثر من مليون لاجئ. أعلن الأردنيّون أنهم لن يسمحوا بدخول لاجئين آخرين إلى الأردن، ولكن بدأوا ينقلون مساعدات إنسانية إلى سوريا أيضًا.

في غضون ذلك، طرح مسؤول في الموساد سابقا، فكرة خلاقة في تويتر: “تشكل هذه الحال فرصة جيدة لإسرائيل لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج السنية، واتخاذ موقف أخلاقي. يمكن استقبال اللاجئين في معسكرات مؤقتة في إسرائيل، وثم نقلهم لاحقا (وفق اتفاق مسبق) إلى دول الخليج إذ يمكث فيها ملايين العمال الأجانب”.

حتّى الآن، تلقى 4800 جريح سوري علاجا في إسرائيل، ضمن حملة تدعى “حسن الجوار”. تهدف هذه المساعدات إلى تعزيز العلاقات مع السوريين على الحُدود والمساهمة في تحسين الوضع الإنساني الخطير في سوريا، رغم أن إسرائيل قررت منذ سنوات ألا تتدخل في الحرب الأهلية السورية.

اقرأوا المزيد: 314 كلمة
عرض أقل

قلق إسرائيلي.. حزب الله يُدخل إلى إسرائيل “جرحى” لتنفيذ عمليات

المساعدات الإنسانية الإسرائيلية للسوريين (IDF)
المساعدات الإنسانية الإسرائيلية للسوريين (IDF)

تغيرت أوامر رئيس الأركان لاستقبال الجرحى السوريين في إسرائيل في أعقاب معلومات تشير إلى أن حزب الله يحاول استغلال المساعدات الطبية التي تقدمها إسرائيل لإدخال عناصره إليها

24 يونيو 2018 | 10:02

انخفض عدد الجرحى والمرضى السوريين الذين يصلون لتلقي العلاج في مستشفى عسكريّ أقامته إسرائيل في هضبة الجولان مؤخرا بشكل ملحوظ، هذا وفق التقارير اليوم صباحا في صحيفة “يديعوت أحرونوت”. جاء التشديد على التعليمات لدخول السوريين إلى إسرائيل، بسبب الخوف من دخول عناصر حزب الله أو مليشيات شيعية تعمل في سوريا إلى إسرائيل، من خلال التنكر لمرضى. لا ترفض إسرائيل استقبال الجرحى كليا وتنقلهم إلى مستشفيات دولية أقامتها جمعية أمريكية جنوب القنيطرة.‎

تحدث تقرير في الصحيفة اليوم صباحا عن أن القيادة العسكرية عرضت قبل ثلاثة أشهر إمكانية أن تحاول جهات في حزب الله أو منظمات شيعية التمركز في القرى القريبة من إسرائيل على الحدود السورية والعمل منها ضد إسرائيل. تلقت القوى العسكرية تعليمات لتجنب الاحتكاك مع سكان القرى، وكذلك تقييد دخول القادمين إلى إسرائيل لتلقي مساعدات طبية أيضا. كما وتلقت الكوادر الطبية وسائقي سيارات الإسعاف تعليمات لتوخي الحذر والانتباه إلى هوية القادمين إلى إسرائيل.‎

تجدر الإشارة إلى أنه منذ سنوات تعمل في الجيش الإسرائيلي وحدة تدعى “حسن الجوار”، تقدم المساعدة الإنسانية لمتضرري الحرب في سوريا. لقد شكل تقديم المساعدة الطبية لآلاف المرضى والجرحى السوريين مصدر فخر إسرائيليا. ولكن الآن مع احتدام الوضع على الحدود السورية والتقديرات أن النظام السوري ومؤيديه يسعون إلى احتلال منطقة درعا مجددا، أصبحت تفضل إسرائيل عدم المخاطرة.

اقرأوا المزيد: 198 كلمة
عرض أقل
مظاهرات سورية في حماة تنديداً بمذابح النظام السوري في درعا (AFP)
مظاهرات سورية في حماة تنديداً بمذابح النظام السوري في درعا (AFP)

من الذي دفع الثمن الأكبر لتفكّك سوريا؟

الأسد. عندما جرأوا على التظاهر دون عنف، مع اندلاع "الربيع العربي"، فوجهوا بالقمع الإجرامي

ساهمت عوامل متنوعة في اندلاع الثورة الشعبية في سوريا ودول عربية أخرى، ولكن أحد العوامل المركزية بشكل خاصّ، إن لم يكن العامل الرئيسي، هو السعي إلى حياة كريمة وتحسين الحالة الاقتصادية. لقد اعتمدت الأنظمة العربية الجمهورية التي تأسست في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على سياسات اقتصادية شعبوية وفّرت ظروف معيشة أساسية من خلال الدعم الحكومي للسلع الأساسية، الخدمات العامة على المستوى الأساسي والوظائف في القطاع العام الضخم.

بدءًا من الثمانينيات، أجبرت الصعوبات الاقتصادية الأنظمة العربية على تقليص سياسات الرفاه واعتماد سياسات ليبرالية جديدة تضمّنت الخصخصة وخفض الدعم الحكومي والخدمات التي وفرتها الدولة لمواطنيها. بسبب الفساد الكبير، تمّت خصخصة الخدمات بشكل يفيد فقط المقرّبين من السلطة. وأدى اعتماد السياسات الليبرالية الجديدة إلى نموّ اقتصادي، ولكن المتمتّعين من ثماره كانت طبقة ضيّقة من النخبة وأبناء الطبقة المتوسطة العليا. إنّ عدم المساواة بين المواطن العادي وبين المقرّبين من السلطة، والذين كانوا في الحالة السورية في معظمهم من أقارب الأسد أو المسؤولين في حزب البعث، أصبح بارزا بشكل خاصّ. في عهد الأسد الابن تزايدت اتجاهات التحرّر الاقتصادي بشكل أكبر، بالإضافة إلى تقليص الدعم الحكومي والخصخصة، كما حدث أيضا في ظلّ حكم زعماء شباب آخرين في الشرق الأوسط.

حزب البعث ينظم مظاهرات تأييد بالرئيس السوري بشار الأسد (AFP)
حزب البعث ينظم مظاهرات تأييد بالرئيس السوري بشار الأسد (AFP)

لقد أضرّت السياسات الليبرالية الجديدة، بشكل طبيعي، ولا سيما بالطبقات الضعيفة التي كانت تميل إلى العيش في المناطق الريفية في الأطراف السورية. عام 2005 ضرب سوريا قحطٌ استمرّ لخمس سنوات. تسبب النظام في أزمة في قطاع الزراعة والمراعي ويبدو أنّه كان السبب الرئيسي لها بسبب السياسات طويلة الأمد والفاشلة لإدارة الموارد المائية في البلاد، نقل الأراضي الأكثر خصوبة إلى المقرّبين من النظام، مصادرة الأراضي من أيدي أصحابها البدو وخفض الدعم الحكومي في القطاع الزراعي في ذروة الأزمة عام 2008. انكمش القطاع الزراعي بشكل ملحوظ؛ فقد 800,000 شخص مصدر معيشتهم واضطروا إلى مغادرة منازلهم في شرق سوريا والهجرة إلى الأحياء الفقيرة في ضواحي المدن مثل دمشق، درعا وحمص.

في آذار عام 2011 وصل “الربيع العربي” إلى درعا. وسرعان ما امتدّت المظاهرات إلى دمشق وضواحيها، إلى الأحياء الفقيرة في حمص وبعد ذلك إلى سائر سوريا. شكّل العمال، الفلاحون، العاطلون عن العمل والفقراء العمود الفقري للثورة، وكما انضمت أحياء الطبقة الوسطى السنية في دمشق، حمص ومدينة اللاذقية أيضًا إلى المظاهرات. كانت قيادة الاحتجاجات والناشطون الأبرز في معظمهم من الشبات المتعلّمين، من أبناء الطبقة الوسطى. بقيت النخبة السنّية منقسمة حتى اليوم: بعضها يمنح دعما اقتصاديا كبيرا للثوار والمواطنين الذين يعيشون تحت حكمهم، في حين أنّ آخرين ظلّوا يدعمون النظام الذي رعاهم. ونفر كثيرون آخرون سواء من النظام الوحشي أو من الثوار الإسلاميين.

لم ينضمّ جميع أبناء الطبقات الضعيفة إلى الثورة. رغم أنّ معظم أبناء طائفة النظام، العلويون، قد عانوا هم أيضا من آثار السياسات الليبرالية الجديدة والقحط، فلم تنضم غالبيّتهم إلى الثورة. وذلك بفضل الدعاية المكثّفة لنظام الأسد والتي هدفت إلى عرض الثورة، منذ أيامها الأولى، كمؤامرة أجنبية وثورة دينية، سنية ومضادة للعلويين بطبيعتها.

طفل لاجئ سوري (AFP)
طفل لاجئ سوري (AFP)

حتى شهر حزيران عام 2011 حافظت الثورة على طابعها المدني، غير العنيف، بل حاول المتظاهرون جاهدين إقناع الأقليات بأنّهم يريدون سوريا ديمقراطية وتعددية. ولكن المظاهرات لاقت القمع الشديد من قبل النظام، مما أدى إلى تصعيد الاحتجاجات. خلال عام 2012 بدأ المتظاهرون بحمل السلاح، وانضمّ منشقون من جيش الأسد إليهم، وأصبحت أكاذيب الأسد نبوءة حقّقت ذاتها. في نهاية المطاف كان أبناء الطبقات الضعيفة هم غالبية الثوار في سوريا.

يعيش العمّال، الفلاحون والفقراء، بغالبية ساحقة، في المناطق التي طُرد منها الجيش السوري ومساعديه. أحد النماذج البارزة لذلك هي مدينة حلب المقسّمة بين الغرب، الذي يعيش فيها أبناء الطبقة الوسطى تحت حكم النظام، والأحياء الفقيرة في شرق المدينة التي تحكمها مجموعات الثوار المختلفة. تقع المناطق التي يحكمها الثوار تحت هجمات جوية سورية وروسية (وإن كانت المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش تعاني بشكل أقلّ من تلك الهجمات الجوية)، ولذلك فإنّ معظم النازحين واللاجئين يأتون منها.

ينقسم النازحون واللاجئون هم أيضا على أساس طبقي. أبناء الطبقة السورية الوسطى-العليا فقط يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بالذهاب إلى أوروبا؛ وقد فرّ معظمهم تحديدا من مناطق مدنية خاضعة لسيطرة النظام، مثل دمشق، بسبب مستوى الحياة المتدهور والرغبة بالفرار من الخدمة العسكرية في جيش الأسد. يذهب أبناء الطبقة الوسطى أيضا إلى البلدان المجاورة لسوريا: تركيا، لبنان والأردن، حيث يعيشون هناك في المدن الكبرى ويندمجون في الاقتصاد المحلّي. يعيش أبناء الطبقة الوسطى الذين أصبحوا فقراء بسبب الحرب في الغالب بالمدن الواقعة على الحدود مع سوريا ويعملون في مهن يدوية كالبناء والزراعة. ويعيش اللاجئون الأكثر فقرا في البلدان التي فيها مخيمات منظّمة للاجئين. أما السوريون الذين ظلّوا يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، سواء في منازلهم الأصلية أو كنازحين، فهم في الغالب فقراء جدّا بحيث لا يستطيعون حتى الذهاب إلى الدول المجاورة. ويضاف إلى ثمن السفر إلى الحدود، الذي يعتبر هو أيضا باهظا جدا بالنسبة لبعضهم، في الوقت الراهن دفع المال للمهرّبين، لأنّ جميع البلدان المجاورة قد أغلقت حدودها.

كان أفراد الطبقات الضعيفة في سوريا هم الضحايا الرئيسيين للقضاء على شبكة الأمان الاجتماعي التي وفّرها نظام الأسد لمستحقيها. عندما جرأوا على أن يثوروا على عدم المساواة والفساد الكبير عوقبوا بشدّة – بالقتل الجماعي، بقصف مدنهم وقراهم وتهجيرهم عن منازلهم. كلاجئين وكنازحين فهم مستمرون الآن في المعاناة أكثر من الجميع؛ إذ ليس باستطاعتهم الذهاب إلى دولة تمنحهم فرصا لتحسين مستقبلهم وهم يعيشون في فقر مدقع، سواء في مخيمات اللاجئين في تركيا، أو في وسط القصف في شرق حلب أو في أماكن سكن بدائية في لبنان. سيضطر الجيل النازح والضائع الذي نشأ في مثل هذه الظروف إلى أن يواجه أيضًا صعوبات أكبر من تلك التي واجهها آباؤه.

نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 848 كلمة
عرض أقل
لاجئ من درعا: "أخبرونا دائما أنّ إسرائيل هي الشيطان. استطاع الأسد أن يتلاعب بنا ونحن صدّقناه" (Noam Moskowitz)
لاجئ من درعا: "أخبرونا دائما أنّ إسرائيل هي الشيطان. استطاع الأسد أن يتلاعب بنا ونحن صدّقناه" (Noam Moskowitz)

من جحيم الأسد – إلى إسرائيل

لمحة عن الحياة المأساوية للجرحى السوريين الذين يتلقّون علاجًا في إسرائيل، وعن الإسرائيليين الذين يعالجونهم

“الحرب طاحنة. لم أتخيّل في أحلامي الأكثر جموحًا أبدا، أن أصل إلى حالة أضطرّ فيها إلى أن أحمل ابني الصغير على يديّ طالبة مساعدة الأطبّاء في الجانب الإسرائيلي من الحدود لإنقاذ رجله”، قالت لي نرمين (اسم مستعار) هذه الكلمات، وهي أم شابّة ولاجئة سورية، وصلت مع ابنها البالغ من العمر سبع سنوات، لتلقّي العلاج الطبّي في مستشفى “زيف” في مدينة صفد في الشمال، على الحدود الدامية بين سوريا وإسرائيل.

[mappress mapid=”17″]

لم تترك الحرب الضارية في سوريا، والقائمة منذ أكثر من أربع سنوات، الكثير من الخيارات أمام عشرات الآلاف من اللاجئين والنازحين السوريين، الذين يطرقون أبواب دول الجوار ومن بينها الأردن، لبنان وإسرائيل. وفجأة في مسرح الشرق الأوسط العبثي، تُفتتح أبواب وحدود مادّية ومعنوية بين دول عدوّة.

أحمد الطفل السوري من مدينة درعا يتلقى علاج في مستشفس إسرائيلي (Noam Moskowitz)
أحمد الطفل السوري من مدينة درعا يتلقى علاج في مستشفس إسرائيلي (Noam Moskowitz)

“لعب أحمد (اسم مستعار) خارج منزلنا في مدينة درعا”، التي كانت إحدى المدن السورية الأولى التي تطوّر فيها النضال ضدّ نظام بشار الأسد. “سمعنا صوت قصف فجأة، وبعد ذلك جاء الهدوء الفظيع. فهمتُ أنّ شيئا ما حدث لابني، لذلك خرجتُ من المنزل فرأيته ملطخًا بالدم في الساحة. استدعينا الإسعاف الأولي، وتلقّى ابني علاجا أوليًّا في المستشفى الميداني والمؤقّت في المدينة. كلّما مرّت الأيام، أدركت أنّ ابني لن يعود كما كان. أحدثت الإصابة القاسية من شظايا القذيفة، التواءً في رجله اليُمنى. سافرنا بما تبقّى لدينا من قوة إلى دمشق، وموّلنا من مالنا الخاصّ 17 عمليّة جراحيّة مختلفة كانت قد أجريت في رجله. قرّر الأطبّاء السوريون في دمشق، أن أحمد لن يستطيع المشي مجدّدا على رجله اليُمنى. لقد فقد أحمد الأمل، وتلاشى الفرح والسعادة اللذان كانا على وجهه. فهو طفل، ولا يفهم تماما أو يتقبّل الإصابة. لقد فهم أنّه فقد جزءًا من جسده. استغرق منّي الأمر بضعة أيام حتى أستعيدُ قواي وأقرّر الذهاب مع ابني إلى الحدود بين إسرائيل وسوريا. كنت مضطرّة إلى أن أكافح من أجل حياته، لم يكن بإمكانه أن ينجو من الحرب في سوريا مع قدم مبتورة. وهكذا حملته على يدي وأحضرته إلى المستشفى في صفد”، كما أخبرتني نرمين بألم كبير.

“منقذُ جميع الجرحى السوريين”

أحمد الطفل السوري من مدينة درعا يتلقى علاج في مستشفس إسرائيلي (Noam Moskowitz)
أحمد الطفل السوري من مدينة درعا يتلقى علاج في مستشفس إسرائيلي (Noam Moskowitz)

أخبرني البروفيسور أليكس ليرنر، الذي أشرف على عملية لدى أحمد، عن رحلته الطويلة للتعافي، “بعد 17 عمليّة جراحية، قرّر الأطبّاء السوريون أنّه لن يمشي، وأنظر إليه اليوم يستطيع ركل الكرة. وصل الطفل إلينا في حالة صعبة وقرّرنا إعادة تأهيل ساقه. بعد عملية واحدة إضافية، فهمنا كيف يجب إعادة تأهيلها وهكذا بواسطة قطع حديدية تم تثبيتها في ساقه نجحنا في تقويمها”. البروفيسور ليرنر، هو خبير ذو شهرة عالمية في علاج الصدمات في العظام ولا سيما إصابات الحرب، وقد اكتسب مؤخرًا أيضًا لقب المنقذ في أوساط الجرحى السوريين. لقد عالج المئات منهم، من بينهم مَن فقد كلّ أمل بأن يستطيع المشي مرة أخرى، ولكن وبفضل علاجه والعمليّات الجراحية المعقّدة التي أجراها عادوا إلى سوريا وهم يمشون على كلتا رجليهم، أو على أطراف صناعية مُنحت لهم بمساعدة الصليب الأحمر.

تبدو الحالة في مستشفى “زيف” وفي بعض المستشفيات الحكومية الكبرى في شمال إسرائيل (مستشفى بوريا في طبريا، مستشفى نهاريا ومستشفى رمبام في حيفا) غريبة في نظر الإسرائيليين والسوريين على حدٍّ سواء. وها هي حرب أهلية واحدة تتسبّب في اضطرابات كبيرة يختلط فيها كلّ شيء: مواطنون سوريون، من الذين قيل لهم خلال السنين من قبل النظام، إنّه من وراء السياج يكمن “الشيطان الأكبر”، يقيمون علاقة مع مرضى إسرائيليين، وفرق طبّية ويتلقّون المساعدات الإنسانية لإنقاذ حياتهم. وكذلك، يلتقي مواطنون إسرائيليون للمرة الأولى في حياتهم بجيرانهم السوريين، من منكوبي الحرب الذين تدمّر عالمهم.

مدير المستشفى، البروفيسور سلمان زرقا (Noam Moskowitz)
مدير المستشفى، البروفيسور سلمان زرقا (Noam Moskowitz)

حاولتُ أن أفهم من مدير المستشفى، البروفيسور سلمان زرقا، كيف تجري عملية نقل الجرحى السوريين المعقّدة، من سوريا إلى تلقّي العلاج في المستشفيات في إسرائيل. “لقد بدأ ذلك كعمل إنساني جميل ومؤثّر بقرار من الحكومة الإسرائيلية. في شهر شباط عام 2013، نُقل إلى هنا سبعة جرحى سوريين أصيبوا في المعارك في الحرب الأهلية خلف الحدود. ما بدأ حينذاك، قبل نحو عامين، أصبح اليوم مشهدًا اعتياديًّا. هناك أكثر من 1300 جريح سوري، مقاتلين، رجال، نساء وأطفال تمّ علاجهم في مستشفيات الشمال حيث وصل إلى مستشفى “زيف” حتى الآن 500 جريح. للتوضيح، هناك في المستشفى 300 سرير فقط ونحن قمنا بعلاج 500 جريح”.

“نكافح من أجل كلّ يد ورجل”

فارس عيسى العامل الاجتماعي في المستشفى يرافق كل المصابين (Noam Moskowitz)
فارس عيسى العامل الاجتماعي في المستشفى يرافق كل المصابين (Noam Moskowitz)

امتنع البروفيسور زرقا عن تقديم إجابات قاطعة بخصوص الطريقة التي ينقلُ فيها الجيش الإسرائيلي الجرحى لتلقّي العلاج الطبّي، ولكنّه أوضح بأنّ الجهات العسكرية لا تتدخّل في الإجراءات الطبّية للجرحى وأنّ المهنية الطبّية هي التي تقف في أعلى سلّم الأولويّات. “من المقبول حول العالم، في المناطق المنكوبة التي يتم فيها تقديم المساعدات الإنسانية إجراء عمليّات بتر الأطراف. الأساس المنطقي وراء هذا التفكير هو معالجة أكبر عدد ممكن من الجرحى، والتقليل بشكل كبير من وقت العلاج في المستشفيات وتخفيض التكاليف. ولكن في إسرائيل، قرّرنا أن نكافح من أجل الجرحى الذين معظمهم مصابي الأطراف. تخيّل أنّه كان بإمكاننا تقليص مدّة العلاج بشكل كبير لعشرات الرجال والأطفال السوريين الذين جاؤوا إلينا فقط لو قرّرنا بتر الأعضاء المصابة. تطوّرت في مستشفى “زيف” الخبرة ويكافح الفريق الطبّي ليلا ونهارا من أجل كل جريح وجريح انطلاقًا من العلم أنّ تلك الأطراف التي ننقذها ستساعد الجرحى على البقاء على قيد الحياة في الحرب التي في بلادهم”. وعن عملية إعادة الجرحى السوريين يقول البروفيسور زرقا إنّ السوريين أنفسهم يطلبون العودة إلى قراهم وبلادهم.

خديجة: "خرجتُ من منزلي لالتقاط الأعشاب وأنواع من النباتات البرّية. ودون أن أنتبه دُستُ على لغم. هكذا فقدت ساقاي".
خديجة: “خرجتُ من منزلي لالتقاط الأعشاب وأنواع من النباتات البرّية. ودون أن أنتبه دُستُ على لغم. هكذا فقدت ساقاي”.

التقيت بفارس عيسى، العامل الاجتماعي الذي يرافق الجرحى في مستشفى “زيف”، في خضمّ يوم حافل. كان قد قرّر تماما أن يخرج في جولة زيارة طبّية للجرحى. من جهة، تكشف تعابير وجهه الجادّة والقاسية التعب، ومن جهة أخرى، تكشف العزيمة والإصرار. “رأيت كلّ شيء. فكّر أنه عندما يأتي إلى هنا جريح سوري، رجل، امرأة، طفل أو طفلة، بالنسبة لهم فهم في دولة عدوّ. يكون العبء العاطفي ثقيلا. عندما ينقلهم الجيب العسكري التابع للقوات الطبّية إلى غرفة الطوارئ، أنتظرهم هناك مع الفريق الطبّي المهني. أحرص على أن أوضح لهم عن مكان وجودهم، فهذا يخفّف عنهم عندما يسمعوا بأنّ هناك من يتحدّث بلغتهم. أسألهم كيف يشعرون؟ أين يؤلمهم؟ كم من الوقت مرّ منذ الإصابة وحتى الوصول إلى الحدود؟ ماذا حدث لعائلاتهم؟ وهل لديهم حساسية لأدوية معيّنة؟ ورغم ذلك، فإنّ عالم المصطلحات لدى السوريين، رغم أنّهم عرب مثلي، مختلف. جاء إلينا قبل مدّة جريح بُترتْ ساقه في دمشق واكتشف الطبيب الجرّاح، هنا في “زيف”، أنّ الجرح قد خُيّط. من الناحية الطبّية، لا يجوز تخييط الجرح بعد البتر من أجل منع التلوّث ومنح الأنسجة فرصة الشفاء. سألت الشاب السوري من الذي خاط له هذه الغُرز، فقال لي بالعربية “الدكتور”، في وقت لاحق اتّضح لي أنّ المطهّر في مدينته هو الذي خاط له هذه الغُرز وليس طبيبًا جرّاحًا. هذه الأمور مهمّة”. الأمر الأكثر فظاعة ممّا أخبرني به عيسى بهدوء عندما قال: “اضطُررت أحيانا إلى اختراع أمّهات متبنِّيات. جاء إلى هنا بعض الأطفال دون مرافقة شخص كبير واضطُررت إلى الطلب من أمهات سوريات كنّ يمكثن في المستشفى أن يهتممن برعاية الأطفال الوحيدين”.

الطفلة ريهام (12) بعد عملية استئصال ورم سرطاني من بطنها (Noam Moskowitz)
الطفلة ريهام (12) بعد عملية استئصال ورم سرطاني من بطنها (Noam Moskowitz)

وعندما صعدنا باتجاه الطابق العلوي، حيث تُعالَج امرأتان سوريّتان كبيرتان في السنّ، فايزة وخديجة (اسمان مستعاران)، تغيير ما طرأ على تعابير وجه فارس، وارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه. لقد دخل قبل المصوّر الخاص بي وقبلي، وطلب منهما الإذن بالتحدث معهما. “الشعب السوري مُشكِّك بطبيعته، فلتفهم أنّه ليس سهلا عليهما وبالطبع بعد كل الذي اجتزنَهما”، كما أضاف.

توجّهتُ إلى خديجة (49)، وهي ملتزمة الفراش. لقد كافح الأطبّاء على كلتا ساقيها ولم ينجحوا في إنقاذهما. في النهاية اضطرّوا إلى بترهما. حاولت التحدّث إلى هذه المرأة الطيبة والتي حصلت في نفس الوقت على هدية راديو ترانزستور جديد كي تستطيع الاستماع إلى القليل من الموسيقى العربية. لم يكن سهلا عليّ، فمع ذلك فإنّ المرأة التي وقفتُ أمامها، والتي هي قريبة من سنّ أمّي وها هي فاقدة لأطرافها السفلى وتبتسم ابتسامة مؤلمة. “حجّة، هذا عامر وهو صحفيّ جاء ليسألك بضعة أسئلة، حسنًا؟”، ساعدني فارس.

من جحيم الأسد - إلى إسرائيل (Noam Moskowitz)
من جحيم الأسد – إلى إسرائيل (Noam Moskowitz)

“ما في مشكلة بس ما يصوّر. فارس لا تنس أن تحضر لي زجاجة كولا صغيرة، من فضلك”، قالت خديجة. رويدا رويدا تحرّرت وكشفتْ عن قصّتها المؤلمة: “أنا من درعا. وأمكث هنا منذ عدّة أشهر، وفي هذه الأثناء أنتظر الحصول على الأطراف الاصطناعية التي من المفترض أن تصل قريبًا”.

تحدّثت خديجة بصوت يرتجف عمّ مرّت به وكيف فقدت ساقيها: “خرجتُ من منزلي لالتقاط الأعشاب وأنواع من النباتات البرّية. ودون أن أنتبه دُستُ على لغم. كان الوصف موجزًا وتقشعرّ له الأبدان. لم يكن عندي ما أضيفه.

معظم متلقي العلاج هم من الرجال الشباب

معظم متلقي العلاج هم من الرجال الشباب (Noam Moskowitz)
معظم متلقي العلاج هم من الرجال الشباب (Noam Moskowitz)

أخبرني فارس أنّ المستشفى قد عالج حتّى الآن نحو 500 سوري، حيث إنّ معظم الجرحى هم من الرجال الشباب وأنّه يفترض بأنّه كان من بينهم مقاتلون وليس فقط مدنيّون أبرياء. “أجرينا أيضًا علاجات لمدنيّين لم يصابوا نتيجة الحرب. كما وأشرفنا على ولادة لعشر نساء وهناك الآن امرأة قد وصلت للحصول على علاج بعد أن اكتشفت بأنّ لديها تلوّث التهابي حادّ في المسالك البوليّة. وهي موجودة هنا منذ خمسة أيام وقد وصلت إلى هنا بتوصية طبيب من درعا، والذي توسّل فعلا كي تذهب إلى إسرائيل لتلقّي العلاج قبل أن يفوت الأوان”.

ولدى الدخول إلى الغرفة رقم 10 في المستشفى، وُضع هناك جندي لحراسة الغرفة لمنع دخول الغرباء. في الغرفة نفسها، كان هناك أربعة رجال جرحى ممن لديهم درجات إصابة خطيرة. أُصيب بعضهم كنتيجة لإلقاء “براميل متفجرة” على بلدات مدنية وهو ما يقوم به سلاح الجوّ السوري في الكثير من الأحيان. “أُصِبتُ بقذيفة أُطلِقتْ صوب منزلي”، كما أخبرنا رائد (اسم مستعار)، وهو شاب في سنّ الثالثة والعشرين، وهو أيضًا لاجئ من درعا. “أخبرونا دائما أنّ إسرائيل هي الشيطان. استطاع الأسد أن يتلاعب بنا ونحن صدّقناه”. صعّبتُ الأمر على الشاب، وحاولت أن أفهم إذا ما كان قد شارك في القتال بجانب الثوار. لم أتمكّن من الحصول على إجابة، ولكن كان واضحا من مظهره أنّه هو والشباب الذين كانوا بقربه ينتمون إلى تيّار إسلامي ما، ربّما جبهة النصرة، ولكن ربّما لن أستطيع معرفة ذلك أبدا.

في آخر الغرفة، ظهر شاب مرهق، كان يبلغ من العمر 17 عامًا. توجّهتُ إليه وحاولت إجراء محادثة معه. اخترقتْ نظرته الميّتة روحي. تحدث الشاب قائلا: “أطلقت دبّابة تابعة للأسد النيران صوب منزلنا، وتلقّيت أنا معظم الضربة، لذلك اضطُرّ الأطبّاء إلى بتر ساقي. أتعالج في مستشفى “زيف” منذ 70 يومًا. يقوم الفريق الطبّي هنا، مرّة كلّ أسبوع، بالاتصال بأسرتي. لا أذكر تماما كيف وصلت إلى إسرائيل، فقد كنت فاقدا للوعي لعدّة أيام”.

من جحيم الأسد - إلى إسرائيل (Noam Moskowitz)
من جحيم الأسد – إلى إسرائيل (Noam Moskowitz)

وعند اقتراب نهاية الزيارة حُفرتْ في ذاكرتي صورة واحدة. وذلك عندما طلب أحمد اللعب مع ريهام (اسم مستعار) وهي طفلة (12 عامًا) سورية من القنيطرة، جاءت لتلقّي العلاج الطبّي في المستشفى بعد أن لم يجد الأطبّاء في قريتها طريقة لإجراء عملية جراحية لها واستئصال ورم سرطاني من بطنها (استأصل الأطبّاء في “زيف” من بطنها ورمًا سرطانيّا يزنُ كيلوغرامَين وأنقذوا حياتها). لقد أجبر أحمد ريهام، التي استجابت برأفة، على رفعه على الكرسي المتحرّك، وبيده وعاء من الكعك. طلب منها أن تأخذه لزيارة الأطفال الإسرائيليين في القسم. لقد أصرّ على إكرامهم بالكعك الذي حصل عليه للتوّ من أحد الزوّار.

اقرأوا المزيد: 1645 كلمة
عرض أقل
الجولان السوري تحت قصف مستمر (AFP)
الجولان السوري تحت قصف مستمر (AFP)

قريب-بعيد: الصراع على مستقبل الجولان السوري وآثاره

الصراع بين الأسد وبين الثوار السوريين حول السيطرة على الجولان السوري مستمرّ في هذه الأيام ونتائجه لا تزال غير معروفة. بالنسبة لإسرائيل، فقد تكون نتائج الصراع حاسمة وتغيّر قواعد اللعبة في المنطقة

غيّرت العمليات الدراماتيكية في الشرق الأوسط المنطقة بالكامل من جوانب مختلفة. أنشأ الواقع الذي يتشكّل وينتصب ضدّ إسرائيل تحدّيات سياسية وأمنية جديدة، والتي تستلزم من صانعي القرار رسم الصورة من أجل فهمها بعمق.

إنّ الرسم الأولي والمناطقي نسبيّا يكشف عن الصورة التالية: في الجنوب، التهديد من قبل حماس في غزة لم يتغيّر، بينما يتشكّل في سيناء فضاء مُشبع بالنشاطات الجهادية، والذي حتى الآن يتمّ احتواؤه والتعامل معه من قبل الحكومة المصرية. في الضفة الغربية، هناك وضع راهن ليس إيجابيّا بالضرورة من وجهة نظر إسرائيل، ولكنه معروف جيّدًا. تقف الأردن أمام تهديد من جانب تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولكن هذا يعتبر الآن سيناريو مستقبليّا ولم ينضج في الحاضر بعد. ما زال تهديد حزب الله في الشمال، والذي يسيطر على خطّ الحدود بين إسرائيل ولبنان، ومعه أيضًا قواعد اللعبة معروفة بشكل أو بآخر، رغم خطر الاشتعال المستمر للقتال والتطوّرات الأخيرة. يترك كلّ ذلك ساحة واحدة قواعد اللعبة فيها غير معروفة. وهي بالطبع مرتفعات الجولان، وبشكل أكثر تحديدًا: الجولان السوري (أو باسمه التاريخي والمعتاد بين سكانه “حوران”).

الحدود الإسرائيلية – السورية، هي الحدود الأكثر هدوءًا لإسرائيل منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974

من الصعب المبالغة في أهمية الجولان باعتباره مكوّنا لفهم العلاقات بين إسرائيل وسوريا، وتاريخ كلّ بلد على حدة. ومن المثير للاهتمام أن نعرف بأنّه رغم الصراع بين الدولتين والحواجز المادية وعلى مستوى الوعي والتي تقسّم الطرفين، فإنّ هذه الحدود هي الحدود الأكثر هدوءًا لإسرائيل منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974. وحتى اليوم، بالنظر إلى العاصفة الهائلة التي تعمّ المنطقة حاليّا في أعقاب الحرب الأهلية، ما زالت الحدود في مرتفعات الجولان هادئة نسبيّا وتحافظ في هذه الأثناء على توازن الردع الذي تمّ تحقيقه قبل أربعين عامًا. صحيح، كانت هناك أوقات عبرت فيها إشارات الحرب الحدود وظهرت داخل أراضي إسرائيل بدرجات مختلفة من القوة، ولكن حتى الآن ليس بشكل كبير وبعيد المدى. منذ اندلاع الحرب في سوريا تجري معارك في الجولان وتتحرّك موازين القوى كالبندول، حيث تنتقل الأراضي من وقت لآخر من طرف إلى الآخر. من الصعب أن نقدّر إلى أين سيتطوّر الصراع. ويظهر ممّا يمكن تحليله أنّ التوازن الحالي هو سيطرة النظام على معظم الجولان الشمالي، وسيطرة الثوار على غالبية أجزائه الجنوبية. وقد ظهر في الأسابيع الأخيرة توجّه لتعاظم قوة عناصر المعارضة السورية في الجولان (جبهة النصرة وجهات أخرى)، وذلك لدى سيطرتهم على مناطق كانت تمسك بها قوى النظام مؤخرًا. أبرزها “تل الحارة”، والذي يصل إلى ارتفاع كبير فوق الهضبة السورية ويشكّل رمزًا للسلطة بالإضافة إلى كونه نقطة استراتيجية رئيسية.

معبر القنيطرة (IDF)
معبر القنيطرة (IDF)

ظاهريًّا، يبدو أنه ليس هناك شيء خاص يفرّق بين الجولان السوري وسائر نقاط القتال في سوريا المتداعية. ولكن، في الحقيقة فهو متميّز وفريد من نوعه. من أجل ذلك يستثمر نظام بشار الأسد موارد كثيرة للصراع على السيطرة على الجولان، في الوقت الذي ينهزم به في أماكن لا تقلّ ضرورة حتى لو من ناحية استراتيجية، مثل حقول النفط في شرق البلاد، والتي سقطت في أيدي “الدولة الإسلامية”. لدى الأسد أسباب جيّدة ليقاتل من أجل الحفاظ على ما يملكه في الجولان. فهو يفهم أنّ سقوط هذه المنطقة بيد الثوار سيشكّل منعطفًا سلبيّا وربما حاسمًا بالنسبة إلى حكمه في سوريا، وذلك لمجموعتين من الأسباب الرئيسية، والتي تحتوي على عوامل فرعية إضافية.

لدى الأسد أسباب جيّدة ليقاتل من أجل الحفاظ على ما يملكه في الجولان. فهو يفهم أنّ سقوط هذه المنطقة بيد الثوار سيشكّل منعطفًا سلبيّا وربما حاسمًا بالنسبة إلى حكمه في سوريا

تتعلّق مجموعة الأسباب الأولى بالجانب الرمزي. بدايةً، لا يمكن تجاهل كون الجولان رمزًا لسلطة البعث ولاستمرار احتلال الجولان الغربي من قبل إسرائيل عام 1967. تم الاحتفاظ بالقنيطرة كمدينة أشباح مهجورة على الحدود وشاهدا حيّا على عدوان الاحتلال الإسرائيلي، حيث وُضع علم سوريّ ضخم إلى الشمال قليلا منها من أجل أن تتم رؤيته بشكل جيّد من الأراضي الإسرائيلية. في وضع تهتزّ فيه الأرض هناك اتجاه للتمسّك برموز السلطة الأكثر وضوحًا، ولذلك لا يتخلّى الأسد وعناصره بسهولة عن الجولان.

بالإضافة إلى ذلك، غير بعيد من هناك يقع المكان الذي بدأ فيه الاحتجاج الذي اكتسح الكثير من المواطنين في أنحاء البلاد. تلك المظاهرات التي اندلعت عام 2011 في درعا، والتي تقع في جنوب شرق الجولان السوري على الحدود مع الأردن، هي التي أشعلت لهيب الثورة ضدّ نظام البعث وأحدثت العاصفة التي لم تمرّ بعد.

الرئيس السوري بشار الأسد (HO - / FACEBOOK / AFP)
الرئيس السوري بشار الأسد (HO – / FACEBOOK / AFP)

هناك جانب آخر وهو الديموغرافيا في الجولان، وخصوصًا موضوع سكانه الدروز. هناك تمثيل للطائفة الدرزية في الجولان، وأبعد من ذلك تجاه الشرق تقع محافظة السويداء، والتي تُعرف بجبل الدروز، وتشكّل مركز حياة الطائفة في سوريا منذ مئات السنين. الدروز هم إحدى مجموعات الأقليّات في سوريا ويشكّلون أساسًا لشرعية نظام الأسد ودعمه. ورغم ظهور بعض التصدّعات في الولاء الدرزي للنظام خلال الحرب، إلا أنّ بشار لا يزال يقدّر قيمتهم ويخشى من فقدان تأييدهم الواسع.

مجموعة الأسباب الأخرى هي أسباب جيو- استراتيجية، نظرًا لموقع الجولان. قبل كلّ شيء فإنّ هذه المنطقة هي الممرّ الجنوبي الغربي لدمشق. وفي الوقت الذي يسيطر عليها الثوار، لن يكون هناك أي شيء تقريبًا يمنعهم من الاندفاع نحو أبواب العاصمة وزيادة الضغط على معاقل النظام. إلى جانب ذلك، فإنّ الجولان بنفس الدرجة تمامًا هو المنطقة التي تفصل بين دمشق وإسرائيل. طالما أنّ النظام يقيم على الحدود فإنّ باستطاعته إقامة نظام ردع وإنذار معقول – رغم فقدانه الكثير من قدراته – ضدّ إسرائيل ونواياها في العمل في الأراضي السورية كما يظهر. في الوقت الذي يسيطر الثوار على المنطقة، ستُفقد تلك السيطرة وستستطيع إسرائيل أن تعمل بحرية أكثر في المكان، أو أسوأ من ذلك في نظر الأسد: أن تتعاون مع الثوار ضدّ النظام وأن تخترق الإقليم السوري المتداعي. ولدى إسرائيل الآن بالفعل تفاهمات معيّنة مع أطراف تشاركها بنفس المصالح، وهو اتجاه قد يتّسع في أيّة فرصة مستقبلية.

جنود حزب الله قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية قرب مدينة متولا الإسرائيلية (AFP)
جنود حزب الله قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية قرب مدينة متولا الإسرائيلية (AFP)

بالإضافة إلى ذلك، هناك نقطة أخرى وهي الحدود السورية اللبنانية التي تبدأ من شمال الجولان. كلّما مرّ الوقت تصبح قوات النظام أكثر تعلّقًا بحلفها الوثيق مع حزب الله، تحت الرعاية الإيرانية. رغم أنّ حزب الله يركّز جهوده حتى هذه اللحظة في معارك على نقاط تقع إلى الشمال أكثر في الحدود السورية اللبنانية، ولكنه حاضر أيضًا في الجولان. لا يزال النظام اليوم يسيطر على جبل الشيخ السوري وسفوحه، وهذا يسمح له بالتالي في السيطرة على المحور الحرج الذي يربط كلا البلدين في تلك المنطقة الجبلية والحيوية. ولا يزال حزب الله يعمل في الجانب الغربي لتلك الحدود، وإثباتا لذلك فقد شهدنا مؤخرًا فقط محاولات لشنّ هجمات إرهابية ضدّ الجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا (هار دوف)، والقبض على شخص سوري في بلدة حاصبيّا المجاورة للحدود حين كان في طريقه إلى تهريب الأسلحة بالإضافة إلى عمليات لكتائب المقاومة الشعبية التابعة لحزب الله في قرية شبعا.

بعد أن أصبح واضحًا للجميع ما هي مصلحة بشار في الحفاظ على الجولان السوري، يبقى علينا أن ننتظر لنرى ماذا سيُولد في المستقبل. ويبدو أنّ السيناريو الحالي، الذي تسحق فيه القوى بعضها البعض دون مخرج، لا يخدم أيّ طرف سوى إسرائيل التي تتمتّع بعدم وجود حسم في هذه الأثناء. إنّ سيناريو انتصار قوات النظام سيساهم في استقرار المنطقة، مع وجود جهة مقيّدة لديها ما تخسره وهدفها استعادة النظام. إنّ سيناريو كهذا سيعزّز العلاقة العميقة بين بشار وحزب الله، وقد يجعل الجولان السوري مرورًا بجبل الشيخ وجنوب لبنان منطقة لا تتجزّأ بشكل لم نشهده في الماضي. بالنسبة لإسرائيل فهذا واقع مثير للاهتمام بشكل خاصّ، لإعداد المواجهة المحتملة مع حزب الله إذا حدثت. من جهة أخرى، فإنّ انتصار الثوار واستيلائهم على الجولان سيقرّب من نهاية بشار حيث سيضعف ذلك بشكل كبير الارتباط الجنوبي في محور سيادته (حلب – اللاذقية – حماة – حمص – دمشق)، وسيهدّد قلب النظام. من الصعب أن نقدّر ماذا سيحدث في اليوم الذي يلي خطوة كهذه. على الأرجح ستتزايد الفوضى فقط وربما أيضًا ستصبح الأرضية مؤهلة لوصول “الدولة الإسلامية” إلى المنطقة، وهو اتجاه لم يكتسب بعد زخمًا في الجولان، وإذا ما حدث فإنّه سيغيّر قواعد اللعبة التي عرفناها.

الحدود في مرتفعات الجولان، هذه المنطقة، وإنْ لم تكن كبيرة، تملك بشكل كبير مفاتيح أحداث تقف أمام سوريا، إسرائيل، لبنان وكلّ الشرق الأوسط في السنوات القريبة

والخلاصة أنّ الجولان السوري هو أساس صلب في نظام بشار الأسد في سوريا، ورغم أنّ أنظار العالم الآن تتوجّه إلى ساحات أخرى في الحرب ضدّ “الدولة الإسلامية”، يبدو أنّ اليوم الذي سيجذب فيه الاهتمام الدولي والإقليمي ليس بعيدًا. إنّ هذه المنطقة، وإنْ لم تكن كبيرة، تملك بشكل كبير مفاتيح أحداث تقف أمام سوريا، إسرائيل، لبنان وكلّ الشرق الأوسط في السنوات القريبة.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع Near- East

اقرأوا المزيد: 1291 كلمة
عرض أقل
أردنيون يحتجون على نتائج الانتخابات (AFP)
أردنيون يحتجون على نتائج الانتخابات (AFP)

هل تخطى الربيع العربي الأردن ؟

في مقابلة خاصة أجريناها معه، يعرض د. أساف دافيد، تقديراته ورؤيته لأهمية المملكة الهاشمية استراتيجيا، وتأثير الحرب الأهلية في سوريا على قراراتها الخارجية

في مقابلة خاصة أجريناها معه، يعرض د. دافيد تقديراته ورؤيته للإجراءات الهامة التي تجرى اليوم في المملكة الهاشمية: الأهمية الاستراتيجية للمملكة، نظرة إسرائيل الأمنية للجارة الغربية، تدخل الولايات المتحدة المتزايد في محاولة للحفاظ على وحدة المملكة الصغيرة وبقائها، وتأثير الحرب الأهلية في سوريا وأهميتها المركزية في اتخاذ القرارات في الأسرة المالكة الأردنية.

فيما يلي المقابلة

لماذا، حسب رأيك، لم يندلع “الربيع العربي” حتى الآن في المملكة الهاشمية؟

“ثمة عدد من الظروف الداخلية والخارجية. من الناحية الداخلية، السبب المركزي الذي منع نشوب “الربيع العربي” في المملكة الأردنية هو التصدع بين الفلسطينيين والأردنيين. الخوف الرئيسي لدى كل من الفئتَين، هو أنه إذا تزعزعت الأسرة المالكة وسقطت، فإن الفئتَين لن تتمكنا من الثقة الواحدة بالأخرى، ولن تتمكنا من التغلب على الانقسام، والتعاون معا. وبذلك، أضحى المس باستقرار الدولة عامل ردع لدى كلٍّ من المجموعتين. فضلا عن ذلك، لم يعد تأييد الأسرة المالكة موجودا لدى الأردنيين (البدو). نفس المجموعة السكانية التي دعمت لسنوات الأسرة المالكة وأنقذتها (من اضطرابات أيلول الأسود 1970)، ابتعدت عنها جدا بسب إجراءات اتخذتها الأسرة المالكة. إجراءات كان هدفها اقتصادا نيو- ليبراليا مس باقتصادهم التقليدي. أدت الخيارات الاجتماعية – الاقتصادية للملك عبد الله إلى انفصال تدريجي بين مصالح العائلة المالكة ومصالح السكان الأردنيين. مؤشرات أولى للأزمة المتكونة كانت تصريحات العسكريين المتقاعدين بشكل علني ضدّ الملكة، وبعد ذلك ضد الملك عبد الله نفسه.

حتى قبل انفجار الربيع العربي، بدأت بالتشكل تصدعات وأعمال عنيفة مخلة بالأمن ضد العائلة المالكة. حل الربيع العربي، والأسرة المالكة في أسوأ حالاتها من حيث الشعبية. وفي ظل ابتداء فقدان الاستقرار في الجوار، في تونس ومصر، نجح النظام في استغلال التصدع الفلسطيني – الأردني بشكل مؤثر عبر إنتاج خطاب عام تهديدي. بدأ النظام يحذّر الأردنيين من أنه إذا اندلعت أعمال الشغب، فإن الدولة ستنهار، وسيدخل الأردنيون مرحلة حرب دموية بين المجموعتَين السكانيتَين. طريقة أخرى كانت إشعال العلاقات بين الإخوان المسلمين وبعض القبائل. إرسال عصابات النظام، البلطجية، لضرب المتظاهرين وإحراق فروع للإخوان المسلمين، وإشعال النزاع بينهم وبين القبائل. كانت العائلة المالكة معنية بإضرام النار في مراحل معينة للتحذير من تدهوُر الوضع. بينما نجح النظام في تأطير الخطر المرتقب من تدهور العلاقات بين المجموعتَين، نجح أيضا في دق إسفين في مصالحهما المشتركة ومنع تكتلهما.

د. آساف دافيد خبير في شؤون المملك الأردنية الهاشمية
د. آساف دافيد خبير في شؤون المملك الأردنية الهاشمية

يسهل جدا على الأردنيين وعلى الفلسطينيين على حد سواء تصديق نظرية المؤامرة، ومفادها أنه إذا سقط الأردن، فإن إسرائيل ستنتهز الفرصة لطرد جميع الفلسطينيين إلى الأردن، وتحويل الأردن إلى ” وطن بديل”. والأردنيون يخافون جدا من هذه الإمكانية.

أما من ناحية التأثيرات الخارجية، فإن العامل الأكثر تأثيرا الذي منع تدهور الأوضاع في الأردن، هو الوضع في سوريا. كان المدّ ضد العائلة المالكة في الأردن جارفًا في السنة الأولى من الربيع العربي، وبدا أن الأردن سيُصاب بفيروس الربيع العربي، لكن لحسن حظه، بدأت أعمال الشغب في سوريا. تفاقمت الحرب الأهلية في سورية إلى درجة وصل معها عدد أكبر من اللاجئين السوريين كل يوم إلى الأردن. بدايةً، فر المئات إلى الحدود الشمالية، ثم بلغ عدد الفارّين الألوف وعشرات الألوف. قلَب فرار اللاجئين من الأعمال الوحشية والذبح في سورية، الوضعَ العسكري والاقتصادي إلى غير مستقر، ولم يكن الأردنيون مستعدين للمخاطرة بأمنهم أكثر. في الأردن اليوم نحو نصف مليون لاجئ (يشكلون نحو 10% من السكان)، وهم يسكنون شمال الأردن بشكل أساسي. يفعل اللاجئون، الذين يعانون من ظروف معيشية قاسية، كل شيء ليعيلوا أنفسهم، وهم يسيطرون غير مرة على مصادر معيشة السكان المحليين، ويزيدون نسبة البطالة.

متظاهرون أردنيون خلال مسيرة احتجاج للمطالبة بالإصلاح في عمان (AFP)
متظاهرون أردنيون خلال مسيرة احتجاج للمطالبة بالإصلاح في عمان (AFP)

للأزمة السورية في واقع الحال “أثر مبرّد” للربيع العربي في الأردن. حالما أدرك السكان المحليون المخاطر الكامنة لهم، من تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، إذا سقطت الأسرة المالكة، بدأوا بالتراجع في مطالبهم وتخفيف قوة النار ضد الأسرة المالكة. رأى الأردنيون أنه في الدول التي اندلعت فيها الثورات، أضحى الوضع أسوأ. فمصر عاجزة عن عبور الأزمة الاقتصادية والسياسية، تونس لا تستطيع أن تتعافى، وسوريا غارقة إلى العنق في حرب أهلية وحشية. برهان إضافي على عدم رغبة الأردنيين في زعزعة نظام الحكم القائم، هو ظاهرة فشل الإخوان المسلمين، الذين يعجزون حاليا عن إعادة الاستقرار إلى مصر وتونس. لا يسارع الغرب إلى مساعدة الإخوان المسلمين على توطيد الاستقرار في الدول، وهم لا ينجحون في تطبيق خطابهم حول إسرائيل أو الولايات المتحدة، تكبّلهم مصالح متناقضة، ويهاجمهم طرفا الطيف السياسي: القوى الليبرالية والقوى السلفية. منع نسيج الأسباب والتطورات هذه تصاعد ألسنة اللهب في الأردن”.

كيف تنظر المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية إلى الأردن والتطورات الأخيرة فيها؟

“تنظر المؤسسة الإسرائيلية إلى المملكة من المنظار السوري. التعاون بين إسرائيل والأردن اليوم وثيق جدا، وذلك وفقا لمعطيات تُنشر في الإعلام العالمي، لا ينكرها الإسرائيليون ولا الأردنيون إلى حد كبير. من الناحية العسكرية، التعاون وثيق جدا. من المفترض قراءة الإعلام العالمي لنفهم أنّ الأردن فتح مؤخرا مجاله الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية دون طيار لتصوير ما يجري في سوريا. يستضيف الأردن مناورات مشتركة لعدة دول. كانت المناورة الأخيرة مناورة “الأسد المتأهب” باشتراك جيوش الولايات المتحدة، الأردن، و 17 دولة أخرى (بداية حزيران). لدي أساس للاعتقاد، رغم أنه لا يمكنني إثبات ذلك، أن مناورات واستشارات عسكرية منفصلة تجري بين الأردن وإسرائيل، في ظل التطورات في سوريا. قال الملك عبد الله نفسه، وهو أمر ما كان ليفعله قبل سنتَين، إن التعاون بينه وبين رئيس الحكومة نتنياهو وثيق جدا. من الواضح أنّ مصلحة إسرائيل هي الحفاظ على استقرار المملكة، لا سيّما من الشمال.

تدرك إسرائيل أنه في حال انهارت سوريا وانقسمت، فإنّ الأردن سيواجه مدا هائلا من اللاجئين، وسيحتاج مساعدة أمنية لحماية حدوده ومنع تدفق السلاح الكيماوي لأيدٍ غير مرغوب فيها.

الأردن مستعد للتعايش مع تحدي سقوط النظام في سوريا وتفكّك الدولة إلى درجة اننا ندرك فيها بيقين أن ثمة برامج عسكرية تأخذ بالحسبان انهيار سوريا ككيان. حينها سيضطر الأردن إلى إقامة قطاع أمني في درعا. معنى ذلك أن الجيش الأردني سيتواجد في الأرض السورية، في درعا، كما أقامت إسرائيل قطاعا أمنيا بالاشتراك مع جيش لبنان الجنوبي، في جنوب لبنان.

إذا انفجر الوضع في سورية، وتعرض الأردن لمدّ من مئات ألوف اللاجئين السوريين، فسيتوغل في منطقة درعا شمالًا، ويقيم هناك قطاعا أمنيا يُسكن فيه اللاجئين، ويهتم بوصول مساعدات دولية إليهم، ويهدئ الوضع الأمني. هذا تدخل عسكري أردني مباشر. ولهذا الغرض، يحتاج الأردن إلى مساعدة وتعاون من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل في مجالَي الاستخبارات والجاهزية العسكرية.

لا شك أنّ الأردن يحظى بدعم عسكري أمريكي ضخم. فقد ازداد الدعم العسكري للأردن حتى بلغ مقادير هائلة. شكليا، كانت المساعدة العسكرية للملك عبد الله في سنوات حكمه العشر الأولى أكبر من كل المساعدة التي تلقاها والده الحسين في سنوات حكمه الخمسين. للأردن معاهدة مساعدة متعددة السنوات مع الأمريكيين بقيمة 660 مليون دولار سنويا، نصفها مساعدات اقتصادية – اجتماعية، ونصفها الآخر مساعدة عسكرية. يهتم الأمريكيون أيضا بإضافات واسعة على الموازنة كل سنة بقيمة تتراوح بين 100 و 200 مليون دولار سنويًّا. من الواضح أنّ لإسرائيل علاقة بهذا الشأن، إن لم يكن بشكل مباشر، فعلى الأقل على المستوى المخابراتي.

وزير الخارجية الامريكية جون كيري يلتقي مع الملك عبدالله الثاني (AFP)
وزير الخارجية الامريكية جون كيري يلتقي مع الملك عبدالله الثاني (AFP)

تدرك المعارضة الأردنية التعاون بين إسرائيل والأردن، وهي لا تكثر من الضجيج في هذا الشأن. حتى الحدث الأخير الذي صوّت فيه أعضاء البرلمان الأردني بالإجماع على إعادة السفير الأردني من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي من عمان، جرى امتصاصه في الإعلام، بعد أن تراجع أعضاء برلمان كثيرين عن تصويتهم”.

هل نفهم من هذا أنّ إسرائيل ستكون مستعدة لضمان أمن المملكة مهما كان الثمن؟ حتى لو كان الثمن التدخل العسكري؟

“يجب أن نقول بحذر شديد، لأنّ مصلحة إسرائيل في استقرار الحكم الهاشمي هي في الدرجة الأولى. الأردن هو الخط الأخير الذي يحميها من تدفق الحرب في سوريا إلى حدودها. فضلا عن ذلك، إذا لم ينقذ النظام الهاشمي نفسه ويحمِ دولته، فإنّ إسرائيل لن تقوم بذلك نيابةً عنه. أشك في قدرة إسرائيل على إنقاذ النظام الهاشمي من الانهيار. إنّ مصالح المؤسسة الإسرائيلية هي في استقرار النظام الهاشمي لأنه يُرى نظاما مستقرا ومسؤولا، لكن هذا لا يعني أنه إذا اهتزت أسس النظام نتيجةً لقرارات خاطئة أو لاهتياج داخلي فلسطيني أو أردني، سيفكر أو سيستطيع أحد في إسرائيل إنقاذه. تلتزم إسرائيل للأردن بالصمت في حال تدخل قوى أجنبية (كما فعلت في أيلول الأسود حين بدأ السوريون بإثارة الضجيج بهدف استغلال ضعف المملكة في تعاملها مع التهديد الفلسطيني) لأنها تخاف أن تهدّد هذه القوى أو العناصر الأجنبية أمنها في المستقبل”.

رئيس الوزراء نتنياهو يجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله (Flash90/Avi Ohayon)
رئيس الوزراء نتنياهو يجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله (Flash90/Avi Ohayon)

ماذا في شأن العملية السياسية وتأثير الأردن المباشر على الفلسطينيين ومسودة الحل التي يطرحها كيري؟

“إنّ واقع قيام إسرائيل بشكل فاعل بمنع إقامة دولة فلسطينية، معروف للملك عبد الله وللأردنيين أنفسهم، وهم يدركون أنّ هذا الوضع سيكون على حسابهم وسيؤدي إلى تعريضهم للخطر مستقبَلا. إذا أُغلق الباب على إمكانية “حل الدولتَين لشعبَين”، وأظن أنّ الباب قد أُغلق، فمعنى ذلك أنّ كل حل سياسي مستقبلي سيكون على حساب الأردنّ. أرى شخصياً، أنّ مساعي كيري لن تنجح، إذا لم يكن الطرفان، الإسرائيلي والفلسطيني، معنيَّين بحل وبتسوية تاريخية، وكان كلٌّ منهما متشبّثا بمواقفه، فإنّ أحدا ليس بوسعه إكراههما على ذلك.

الأزمة الإسرائيلية – الفلسطينية ثانوية، فللولايات المتحدة مشاكل أكبر وأهم: سوريا وإيران. الولايات المتحدة غير معنية أيضا بإجبار الزعماء في المنطقة لأنها تعرف أنها لن تستطيع حل المشاكل الأعمق في المنطقة. لا تنقص حلول أو مسودات منطقية لإنهاء النزاع والوصول لحل الدولتَين: مسودة كلينتون، مسودة جنيف، أنابوليس، وخارطة الطريق. لا استعداد لدى الطرفَين للتوصل إلى حل رغم أن معظم نقاط الخلاف تمت تسويتها.

حلم إسرائيل هو أمن مُحكَم، حلم غالبية الكنيست والحكومة الحاليتَين هو حق الآباء والأجداد في الضفة الغربية. في الجانب الفلسطيني، حق العودة والقدس. حاليا، لا أحد مستعد للتراجع عن مطالبه قيد أنملة، ليس ثمة زعيم يجرؤ على المخاطرة. كارثة فقط يمكن أن تؤدي إلى تفاهم الطرفَين. وهذه الكارثة يمكن أن تأتي على شكل “انتفاضة ثالثة”.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني (AFP)

حسب رأيي، دفن الربيع العربي حلم الدولتين لشعبين ليس لأنه حوّله غير قابل للتطبيق، بل لأنه منح إسرائيل ذريعة لا مثيل لها لتقول للعالم: كيف تتوقعون منّا إقامة دولة فلسطينية جديدة على حدودنا، فيما المنطقة مشبعة بالعنف والثورات، فمن يضمن أمننا؟ على فرض أن كارثة جديدة تجبر الطرفَين على التفاهم لن تحصل، فإن ما ينتج هو نتيجة واحدة واضحة تأتي على حساب الأردن، على الأقل لسبب بسيط، هو أنّ إسرائيل اليوم هي الطرف الأقوى في المعادلة؛ ما يُقال في اليمين منذ سنوات، ويُرى غير قابل للتطبيق أو كابوسًا: ضم الأراضي المحتلة، وتحويل الفلسطينيين في الضفة إلى مقيمين، لا مواطنين متساوي الحقوق. سيحظون بخدمات صحية، صرف صحي، عمل، ستهتم إسرائيل بهم لكن دون أن تتيح لهم أن ينتخِبوا ويُنتخَبوا، ولا يجري تمثيلهم في أي حكومة أو كنيست. أما الحقوق الوطنية فيحققها الفلسطينيون في الأردن. يدفع هذا الحلَّ، زعيمُ اليمين اليوم، نفتالي بنيت، الذي ادعى مؤخرا أنّ “المشكلة الفلسطينية هي كشظية في المؤخرة”. يقول ذلك أيضا نائب وزير الأمن داني دنون. إضافة إلى ذلك، يدرك الفلسطينيون أنفسهم أنهم، على ما يبدو، غير معنيين بإقامة دولة فلسطينية حاليا. فهم غير معنيين بدولة منزوعة الصلاحيات، دون جيش وقوى أمنية فاعلة، اقتصادها وسلطتها على مواردها متعلقة بإسرائيل. أظن، للأسف، أن الرياح اليوم تهب باتجاه هذا الحل. والأردن يعي هذا الوضع المتفجّر، لكنّ يديه مكبلتان بسبب الأزمة السورية، حاليًّا على الأقل”.

ما معنى التوقيع في آذار الماضي بين الفلسطينيين والأردنيين على اتفاق يمنح الأردنيين الصلاحية للعمل على حماية الأماكن المقدسة ولتمثيل الفلسطينيين في شأن القدس؟ هل عاد حل الكونفدرالية بين ضفتَي الأردن إلى طاولة البحث؟

يمكن اليوم الحديث عن إمكانية قيام كونفدرالية بين ضفتَي الأردن عندما تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وتمنح السلطة الأمنية للأردن، على افتراض أنّ الأردن سيكون مستعدا ليقبل مسؤولية الحفاظ على الأمن وإضافة ملايين أخرى من الفلسطينيين إلى سكانه، حتى لو كان ذلك حلا مؤقتا ريثما تزول المسائل الأكثر تعقيدًا في الشرق الأوسط. لكن للتوصل إلى حل كهذا، على جميع الأطراف التنازل عن أمور عدة: على إسرائيل التخلي عن أراضٍ والانسحاب لحدود 1967، على الأردن أن يقبل بتحمل مسؤولية أمنية، قضائية، سياسية، واقتصادية على ملايين من الفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا بالوحدة مع الأردنيين مع علمهم أنهم سيكونون في موقف أضعف، وأنهم يتنازلون عن حلم الدولة الوطنية الفلسطينية. كل هذا دون أن نأخذ بالحسبان مشكلة غزة الكبيرة، التي تبقى مبتورة ومنعزلة.

احرس الحدود الأردني أمام صورة الملك عبد الله الثاني (AFP)
احرس الحدود الأردني أمام صورة الملك عبد الله الثاني (AFP)

هذا الحل صعب التطبيق وتتخلله مشاكل بنيوية. حل كونفدرالية على ضفتَي الأردن حلّ أقدم من حل إقامة دولة فلسطينية، وهو كثيرًا ما يطفو على السطح دون أن يتحقق.

يبدو حاليًّا أن فرضا دوليا بالقوة لحل معقول فقط بإمكانه حل هذه الفوضى، واليوم لا رغبة كهذه لدى أية قوة عظمى لأنّ ثمة قضايا أكثر إلحاحا وأكبر للمعالجة.

القدس هي أمر فارغ. عندما تكون السلطة الفلسطينية قوية بإمكانها أن تعمل ضد إسرائيل والأردن. وعندما تكون ضعيفة، كما هي اليوم، فإنّ بإمكان الأردن أن يفرض عليها اتفاقا يسلبها بعض الصلاحيات للعمل في الأماكن المقدسة ولإعادتها إليه.

في إطار معاهدات أوسلو، نال الملك الحسين من إسرائيل اعترافا بالوضع الخاص للأردن مقابل الدول الإسلامية الأخرى، وصلاحية للعمل في القدس في الأماكن المقدسة. الاتفاق في آذار هذا العام، هو في الواقع اعتراف فلسطيني بأفضلية الأردن في تمثيل الأزمة في القدس، وفي تمثيل السلطة أمام عناصر دولية في ما يتعلق بقضية الاهتمام بالأماكن المقدسة. يمكّن هذا الاعترافُ الأردن من العمل ضدّ إسرائيل في كل ما له صلة بحج اليهود إلى جبل البيت وأعمال شغب المستوطنين هناك بين الحين والآخر. لكن الأردن لا يسارع إلى استخدام هذه السلطة لأنه يضحي بهذا الشأن في سبيل مصالح أكبر وأوسع، وهو بقاؤه في السياق السوري. يعترض الأردن ويستنكر في كل مرة يحصل فيها حدث خارق للعادة، ولكن ليس أكثر من ذلك. ما بدا في البداية أنه اتفاق متبادل بين الأردن والسلطة الفلسطينية في شـأن القدس، هو في الواقع اتفاق إذعان السلطة الفلسطينية للأردن في شأن القدس”.

د. آساف دافيد هو باحث في معهد ترومان لتشجيع السلام في الجامعة العبرية في القدس، ومدرّس في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية، وفي قسمَي تاريخ الشرق الأوسط، والسياسة والحُكم في جامعة بن غوريون في النقب. مجال اختصاصه هو العلاقات بين المجتمع والدولة في الأردن، والعلاقات العسكرية – المدنية في الشرق الأوسط. يعمل د. دافيد كباحث خبير في الشؤون الأردنية في صندوق التعاون الاقتصادي، (ECF)، مستشار للقطاع الخاص والعام في إسرائيل والخارج في الشؤون الأردنية، ومعني بتعزيز وتقييم مشاريع غير حكومية مشتركة بين إسرائيل والأردن.

اقرأوا المزيد: 2133 كلمة
عرض أقل