على ضُوء فشل المفاوضات الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ينشر عدد غير قليل من ذوي الفكر، والسياسيين، والخبراء والمستشارين تعاليمهم السياسية والتي تشمل وصايا ومقترحات لدولة إسرائيل حول كيفية العمل تحت الظروف الحالية في الضفة الغربية.
من أبرز البرامج وأكثرها مفاجأة، هو برنامج داني ديان، الذي ترأّس لسنوات طويلة مجلس “ييشع” (الهيئة التي كانت تهتم بمصالح المستوطنين في الضفة الغربية)، والمعروف بمواقفه اليمينية، يدعو في هذا البرنامج “في ظل غياب حل سياسي للنزاع… إلى التقدم على المستوى الإنساني” وتحسين ظروف الفلسطينيين، وضعهم وحالتهم، في الضفة الغربية.
البرنامج الذي نُشر هذا الصباح بالتوازي في “نيو يورك تايمس” وفي صحيفة “هآرتس”، وكذلك في صفحة الفيس بوك الخاصة بديان، يبدأ على النحول التالي:
“أيار 2014. يضع انهيار “برنامج كيري” إسرائيل قُبالة تحد صعب. ويجدر أن أذكر أنني لم أؤمن مرة ولم أدعم أبدًا برامج سياسية مثل هذه، لكن من العسير الإنكار أنها فتحت آفاقا، وإن كانت موهومة، للكثيرين من الجانب الإسرائيلي، الفلسطيني، والمجموعة الدولية”.
ويكمل: “يجب ملء الفراغ بمبادرة إسرائيلية جريئة تمسّ بحياة الفلسطينيين في الضفة. ويعي كل صاحب فكر سليم أن حياة هؤلاء تحتاج تغييرًا وتحسينًا بالغًا فوريًا. وعلى كاهل إسرائيل، مُلقاةٌ مسؤوليةُ تطبيق برنامج طموح شجاع لتحسين وجعل الحياة المدنية طبيعية في الضفة عامة، وفي مجال حقوق الإنسان خاصة، إلا إذا كان ذلك يُلحق ضررًا من الناحية الأمنية”.
طابور بنائين فلسطينيين ينتظرون العمل في إسرائيل (Flash90)
إن المرحلة الأولى في برنامج ديان هي “حرية التنقل”، التي تشمل إزالة تدريجية لكل الحواجز والعقبات في الضفة الغربية، والسماح بالمرور والدخول للبلدات الإسرائيلية واليهودية، حتى في داخل الخط الأخضر، من خلال فتح كل البوابات في جدار الفصل، حتى إزالتها كليًّا. ويسري تطبيق حرية التنقل كذلك على تنقل الفلسطينيين إلى خارج البلاد، وبمقتضى البرنامج ستهتم إسرائيل بمسارات ممهدة سريعة ومريحة من الضفة إلى مطاري بن غوريون وعمان.
بناء على هذا، يُطالب ديان بحق العمل للفلسطينيين، في السوق الإسرائيلية أيضًّا، كمصلحة متبادلة، لا كعمال فقط. “على إسرائيل أن تشجع بكل قوة اندماج الأكاديميين الفلسطينيين في صناعاتها المتقدمة”، يكتب ديان. وكذلك، ” يمكن لمهندس من رام الله ويجب أن يعمل في تل أبيب، وكذلك يمكن لطبيب فلسطيني أن يعمل في مستشفى إسرائيلي”، وعلى العكس- أن يعمل الأكاديميون الإسرائيليون في المدن الفلسطينية في الضفة- في المصانع، المستشفيات والمؤسسات التعليمية. يُضاف إلى ذلك، أن تزيل إسرائيل حسب البرنامج العقبات والتقييدات على حرية التجارة، الاستيراد والتصدير التي تقف أمام التجار وأصحاب الأعمال الفلسطِينيين، وبهذا تقام مجمعات صناعية مشتركة.
بالإضافة إلى ذلك، يشدد ديان، على أنه على إسرائيل أنْ تبادر لرفع الدخل الفلسطيني للفرد، من خلالَ تحسين البنى التحتية في الضفة ورفع مستوى الحياة عامّةً. “يجب على إسرائيل، بالتعاون مع المجموعة الدولية، اتخاذ خطوات عملية لتحسين شامل للبنى المدنية في الضفة: المياه، الصرف الصحي، المواصلات، التعليم، الصحة وغيرها. الغايةُ: تقليص الفجوات الكبيرة في البُنى التحتية بين المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الفلسطيني، قدر الإمكان . “إلى جانب هذا، على إسرائيل أن تتيح للسلطة تطوير قدرات مستقلة في كل المجالات أعلاه.
خطوة أخرى، مهمة ومثيرة، هي “تمدين الإدارة المدنية”، أي أن تشغل الإدارة المدنية الإسرائيلية مواطنين بدلَ لابسي الزيّ الرسمي. “لا يليق أن يقف فلسطيني ابن 50 سنة أمام جنود وضباط تصل أعمارهم نحو نصف عمره”. يجب أن يخدم في الإدارة المدنية مواطنون خبيرون، يفهمون أن واجبهم هو تقديم خدمة ناجعة ومؤدبه للسكان الفلسطينيين”.
بالإضافة إلى هذا، يطلب ديان دمج الفلسطينيين في لجان مختلفة مثل التخطيط والبناء، وتطبيق نظم قضائية متماثلة على جانبي “الخط الأخضر”، حيث يكون “الحكم على فتى فلسطيني عمره 16 يلقي بالحجارة مثل الحكم على فتى يهودي عمره 16 من يهودا والسامرة يقوم بالعمل ذاته، ومثل أي فتى من أي فئة قد ارتكب هذه المخالفة داخل “الخط الأخضر”.
ومن الخطوات الأخرى المهمة في البرنامج، هي “تقوية الحكم الذاتي الفلسطيني: “على إسرائيل أن تمتنع عن التأخيرات في تحويل مدفوعات الضرائب على أنواعها للسلطة، تقوية نظم التنسيق في المجالات المختلفة المتعلقة بجودة حياة السكان، وفي كل الأحوال، اتخاذ أي خطوة يمكن لها أن تحسن الأداء الجيد والناجع لنظم السلطة المدنية”.
داني ديّان، رئيس مجلس “يهودا والسامرة” في السابق (Flash90)
يطالب ديان أن يُبتدأ في تطبيق الخطة بالخليل خاصة، إذ أن فيها مستوطنة يهودية، وأنْ تُعطى حرية التنقل والعيش المشترك في المدينة لإثبات أن الخطة ممكنة. في النهاية، فالخطوة الأخيرة في البرنامج هي “ترميم مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة.
” 66 سنة بعد بنائها، آن الأوان لترميمها ترميما أساسيًّا وصارمًا. لا يمكن أن يعيش الجيل الرابع والخامس للاجئين في قلة وتقشف في ظروف لا تلائم الحياة العصرية في القرن الواحد والعشرين. يجب منح أجيال المخيّمات سكنا ملائما مهما وعملا، خدمات صحية وطبعا، تعليما”.
للوهلة الأولى، ليس واضحًا أين اختفت آراء ديان اليمينية، وكيف صار رافعًا لراية حقوق الإنسان الفلسطيني. مع ذلك، لا شك أن هذا البرنامج يعتبر بعيدًا جدًا من أن يقبله اليسار الإسرائيلي، وطبعًا لن يقبل به الفلسطينيون. أولا، فالبرنامج ينطلق من نقطة أساسية مفادها أنه لن تقوم دولة فلسطينية قريبًا، وأن مناطق الضفة، أو كما دأب على تسميتها في البرنامج، “يهودا والسامرة”، ستبقى تحت إمرة إسرائيل، بالإضافة إلى حضور إسرائيلي عسكري مكثف وسيرد ” بلا هوادة على أي محاولات عنف”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الكلمة المفتاحية في البرنامج هي “التطبيع”، التعاون المشترك الإسرائيلي الفلسطيني في كل مجالات الحياة، وإن كان هذا جيدًا للفلسطينيين، لكنه سيتجاهل تمامًا الاحتلال بل سيرسّخه”. إذًا، يشكل هذا تقدمًا واهتمامًا إنسانيًّا لاحتياجات الفلسطينيين، لكنه ناتج عن هدف استمرار المصلحة الإسرائيلية والتواجد في الضفة الغربية.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني