عندما كان دان أريئيلي ابن 17 عاما، أصيب من مفرقعات أثناء الاستعدادات لحفل حركة الشبيبة الإسرائيلية التي كان عضوا فيها. إثر الإصابة، التي سببت ندبات وإصابات في كل جسمه والتي ما زالت حتى يومنا هذا. مكث دان لثلاث سنوات في المستشفى خاضعا للعلاج. طرأت تغييرات كثيرة في حياته بعد العمليات الجراحية الكثيرة، الألم، والمعاناة الكبيرة التي اجتازها وما زالت ترافقه حتى يومنا هذا، لكن أريئيلي شعر أيضا أنه يرغب في المساهمة في المجتمَع الذي دعمه وعالجه عندما كان مصابا.

في العقد الأخير، سطع نجم البروفيسور أريئيلي، الخبير العالمي بالاقتصاد السلوكي. ففي محاضرة Ted الخاصة به، والتي حظيت بملايين المشاهدات، وفي كتابه “ليس منطقيا وليس صدفة”، الذي تُرجِم إلى 30 لغة، وبيع أكثر من مليون نسخة منه في العالم، أوضح أريئيلي بشكل هام، لماذا نحن البشر نفشل في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمال. في إطار تعبيره عن توجهه البسيط، وبمساعدة عشرات الأمثلة من الحياة اليومية، كشف أريئيلي أمام متابعيه وقرائه الآلية النفسية التي تجعلنا لا إراديين، نفشل مرة تلو الأخرى في القرارات التي تفيدنا اقتصاديا. حقق أريئيلي شهرة عالمية بفضل نجاحه، وأصبح محاضرا مطلوبا، يقدم استشارة هاتفية لمديري شركات يتصلون به عندما يريدون اتخاذ قرارات حاسمة.

“كنت مصابا وقتا طويلة، فغيّرت هذه الحقيقة وجهة نظري”، قال أريئيلي في مقابلة معه وأضاف: “شعرت في الفترة التي اجتزت فيها تأهيلا مدى مسؤوليتي. أفكر أحيانا بالتكلفة التي لحقت بجهاز الصحة، وبتكلفة العمليات التي اجتزتها. لهذا أفكر اليوم كيف يمكن أن أساهم في المجتمع مقابل كل ما حصلت عليه باستخدام الاقتصاد السلوكي. أحاول استخدام طريقتي للتأثير على سلوك الأشخاص، وأن أدفع قدما مشاريع مختلفة تساعد الأشخاص على أن يديروا أمورهم المالية بشكل أفضل، وأن ألتقي مصابين، وأساهم في المجتمع”.

يعتقد أريئيلي، أن الجميع يبحث عن السعادة، ولكن القليلين يحددون ما هي السعادة في نظرهم: أعتقد أن هناك نوعين من السعادة. السعادة اللحظية. أجلس وأتناول الجعة، وأشعر بشعور جيد. لا أحد يريد مثل هذه الحياة المثالية فقط. وهناك النوع الآخر من السعادة، التي نشعر بها بعد تحقيق فكرة أو هدف وهي لا تتضمن سعادة لحظية”. وفق أقواله، تتطلب الحياة الكاملة البحث عن أهمية، محتوى، وعدم الاكتفاء باللحظات العابرة.

بما أن على الجميع العمل، فإن أحد المفاتيح الرئيسية للاكتفاء الذاتي، وفق ادعاء أريئيلي، هو أن نجعل العمل مصدر متعة، وأهمية قدر المستطاع، ولكن يجب تطبيق هذه الفكرة على الشؤون الصغيرة أيضا، مثلا، من هم الأشخاص الذين نعمل معهم يوميا: “تنطوي الدافعية على عناصر كثيرة. تعلمت من تجربتي أنه من المهم جدا العمل مع أشخاص نحبهم. فقبل بضع سنوات، توقفت عن العمل على بعض المشاريع، وأقلت بعض الأشخاص الذين شعرت بعبء في العمل معهم. عندما تربطني علاقة جيدة مع الأشخاص الذين أعمل معهم، تنشئ الدافعية رغبة في التعاون مع هؤلاء الأشخاص ومساعدتهم.  كما أنه تربطني علاقة محبة – كراهية مع ما يُعرف بـ “الموعد الأخير” (deadline), ولكنه يساعد كثيرا.  فهو يحفز على العمل”.

بالمناسبة، أريئيلي هو ناشط اجتماعيّ وسياسي، ويحاول استخدام تجاربه العلمية بهدف التفكير فيحلول خلاقة للمشاكل الاجتماعية، وللنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وفق ادعائه، يشعر السياسيون أنه “من الأسهل ألا يُصنع السلام” . فلنفترض أن نتنياهو وقع على اتفاقية سلام، وفي اليوم التالي حدثت مشكلة كبيرة جدا. عندها يكون من السهل أن نقول “بيبي أنت غبي”. بالمقابل، إذا لم يتخذ نتنياهو أية خطوة، فلا يمكن اتهامه، لأنه ليس هناك سبب للندم. فالقيادة التي تقول “كل ما أطمح إليه هو ألا يتهمني المقربون بارتكاب خطأ”، تكون الطريق الأفضل لديها هو عدم القيام بأية خطوة”.

 

اقرأوا المزيد: 530 كلمة
عرض أقل