القرار الأخير لمجلس الأمن في الأمم المتحدة بخصوص عدم مشروعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فعليا هو القرار التاسع في هذا الموضوع منذ عام 1967. أشار مجلس الأمن إلى المستوطنات كهدف، ومع ذلك، كما هو معلوم للجميع، فلا تزال المستوطنات في الضفة قائمة وآخذة في الازدهار منذ نحو 50 عاما. من المرجح أن القرار الأخير أيضا ليس أكثر من حبر على ورق.
ولكن هذا القرار هو ليس الفشل الوحيد للأمم المتحدة في تحقيق أهدافها، بل وليس من أخطر حالات فشلها. في الواقع، فإنّ المنظمة المسؤولة عن أمن العالم، قد راكمت حالات فشل أكثر من النجاح في مجال إرساء السلام والأمن. وعندما تفشل منظمة ذات مسؤولية كبيرة إلى هذا الحدّ، فإنّ موت ملايين الأبرياء يصبح محتما. للتوضيح، إليكم بعض حالات الفشل الأكثر رعبا لمجلس الأمن:
المحكمة الدولية السخيفة ضدّ رئيس السودان الحالي، عمر البشير
منذ عام 2003 وحتى اليوم، تجري إبادة جماعية في إقليم دارفور في السودان من قبل الجيش السوداني وميليشيات الجنجويد، ضدّ القبائل الإفريقية في إقليم دارفور الواقع غرب السودان. حتى اليوم أكثر من 400,000 شخص من هذا الإقليم قد قُتلوا، وأصبح نحو 3 ملايين لاجئين ونازحين.
في آذار 2005 توجه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية من أجل التحقيق في جرائم الحرب التي تُرتكَب في دارفور. بعد أربع سنوات من ذلك، صدر ضدّ الرئيس السوداني عمر البشير أمر اعتقال دولي وقُدِمت لائحة اتهام ضدّه وفيها سبعة بنود حول ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب.
عام 2010 صدر ضدّ البشير أمر اعتقال دولي مرة ثانية، وأضيفت إليه ثلاث تهم لارتكاب إبادة جماعية – وهي الجريمة الأكثر خطورة في كتب القانون. رغم ذلك تابع البشير أعماله كالعادة، ولم يحرّك ولو جنديا واحدا من دارفور، واستمر في تولي منصب الرئيس في بلاده الممزّقة.
عام 2013 أقيمت محكمة البشير في المحكمة الدولية في لاهاي، ولكن لم يبذل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أي جهد لإحضار المتهم للمحكمة.
جنود الأمم المتحدة الذين رفعوا الكؤوس مع مجرمي الحرب في البوسنة
في أعقاب الحرب الدموية بين البوسنيين والصرب والكروات في البوسنة، قرر مجلس الأمن عام 1993 فرض منطقة آمنة من أجل المدنيين البوسنيين النازحين، “والتي يجب أن تكون حرة من أية هجمات مسلحة أو أي عمل عدائي آخر”. منذ البداية، انتهك كلا طرفي الصراع اتفاق “المنطقة الآمنة”. لقد منعا وصول بعثات المساعدات الدولية إلى المنطقة الأمنة، ولكن حدث الأسوأ من كل ذلك لاحقا.
في صيف 1995، اجتاح الصرب المنطقة الآمنة وبدأ الإرهاب. وقفت قوات الأمم المتحدة جانبا ولم تفعل شيئا لإيقاف المجزرة التي حدثت أمام أعينها. بل لم ترُسل الأمم المتحدة إلى الصرب أي تعزيز رغم طلبهم العاجل.
فرّ بين 20 إلى 25 ألف لاجئ بوسني إلى المنطقة الآمنة التابعة للأمم المتحدة، ولكن القوات الصربية اجتاحت تلك المنطقة، فصلت الرجال عن النساء والأطفال، والذين أُرسِلوا خارجا في الحافلات، ونفذت إعدامات جماعية للاجئين الرجال.
تعجز الكلمات عن وصف تصرف قوات الأمم المتحدة في هذا الحدث، بتعابير أخرى تتعدى الـ “جُبن”. لم تحاول قوات الأمم المتحدة التي كانت في المكان من أجل حماية اللاجئين، كما ذكرنا مقاومة المجزرة، بل تعاونت مع القوات الصربية. والتُقِطت صور لقائد هذه القوات وهو يرفع الكأس مع جنرال صربي مشتبه به بتنفيذ جرائم حرب.
100 يوم من المجازر في رواندا
كانت الإبادة الجماعية في رواندا ذات أبعاد كبيرة، وحشية وتمت في مدة زمنية قصيرة جدا. خلال ثلاثة أشهر ونصف في عام 1994 قُتل في رواندا بين 800 ألف إلى مليون إنسان، على خلفية إثنية. قتل أبناء قبيلة “الهوتو” الذين وصلوا إلى السلطة كل من كان من قبيلة “التوتسي”، بل وأبناء قبيلتهم المعتدلين الذين رفضوا المشاركة في حملة القتل.
عند اندلاع العنف في رواندا، امتنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من تعريفه كإبادة جماعية. على مدى فترة طويلة أمرت الأمم المتحدة قائد قواتها في رواندا التركيز على المساعدة في إخلاء المواطنين الأجانب من البلاد، وليس على مساعدة المحليين. ففي الواقع، مارست الولايات المتحدة ضغوطا كبيرة على مجلس الأمن لعدم تعريف الأعمال في رواندا كإبادة جماعية. وسبب ذلك هو أنه لوْ تم تعريفها كإبادة جماعية، كان على أمريكا إرسال قوة عسكرية إلى رواندا.
بل أوقفت بلجيكا مشاركتها في قوة الأمم المتحدة في رواندا، بعد أن قُتل عشرة من جنودها كانوا يحمون رئيس الحكومة الرواندي. في أعقاب انسحاب القوات البلجيكية التي كانت تحرس مدرسة كانت تأوي لاجئين من أبناء قبيلة التوتسي، ذُبح 2000 لاجئ.
حتى لحظة اعتراف الأمم المتحدة أخيرا بأنّه “ربما نُفِذت أعمال إبادة جماعية”، كان قد قُتل نحو 500 ألف رواندي، وفقا لتقديرات الصليب الأحمر.
ستّ سنوات من الحرب الأهلية في سوريا – صفر إدانات من مجلس الأمن
نحو 500,000 قتيل، مليوني جريح، ونحو 6 ملايين لاجئ، هذا ما كلّفه حتى الآن أعنف صراع في العالم اليوم، وفقا لتقديرات المنظمة السورية لحقوق الإنسان. رغم أنّه استُخدمت أسلحة غير تقليدية ضدّ المدنيين.
رغم كل ذلك، ورغم توجه الجامعة العربية إلى مجلس الأمن بطلب إرسال قوة عسكرية من قبلها، فإنّ كل محاولة للاتفاق على قرار إدانة ضدّ نظام الأسد في سوريا قد فشلت. في كل مرة طُرِح فيها اقتراح كهذا، فرضت عليه روسيا والصين الفيتو. اتضح أيضا أن التدخل العسكري الأمريكي الذي لوّح به أوباما في البداية مهدّدا، لم يكن حقيقيا.
باتت الحرب في سوريا وشيكة من انتهاء عامها السادس قريبًا، ولكن نهايتها لا تظهر في الأفق. قوات الأمم المتحدة ليست موجودة فيها. لقد انسحبت منها منذ العام 2012 بعد أن فشلت في منع استمرار القتال وخشيت على حياتها.
هذا هو أكبر فشل فعلي حالي لمجلس الأمن، ولكن مع شديد الأسف، لا يمكن تعليق الأمل على أنّه سيتم التعلم من الدروس. كما يبدو فإنّه يُرتقب أن تطول قائمة الفشل أكثر، ومعها أيضا قائمة الضحايا.