رئيس الحكومة في السابق يهود أولمرت (AFP)
رئيس الحكومة في السابق يهود أولمرت (AFP)

إيهود أولمرت.. الانطلاقة والأفول

الأسير المحرر ورئيس الحكومة في السابق إيهود أولمرت يتصدر العناوين مجددا بعد الكشف عن قراره الجريء تدمير المشروع النووي السوري عام 2007 وسيرته الذاتية تتحول في أيام إلى الأكثر مبيعا في إسرائيل.. بروفاليل

29 ديسمبر 2015 | 10:21

من الصعب تحديد سلسلة الأحداث التاريخية المؤسفة التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، وإلى إدانته بتهمة فساد ورشوة والحكم عليه بالسجن لمدة سنة ونصف السنة بعد الاستئناف على حكم سابق بالسجن لمدة 6 سنوات.

إعادة النظر في الأحداث التي كان أولمرت مسئولا عنها، خلال فترة رئاسته في الحكومة، وتصريحاته اللاذعة مؤخرًا ضد سياسة رئيس الحكومة وسياسة الحزب الحاكم، الليكود، تلقي الضوء على زوايا مثيرة للاهتمام بالنسبة للرجل الذي كان يعتبر – حتى السنوات الأخيرة – لاعبًا ثانويًا في السياسة الإسرائيلية.

الصديق إيهود، المحامي أولمرت

دخل أولمرت إلى الساحة السياسية في ستينات القرن الماضي. ومنذ أواخر الستينات حتى أواسط الثمانينات عمل أولمرت في أطر سياسية مختلفة.

انتخب في عام 1973 (في سن 28 عامًا، وهو الأصغر سنًا من بين أعضاء الكنيست حينذاك) لدورة الكنيست الثامنة، من قائمة حزب الليكود. وحتى قبل ذلك، في الستينات، عُرف أولمرت كمعارض شاب – ولكن شديد – لمسار زعيم الحزب مناحيم بيجن.

إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)
إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)

ادعى أولمرت – الذي لم يحصل إلا على شهادة في القانون – بشكل حاسم أنّ على الزعيم الكبير أن يستخلص الدلالة الواضحة التي أدت إلى فشله في الانتخابات وعليه أن يستقيل. وحين انتخب بيجن لرئاسة الوزراء بعد عدة سنوات، علم أولمرت أنه كان مخطئا.

ينحدر أولمرت، الابن الثالث من بين أربعة أولاد في عائلته، من عائلة صهيونية ترعرعت على قيم اليمين الإسرائيلي. اشتغل والده مردخاي أولمرت بالزراعة، وكان عضوًا في الكنيست عن حزب الحرية (وهو حزب سياسي إسرائيلي تأسس عام 1948، ومنه نشأ حزب الليكود)، وقام أولمرت بالخدمة العسكرية في لواء جولاني وكذلك في صحيفة “المعسكر”.

 تحدث يوسي سريد بتهكم عن صديقه القديم، الذي كان يعطي النصائح باعتباره “الصديق إيهود”، ويقدم فاتورة الدفع باعتباره “المحامي أولمرت”

كان يكثر أولمرت في بداية حياته السياسية من التركيز على قضية مكافحة الفساد والجريمة المنظمة. وكان شريكه المذهل في مكافحة الفساد في الواقع عضو الكنيست من الحزب المنافس: يوسي سريد من حزب العمل. قال سريد مثنيًا على شريكه: “أعطى إيهود انطباعًا حيًّا عن الشاب النشيط الموهوب. إنّ التزامه تجاه مكافحة الفساد لم يغب عن بالي”.

ولكن يدّعي سريد أنه منذ ذلك الحين لاحظ وجود جوانب مظلمة في الرجل الذي كان يومًا ما رئيسًا للوزراء. قال سريد إنه أخبر صديقه أنه “قد شخّص أعراض الجشع في أولمرت، وهذا ما سوف يؤدي إلى فشله عاجلا أم آجلا”. في الواقع، وقف أولمرت أمام المحكمة بخصوص فضيحة فساد ضخمة، ولكن تمت تبرئة ساحته في معظم التهم الموجهة إليه.

أولمرت هو محامٍ، وخلال سنوات طويلة من عمله السياسي أدار في المقابل عملا له في هذه المهنة. تحدث يوسي سريد بتهكم عن صديقه القديم، الذي كان يعطي النصائح باعتباره “الصديق إيهود”، ويقدم فاتورة الدفع باعتباره “المحامي أولمرت”.

رئيس البلدية الطائر

كان التحوّل المهم في عمل أولمرت السياسي حين انتخب عام 1993 لرئاسة بلدية القدس. هزم أولمرت في هذه الانتخابات تيدي كولك، رئيس بلدية القدس الأسطوري الذي شغل المنصب لمدة 28 عامًا.

إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس (GALI TIBBON/AFP)
إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس (GALI TIBBON/AFP)

ارتكب أولمرت خلال عمله كرئيس بلدية القدس، خطّا يمينيًا واضحًا حين دفع لإنشاء حيّ “هار حوما” شرقيّ القدس، وافتتاح نفق الحائط الغربي. وقد قام معارضو أولمرت باتهامه بأنه أدى إلى حصول عجز هائل في الميزانية، وترك وراءه فجوة من 534 مليون شاقلا تقريبًا، وهي نحو 8 أضعاف العجز الذي كان لدى استلامه منصب رئيس البلدية.

كما اتضح خلال محاكمته، تلقى أولمرت رشاوى  بقيمة نصف مليون شاقل حين شغل منصب رئيس بلدية القدس

أجرت صحيفة مقدسية محلية تهدف إلى مراقبة الرحلات التي قام بها أولمرت خارج البلاد في فترة ولايته، وكشفت أنه خلال فترة ولايته قام  بقضاء مئات الأيام في الخارج، معظمها في الولايات المتحدة. وقد سمّي التقرير “أولمرت في السماء”. ورد أولمرت على هذه الحقيقة بقوله إن هذه الرحلات لم تكن ممولة من قبل البلدية، وإنما من قبل الجهات المانحة.

وكما اتضح خلال محاكمة أولمرت في عام 2014، تلقى أولمرت رشاوى  بقيمة نصف مليون شاقل حين شغل منصب رئيس بلدية القدس. ادين أولمرت في مارس 2014 بتهمة تلقي رشاوى في قضيتين منفصلتين، احداهما فضيحة العقارات الكبرى “هولي لاند” في القدس حين كان رئيسا لبلدية المدينة وادين ايضا بالادلاء بشهادة الزور لمحاولته تشويه سمعة الشاهد الرئيسي في القضية.

إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس ( MENAHEM KAHANA/AFP)
إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس ( MENAHEM KAHANA/AFP)

الصعود إلى القمة

رغم أن أولمرت هاجم أرئيل شارون كثيرًا، فقد نشأت – بعد أن أصبح شارون رئيسًا للوزراء – علاقات ودية بين الرجلين. عمل أولمرت بجدّ على تثبيت موقفه باعتباره “الرجل الثاني” بعد رئيس الوزراء القوي، والذي استجاب له وعيّنه نائبا لرئيس الوزراء. ورغم دعم شارون له، ظلّ أولمرت سياسيًا غير شعبي ولا محبوب من قبل أعضاء حزبه الليكود. وكانت لذلك آثار بعيدة المدى على الخريطة الحزبية في إسرائيل.

صُنّف أولمرت بأنه “مؤشر اليسار” في الحكومة. في كانون الأول لعام 2003 صدم أولمرت – اليميني المخضرم – الجمهور الإسرائيلي حين صرّح على الملأ بأنّ على حكومة إسرائيل التخلي عن رؤية “إسرائيل الكبرى”. بعد فترة وجيزة من ذلك أعلن شارون، مع التشجيع والدعم من أولمرت، عن خطة فك الارتباط – الانسحاب من كل قطاع غزة وإخلاء المستوطنات هناك.

كان أولمرت من أوائل من دعا شارون إلى الاستقالة من قيادة الليكود وتأسيس حزب جديد، وقبل شارون التحدي، فقد انشق عن الليكود عام 2005 وأسس حزب “كاديما”. وبذلك أصبحت طريق أولمرت إلى القمة قصيرة ومدهشة.

أصيب شارون في شهر كانون الثاني عام 2006 بجلطة دماغية ودخل في غيبوبة. أثمرت جهود أولمرت أخيرًا، عبر السنين الطويلة، وذلك حين أسندت إليه رئاسة الوزراء. تسلق أولمرت على الشعبية الجماهيرية لشارون، وفاز في انتخابات عام 2006. ولكن كانت فترة النعيم التي كسبها رئيس الوزراء أولمرت قصيرة.

إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)
إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)

الحرب والسلام؟

فورًا وبعد أن أدت الحكومة اليمين، وُجّهت سهام النقد القاسي صوب أولمرت، وذلك حين أسند إلى عمير بيرتس – فاقد الخبرة – منصب وزير الدفاع. اشتدت الانتقادات بشكل أكبر في صيف عام 2006، وذلك بعد أن اندلعت الحرب اللبنانية الثانية في أعقاب اختطاف اثنين من جنود الاحتياط الإسرائيليين في الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

سخر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله – الذي أطلق آلاف الصواريخ صوب إسرائيل – من بيرتس وأولمرت سوية، ووصفهما بـ “المبتدئين”

سخر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله – الذي أطلق آلاف الصواريخ صوب إسرائيل – من بيرتس وأولمرت سوية، ووصفهما بـ “المبتدئين”. ورغم أن إسرائيل قد كبّدت حزب الله أضرارًا كبيرة، إلا أن الحرب اعتبرت في إسرائيل فشلا كبيرًا لأولمرت. فقدَ 165 جنديًا ومواطنًا إسرائيليا حياتهم خلال الحرب.

قوات من سلاح الجو الإسرائيلي في طريقها الى تنفيذ عمليات قتالية ضد حزب الله، حرب لبنان الثانية (Flash90AbirSultan)
قوات من سلاح الجو الإسرائيلي في طريقها الى تنفيذ عمليات قتالية ضد حزب الله، حرب لبنان الثانية (Flash90AbirSultan)

كان أول المنتقدين حينذاك هو زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو. “لأول مرة تنتهي حرب تبدأها إسرائيل بنفسها دون أن تنتصر فيها”، أدان نتنياهو أولمرت، ووصف حكومته بـ “قليلة الخبرة”.

ولكن ظلت حكومة أولمرت مستقرة رغم الإدانات القاسية. لم يُلق تقرير لجنة التحقيق التي حققت في أداء الحكومة، لجنة فينوغراد، لم يُلق المسؤولية الشخصية على أولمرت. وعلى الرغم من ذلك، قال أعضاء اللجنة بأنهم يتوقعون – رغم عدم التوصية بذلك بشكل صريح – أن يستخلص أولمرت النتائج المطلوبة ويستقيل.

عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)
عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)

فاجأ أولمرت في تشرين الثاني لعام 2007 المجتمع الدولي، وحضر مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة، وهو مؤتمر استأنف من جديد المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

هل يعود أولمرت للسياسة؟ إدانته أنهت هذا الإحتمال، فمن الصعب أن يغفر الجمهور الإسرائيلي عن أعمال الفساد التي قام بها

كانت المقترحات التي قدمها أولمرت للقيادة الفلسطينية بعيدة المدى. بحسب أقواله، فقد قدم للفلسطينيين اقتراحا “لم يُقدمه من قبل أي رئيس وزراء سابق”. ووفق التقارير فإنّ الاقتراح قد شمل مساحة تقترب من 100% من أراضي الضفة الغربية. وشملت الخريطة التي اقترحها أولمرت أيضا تقسيم القدس، تفاصيل حول أحياء القدس الشرقية التي سوف يتم تحويلها للفلسطينيين و”تدويل” البلدة القديمة.

ولكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يستجب أبدًا لهذا الاقتراح. وفي غضون ذلك، أدت الاتهامات الصعبة التي وُجّهت إلى أولمرت بشأن الفساد الحكومي، إلى تقصير مدة ولايته.

سحابة من الشكوك

ارتبط ما لا يقل عن سبع حالات من الفساد باسم أولمرت؛ ابتداء من الاشتباه به بأنه نال خصمًا على منزل اشتراه مقابل الحصول على تسهيلات ضريبية للشركة، مرورًا باتهامه بالتعيينات السياسية وتغيير مزاد بيع البنك “الوطني”، وانتهاء باتهامه بأنه تلقى مغلفات من رشوة نقدية من رجل الأعمال موشيه تالانسكي.

اضطر شركاء أولمرت بعد كل ذلك إلى إجباره على الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء. وأعلن أولمرت عام 2008 بأنه لن يحاول ترشيح نفسه مجددًا لنفس المنصب، وفي عام 2009 حلّ مكانه بنيامين نتنياهو، الذي قاد حزب الليكود للفوز في الانتخابات. وتلاشى حزب أولمرت، كاديما، الذي فاز – بقيادته –  بـ 28 كرسيًا، وفاز في الانتخابات الأخيرة بمقعدين فقط.

إيهود أولمرت وتسيبي ليفني في الكنيسيت (Olivier Fitoussi /Flash90)
إيهود أولمرت وتسيبي ليفني في الكنيسيت (Olivier Fitoussi /Flash90)

ولكن في نهاية المطاف لم تكشف غالبية الاتهامات التي وُجّهت لأولمرت عن شيء. أغلقت معظم الملفات من قبل النيابة العامة والشرطة، وتمت تبرئة أولمرت من ملف القضية التي اتهم فيها بتلقي الرشوة، وهو ملف تالانسكي.

ومع ذلك، بقي أولمرت متهمًا بخيانة الأمانة في قضية التعيينات السياسية بمركز الاستثمار، وكما ذلك أدين أولمرت بما سمّي “قضية هولي لاند”؛ وهي قضية فساد ضخمة تتعلق بمشروع عقارات في القدس.

وقد أصدر قاضي المحكمة المركزية في تل أبيب، دافيد روزن، الحكم على أولمرت، الذي أدين بتلقّي رشاوى لمدة 6 سنوات وغرامة مالية مليون شاقل، مما يعتبر حكما قاسيا لملف الفساد السلطوي الأخطر الذي كُشف في إسرائيل.

وقرّرت محكمة العدل العليا في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2015، قبول استئناف أولمرت على الحكم، مخففة عقابه بالسجن لمدة سنة ونصف، ليكون رئيس الحكومة الأول الذي سيدخل السجن.

أسير محرر وكاتب مشهور

أطلق سراح أولمرت من السجن في ال2 من شهر يوليو عام 2017 بعد أن وافق المحكمة تخفيف عقوبته وتقليصها بثلث. ولم يمر وقتا طويلا حتى عاد إلى العناوين بفضل نشر سيرته الذاتية التي دونها في السجن وكشف فيها عن تفاصيل مثيرة عديدة أثارت ضجة في إسرائيل، منها انتقاداته للزوجين نتنياهو، وكذلك محاولة تبييض صفحته رغم إدانته بتهم فساد من قبل القضاء الإسرائيلي وسجنه.

وقد سطع نجم أولمرت مرة ثانية بعد أن خرج من السجن ذليلا في أعقاب إتاحة الرقابة العسكرية الإسرائيلية نشر تفاصيل عملية تدمير المفاعل النووي في سوريا عام 2007 وفيها يظهر الدور القيادي الكبير الذي لعبه أولمرت في تلك الفترة وإعطائه الضوء الأخضر للعملية رغم رفض الولايات المتحدة بقيادة بوش الابن بتنفيذ ضربة للمفاعل بعد نقل إسرائيل للإدارة الأمريكية أدلة دامغة بوجوده.

اقرأوا المزيد: 1506 كلمة
عرض أقل
عضو الكنيست يسرائيل حسون (Miriam Alster/FLASH90)
عضو الكنيست يسرائيل حسون (Miriam Alster/FLASH90)

“قد يكون الخاطفون والمختطفون غير متواجدين في نفس المكان”

يقول عضو الكنيست يسرائيل حسون، الذي كان نائب رئيس الشاباك إنّه ومن خلال تجربته، فإنّ العملية ضدّ حماس في الضفة لن تؤثّر على الحركة على المدى البعيد: "ليس بوسع أحد أن ينقع رجل حماس بتغيير دينه أو يوقف تأييده للحركة. هذا لا يردعهم"

يقول عضو الكنيست حسون، نائب رئيس الشاباك سابقًا والذي يعمل اليوم كعضو كنيست منتمٍ للمعارضة (كاديما) في محادثة مع موقع “المصدر” أنّه توجه منذ يوم الجمعة، صباح يوم الاختطاف إلى القوات الأمنية واقترح عليها بشكل فوري تنفيذ اعتقالات للأسرى المحرّرين في صفقة شاليط. “توجّهت واقترحت، افحصوا أيّ من المحرّرين انتهكوا الاتفاق واجمعوهم كلّهم”

بموجب النشر، كان ذلك اقتراحًا لعضو الكنيست أوريت ستروك، وقد عملت خلافًا لما هو متبع في يوم السبت وهاتفت وزير الاقتصاد نفتالي بينيت من أجل المسارعة في ذلك.

“ليس لديّ مشكلة في أن يُنسب إلى ستروك الفضل في ذلك. المهم أنّهم نفّذوا ذلك. أنا أنظر إلى الأمور بشكل عقلاني تمامًا. في السنة الماضية، تم إحباط خمسين حالة اختطاف. والحقيقة أنّه وبسبب تصرّفنا، أعني إسرائيل، فقد رأت حماس “بطوننا الرخوة” وعلينا أن نكسر هذه المعادلة. أي أن نكسر الرؤية التي تشكّل خطورة على حياة شعبنا. وإلا فسنتحوّل إلى خِرق”.

عضوة الكنيست أوريت ستروك (Miriam Alster/FLASH90)
عضوة الكنيست أوريت ستروك (Miriam Alster/FLASH90)

“قلت، تعالوا نوضّح لهم أنّ هناك ثمن لأعمالهم وأنّ الثمن سيكسر المعادلة. وإذا كنتم تريدون لعب هذه اللعبة، إذن فافهموا أنكم لن تتحكّموا بقواعدها”.

تعتقد أنّ ذلك فعّال؟ وأنّه سيكسر المعادلة؟

“هذا الأمر، أعني عودة الأسرى المحرّرين في صفقة شاليط، هو قضية ستنشئ ولا شكّ نقاشًا في الشارع الفلسطيني. إنّهم يفهمون أنّهم هم أيضًا معرّضون للخطر. هذه المقولة في الشارع الفلسطيني، والإحباط بسب إعادة الأسرى المحرّرين مجدّدا، أمر لم يحدث حتى اليوم”.

ماذا تقصد بأنّهم معرّضون للخطر نتيجة لاسترجاع الأسرى المحرّرين في الصفقة؟ إنهم بالفعل معرّضون للخطر مسبقًا. ماذا لدى الفلسطينيين كي يخسروا؟

“لقد نفّذوا عملية اختطاف الشبّان لأنّهم فهموا أنّهم سيحتجزون المختطفين، ويجرون مفاوضات وبعد ثلاثة أعوام يتلقّون 500 أسير ولذلك فهناك دعم كبير في الشارع الفلسطيني لعملية الاختطاف. لا يؤيّدها الجميع، ولكن هناك دعم. وفجأة مع الاعتقال مرة أخرى للأسرى المحرّرين في الصفقة، فنحن نغيّر لهم المعادلة. كلّ شيء مفتوح للنقاش. فكّري كيف كنّا نشعر هنا في الجانب الإسرائيلي، إذا أخذ أحدهم فجأة جلعاد شاليط وأعاده إلى سجن حماس، بعد عام ونصف من عودته للوطن. إذن فهكذا هم يشعرون”.

اقترح رئيس حزبك شاؤول موفاز تجنيد الاحتياط، لتقليب كلّ حجر في الضفة الغربية، ولسحق حماس. لقد قال إنّ اللحظة قد حانت لعملية واسعة، مصمّمة ولا هوادة فيها. هل توافق على أقواله؟

“لا أعرف المصطلحات التي يستخدمها. والسؤال ماذا نريد أن نحقّق. لا أعتقد أنّه من الصواب الإضرار بسيادة السلطة الوطنيّة الفلسطينية”.

على ضوء أحداث اليوم (الأحد) في الحدود السورية، هل نعيش تجربة “شوهدت من قبل”؟ موجة الاختطاف وحرب لبنان الثانية، التي بدأت باختطاف شاليط في حدود غزة، هل تتكرران؟

“كلا. الحادثة في الحدود السورية إحصائية. هم يطلقون النار بمدافع الهاون، ولا أعلم إنْ كان ذلك عمدًا، وهو لا يشبه بأي شكل من الأشكال الاختطاف والقتل في الحدود الشمالية في تموز عام 2006. إن مدافع الهاون سلاح غير دقيق، ولقد سقطت هذه المرة بشكل سيّء للغاية”.

صفقة عملية تبادل الأسرى عام 2011 (Flash90)
صفقة عملية تبادل الأسرى عام 2011 (Flash90)

قمت في الماضي بإدارة محادثات لإطلاق سراح أسرى إسرائيليين من مصر، وكنت على اتصال مع جهات مثل الإخوان المسلمين والأمر الذي حرّك في نهاية المطاف علاقة غير مباشرة مع رجال حماس. كيف يمكن تفسير الوضع الحالي؟ حيث لا يوجد أحد يتحمل المسؤولية؟

“نحن نواجه واقع هجوم – مساومة. وفي المرحلة الحالية، لا نعلم ما هو حال المختطفين. والمهمّة الرئيسية هي الوصول إليهم. وعلينا بعد ذلك القبض على الخاطفين، وقد تكون الفجوة بين المختطفين والخاطفين بضع سنين، ربما سنتين، ربما ثلاثة. يجب أن يكون الافتراض العملي للقوى الأمنية أنّ المختطفين على قيد الحياة. ولكن بخلاف حوادث اختطاف أخرى، فليس بالضرورة أن يكون الخاطفون والمختطفون في مكان واحد. يستطيع الخاطفون أن يتواجدوا الآن في أي مكان في الكون. ومن ناحيتنا يجب أن تهدف توقعاتنا إلى الوصول قبل ذلك للمختطفين. أنا لست مشاركا في المعلومات، ولكنني أقول ذلك بالاستناد إلى التجربة. في لحظة وقوع حادثة ولا تعلن أي جهة مسؤوليتها، فتلك هي الافتراضات الأساسية”.

هل  فعلا ليست هناك معلومات في هذه المرحلة؟

“الافتراض العملي هو أنّ قوات الأمن لا تتفحص طريقها في الظلام تمامًا. وهي تعرف شيئا واحدًا، وذلك أن عليها أن تركز في الوصول إلى المختطفين. في اللحظة التي يتمّ فيها اختطاف شخص ما، ففي غالب الأحوال، ينبغي أن يبثّ الخاطفون شيئًا ما. إنّهم محتجزون لدينا، تعالوا نتفاوض، شيء ما. هذه الحالة لم تحدث هنا. ولذلك فهناك وضع لا يتواجد فيه المختطفون بالضرورة مع الخاطفين. ولذلك فإنّ الوصول إلى الخاطفين لا تربطه صلة من حيث المكان والزمان بالوصول إلى المختطفين. يجب أن يكون حول المختطفين غطاء معين بهدف تغذيتهم، صحّتهم، حراستهم ويجب أن يكون بالإمكان الوصول إليهم من خلال هذا الغطاء”.

إنّ واقع عدم وجود غطاء من هذا القبيل، قد يجعلك تلمّح إلى أنّهم ليسوا أحياء؟

“لا أعلم. أذكّرك أن حازي شاي، الذي وقع في الأسر في حرب لبنان الأولى جلس لعامين ونصف دون أن يتفاوض أحد من أجله. بالنسبة لهذه المسألة فلا يهمّ أنّه قد مرّت سنوات طويلة منذ حادثة حازي شاي”.

إذًا فالعمليات العسكرية في هذه المرحلة غير متعلقة بحادثة الاختطاف؟

“من ناحية استخباراتية، فإنّ علاج الموضوع لم يغب عن الأعين. وفي الواقع لا يعلم أحد ماذا تعمل القوى الأمنية وما هي الاتجاهات التي ستسير نحوها الأمور. وهناك مستوى آخر وهو التعامل مع حماس وهو مكشوف، لأنّ هناك الآن أكثر من 300 معتقل. هذا علاج للبنية التحتية السياسية والذي من الممكن أن يضرّ في نهاية المطاف بالسلطة الفلسطينية وبأبي مازن وأن يقصّر من عمر السلطة. قد يضرّ ذلك بأبي مازن  سياسيًّا، وخاصة في حال حدوث المزيد من القتلى في الشارع الفلسطيني.

حملة الاعتقالات للجيش الإسرائيلي ضد حماس (IDF)
حملة الاعتقالات للجيش الإسرائيلي ضد حماس (IDF)

العملية العسكرية لم تبدأ بالخروج عن المقدار المقبول؟

“تقع الخليل تحت سيطرة حماس، وفيها مؤيّدون، والآلاف منهم هم من رجال حماس. حين يتمّ اعتقال 300 شخص، فأولئك هم القياديون، وبالطبع فهذا ليس تجميعا لكل أولئك الذين صوّتوا لحماس. وفي هذه المرحلة، تجري الأمور بعد التفكير.

ولكن هناك انتقادات عندنا بأنّ العملية تخرج عن أهداف استرجاع المختطفين؟

“من يقول ذلك لا يستطيع إثبات أقواله. هذه مقولة تابعة لوجهة نظر. من الواضح أنّنا حين نحاول الإضرار بالبنية التحتية لحماس، فهذا إضرار مؤقّت. حتى السلطة الفلسطينية التي قامت باعتقال 2800 من رجال حماس لسبعة أشهر، عام 1996، لم تستطع الإضرار بالبنية التحتية لحماس. لن يُقنع أحد رجل حماس بتغيير دينه أو بإيقاف تأييده للحركة. هذا لا يردعهم”. إنّ متوسط العمر المتوقع للعمليات العسكرية من هذا النوع قصير، ربّما لبضعة أشهر. وليس أكثر”.

اقرأوا المزيد: 944 كلمة
عرض أقل
إيهود أولمرت  في المحكمة (Ami Shooman/Flash90)
إيهود أولمرت في المحكمة (Ami Shooman/Flash90)

إيهود أولمرت: الانطلاقة – والأفول

تحوّل إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق في إسرائيل، من رجل قانون إلى رجل مدان بتلقي الرشوة، وبعد أن وصل إلى قمة العمل السياسي شاغلا أعرق المناصب في دولة إسرائيل قرّر القضاء الإسرائيلي أنه لا يوجد أحد فوق القانون. بروفايل عن سياسي قوي أضحى ذليلا

من الصعب تحديد سلسلة الأحداث التاريخية المؤسفة التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، وإلى إدانته بتهمة فساد ورشوة والحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات. والآن الحكم عليه بالسجن لمدة 8 أشهر.

إعادة النظر في الأحداث التي كان أولمرت مسئولا عنها، خلال فترة رئاسته في الحكومة، وتصريحاته اللاذعة مؤخرًا ضد سياسة رئيس الحكومة وسياسة الحزب الحاكم، الليكود، تلقي الضوء على زوايا مثيرة للاهتمام بالنسبة للرجل الذي كان يعتبر – حتى السنوات الأخيرة – لاعبًا ثانويًا في السياسة الإسرائيلية.

الصديق إيهود، المحامي أولمرت

دخل أولمرت إلى الساحة السياسية في ستينات القرن الماضي. ومنذ أواخر الستينات حتى أواسط الثمانينات عمل أولمرت في أطر سياسية مختلفة.

انتخب في عام 1973 (في سن 28 عامًا، وهو الأصغر سنًا من بين أعضاء الكنيست حينذاك) لدورة الكنيست الثامنة، من قائمة حزب الليكود. وحتى قبل ذلك، في الستينات، عُرف أولمرت كمعارض شاب – ولكن شديد – لمسار زعيم الحزب مناحيم بيجن.

إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)
إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)

ادعى أولمرت – الذي لم يحصل إلا على شهادة في القانون – بشكل حاسم أنّ على الزعيم الكبير أن يستخلص الدلالة الواضحة التي أدت إلى فشله في الانتخابات وعليه أن يستقيل. وحين انتخب بيجن لرئاسة الوزراء بعد عدة سنوات، علم أولمرت أنه كان مخطئا.

ينحدر أولمرت، الابن الثالث من بين أربعة أولاد في عائلته، من عائلة صهيونية ترعرعت على قيم اليمين الإسرائيلي. اشتغل والده مردخاي أولمرت بالزراعة، وكان عضوًا في الكنيست عن حزب الحرية (وهو حزب سياسي إسرائيلي تأسس عام 1948، ومنه نشأ حزب الليكود)، وقام أولمرت بالخدمة العسكرية في لواء جولاني وكذلك في صحيفة “المعسكر”.

 تحدث يوسي سريد بتهكم عن صديقه القديم، الذي كان يعطي النصائح باعتباره “الصديق إيهود”، ويقدم فاتورة الدفع باعتباره “المحامي أولمرت”

كان يكثر أولمرت في بداية حياته السياسية من التركيز على قضية مكافحة الفساد والجريمة المنظمة. وكان شريكه المذهل في مكافحة الفساد في الواقع عضو الكنيست من الحزب المنافس: يوسي سريد من حزب العمل. قال سريد مثنيًا على شريكه: “أعطى إيهود انطباعًا حيًّا عن الشاب النشيط الموهوب. إنّ التزامه تجاه مكافحة الفساد لم يغب عن بالي”.

ولكن يدّعي سريد أنه منذ ذلك الحين لاحظ وجود جوانب مظلمة في الرجل الذي كان يومًا ما رئيسًا للوزراء. قال سريد إنه أخبر صديقه أنه “قد شخّص أعراض الجشع في أولمرت، وهذا ما سوف يؤدي إلى فشله عاجلا أم آجلا”. في الواقع، وقف أولمرت أمام المحكمة بخصوص فضيحة فساد ضخمة، ولكن تمت تبرئة ساحته في معظم التهم الموجهة إليه.

أولمرت هو محامٍ، وخلال سنوات طويلة من عمله السياسي أدار في المقابل عملا له في هذه المهنة. تحدث يوسي سريد بتهكم عن صديقه القديم، الذي كان يعطي النصائح باعتباره “الصديق إيهود”، ويقدم فاتورة الدفع باعتباره “المحامي أولمرت”.

رئيس البلدية الطائر

كان التحوّل المهم في عمل أولمرت السياسي حين انتخب عام 1993 لرئاسة بلدية القدس. هزم أولمرت في هذه الانتخابات تيدي كولك، رئيس بلدية القدس الأسطوري الذي شغل المنصب لمدة 28 عامًا.

إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس (GALI TIBBON/AFP)
إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس (GALI TIBBON/AFP)

ارتكب أولمرت خلال عمله كرئيس بلدية القدس، خطّا يمينيًا واضحًا حين دفع لإنشاء حيّ “هار حوما” شرقيّ القدس، وافتتاح نفق الحائط الغربي. وقد قام معارضو أولمرت باتهامه بأنه أدى إلى حصول عجز هائل في الميزانية، وترك وراءه فجوة من 534 مليون شاقلا تقريبًا، وهي نحو 8 أضعاف العجز الذي كان لدى استلامه منصب رئيس البلدية.

كما اتضح خلال محاكمته، تلقى أولمرت رشاوى  بقيمة نصف مليون شاقل حين شغل منصب رئيس بلدية القدس

أجرت صحيفة مقدسية محلية تهدف إلى مراقبة الرحلات التي قام بها أولمرت خارج البلاد في فترة ولايته، وكشفت أنه خلال فترة ولايته قام  بقضاء مئات الأيام في الخارج، معظمها في الولايات المتحدة. وقد سمّي التقرير “أولمرت في السماء”. ورد أولمرت على هذه الحقيقة بقوله إن هذه الرحلات لم تكن ممولة من قبل البلدية، وإنما من قبل الجهات المانحة.

وكما اتضح خلال محاكمة أولمرت في عام 2014، تلقى أولمرت رشاوى  بقيمة نصف مليون شاقل حين شغل منصب رئيس بلدية القدس. ادين أولمرت في مارس 2014 بتهمة تلقي رشاوى في قضيتين منفصلتين، احداهما فضيحة العقارات الكبرى “هولي لاند” في القدس حين كان رئيسا لبلدية المدينة وادين ايضا بالادلاء بشهادة الزور لمحاولته تشويه سمعة الشاهد الرئيسي في القضية.

إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس ( MENAHEM KAHANA/AFP)
إيهود أولمرت حين شغل منصب رئيس بلدية القدس ( MENAHEM KAHANA/AFP)

الصعود إلى القمة

رغم أن أولمرت هاجم أرئيل شارون كثيرًا، فقد نشأت – بعد أن أصبح شارون رئيسًا للوزراء – علاقات ودية بين الرجلين. عمل أولمرت بجدّ على تثبيت موقفه باعتباره “الرجل الثاني” بعد رئيس الوزراء القوي، والذي استجاب له وعيّنه نائبا لرئيس الوزراء. ورغم دعم شارون له، ظلّ أولمرت سياسيًا غير شعبي ولا محبوب من قبل أعضاء حزبه الليكود. وكانت لذلك آثار بعيدة المدى على الخريطة الحزبية في إسرائيل.

صُنّف أولمرت بأنه “مؤشر اليسار” في الحكومة. في كانون الأول لعام 2003 صدم أولمرت – اليميني المخضرم – الجمهور الإسرائيلي حين صرّح على الملأ بأنّ على حكومة إسرائيل التخلي عن رؤية “إسرائيل الكبرى”. بعد فترة وجيزة من ذلك أعلن شارون، مع التشجيع والدعم من أولمرت، عن خطة فك الارتباط – الانسحاب من كل قطاع غزة وإخلاء المستوطنات هناك.

كان أولمرت من أوائل من دعا شارون إلى الاستقالة من قيادة الليكود وتأسيس حزب جديد، وقبل شارون التحدي، فقد انشق عن الليكود عام 2005 وأسس حزب “كاديما”. وبذلك أصبحت طريق أولمرت إلى القمة قصيرة ومدهشة.

أصيب شارون في شهر كانون الثاني عام 2006 بجلطة دماغية ودخل في غيبوبة. أثمرت جهود أولمرت أخيرًا، عبر السنين الطويلة، وذلك حين أسندت إليه رئاسة الوزراء. تسلق أولمرت على الشعبية الجماهيرية لشارون، وفاز في انتخابات عام 2006. ولكن كانت فترة النعيم التي كسبها رئيس الوزراء أولمرت قصيرة.

إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)
إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)

الحرب والسلام؟

فورًا وبعد أن أدت الحكومة اليمين، وُجّهت سهام النقد القاسي صوب أولمرت، وذلك حين أسند إلى عمير بيرتس – فاقد الخبرة – منصب وزير الدفاع. اشتدت الانتقادات بشكل أكبر في صيف عام 2006، وذلك بعد أن اندلعت الحرب اللبنانية الثانية في أعقاب اختطاف اثنين من جنود الاحتياط الإسرائيليين في الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

سخر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله – الذي أطلق آلاف الصواريخ صوب إسرائيل – من بيرتس وأولمرت سوية، ووصفهما بـ “المبتدئين”

سخر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله – الذي أطلق آلاف الصواريخ صوب إسرائيل – من بيرتس وأولمرت سوية، ووصفهما بـ “المبتدئين”. ورغم أن إسرائيل قد كبّدت حزب الله أضرارًا كبيرة، إلا أن الحرب اعتبرت في إسرائيل فشلا كبيرًا لأولمرت. فقدَ 165 جنديًا ومواطنًا إسرائيليا حياتهم خلال الحرب.

قوات من سلاح الجو الإسرائيلي في طريقها الى تنفيذ عمليات قتالية ضد حزب الله، حرب لبنان الثانية (Flash90AbirSultan)
قوات من سلاح الجو الإسرائيلي في طريقها الى تنفيذ عمليات قتالية ضد حزب الله، حرب لبنان الثانية (Flash90AbirSultan)

كان أول المنتقدين حينذاك هو زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو. “لأول مرة تنتهي حرب تبدأها إسرائيل بنفسها دون أن تنتصر فيها”، أدان نتنياهو أولمرت، ووصف حكومته بـ “قليلة الخبرة”.

ولكن ظلت حكومة أولمرت مستقرة رغم الإدانات القاسية. لم يُلق تقرير لجنة التحقيق التي حققت في أداء الحكومة، لجنة فينوغراد، لم يُلق المسؤولية الشخصية على أولمرت. وعلى الرغم من ذلك، قال أعضاء اللجنة بأنهم يتوقعون – رغم عدم التوصية بذلك بشكل صريح – أن يستخلص أولمرت النتائج المطلوبة ويستقيل.

عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)
عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)

فاجأ أولمرت في تشرين الثاني لعام 2007 المجتمع الدولي، وحضر مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة، وهو مؤتمر استأنف من جديد المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

هل يعود أولمرت للسياسة؟ إدانته أنهت هذا الإحتمال، فمن الصعب أن يغفر الجمهور الإسرائيلي عن أعمال الفساد التي قام بها

كانت المقترحات التي قدمها أولمرت للقيادة الفلسطينية بعيدة المدى. بحسب أقواله، فقد قدم للفلسطينيين اقتراحا “لم يُقدمه من قبل أي رئيس وزراء سابق”. ووفق التقارير فإنّ الاقتراح قد شمل مساحة تقترب من 100% من أراضي الضفة الغربية. وشملت الخريطة التي اقترحها أولمرت أيضا تقسيم القدس، تفاصيل حول أحياء القدس الشرقية التي سوف يتم تحويلها للفلسطينيين و”تدويل” البلدة القديمة.

ولكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يستجب أبدًا لهذا الاقتراح. وفي غضون ذلك، أدت الاتهامات الصعبة التي وُجّهت إلى أولمرت بشأن الفساد الحكومي، إلى تقصير مدة ولايته.

سحابة من الشكوك

ارتبط ما لا يقل عن سبع حالات من الفساد باسم أولمرت؛ ابتداء من الاشتباه به بأنه نال خصمًا على منزل اشتراه مقابل الحصول على تسهيلات ضريبية للشركة، مرورًا باتهامه بالتعيينات السياسية وتغيير مزاد بيع البنك “الوطني”، وانتهاء باتهامه بأنه تلقى مغلفات من رشوة نقدية من رجل الأعمال موشيه تالانسكي.

اضطر شركاء أولمرت بعد كل ذلك إلى إجباره على الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء. وأعلن أولمرت عام 2008 بأنه لن يحاول ترشيح نفسه مجددًا لنفس المنصب، وفي عام 2009 حلّ مكانه بنيامين نتنياهو، الذي قاد حزب الليكود للفوز في الانتخابات. وتلاشى حزب أولمرت، كاديما، الذي فاز – بقيادته –  بـ 28 كرسيًا، وفاز في الانتخابات الأخيرة بمقعدين فقط.

إيهود أولمرت وتسيبي ليفني في الكنيسيت (Olivier Fitoussi /Flash90)
إيهود أولمرت وتسيبي ليفني في الكنيسيت (Olivier Fitoussi /Flash90)

ولكن في نهاية المطاف لم تكشف غالبية الاتهامات التي وُجّهت لأولمرت عن شيء. أغلقت معظم الملفات من قبل النيابة العامة والشرطة، وتمت تبرئة أولمرت من ملف القضية التي اتهم فيها بتلقي الرشوة، وهو ملف تالانسكي.

ومع ذلك، بقي أولمرت متهمًا بخيانة الأمانة في قضية التعيينات السياسية بمركز الاستثمار، وكما ذلك أدين أولمرت بما سمّي “قضية هولي لاند”؛ وهي قضية فساد ضخمة تتعلق بمشروع عقارات في القدس.

وقد أصدر قاضي المحكمة المركزية في تل أبيب، دافيد روزن، الحكم على أولمرت، الذي أدين بتلقّي رشاوى لمدة 6 سنوات وغرامة مالية مليون شاقل، مما يعتبر حكما قاسيا لملف الفساد السلطوي الأخطر الذي كُشف في إسرائيل.

من المحتمل أن ومن المتوقع أن يستأنف أولمرت على قرار الحكم هذا، وأن لا يبدأ محكوميته مباشرة. ولكن حسب توقعات غالبية المحللين لا تغير المحكمة العليا قرار قرار القاضي روزن.

هل يعود أولمرت للسياسة؟ مع اقتراب انتخابات 2013 كان هناك كلام كثير حول عودة أولمرت إلى مركز الصدارة، وبدا أن العديد من وسائل الإعلام، والتي يوجد بين أصحابها وبينه صداقة، قد أرادت رؤيته هناك. ولكن إدانات ألومرت أنهت هذا الإحتمال، فمن الصعب أن يغفر الجمهور الإسرائيلي عن أعمال الفساد التي قام بها.

اقرأوا المزيد: 1425 كلمة
عرض أقل
إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)
إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)

من ميدان المعركة إلى عالم الأعمال

إيهود أولمرت، دان حالوتس ومئير داغان الذين تولّوا مناصب رئيس الحكومة، رئيس الأركان ورئيس الموساد في فترة حرب لبنان الثانية يفتتحون سويّة شراكة تجارية

17 مارس 2014 | 14:26

ثلاثة من كبار رجال النظام الأمني والسياسي في إسرائيل تجمع بينهم الشراكة التجارية. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت، رئيس الأركان السابق دان حالوتس ورئيس الموساد السابق مئير داغان انضمّوا معًا لإقامة شركة تجارية اسمها “EOC بارتنرز”. حتى الآن من غير الواضح ماذا سيكون مجال عمل الشركة، ولكن وفقًا لتقديرات صحيفة “ذا ماركر”، فإنّ الشركة ستشتغل بالاستشارات العسكرية والأمنية. رفض كلّ من أولمرت وحالوتس على حدٍّ سواء التطرّق إلى أسئلة حول مجال عمل الشركة.

يملك أولمرت نحو نصف أسهم الشركة بواسطة شركة EOC الصينية – الإسرائيلية، والتي يقع معظمها تحت سيطرته. بالإضافة إلى ذلك، يشترك في الشركة بعض الأشخاص الآخرين الذين كانوا موظّفين في مكتب رئيس الحكومة في فترة ولاية أولمرت: مستشاره السياسي، شالوم ترجمان ومستشاره الإعلامي يعقوب غالانتي.

وجلب حالوتس معه في الشراكة عوفر ديكل، رجل الموساد الذي كان مسؤولا عن قضية التفاوض من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من يد حزب الله وجلعاد شاليط الذي كانت حماس تحتجزه. ويعتبر حالوتس وديكل شريكَين منذ سنوات، وهما يعملان سويّة مع يوفال رابين، ابن رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين في تعزيز المعاملات الأمنية لشركات إسرائيلية في نيجيريا.

رئيس الموساد السابق مائير دغان (Yossi Zamir/Flash90.)
رئيس الموساد السابق مائير دغان (Yossi Zamir/Flash90.)

بدأ العمل المشترَك لأولمرت، حالوتس وداغان في حرب لبنان الثانية، عام 2006. كان أولمرت وقتذاك رئيس الحكومة، حالوتس رئيس الأركان وداغان رئيس الموساد. عام 2008 مدّد أولمرت ولاية داغان بل وعيّنه رئيسًا لـ “منتدى الإحباط السياسي” الخاص بالبرنامج النووي الإيراني. وقد صرّح داغان في السنوات الأخيرة بانتقادات شديدة ضدّ رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو في موضوع النووي الإيراني، وانتقد بشكل خاصّ خيار الهجوم الإسرائيلي.

وقد ذكر حالوتس في الماضي أنّه ينوي الترشّح لمنصب سياسي، بل وقد ذكر أنّه جنّد من أجل ذلك مبلغًا قريبًا من نصف مليون شاقل. ومع ذلك، فقُبيل الانتخابات الأخيرة التي ظهر فيها أنّ حزب “كاديما”، الذي كان حالوتس يسعى للتصدّر من خلاله، على وشك أن ينهار، فقد قرّر تجنّب الترشّح.

اقرأوا المزيد: 286 كلمة
عرض أقل
أريئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)
أريئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)

علاقات خطرة – شارون والعرَب

يُذكَر شارون بشكل خاصّ في سياق محاربته للعرب، لكنّه في آخر أيّامه حوّل مساره وكان خلف الخطوة التاريخية بالانسحاب من غزة

بنى أريئيل شارون، رئيس الحكومة الحادي عشر في دولة إسرائيل، مسيرته في الجيش، وهو منقوش في الذاكرة الجماعيّة، الإسرائيلية والعربيّة على حدٍّ سواء، كمقاتِل وقائِد عسكريّ، وقف خلف عددٍ غير قليل من الحروب. واتُّهمَ شارون مرارًا بالإفراط في استخدام القوّة، القتال غير الأخلاقي، وانتهاج المواقف اليمينيّة. لكن عام 2005، وفيما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، قام بخطوة تاريخيّة لا تُنسى حين قرّر الانسحاب الأحاديّ الجانب من قطاع غزة. نظرة شاملة إلى حياة الجنرال أريئيل شارون.

بدايَة الطريق

بدأ شارون طريقه في تنظيم “ههاغاناه”، قبل إنشاء دولة إسرائيل، وفي حرب 1948، عمل قائد قسمٍ، وأصيب إصابة خطِرة. ادّعى شارون لاحقًا أنّ الإصابة والمعركة كان لهما أثر كبير في صياغة حياته. بعد شفائه، واصل القتال، وشارك في معارك ضدّ الجيشَين الأردني والمصريّ.

أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)
أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)

في السنوات الأولى بعد إقامة دولة إسرائيل والجيش الإسرائيليّ، عُيّن شارون قائد كتيبة، وعام 1953 طُلب منه إنشاء “الوحدة 101″، بحيث تتمكّن من إنجاز مهامّ في عُمق أراضي العدوّ، لا سيّما إجراء عمليّات عقابية ضدّ هجمات الفدائيين الذين انطلقوا حينذاك من قطاع غزة والضفة الغربية. تحت إشرافه، أضحت الوحدة 101 أوّل وحدة كوماندوز في الجيش الإسرائيلي، إذ تخصّصت بعمليات الرد على المتسلّلين الفلسطينيين، من ضمنها الغارة على مخيّم البريج للّاجئين في قطاع غزة، والغارة على الخليل في عام 1953.

في وقتٍ لاحق، عُيّنَ شارون قائدًا لجميع وحدات المظليين، وفي حرب سيناء أشرف على معركة ممر “متلا” الشهيرة، التي مُني فيها الجانِبان، الإسرائيلي والمصريّ، بخسائر فادحة. في وقتٍ لاحق، واجه شارون انتقادًا لاذعًا لمبادرته إلى المعركة رغم عدم ضرورتها. بعد فترة متواصلة من تجميد ترقيته، عُيّنَ شارون قائدًا للواء المدرّعات ورئيس أركان قيادة الشمال.

حرب 1967 وما تلاها

في حرب الأيام الستة أشرف شارون على كتيبة قاتلت الجيش المصري، ولاقت نجاحًا كبيرًا إذ أجبرت القوات المصرية على التراجع جنوبًا. حظي شارون بالمجد للمعارك التي أدارها في أم كتف وأبو عجيلة. وقد اعتُبرت المعركة واحدة من أنجح المعارك في تاريخ الجيش الإسرائيلي، ودُرّست بعد ذلك في أكاديميّات عسكريّة في أرجاء العالم. في ما تبقّى من الحرب، أشرف شارون على تطهير محور التقدّم الجنوبي لقوّات الجيش الإسرائيلي باتجاه قناة السويس.

أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)
أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)

بعد الحرب، نقل شارون مراكز تدريب عديدة للجيش إلى أراضي الضفة الغربية التي احتُلّت في الحرب. عام 1969، عُيّنَ قائدًا لمنطقة الجنوب، ولعب دورًا رئيسيًّا في حرب الاستنزاف. في بداية السبعينات، كان شارون مسؤولًا عن إحباط الإرهاب القادم من قطاع غزة، وقد أوعز بإدخال قوّات عسكريّة ووحدات نخبة إلى القطاع. تمّ إجراء تمشيطات واسعة على طول القطاع، وخرج شارون نفسه إلى الميدان مرشدًا الجنود كيف ينفّذون المهامّ. إضافةً إلى العمليّات والسعي لعلاقة مع الإرهابين، انتهج شارون سياسة العصا والجزرة مع السكّان. فالمناطق الهادئة شُجِّعت وطُوِّرت، فيما المناطق ذات الصلة بالإرهابيين لم تنَل مساعَدة.

كان طابع عمل شارون في قطاع غزة خلافيًّا. فقد لاقى هدم بيوت نشطاء إرهابيين انتقاداتٍ من اليسار، كما لاقت سياسة الذراع الحديدية انتقادًا من الحاكم العسكري في غزة. وسّع شارون عملية محاربة الإرهاب لتشمل سيناء، مركِّزًا على البدو الذين تدفّق السلاح عبرهم إلى غزّة. تمّ إخلاء بعض البدو من شمال سيناء، ما أدّى إلى توبيخ رئيس الأركان لشارون، لكنّ الحكومة دعمت عمله.

حرب تشرين

بعد أشهر معدودة من حرب تشرين، بسبب خلافات حادّة جدًّا في الرأي مع رئيسَي الأركان بار ليف ودافيد إليعيزر، قرّر شارون الانسحاب من الجيش، مُعلنًا عن إقامة حزب يمينيّ موحّد استعدادًا للانتخابات التي كانت مُحدَّدة في تشرين الأول 1973. أثمرت مبادرته عن إنشاء حزب “الليكود” في تموز، وعُيّن شارون مسؤولًا عن قسم الانتخابات في الحزب.

يوم الجمعة، 5 تشرين الأول 1973، تلقّى شارون إشعارًا أنه يُتوقَّع اندلاع حرب وبدأ بتجنيد كتيبة احتياط مصفّحة. في اليوم التالي، خرج على رأس كتيبته إلى سيناء وبدأت حرب تشرين. في اليوم الثالث من الحرب، نجحت كتيبة شارون في القضاء على حشدٍ من 35 دبّابة مصريّة في تل حميدة – أوّل معركة هجوميّة ناجحة منذ بدء الحرب في منطقة الجنوب. وبدأت قواته تتقدم باتجاه القناة. حين علِم رئيس الأركان بالأمر، أمر بوقف التقدّم، ما تبيّن لاحقًا أنه خطأ، إذ كثّف المصريون قوّاتهم في القناة وألحقوا خسائر فادحة جدًّا بالجانب الإسرائيلي. في اليوم نفسه، ارتفع مستوى الخلافات في الرأي بين شارون وبين قيادة الجيش، ليبلغ حدّ عدم انصياع شارون للأوامر. ساند وزير الدفاع ديان شارون، لا رئيس الأركان وقائد اللواء.

في 14 تشرين الأول، في معركة دفاعية شاركت فيها الكتائب الثلاث في الجنوب، كُبح هجومٌ مصريّ كبير، ودمّرت كتيبة شارون نحو 150 دبّابة مصريّة من الدبابات المصرية الـ 250 التي دُمّرت في الهجوم. مع نجاح معركة الإيقاف، تمّت المصادقة على برنامج اجتياز القناة. أُلقيت على عاتق كتيبة شارون مهمّة اقتحام القناة وإنشاء جِسر. بعد الظهر، بدأت الكتيبة بقيادة شارون المعركة، وكانت المعركة من أعقد وأصعب معارك حرب تشرين. خلال العمليّة كلّها، خاضت الكتيبة معارك قاسية مليئة بالجرحى والقتلى. في نهاية المطاف، حوّلت العمليّة مسار الحرب في الجنوب. في أعقاب اجتياز الجيش الإسرائيلي القناة، بدأت مصر تطلب وقف إطلاق النار.

وزير دفاع في حرب لبنان

بعد الحرب، ورغم الانتقادات اللاذعة لسلوك الجيش الإسرائيلي والحكومة، كان شارون تحديدًا من الذين نالوا صورة إيجابيّة، واعتُبر الشخص “الذي أنقذ الموقف” ومنع خسائر أكبر، كما نجح في الحفاظ على شبه جزيرة سيناء بيدَي إسرائيل. في كانون الأول 1973، انتُخب للكنيست الثامنة عن حزب الليكود. بعد سنة، استقال من الكنيست، ليتمكّن من الاحتفاظ بمنصبه قائدًا لكتيبة احتياط. عام 1975، عُيّن مستشارًا لرئيس الحكومة إسحاق رابين للشؤون الأمنية.

عام 1981، بعد الانتخابات للكنيست العاشرة، عُيّن شارون وزيرًا للدفاع في حكومة مناحيم بيجن الثانية، وأشرف في إطار منصبه على إخلاء المستوطِنين من سيناء، وهدم مستوطنات “يميت” في نيسان 1982.

عام 1982، كان شارون، بمصادقة الحكومة، المبادِر إلى حرب لبنان، التي بدأت باسم “عملية سلامة الجليل” – عمليّة عسكريّة للقضاء على التنظيمات الإرهابية الفلسطينية في جنوب لبنان، حيث أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية مقاطعة هدّدت سكّان شمال إسرائيل. بدأت الحرب في أعقاب محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرجو، التي دفعت إسرائيل إلى ضرب منشآت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، ما أدّى إلى إطلاق وابلٍ قويّ من صواريخ الكاتيوشا على شمال إسرائيل.

وفق إعلان بيجن في الكنيست، تمّ حصر العمليّة بدخول قوّات الجيش الإسرائيلي حتّى 40 كيلومترًا شمال الحدود مع لبنان، مسافة أبعد من مدى صواريخ الكاتيوشا التي كانت بحوزة الفلسطينيين. أمّا على أرض الواقع، فقد عمل الجيش الإسرائيلي أبعد من ذلك ووصل إلى العاصمة بيروت، بهدف القضاء كُلِّيًّا على وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. في أعقاب العمليّة، بقيت قوّات الجيش الإسرائيلي في عُمق لبنان نحو ثلاث سنوات، ما أدّى إلى خوضها حرب عصابات صعبة مع عناصر مختلفة، بينها حزب الله. أدّت الخسائر التي لحقت بالجيش الإسرائيلي وما اعتُبر عدمَ توقّع البقاء في عُمق لبنان، إلى جانب شائعات مفادها أنّ شارون ضلّل رئيس الحكومة، بيجن، حول مدى تورّط الجيش الإسرائيلي في لبنان، إلى هبوط حادّ في شعبيّة الحرب وإلحاق الأذى بالمكانة الشعبيّة لشارون.

فضيحة صبرا وشاتيلا

خلال مكوث الجيش الإسرائيلي في بيروت، في أيلول 1982، ارتكب حزب “الكتائب اللبنانية” مجزرة في مخيّمَي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا في المدينة. حدثت المجزرة بعد اغتيال بشير الجميّل، قائد “القوّات اللبنانيّة” التابعة للكتائب، الذي انتخُب رئيسًا للجمهورية بدعم إسرائيل. في أعقاب اغتيال الجميّل، سيطر الجيش الإسرائيلي على بيروت الغربيّة، ذات الأكثرية الإسلاميّة. أوكلت إسرائيل مهمّة “تطهير” مخيّمات اللاجئين من المقاتِلين الفلسطينيين إلى قوّات الكتائب، التي دخلت مخيّمَي صبرا وشاتيلا مساء 16 أيلول، وبدأت بالقتل عشوائيًّا خلال وقت قصير. وخرجت القوّات من المخيمَين بعد يومَين بناءً على طلب الجيش الإسرائيلي، وخلال اليوم فقط بدأت أبعاد المجزرة بالاستضاح، إذ قُتل وفق التقديرات بين 700 و800 شخص، بمَن فيهم نساء وأطفال كثيرون.

مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 (AFP)
مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 (AFP)

في أعقاب ضغط الرأي العام في البلاد والعالَم، عُيِّنَت لجنة تحقيق رسميّة للتحقيق في أحداث المجزرة. قرّرت اللجنة أنه رغن عدم تورّط الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر في المجزرة، فإنّ شارون مسؤول عن تجاهُل خطر ارتكاب الكتائب اللبنانية مجزرةً في مخيّمات اللاجئين انتقامًا لمقتل قائدها العسكريّ. في أعقاب ذلك، أوصت اللجنة بعزل شارون من منصبه، وبعدم تسليمه حقيبة الدفاع من جديد. رفَض شارون الاستقالة، لكنّه عُزل من وزارة الدفاع بناءً على قرار الحكومة.

عضو في الحكومة والمعارضة

لسنواتٍ طويلة، شغل شارون مناصب مختلفة في الحكومة، بينها وزير الصناعة والتجارة، ووزير الإسكان، حيث أمر ببناء مئات عديدة من الوحدات السكنية في أراضي الضفة الغربية.

في فترة حكومة إسحاق رابين، عارض شارون بوضوح مسار أوسلو، الذي رأى فيه خطرًا فادحًا على أمن الدولة، حتّى إنه قال إنّ رابين وبيريس كانا سيُحاكَمان على اتّفاقات كهذه لَو كانا في دولة أخرى.

أريئيل شارون في الحرم الشريف, سبتمبر 2000 (Flash90)
أريئيل شارون في الحرم الشريف, سبتمبر 2000 (Flash90)

عام 1998، عُيّن شارون وزيرًا للخارجية، وشارك مع بنيامين نتنياهو في بلورة بنود اتّفاقية واي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. في إطار عمله وزيرًا للخارجية، عمل شارون على تعزيز السلام في المنطقة وسعى إلى دعم مشاريع إقليميّة مشتركة في شأن المياه.

عام 2000، وحين كان زعيم المعارضة في عهد حكومة إيهود باراك، صعد أريئيل شارون إلى الحرم القدسي الشريف (ساحة الأقصى) في زيارة إعلاميّة قال فيها: “جبل البيت في يدنا”، وأعلن أنّ “لكلّ يهودي الحقّ في زيارة جبل البيت”. أثارت الزيارة اضطراباتٍ في الحرم القدسي، أدّت إلى اندلاع انتفاضة الأقصى وإلى سنواتٍ طويلة من المواجهة الدمويّة بين الجانبَين.

رئيس الحكومة شارون

عام 2001، وبعد انتخابات وعد فيها شارون الشعب الإسرائيلي بـ”السلام والأمان”، انتُخب رئيسًا للحكومة. ألّف شارون حكومة وحدة مع حزب العمل، ما منحه وحكومته شرعيّة لدى الشعب الإسرائيلي وفي العالم على حدِّ سواء. خلال سنوات الانتفاضة، التي لحقت فيها بإسرائيل خسائر بشريّة فادحة، بسبب التفجيرات الانتحاريّة التي نفذتها التنظيمات الفلسطينية داخل إسرائيل بشكل أساسيّ، عمل شارون على إضعاف السلطة الفلسطينية، ساعيًا إلى إظهار الصلة بينها وبين الإرهاب، وإلى نزع الشرعية عنها في العالم.

في آذار 2002، بعد تفجيرٍ قويّ جدًّا، وبعد شهر قُتل فيه أكثر من 120 مواطنًا وجنديًّا إسرائيليًّا، قرّرت حكومة شارون احتلال الأراضي الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية (أراضي A) في عملية الدرع الواقي، التي فكّكت بنية التنظيمات في الضفة، ونجحت في تقليل عدد القتلى في التفجيرات بشكل ملحوظ.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون  ونجله عمري شارون (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون ونجله عمري شارون (Flash90)

عام 2002، بدأ شارون بإنشاء جدار الفصل الذي يفصل بين إسرائيل والضفّة، رغم أنّ عارضه لسنواتٍ طويلة، لكونه دعم طيلة حياته بحماسٍ فكرة أرض إسرائيل الكاملة.

عام 2003، انتُخب شارون لولاية إضافيّة. في هذه الفترة، تقرّب كثيرًا من الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، وبدأ بإبداء اعتدال في مواقفه السياسية. وخلافًا لبنيامين نتنياهو، الذي عبّر حينذاك عن معارضته لإقامة دولة فلسطينية، توجّه شارون إلى مركز الخارطة السياسية، وأعلن أنّه “مقابل سلام للأجيال القادمة، أنا مستعدّ للقيام بتنازُلاتٍ مؤلمة”.‏

الانسحاب من غزّة

في خطابٍ ألقاه نهاية 2003، أعلن شارون أنّه يعتزم، إن لم يجِد شريكًا فلسطينيًّا مُلائمًا، الانسحاب الأحادي الجانب في المستقبَل القريب من أجزاءٍ من الأراضي الفلسطينية وحتّى إخلاء مستوطنات – برنامج دعاه “فكّ الارتباط”. ناقض برنامجه الأيديولوجية التي دافع عنها بحماسة طيلة حياته السياسية والتي على أساسها انتُخب، وأدّى إلى اهتياجٍ حادّ في اليمين.

بالتوازي مع طرح فكرة الانسحاب، واصل سياسته القاسية والقتاليّة ضدّ الإرهاب، وأوعز، على سبيل المثال، باغتيال رئيس حركة حماس، أحمد ياسين وخليفته عبد العزيز الرنتيسي، كما قاد عمليات تطهير في رفح وشمال القطاع.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون  ومحمود عباس (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون ومحمود عباس (Flash90)

في تشرين الثاني 2004، مع وفاة ياسر عرفات، أصرّ شارون على رأيه بتنفيذ خطّة فكّ الارتباط، ولم يستبعِد التفاوض مع القيادة الفلسطينية. في كانون الأول، ضمّ إلى حكومته حزب العمل برئاسة شمعون بيريس. تمّت الموافقة على الحكومة الجديدة، التي كان هدفها الرئيسي تنفيذ الانسحاب، بأكثرية ساحقة، ما دلّ على مدى تبدّل مواقف شارون السياسيّة، مقابل الأيام التي كان يُعتبَر فيها أحد كبار داعمي فكرة أرض إسرائيل الكاملة. سخطت الأوساط اليمينية، التي كانت معجبة بشارون سابقًا. كما كان هناك خوف من اغتياله. ادّعى عددٌ من معارضيه أنّه دعم برنامج فكّ الارتباط ليحوّل اهتمام الإعلام عن فضائح الفساد التي اتُّهم فيها.

في شباط 2005، صادقت الحكومة والجيش على الخطّة، وبدأ تنفيذها في آب 2005، وسط خلافات حادّة في الرأي العام الإسرائيلي. استُكمل إخلاء المستوطَنات خلال ثمانية أشهر، ثمّ جرى إخلاء جميع قواعد الجيش الإسرائيلي من القطاع.

عام 2005، انشقّ شارون عن الليكود، وأنشأ حزب كاديما، كحزب وسطي عريض، يدعم العمليّة السياسيّة مع الفلسطينيين. تمثّل مغادرة شارون الحزب اليمينيّ الذي كان أحد رموزه التغيير الجوهريّ الذي مرّ به شارون من رجل أمن وحرب إلى داعمٍ للسعي في أثر السلام مع الفلسطينيين.

لكنّ شارون لم يتمكّن من تحقيق برنامجه بالتحدّث إلى الفلسطينيين، وليس لأسبابٍ سياسيّة. ففي 18 كانون الأول 2005، أصيب شارون بنوبة دماغية خفيفة. إثر ذلك، كان يُفترَض أن يجتاز عمليّة قسطرة في القلب ويتناول أدوية لتمييع الدم. في 4 كانون الثاني 2006، أصيب بنوبة دماغيّة ثانية خطيرة، بسبب نزيفٍ دماغيّ. إثر عجزه عن القيام بمهامّه، نُقلت صلاحيّاته كرئيسٍ للحكومة إلى القائم بأعماله، إيهود أولمرت. وبعد علاج الطوارئ الذي خضع له شارون، دخل سباتًا استمرّ ثماني سنوات، لم يُفق منه، حتّى وفاته في 11 كانون الثاني 2014.

اقرأوا المزيد: 1915 كلمة
عرض أقل
إيهود أولمرت (Olivier Fitoussi /Flash90)
إيهود أولمرت (Olivier Fitoussi /Flash90)

إيهود أولمرت: الانطلاقة – والأفول

تحوّل إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق في إسرائيل، من رجل قانون إلى رجل مدان بتلقي الرشوة، وبعد أن وصل إلى قمة العمل السياسي شاغلا أعرق المناصب في دولة إسرائيل قرّر القضاء الإسرائيلي أنه لا يوجد أحد فوق القانون. بروفايل سياسي قوي أضحى ذليلا

من الصعب تحديد سلسلة الأحداث التاريخية المؤسفة التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، وإلى انخفاض غير مسبوق في تقييم برنامجه السياسي وعمله.

إعادة النظر في الأحداث التي كان أولمرت مسئولا عنها، خلال فترة رئاسته في الحكومة، وتصريحاته اللاذعة مؤخرًا ضد سياسة رئيس الحكومة وسياسة الحزب الحاكم، الليكود، تلقي الضوء على زوايا مثيرة للاهتمام بالنسبة للرجل الذي كان يعتبر – حتى السنوات الأخيرة – لاعبًا ثانويًا في السياسة الإسرائيلية.

ومع ذلك، فهناك الكثير ممن يتطلعون إلى اليوم الذي سيعلن فيه أولمرت عن عودته إلى السياسة. هل استنفدتْ حصة السياسيين الإسرائيليين الأقوياء، الذين هم “المسؤولون الكبار”؟

الصديق إيهود، المحامي أولمرت

دخل أولمرت إلى الساحة السياسية في ستينات القرن الماضي. ومنذ أواخر الستينات حتى أواسط الثمانينات عمل أولمرت في أطر سياسية مختلفة.

انتخب في عام 1973 (في سن 28 عامًا، وهو الأصغر سنًا من بين أعضاء الكنيست حينذاك) لدورة الكنيست الثامنة، من قائمة حزب الليكود. وحتى قبل ذلك، في الستينات، عُرف أولمرت كمعارض شاب – ولكن شديد – لمسار زعيم الحزب مناحيم بيجن.

إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)
إيهود أولمرت (Yonatan Sindel/Flash90)

ادعى أولمرت – الذي لم يحصل إلا على شهادة في القانون – بشكل حاسم أنّ على الزعيم الكبير أن يستخلص الدلالة الواضحة التي أدت إلى فشله في الانتخابات وعليه أن يستقيل. وحين انتخب بيجن لرئاسة الوزراء بعد عدة سنوات، علم أولمرت أنه كان مخطئا.

ينحدر أولمرت، الابن الثالث من بين أربعة أولاد في عائلته، من عائلة صهيونية ترعرعت على قيم اليمين الإسرائيلي. اشتغل والده مردخاي أولمرت بالزراعة، وكان عضوًا في الكنيست عن حزب الحرية (وهو حزب سياسي إسرائيلي تأسس عام 1948، ومنه نشأ حزب الليكود)، وقام أولمرت بالخدمة العسكرية في لواء جولاني وكذلك في صحيفة “المعسكر”.

كان يكثر أولمرت في بداية حياته السياسية من التركيز على قضية مكافحة الفساد والجريمة المنظمة. وكان شريكه المذهل في مكافحة الفساد في الواقع عضو الكنيست من الحزب المنافس: يوسي سريد من حزب العمل. قال سريد مثنيًا على شريكه: “أعطى إيهود انطباعًا حيًّا عن الشاب النشيط الموهوب. إنّ التزامه تجاه مكافحة الفساد لم يغب عن بالي”.

ولكن يدّعي سريد أنه منذ ذلك الحين لاحظ وجود جوانب مظلمة في الرجل الذي كان يومًا ما رئيسًا للوزراء. قال سريد إنه أخبر صديقه أنه “قد شخّص أعراض الجشع في أولمرت، وهذا ما سوف يؤدي إلى فشله عاجلا أم آجلا”. في الواقع، وقف أولمرت أمام المحكمة بخصوص فضيحة فساد ضخمة، ولكن تمت تبرئة ساحته في معظم التهم الموجهة إليه.

أولمرت هو محامٍ، وخلال سنوات طويلة من عمله السياسي أدار في المقابل عملا له في هذه المهنة. تحدث يوسي سريد بتهكم عن صديقه القديم، الذي كان يعطي النصائح باعتباره “الصديق إيهود”، ويقدم فاتورة الدفع باعتباره “المحامي أولمرت”.

رئيس البلدية الطائر

كان التحوّل المهم في عمل أولمرت السياسي حين انتخب عام 1993 لرئاسة بلدية القدس. هزم أولمرت في هذه الانتخابات تيدي كولك، رئيس بلدية القدس الأسطوري الذي شغل المنصب لمدة 28 عامًا.

ارتكب أولمرت خلال عمله كرئيس بلدية القدس، خطّا يمينيًا واضحًا حين دفع لإنشاء حيّ “هار حوما” شرقيّ القدس، وافتتاح نفق الحائط الغربي. وقد قام معارضو أولمرت باتهامه بأنه أدى إلى حصول عجز هائل في الميزانية، وترك وراءه فجوة من 534 مليون شاقلا تقريبًا، وهي نحو 8 أضعاف العجز الذي كان لدى استلامه منصب رئيس البلدية.

إيهود أولمرت (Olivier Fitoussi /Flash90)
إيهود أولمرت (Olivier Fitoussi /Flash90)

أجرت صحيفة مقدسية محلية تهدف إلى مراقبة الرحلات التي قام بها أولمرت خارج البلاد في فترة ولايته، وكشفت أنه خلال فترة ولايته قام  بقضاء مئات الأيام في الخارج، معظمها في الولايات المتحدة. وقد سمّي التقرير “أولمرت في السماء”. ورد أولمرت على هذه الحقيقة بقوله إن هذه الرحلات لم تكن ممولة من قبل البلدية، وإنما من قبل الجهات المانحة.

الصعود إلى القمة

رغم أن أولمرت هاجم أرئيل شارون كثيرًا، فقد نشأت – بعد أن أصبح شارون رئيسًا للوزراء – علاقات ودية بين الرجلين. عمل أولمرت بجدّ على تثبيت موقفه باعتباره “الرجل الثاني” بعد رئيس الوزراء القوي، والذي استجاب له وعيّنه نائبا لرئيس الوزراء. ورغم دعم شارون له، ظلّ أولمرت سياسيًا غير شعبي ولا محبوب من قبل أعضاء حزبه الليكود. وكانت لذلك آثار بعيدة المدى على الخريطة الحزبية في إسرائيل.

صُنّف أولمرت بأنه “مؤشر اليسار” في الحكومة. في كانون الأول لعام 2003 صدم أولمرت – اليميني المخضرم – الجمهور الإسرائيلي حين صرّح على الملأ بأنّ على حكومة إسرائيل التخلي عن رؤية “إسرائيل الكبرى”. بعد فترة وجيزة من ذلك أعلن شارون، مع التشجيع والدعم من أولمرت، عن خطة فك الارتباط – الانسحاب من كل قطاع غزة وإخلاء المستوطنات هناك.

كان أولمرت من أوائل من دعا شارون إلى الاستقالة من قيادة الليكود وتأسيس حزب جديد، وقبل شارون التحدي، فقد انشق عن الليكود عام 2005 وأسس حزب “كاديما”. وبذلك أصبحت طريق أولمرت إلى القمة قصيرة ومدهشة.

أصيب شارون في شهر كانون الثاني عام 2006 بجلطة دماغية ودخل في غيبوبة. أثمرت جهود أولمرت أخيرًا، عبر السنين الطويلة، وذلك حين أسندت إليه رئاسة الوزراء. تسلق أولمرت على الشعبية الجماهيرية لشارون، وفاز في انتخابات عام 2006. ولكن كانت فترة النعيم التي كسبها رئيس الوزراء أولمرت قصيرة.

الحرب والسلام؟

فورًا وبعد أن أدت الحكومة اليمين، وُجّهت سهام النقد القاسي صوب أولمرت، وذلك حين أسند إلى عمير بيرتس – فاقد الخبرة – منصب وزير الدفاع. اشتدت الانتقادات بشكل أكبر في صيف عام 2006، وذلك بعد أن اندلعت الحرب اللبنانية الثانية في أعقاب اختطاف اثنين من جنود الاحتياط الإسرائيليين في الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)
عمير بيرتس، إيهود أولمرت ودان حالوتس (DAVID FURST / AFP)

سخر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله – الذي أطلق آلاف الصواريخ صوب إسرائيل – من بيرتس وأولمرت سوية، ووصفهما بـ “المبتدئين”. ورغم أن إسرائيل قد كبّدت حزب الله أضرارًا كبيرة، إلا أن الحرب اعتبرت في إسرائيل فشلا كبيرًا لأولمرت. فقدَ 165 جنديًا ومواطنًا إسرائيليا حياتهم خلال الحرب.

كان أول المنتقدين حينذاك هو زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو. “لأول مرة تنتهي حرب تبدأها إسرائيل بنفسها دون أن تنتصر فيها”، أدان نتنياهو أولمرت، ووصف حكومته بـ “قليلة الخبرة”.

ولكن ظلت حكومة أولمرت مستقرة رغم الإدانات القاسية. لم يُلق تقرير لجنة التحقيق التي حققت في أداء الحكومة، لجنة فينوغراد، لم يُلق المسؤولية الشخصية على أولمرت. وعلى الرغم من ذلك، قال أعضاء اللجنة بأنهم يتوقعون – رغم عدم التوصية بذلك بشكل صريح – أن يستخلص أولمرت النتائج المطلوبة ويستقيل.

فاجأ أولمرت في تشرين الثاني لعام 2007 المجتمع الدولي، وحضر مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة، وهو مؤتمر استأنف من جديد المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

كانت المقترحات التي قدمها أولمرت للقيادة الفلسطينية بعيدة المدى. بحسب أقواله، فقد قدم للفلسطينيين اقتراحا “لم يُقدمه من قبل أي رئيس وزراء سابق”. ووفق التقارير فإنّ الاقتراح قد شمل مساحة تقترب من 100% من أراضي الضفة الغربية. وشملت الخريطة التي اقترحها أولمرت أيضا تقسيم القدس، تفاصيل حول أحياء القدس الشرقية التي سوف يتم تحويلها للفلسطينيين و”تدويل” البلدة القديمة.

ولكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يستجب أبدًا لهذا الاقتراح. وفي غضون ذلك، أدت الاتهامات الصعبة التي وُجّهت إلى أولمرت بشأن الفساد الحكومي، إلى تقصير مدة ولايته.

سحابة من الشكوك

ارتبط ما لا يقل عن سبع حالات من الفساد باسم أولمرت؛ ابتداء من الاشتباه به بأنه نال خصمًا على منزل اشتراه مقابل الحصول على تسهيلات ضريبية للشركة، مرورًا باتهامه بالتعيينات السياسية وتغيير مزاد بيع البنك “الوطني”، وانتهاء باتهامه بأنه تلقى مغلفات من رشوة نقدية من رجل الأعمال موشيه تالانسكي.

اضطر شركاء أولمرت بعد كل ذلك إلى إجباره على الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء. وأعلن أولمرت عام 2008 بأنه لن يحاول ترشيح نفسه مجددًا لنفس المنصب، وفي عام 2009 حلّ مكانه بنيامين نتنياهو، الذي قاد حزب الليكود للفوز في الانتخابات. وتلاشى حزب أولمرت، كاديما، الذي فاز – بقيادته –  بـ 28 كرسيًا، وفاز في الانتخابات الأخيرة بمقعدين فقط.

إيهود أولمرت وتسيبي ليفني في الكنيسيت (Olivier Fitoussi /Flash90)
إيهود أولمرت وتسيبي ليفني في الكنيسيت (Olivier Fitoussi /Flash90)

ولكن في نهاية المطاف لم تكشف الاتهامات التي وُجّهت لأولمرت عن شيء. أغلقت معظم الملفات من قبل النيابة العامة والشرطة، وتمت تبرئة أولمرت من ملف القضية التي اتهم فيها بتلقي الرشوة، وهو ملف تالانسكي.

ومع ذلك، بقي أولمرت متهمًا بخيانة الأمانة في قضية التعيينات السياسية بمركز الاستثمار، وربما ستثبت إدانته بما سمّي “قضية هولي لاند”؛ وهي قضية فساد ضخمة تتعلق بمشروع عقارات في القدس، حيث اشتبه بتورط أولمرت بها حين شغل منصب رئيس بلدية المدينة.

أولمرت المواطن

تفرغ أولمرت لأعماله الخاصة منذ أن استقال من رئاسة الحكومة، وخصوصًا منذ أن استطاع الخروج من معظم الاشتباهات التي تعلقت به. في عام 2010 تم تعيينه رئيسًا لمجموعة ليفنات، وهي شركة تملّك وتشمل أعمالها النقل، العقارات، الأسمنت وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أولمرت يكسب المال من خلال المحاضرات المدفوعة، مثل باراك ونتنياهو في ذلك الوقت. يتلقى أولمرت مقابل محاضرة أمام الجمهور الأمريكي مبلغًا وقدره 50 ألف دولار، لا يشمل النفقات.

ولكن في هذه الأيام، يبدو أن الأمر الأكثر اشتعالا لدى أولمرت هو انتقاداته التي يوجهها لخليفته في المنصب بنيامين نتنياهو، فهو يوجه له نقدًا في كل فرصة. ويعتقد أولمرت – الذي تمتع في زمن ولايته بعلاقات ممتازة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن – أن نتنياهو أخطأ على نحو خطير حين اختلف علنًا مع الرئيس الحالي باراك أوباما.

علاقات جيدة. جورج دبليو بوش وإيهود أولمرت (ويكيبدية)
علاقات جيدة. جورج دبليو بوش وإيهود أولمرت (ويكيبدية)

هل يعود للسياسة؟ مع اقتراب انتخابات 2013 كان هناك كلام كثير حول عودة أولمرت إلى مركز الصدارة، وبدا أن العديد من وسائل الإعلام، والتي يوجد بين أصحابها وبينه صداقة، قد أرادت رؤيته هناك. ولكن إدانة ألومرت أنهت هذا الإحتمال، فمن الصعب أن يغفر الجمهور الإسرائيلي عن أعمال الفساد التي قام بها.

اقرأوا المزيد: 1396 كلمة
عرض أقل