المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع متعدد الثقافات. هناك من يقول إنّه مجتمع متصدّع بسبب الاختلاط الكبير للثقافات والمجموعات الإثنية. كُتب كثيرا عن السكان العرب في إسرائيل وعن المجتمع الشرقي اليهودي (المهاجرون من الدول العربيّة: المغرب، تونس، ليبيا، اليمن، لبنان، وسوريا)، ولكن لم يُكتب إلا القليل جدا عن المجموعة الإثنية الأكبر والأهم في إسرائيل اليوم: الروس.
المجتمع الروسي في إسرائيل (Flash90/Gideon Markowicz)
في المقال التالي سنقدم لكم لمحة قصيرة عن أسلوب حياتهم والخصائص الثقافية، الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية لدى الروس، الذين قدِموا إلى إسرائيل منذ تفكك الاتّحاد السوفياتي في التسعينيات من القرن الماضي.
التسعينيات: الهجرة الأولى إلى إسرائيل
يُطلق مسمى “الروس” بشكل عام في إسرائيل على كل من قدموا إليها من الاتحاد السوفياتي سابقا وهم يشكّلون اليوم نحو سُدس السكان في إسرائيل. ويصل تعدادهم إلى أكثر من 1.3 مليون مواطن ويشكلون المجموعة العرقية الأكبر في إسرائيل. بدأت الهجرة الأولى تماما مع انهيار الاتحاد السوفياتي ومع خشية الكثير من اليهود الذين عاشوا في دول الاتحاد على مستقبلهم الاقتصادي والأمني. فتحت الحكومات الإسرائيلية أبوابها للمعنيين بالوصول إلى البلاد وبدأت بتجنيد الموارد الضخمة لاستيعاب مليون روسي يهودي.
المجتمع الروسي في إسرائيل (Flash90/Hadas Parush)
يتمتع الروس بقيم عمل عالية واستثنائية. تشكل الشريحة السكانية في سنّ العمل (بين 15-65 عاما) 57% من مجموع السكان الروس. هناك نحو 15,000 عالم روسي، 100,000 مهندس، 50,000 شخص يعملون في مجالات الطبّ (15,000 طبيب مؤهّل)، 45,000 معلّم و 182,000 مهنيا آخر. يتمتع معظمهم بخلفية مهنية معتمدة وخبرة سنوات طويلة في العمل. جمعت دائرة الإحصاء المركزية معلومات حول مستوى التعليم لدى 401,500 مهاجر من روسيا. وفقا لتلك البيانات، فإنّ 252,900 (62%) من بينهم أنهوا على الأقل 13 سنة تعليمية، ونصف هؤلاء أكملوا أكثر من 16 سنة تعليمية. ومن ناحية قادة دولة إسرائيل فإنّ درجة المخاطرة كانت جديرة، فقد بحثت الدولة عن محرّك اقتصادي جديد يدفع الاقتصاد الإسرائيلي قدما وبدأ الروس الذين قدِموا إلى إسرائيل بالاندماج رويدا رويدا في الصناعة المحلية والمجتمع.
ورغم أن مستوى تعليم المهاجرون من روسيا عال فقد وجدوا صعوبة كبيرة في العثور على أماكن عمل ملائمة لمستوى تعليمهم وخبرتهم. وفقا لبيانات إحصائية في العام 2003 على سبيل المثال (نحو 13 عاما بعد الوصول الأول)، فقد عمل أقل من 40% من المهاجرين الذين يحملون ألقابا أكاديمية في وظائف تطلّبت تعليمًا عاليًا، وعمل نحو 13% من الأكاديميين الروس في أشغال يدوية. عمل الباقون في مجال الخدمات أو في أعمال مستقلة.
أما الفئة الأكثر تضرّرا من الناحية المهنية فهي خرّيجو الجامعات الذين لم يحملوا ألقابا متقدّمة (13-15 سنة تعليمية). أصبح يعمل نحو 16% منهم في أشغال يدوية. في المقابل، فإنّ أصحاب اللقب الثاني (وأحيانا أكثر من واحد) هم أكثر مرونة ومغامرة من الناحية الفكرية والمهنية. وقد نجح الأطباء ومبرمجو الحاسوب في الاندماج المهني بشكل خاص. من بين هذه المجموعات يعمل نحو 50% في مجالهم المهني.
وقد اندمج عدد قليل جدا من عامة الروس فقط في القوى الأمنية. 3.7% فقط من عناصر الشرطة هم روس، و 1.1% من موظفي وزارة الدفاع والمؤسسات الأمنية الخاصة.
يصل متوسّط دخل الأسرة الروسية التي قدمت إلى إسرائيل عام 1990 أو في وقت متأخر أكثر إلى 73% فقط من متوسط دخل الأسرة الإسرائيلية. ومن بين المهاجرين بين عامي 1995-1996، فإنّ 80% يكسبون أقل من نصف متوسط الدخل الإسرائيلي.
أفيغدور ليبرمان هو رمز سياسي روسي واضح
وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان (Yonatan Sindel/Flash90)
يمكن تعريف كل “السياسة الروسية” تقريبا من خلال شخص واحد، الشخصية اليمينية ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، أفيغدور ليبرمان وحزبه، “إسرائيل بيتنا” (بدءًا من انتخابات عام 2006). لم تحظ المحاولات الأولى لتأسيس حزب روسي بالنجاح. ولم ينجح الروس عام 1992 في التأهّل للكنيست.
ولكن تغيّر الوضع في منتصف التسعينيات. فقد أيّد الكثير من المهاجرين الجدد فكرة حزب “روسي” مستقلّ، وكان الجيل الثاني من القادة الذين قدموا في الهجرة الثانية من التسعينيات مستعدّا لمواجهة تحدّيات السياسة الإسرائيلية.
عام 1996 تأسس حزب جديد برئاسة ناتان شيرانسكي، “يسرائيل بعاليا”، كحركة تهدف إلى الحديث باسم المهاجرين الروس في إسرائيل. نجح الحزب كثيرا في انتخابات العامين 1996 و 1999، وحظي بسبعة وستّة مقاعد في الكنيست، على التوالي. حظي ممثلوه بمناصب وزارية في حكومات بنيامين نتنياهو، إيهود باراك، وأرئيل شارون.
ولكن رغم ذلك، لم يستطع الحزب تمثيل كل المجتمع الروسي، لأنّه لم ينجح في أن ينقل إليه السيطرة على جميع المنظمات الروسية غير الحكومية الأكثر أهمية، وكذلك بسبب الخلاف الداخلي في المجتمع الروسي نفسه حول موضوعات رئيسية مثل المشكلة الفلسطينية والعلاقة بين الدين والدولة. ينتمي معظم الروس في إسرائيل إلى التيار العلماني ويجدون صعوبة في أن يدركوا لماذا يوجد في إسرائيل علاقة غير قابلة للانفصال تقريبا بين القوانين الدينية والدولة، على سبيل المثال في مسائل الزواج والطلاق وحتى موافقة المطاعم على شروط الشريعة اليهودية.
المجتمع الروسي في إسرائيل (Flash90/Hadas Parush)
نتيجة لذلك، انقسم حزب “يسرائيل بعاليا” عام 1999. فانضمّ المنشقّون إلى حركة “إسرائيل بيتنا” برئاسة المدير العام الأسبق لديوان رئيس الحكومة، أفيغدور ليبرمان. كانت نواة هذه الحركة اليمينية المتطرفة مؤلفة من روس نشطاء في حزب الليكود والذين خاب أملهم من سياسة الحزب التصالحية تجاه الفلسطينيين وإهماله للمجتمع الروسي.
عام 1999 حظي ليبرمان بأربعة مقاعد وحظي في العامين 2001 و 2003 بسبعة مقاعد. عام 2003 عُيّنَ وزيرا في حكومة شارون. وقد كان النجاح الكبير في انتخابات عام 2006، عندما فاز حزب ليبرمان بـ 11 مقعدا في الكنيست وأصبح الثالث في حجمه. واليوم لم يتم تضمين حزب “إسرائيل بيتنا” بعد تقلّصه (6 مقاعد) إلى حكومة نتنياهو الذي فضّل التخلي عن شريكه الطبيعي ليبرمان بعد توتر العلاقات بين الاثنين.
ثقافة روسية فخورة
المجتمع الروسي في إسرائيل (Flash90/Hadas Parush)
يفخر الروس جدا بلغتهم وثقافتهم الأوروبية. اختبر استطلاع أجري عام 2002 على المهاجرين الروس إذا ما كان مهما لديهم أن يعرف أبناؤهم وأحفادهم اللغة الروسية والثقافة الروسية. كانت هناك نسبة مذهلة وهي 95.3% ممّن أجابوا بـ “نعم”. ويدحض هذا المعطى تماما الروح الإسرائيلية التقليدية بخصوص بوتقة الانصهار.
ولأنهم لم يكونوا راضين عن الحياة الثقافية في البلاد فقد طوّر الروس منظومة بديلة مزدهرة من المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية. مثل المسارح، المطاعم التي تتيح الاستمتاع بالطعام غير الموافق للشريعة اليهودية (وفقا لليهودية لا يجوز على سبيل المثال تناول الخنزير أو فواكه البحر).
وهناك منظمة أخرى وهي النظام التعليمي الذي تأسس عام 1991 من قبل مجموعة من معلّمي العلوم من الاتحاد السوفياتي. ومدرسة العلوم في تل أبيب هي الأكثر شهرة من بين عشرين مدرسة للمنظمة. تحاول هذه المدارس تعويض أوجه القصور البارزة في النظام التعليمي الإسرائيلي في دراسة العلوم وإكساب المعرفة والاحترام للثقافة.
ينظّم الروس الشباب، والذين ولد الكثير منهم في إسرائيل أو نشأوا فيها، أنفسهم أحيانا كثيرة في مجموعات منفصلة تكون الأجواء فيها مختلفة جدا عن الاجواء في المجموعات الإسرائيلية الأخرى. رغم حقيقة أنّ هؤلاء الشباب ثنائيو اللغة، فهم معتادون في أحيان كثيرة على التواصل فيما بينهم بالروسية. وما يجعلهم مختلفين عن مجموعات المراهقين أو الشبان الإسرائيليين هو المشاركة في الألعاب الاجتماعية، الانشغال في الرياضة، الموسيقى، ومسرح الهواة. وكما أن هناك ثقافة ثانوية مزدهرة من أغاني الروك، البوب، والغناء الروسي. تباع الاسطوانات وتسجيلات الفرق المحلية (والتي يظهر الكثير منها بانتظام في روسيا أيضًا) في إسرائيل من خلال شبكة واسعة من متاجر الكتب الروسية، والتي تعمل أيضًا كمكتبات فيديو، متاجر موسيقى، ومراكز جماهيرية.
وقد غيّر الروس أيضًا من وجه الرياضة في إسرائيل. استثمر الاتحاد السوفياتي بشكل تقليدي في الرياضة وتعامل مع الفوز في المسابقات الدولية كأهمية ذات كرامة وطنية. ساهم الرياضيون الروس بشكل جوهري في إنجازات إسرائيل المتواضعة حتى الآن في الألعاب الأولمبية وفي المناسبات العالمية الأخرى. من بين تسعة وثلاثين عضوا في الفريق الأولمبي الإسرائيلي، هناك خمسة عشر روسي. كما ويشارك الروس في الشطرنج بشكل فعال، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني