بعد يوم من إعلان إحدى المحاكم المصرية أنّ حماس كلّها – وليس جناحها العسكري فقط – هي تنظيم إرهابي، توجّهت حماس للسعودية للضغط على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أجل إلغاء هذا الحكم.

ويثير هذا التوجّه الاهتمام بشكل أساسيّ لأنّ حماس تقدّر أنّ الملك السعودي الجديد، سلمان، سيستمع بأذن مصغية للتنظيم التابع للإخوان المسلمين، والذين عرّفتهم السعودية نفسها كحركة إرهابية.

على ما يبدو، هناك أساسا يعتمد عليه هذا التقدير. إنّ زيارة السيسي الخاطفة للسعودية لم تكن تهدف للمباركة لسلمان، وإنما للسماع منه إذا كانت السعودية تريد تغيير سياستها: أن تربط من جديد علاقاتها بالإخوان المسلمين، وأن تصلحَ علاقتها مع تركيا، خصم مصر، وبشكل أساسي: هل يستطيع السيسي الاستمرار في الاعتماد على المساعدات المالية الحيوية التي تمحنها له المملكة.

الملك سلمان يستقبل السيسي في الرياض  (اف ب)
الملك سلمان يستقبل السيسي في الرياض (اف ب)

ويبدو أنّ هناك أساس أيضًا لمخاوف السيسي. كتب أحد الصحفيين السعوديين المهمّين، خالد الدخيل، أمس (الأحد) في صحيفة الحياة السعودية: “فإذا كان استقرار مصر هو مصلحة استراتيجية سعودية، وهو كذلك، فإن واجب السعودية أن تتعامل مع قضية ‘الإخوان’ كمسألة محلية مصرية في الأساس، وأن تقاربها من زاوية تأثيرها على استقرار مصر أولاً، ثم تداعيات ذلك إقليمياً، وبالتالي عليها ثانياً‏‎.‎‏.. وتركيا إلى جانب كونها عضواً في الناتو وفي مجموعة العشرين الدولية، وبموقعها الاستراتيجي بين العالم العربي من ناحية وإسرائيل وإيران من ناحية أخرى، من الدول التي تملك مشروعاً سياسياً واقتصادياً واضحاً، وهو مشروع يتناقض في مضمونه مع المشروع الإسرائيلي الاستيطاني من ناحية، ومع المشروع الطائفي لإيران من ناحية أخرى”‏‎.‎‏

جمال خاشقجي: “حزب الإصلاح في اليمن، الذي تدعمه جماعة الإخوان المسلمين، هو القوة الوحيدة القادرة على الوقوف ضدّ السيطرة الحوثية على اليمن”

ووفقًا لمحلّلين سعوديين، فهذه هي نتيجة النظرة التي بحسبها فشلت سياسة الملك الراحل عبد الله. لم تنجح في حلّ الأزمة السورية ولا على سيطرة الحوثيين في اليمن، وبشكل أساسي، لم تكبح التأثير الإيراني في أنحاء الشرق الأوسط. وكتب محلّل سعودي آخر، وهو جمال خاشقجي، قبل عدة أيّام أنّ “حزب الإصلاح في اليمن، الذي تدعمه جماعة الإخوان المسلمين، هو القوة الوحيدة القادرة على الوقوف ضدّ السيطرة الحوثية على اليمن”. هذا أمر جديد، حيث إنّ الملك عبد الله قطع علاقاته مع حزب الإصلاح.

الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز (AFP)
الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز (AFP)

ليس صدفة أن تتزامن زيارة السيسي للسعودية مع زيارة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وتشير التقديرات إلى أنّ زيارة الملك سلمان الأولى للخارج ستكون إلى تركيا؛ تلك الدولة التي تستضيف قيادات في حماس ومن بينهم صالح العاروري. قال أحد مسؤولي حماس وهو عاطف عدوان في مقابلة صحفية إنّ “هناك إشارات مشجّعة لتغيير النظرة السعودية تجاه حماس”، ووفقا لتقرير آخر فقد التقى مسؤولون سعوديون ممثّلين مصريين مقرّبين من الإخوان المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، فقد سارع الملك السعودي إلى إقالة رئيس الديوان الملكي، والذي ساهم في السياسة السعودية الصارمة ضدّ الإخوان المسلمين. وفقا لكل ذلك، يمكن تماما أن نتوقع تحوّلا في سياسة سلمان.

والسؤال هو إذا كانت حماس تهدف إلى اتخاذ قرار استراتيجي ينبع من الضغط الهائل الذي تقع فيه – بسبب الحصار المصري والإسرائيلي لغزة، وأيضا بسبب تعريفها كحركة إرهابية – والانفصال عن إيران من أجل العودة إلى الحضن العربي.

رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل والقائد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي (AFP)
رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل والقائد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي (AFP)

 

وفقا لعدوان: “لا يزال من المبكّر الحديث عن قطع العلاقات مع إيران”. في نفس الوقت، تُقدّم طهران شروطا صارمة لحماس كي تستطيع التمتّع بدعمها. إنها تطلب من خالد مشعل، من بين أمور أخرى، أن يتراجع عن نقده ضدّ الرئيس السوري، وهي الخطوة التي أدّت إلى قطع العلاقات التامّ بين التنظيم وبين نظام الأسد وبالتالي إلى صدع مع إيران. ومن المتوقع أن تطلب السعودية، من جهتها، من حماس، تعزيز المصالحة والسماح بوضع مسؤولي الحكومة الفلسطينية الموحدة في غزة وعلى المعابر، كشرط للحصول على المساعدات.

ليست هناك لدى حماس اليوم أدوات للتأثير أو الضغط، لا على إيران ولا على السعودية. ومع ذلك، فإنّ بصيص الأمل السعودي، وخصوصا في كل ما يتعلق باحتمال المصالحة مع مصر، من شأنه أن يرجّح الكفّة لصالح الانضمام من جديد للكتلة العربية. معنى قرار كهذا، من بين معان أخرى، هو سحق الوضع الذي عزّزه نتنياهو والذي بحسبه تنظر الدول العربية مثل السعودية ومصر متفقة مع إسرائيل إلى الحاجة لإيقاف إيران ومحاربة إرهاب حماس.

وتشير الروح السعودية الجديدة إلى أنّه ليست هناك بالضرورة علاقة بين الطموح لإيقاف التأثير الإيراني وبين محاربة حماس. بل على العكس تماما. فإنّ العلاقة مع التنظيمات الإسلامية السنّية المعتدلة، مثل الإخوان المسلمين، قد تؤدي تحديدًا إلى المساهمة ضدّ إيران من جهة وضدّ داعش من جهة أخرى. وستكون المشكلة السعودية هي كيفية التوفيق بين موقف مصر وبين خطوط السياسة السعودية الجديدة. وهو أمر يرغب السيسي بمعرفته أيضًا.

نشر هذا المقال للمرة الأولى في ‎صحيفة ‏‏هآرتس‏‏‏‏‏‏‏‏

اقرأوا المزيد: 683 كلمة
عرض أقل