رجل العام بمسألة التسويق، هو بلا شك، رجل ذو لحية ويبلغ من العمر 43 عامًا، عراقي الأصل، يُدعى إبراهيم عواد البدري. هو معروف أكثر باسم أبو بكر البغدادي الذي يقف على رأس التنظيم الإسلامي الذي صار اسمه يتردد في كل بيت في العالم. استطاع البغدادي، خلال نصف عام، من تحويل داعش، الدولة الإسلامية، من ميليشيا نائية في سوريا إلى أكبر تنظيم إرهابي يفرض سياسات عالمية ويخلق تحالفًا ضده ويرسم الخارطة السياسية والفعلية الجديدة للشرق الأوسط. لم يحتَج البغدادي لجيش كبير – تعداد مقاتليه هو 30 ألف شخص – أو أسلحة متطورة.
هو أدرك تمامًا ما أدركته حركات الاحتجاج والتمرد التي بدأت الثورات في الشرق الأوسط. يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أن تحل محل ألوية عسكرية. صورة واحدة تساوي ألف رصاصة ويفرض رأس واحد مقطوع الرعب والخوف. لم يبدأ عام 2014 مع ظهور داعش ولكن – على ما يبدو أيضًا السنة القادمة أو السنوات القادمة في الشرق الأوسط – سيتم تذكّر هذا العام على أنه عام داعش. من المهم إذا أن تزيد الإدارة الأمريكية حجم المبلغ الذي تم وضعه مقابل رأس البغدادي، 10 ملايين دولار، وسيصل إلى 25 مليون دولار، تمامًا كحجم المبلغ الذي وُضع على رأس أيمن الظواهري، قائد تنظيم القاعدة، الذي تراجعت أسهمه في سوق الإرهاب.
ولكن، يبدو أن هناك يد خفية توجه الأحداث في الشرق الأوسط وتعمل على إبقاء التوازن بين التهديدات. لأنه بينما لا تزال سوريا والعراق تواجهان حربًا دامية ضد داعش، نجحت إيران بأن تُبعد عنها مُعظم الأوصاف التي تُوصف بها كمصدر للتهديد. إن الاتّفاق المرحليّ المُتعلق بتفكيك البرنامج النووي الذي تم توقيعه في تشرين الثاني 2013 لم يصمد وحسب خلال عام 2014، بل وضع الأسس لاستمرار الحوار بين الدول الغربية وبين إيران، الأمر الذي جعل الجميع ينظرون إليها على أنها دولة عملية يمكن إبرام صفقات سياسية واقتصادية معها. ذلك الاتفاق أهلها أيضًا لتكون ضمن قائمة، وإن لم يكن ذلك رسميًا، دول التحالف المُستعدة لمهاجمة داعش، وتحديدًا قلص ذلك الاتفاق الشعور بالتهديد النووي.
إلا أن المفاوضات المباشرة مع إيران وخصوصًا الحوار المباشر مع الولايات المتحدة أدت إلى زعزعة بالنسبة للدول الحليفة لواشنطن مثل السعودية وبعض دول الخليج. قادت السعودية التحالف العربي ضد داعش، نزولاً عند طلب الولايات المتحدة، هي أيضًا التي حذرت الولايات المتحدة من مشاركة إيران بهذا التحالف. كانت السعودية أيضًا، إضافة لذلك، الدولة الأكثر تأثيرًا فيما يخص قرار منظّمة الدول المصدرة للبترول والقاضي بعدم تقليل كمية إنتاج النفط، ما أدى إلى تفاقم أزمة أسعار النفط الأمر وبالتالي إلى تعميق الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إيران.
إلا أن السعودية لم تُظهر قوتها أمام إيران فقط. أظهرت عملية الترهيب التي مارستها السعودية ضد جارتها قطر في شهر آذار الماضي، والذي انتهى بقطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، بأن السعودية هي صاحبة البيت في الشرق الأوسط العربي. إن كانت السعودية قد اعتمدت، قبل سنوات، سياسة العمل من خلف الكواليس واتبعت سياسة دبلوماسية، فقد أحاطت نفسها هذا العام بكتلة دول يمكن اعتبارها اتحاد عربي بديل، أكثر نجاعة من الإطار الرسمي.
فقد جعلت مصر، على سبيل المثال، التي حملت لسنوات طويلة لقب قائدة العالم العربي، دولة مُرتبطة بها بسبب الدعم الاقتصادي الكبير الذي قدمته المملكة للقاهرة من أجل تمويل حكم السيسي. إلا أن السعودية فشلت حتى هذه اللحظة بإيجاد حل للأزمة السورية وأيضًا بقي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في الخلفية دون استغلال تأثيرها ووزنها لإحلال التغيير.
اختفت مصر أيضًا، التي انتخبت السيسي رئيسًا لها هذا العام، عن ساحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومساهمتها الأساسية، وربما كانت المرة الوحيدة، عند التوسط بمسألة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
مصر تنطوي شيئًا فشيئًا على نفسها ولا تتدخل تقريبًا في الصراعات الإقليمية، فيما عدا الهجوم الذي نفذته بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة في المناطق الليبية. بعد أربع سنوات من الثورة في مصر. لا تزال مصر عالقة في أزمات اقتصادية، حرب ضد الإرهاب في سيناء ومدنها المكتظة والتحضيرات للانتخابات البرلمانية. بالمقابل، أثبتت تونس هذا العام بأن الثورة نجحت بإحلال إجراءات ديمقراطية فيها، وبناء ائتلاف سياسي، وإبعاد الحزب الديني، دون عنف حتى، عن الحكم ووضع أسس لمُستقبل أفضل.
ولكن، على حدود تونس، انهارت الدولة الليبية بشكل كامل تقريبًا. إن الحرب الأهلية في أوجها حيث تسيطر جماعات مُسلحة على الموانئ الخاصة بها، كما وتسيطر ميليشيات إسلامية راديكالية على جزء من مدُنها وهناك شك بأن يأتي العام 2015 ببشائر أفضل لهذه الدولة الغنية. سوريا واليمن أيضًا حالهما مثل حال ليبيا حيث يصعب التكهن أنه ستحدث فيها أشياء جيدة. تم “احتلال” اليمن من قبل الحوثيين، مناصرو تيار شيعي انعزالي والذي يشكل نحو 45% من عدد السكان، ينشط تنظيم القاعدة بشكل حر في الجزء الجنوبي من البلاد والمطالبات بتقسيم اليمن بين الشمال والجنوب قد تجد مكانًا لها في العام القادم.
سوريا هي قصة لا تنتهي وليست هناك بوادر لحلول فيها. يُسيّطر النظام على نحو 40% فقط من مساحتها، والأجزاء المُتبقية منها مٌقسمة بين عشرات الميليشيات التي بعضها لا يُقاتل ضد النظام بل ضد ميليشيات متخاصمة.
يبدو أن الدول الغربية أيضًا، على ضوء الصراع الدائر في سوريا وعلى خلفية ظهور تنظيم داعش، وليس هي فقط، قد قررت، كنوع من الخيار الافتراضي، التخلي عن جهودها لإيجاد حلول لأزمات الشرق الأوسط من خلال الوسائل السياسية والتركيز على هدف مريح نسبيًا وهو مهاجمة داعش. لا تعدُ العمليات العسكرية للتحالف بالقضاء أو اجتثاث التنظيم من الشرق الأوسط لكن هذا، على الأقل، هو هدف يمكن من خلاله، على الأقل، استعراض نتائج إحصائية، مثل تدمير منشآت النفط أو قتل محاربي داعش.
تُثبت خارطة الأحداث في الشرق الأوسط أن الفكرة المأخوذة عن المنطقة بأنها كتلة واحدة أو أن هنالك نموذجا موحدا لسياسة إقليمية موحدة خاطئة. مسألة التصنيف بين أخيار وأشرار على أساس مبدأ “الكتل”، “المحاور”، أو التوزيع بين “سني” و “شيعي”، ربما كانت مفهومة ولكنها مُضللة ومشوّهة للواقع. القوميات المحلية، بعيدًا عن القومية العربية، أو القاسم الديني المُشترك، هي التي تفرض المصالح، ولن يغيّر العام القادم أيضًا هذا الواقع.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة هآرتس