في ساعات الليل المتأخرة، بعد منتصف الليل، تسير سيارة خاصة وفيها أربعة شبان في طريق مظلم في غابة. وهي تبتعد عن مكان مأهول بالسكان، وتستطع في سواد الليل الحالك ملاييين النجوم البارزة. وتواصل السيارة سيرها. المسار غير مُعد للسيارات، وليست هناك أضواء، ويبحث الشبان عن انعطاف ورد وصفه في تعليمات الوصول التي تلقوها قبل وقت قصير عبر الواتس آب. وبعد أن يجدون الانعطاف، يبدأون بسماع أصوات موسيقى صاخبة عن بعيد تزداد قوتها كلما تقدموا. عندها يتأكدون أنهم في الطريق الصحيح.
وهكذا تبدو تقريبا الطريق المؤدية إلى “الحفلات في الطبيعة” في إسرائيل. تُجرى هذه الاحتفالات في أماكن بعيدة، سواء كانت في غابات أو في مناطق صحراوية غير مأهولة. وهكذا تصبح أماكن مهجورة غالبا بين عشية وضُحاها موقع احتفال صاخب.
وفي السنوات الأخيرة أصبحت “الاحتفالات في الطبيعة” شائعة في إسرائيل. كانت هذه الحفلات شائعة فيها في التسعينيات بعد أن كانت مشهورة في غوا في الهند. الفكرة وراء هذه الحفلات بسيطة – سماع الموسيقى الرقمية الصاخبة في مكان مفتوح في الطبيعية، بعيدا عن المدينة وضجيجها، ورقص الشبان ساعات طويلة في هذه الحفلات. وتبدأ هذه الحفلات في ساعات الليل المتأخرة وتستمر حتى صباح اليوم التالي، وأحيانا حتى ساعات الظهر والمساء أيضا.
تجربة روحانية
يتحدث الكثير من المشاركين في هذه الحفلات عن أنهم يشعرون بتجربة روحانية حقيقية، تحدث بفضل الرقص المستمر والموسيقى، كما يحدث في الطقوس الشامانية القديمة. ربما تساهم المخدّرات شائعة الاستخدام في حفلات كهذه في التجربة الروحانية أيضا.
وبدءا من الكحول والقنب الهندي وانتهاء بمخدر ال.اس.دي، ومخدرات الهلوسة الأخرى، يمكن العثور في هذه الحفلات على تشكيلة واسعة من المخدّرات.
وتبحث الشرطة بشكل أساسي عن المواقع التي تُجرى فيها هذه الحفلات وتعمل على فضها في أحيان كثيرة. لهذا فإن هذه الحفلات تنظم بشكل خفي وغير قانوني، ويبلغ عنها الأصدقاء بعضهم. يُنشر موقع إجرائها قبل بدئها بساعات قليلة، وتُرسِل تعليمات الوصول برسائل عبر الواتس آب أو في مجموعات مغلقة في الفيس بوك.
حفلات منظمة
ولكن إذا كانت مجموعة من الأصدقاء تجري هذه الحفلات في الماضي، وتنقل خبر إقامتها بين أعضائها، فاليوم هناك من تعرّف إلى الإمكانية الاقتصادية الكامنة في هذه الحفلات، وجعلها منظمة، يروج لها رجال تسويق في مجموعات خاصة في الفيس بوك. هذا هو أيضا أحد الأسباب وراء كثرة الاحتفالات في الطبيعة نسبيا في إسرائيل في السنوات الماضية، ولا سيما وراء تغيير طابع الجماهير التي تشارك في هذه الاحتفالات.
وأكثر من يشارك في هذه الحفلات في إسرائيل هم الشبان “بهاء الطلعة” الذي عاد جزء منهم من نزهة في الهند، ويتميز هؤلاء الشبان بشعر طويل، ويرتدون ملابس ليست “مُهدبة” ويبدون عشوائين، ويرقصون حفاة الأقدام. ولكن يمكن اليوم العثور في هذه الحفلات على شبان يرتدون ملابس احتفالية، يعيشون في المدن ويقضون أوقات الفراغ في نوادي ويبحثون عن الابتهاج الناتج إثر استخدام المخدّرات والموسيقى، أكثر من قضاء الوقت في الطبيعة.
ولكن كلما انشترت هذه الظاهرة يزداد الخطر الكامن فيها. تتحدث عناوين الصحف مرة في الشهر عن شاب أو شابة تضررا أثناء الحفلات في الطبيعة. يؤدي استهلاك الكحول والمخدرات والرقص لساعات طويلة في ساعات الشمس الحارة إلى تدهور حالة المشاركين في الحفلات وتعرّضهم للجفاف. ويصاب الشبان أحيانا بجروح ونزيف ولكن عندما يكون جسمهم تحت تأثير المخدّرات فهم لا ينبتهون لذلك ويخسرون كمية كبيرة من الدم. كما أن إجراء هذه الحفلات في الطبيعة وصعوبة الوصول والبعد عن المستشفيات يشكل جميعها خطرا في هذه الحفلات.
ورغم ذلك، لا يبدو أن هذه الظاهرة ستختفي قريبًا، لأن الشبان يصفون هذه الحفلات بأنها مميزة وفريدة من نوعها. فهي تتيح الرقص الحر على ضوء النجوم ونسيان “الهموم” بشكل تام. ولكن إذا شارك الشبان في هذه الحفلات وتصرفوا بمسؤولية فلا شك أنها قد تكون تجربة العمر الفريدة من نوعها.