تعرفوا على داليا شاحم (35 عامًا)، محامية وأم شابة، تحاول أن تحتفي بـ “يوم السلام” – يوم واحد في العام مخصص لفكرة السلام والتصالح بين الشعوب. حتى أن شاحم قامت بتسجيل واحدة من الأغاني المشهورة باللغة العبرية “يا الله، يا الله” بتوزيع عربي. انتشرت مبادرتها حاليًا على الفيس بوك وفي مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن كثيرين أبدوا اهتمامهم بالمشروع.
ذكرت شاحم في حديث لها لموقع المصدر عن مصدر المشروع، الذي سيعتبره كثيرون في إسرائيل مشروعًا ساذجًا.
قالت شاحم: “خطرت لي فكرة الاحتفاء بيوم السلام خلال فصل الصيف، وقت الحرب على غزة، جنوب إسرائيل”. “كان من الواضح أن عنف الحرب أدى إلى يقظة لدى الكثير من الأشخاص، الذين ليسوا بالضرورة نشطاء سياسيين، ولكنهم سئموا من دائرة التحريض، الجهل والقمع المتناهية تلك. خطر لي بأنه لخسارة كبيرة أن نتذكر الحديث عن السلام وأن نطالب بالسلام بينما صوت المدافع يدوي. نتعامل مع السلام بالأوقات الأخرى كأمر مفهوم ضمنًا ونتوقع أن يهتم به شخص آخر بدلاً منا. هذا شبيه جدًا بتعاملنا مع كوكب الأرض والموارد الطبيعية – نتذكر بأنه علينا أن نحافظ عليها فقط عندما تقل تلك الموارد أو عند انتشار التلوث”.
“فكرة تكريس يوم للسلام هي ليست فكرة ابتكرتها أنا – هنالك يوم للسلام العالمي والذي جاء أيضًا نتيجة مبادرة شخصية وتحول إلى تنظيم وحركة عالمية (International Peace Day, 21/9). ولكن، هذه أول مبادرة من نوعها في نطاقنا المحلي، على ما أعتقد. لذا كان من الهام بالنسبة لي أن أختار تاريخًا تكون له أهمية محلية – 20 عامًا على توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. اكتشفت أيضًا لاحقًا أن تاريخ الـ 26 من تشرين الأول هو التاريخ الذي انتهت فيه حرب تشرين”.
المئات انضموا
فكرة المشروع ليست فكرة منظمة ما أو حزب سياسي بل تأتي من الأسفل: “ربما أنشأت وحدي صفحة الفيس بوك، بعد أن استشرت عددًا من الأصدقاء المقربين، ولكن بعد أيام من إطلاق الصفحة انضم إليها مئات الأشخاص، وبعضهم حتى وجدوا طرقًا لجعل يوم السلام هذا خاصًا بهم – بدأوا بكتابة مقالات، تنظيم لقاءات صغيرة، اقتراح طرق خاصة للاحتفاء بهذا اليوم. أنا واثقة من أننا قبل الذكرى القادمة ليوم السلام سنكون قد أصبحنا مجموعة كبيرة، متنوعة وأكثر تنظيمًا وسيتم الاحتفاء بيوم السلام على نطاق أوسع”.
سؤال: أليس التوقيت غريبًا بعض الشيء – بعد أشهر من الحرب في غزة، وفي حين تظهر دلالات انتفاضة جديدة في القدس؟
واحدة من مشاكلنا الكبيرة، برأيي، في إسرائيل، في فلسطين وفي المنطقة بأكملها هي أنه دائمًا يبدو أن الوقت الآن ليس هو الوقت الملائم للسلام. إما أن نكون في ذروة موجات عنف أو بين تلك الموجات. ينبع هذا أيضًا من الفهم الخاطئ بأن السلام هو غياب الحرب، وبأننا نستطيع التحدث عن السلام فقط حين لا تكون هناك حرب. ولكن هذه فكرة تخلد ذاتها: إن انتظرنا انتهاء الحرب لنتمكن من التحدث عن المستقبل الذي نريد العيش فيه سنبقى عالقين في هذا الواقع الذي لا يُطاق لفترة طويلة بعد. لأنه ما من وقت جيد للتحدث عن السلام، أصبحنا لا نعرف ما هي ماهية السلام، ما عاد بإمكاننا أن نتخيل حياةً يعم فيها السلام.
ولكن الحقيقة هي أنه إلى جانب الحرب، وكل تلك الصعوبات وذلك الموت، دائمًا هناك سلام، وتعاون، وحياة. يقوم الكثير من الأشخاص، من كل المنطقة، دائمًا بفعل أشياء، لا تدفع فقط نحو تحقيق السلام مستقبلاً بل أمور تخلقه في الحاضر، بحيث يقومون ببناء جسور اجتماعية، ثقافية، تجارية، مهنية – علاقات بين الأشخاص، علاقات تتجاوز حدود الأديان والعقائد. علينا التوقف للحظة لتأمل تلك الجسور والاعتراف بها، لكي نكتسب الدعم منها، ولنعرف كيف نحافظ عليها وكيف نطورها.
سؤال: يبدو أنه، منذ التسعينات، لا يستخدم الإسرائيليون والفلسطينيون ، بمن فيهم أولئك الذين يدعمون التسوية، كلمة “سلام” كثيرًا، فلماذا من المهم بالنسبة لك أن تغيري ذلك وألم يكن من الأفضل استخدام مصطلح عملي أكثر؟
تحوّلت كلمة سلام بالفعل إلى كلمة فظة – من المحرج قولها. تمامًا كما تحوّل مصطلح “رقيق القلب” في المجتمع الإسرائيلي إلى مصطلح مخجل، والادعاء الرئيسي الذي يوجهه اليمين ضد اليسار اليهودي هو أننا “ساذجين” إن كنا نعتقد بأنه يمكننا الوثوق بالعرب. تحوّلنا جميعًا إلى أشخاص ساخرين وقساة القلب وغير مكترثين – وهذا ليس في صالحنا. حين أقول “نحن” أقصد بهذا كل الأشخاص الذين يعتقدون أنه يجب أن يكون ويمكن أن يكون هنا الوضع هنا أفضل، نحن الذين لسنا مستعدين لتقبل الوضع الذي فيه مواردنا في المنطقة يتم حرقها بسبب حرب الحدود ولم يتبق مال ولا وقت للتعليم، للثقافة، للازدهار. هؤلاء ما أقصدهم بقولي “نحن” – المحبون للسلام. وإن حاولنا فقط التحدث بالمصطلحات البراغماتية والقتالية الموجودة لدى الجانب الآخر، ذلك الجانب الذي يؤمن بالتقسيم، بالترويع ، وبقوة السلاح، لن ننجح أبدًا. هناك مكان للنقاشات البراغماتية ومناهضة الاحتلال والقمع، ولكن ليس هناك تناقض بين هذا وبين الحاجة للتحدث عن السلام. إن أردنا مستقبلاً آخر علينا أن نسميه باسمه – مستقبل السلام: أن نعيد لهذه الكلمة معناها ومكانتها.
وها هنا فكرة أُخرى: بالعبرية والعربية كلمة “سلام” هي كلمة نلقيها كتحية على كل من نصادفه في طريقنا. الصلاة من أجل السلام واردة في كل نصوص الصلوات اليهودية وكلمة سلام مشتقة أيضًا من جذر كلمة “إسلام”. السلام مزروع عميقًا في جذور اللغتين اللتين ننطق بهما. لماذا عسانا نخجل من هذه الكلمة؟ لماذا عسانا نخفيها؟
سؤال: ما هي الأهمية الرمزية لهذه الأغنية تحديدًا ولماذا كان من المهم بالنسبة لك تسجيلها بالعربية؟
أغنية “يا الله، يا الله” المعروفة أيضًا باسم “مشوار إلى قيساريا” كتبتها حانا سينش، شابة يهودية وُلدت في هنغاريا، وهربت من أوروبا، من هول النازيين، إلى فلسطين الانتدابية. تطوعت في سلاح المظليين في الجيش البريطاني وتم القبض عليها خلال تنفيذها لإحدى العمليات وتم إعدامها قبل أيام من انتهاء الحرب. كتبت الأغنية وهي على شاطئ البحر المتوسط بعد أن وصلت إلى البلاد أنباء المجازر المريعة التي تحدث في أوروبا.
تعرف غالبية الإسرائيليين هذه الأغنية على أنها أغنية ذكرى لأرواح ضحايا الهولوكوست، ولكنني دائمًا ما كنت أتواصل مع كلمات التفاؤل التي فيها وفكرت بها على أنها أغنية صلاة، وحانا سينش بالنسبة لي هي مناضلة من أجل الحرية أكثر من كونها ضحية حرب.
فكرة ترجمة الأغنية للعربية كانت فكرة أمي – فيرا – التي وُلدت في العراق، وعادت مؤخرًا لتعلم لغتها الأم واختارت أن تترجم هذه الأغنية، التي تحبها جدًا ، للعربية والتي تغنيها دائمًا وهي ذاهبة إلى البحر (3 مرات في الأسبوع على الأقل). شعرت بانسجام مع هذه الفكرة وتحديدًا خلال الصيف الأخير، حين كنت مع ابني الصغير على شاطئ البحر. فكرت بأولئك الأمهات في غزة اللواتي لا يمكنهن الذهاب مع أبنائهن إلى البحر، إلى شواطئ البحر هناك، الشواطئ الخالية من الناس حيث الأمواج تروح وتجيء على صدى دوي مدافع لا ينتهي. وفكرت أيضًا كما أن هذا البحر وهذه السماء مشتركة بيننا جميعنا، هكذا أيضًا الصلاة حيث نتمكن من تربية أولادنا بأمان، بهدوء، بأمل وحب – هي أيضًا صلاة مشتركة. هذا ما جاءت ترجمة الأغنية لتعبّر عنه.