في السنوات الأخيرة، بات كبار الجالية اليهودية في إسرائيل قلقين من ظاهرة العزوبية المتأخرة الآخذة بالازدياد ما يسبب زيادة في عدد العزاب الذين لا يتزوجون حتى وقت متأخر نسبيًّا. يتلقى الشبان المتدينون توجيها منذ سن صغيرة للعثور على شركاء حياة ملائمين للزواج وإقامة عائلة يهودية وفق التقاليد الدينية المتعبة، وفي الماضي، كان من الممكن أن نلاحظ فجوة كبيرة في سن الزواج في المجتمَع المتديّن مقارنة بالمجتمَع العلماني. ما زال في يومنا هذا أيضا سن الزواج في المجتمَع المتديّن منخفضا مقارنة بالمجتمع العلماني، ولكن الفوارق تقلصت مع مرور الوقت.
منذ السنوات الماضية، أصبح المتدينون الإسرائيليون مشغولين بظاهرة العزوبية، لهذا بدأت تُجرى مؤتمرات، تُكتب مقالات، تُلقى محاضرات وتُدار نقاشات، وتُقام دورات مختلفة لمواجهة هذه الظاهرة وتقليصها. ففي السنة الماضية، دعا الحاخام رونين لوبيتش، رئيس حركة “نأماني توراه وعفوداه” (Ne’emanei Torah Va’Avodah) الجمهور لمتابعة العمل على ظاهرة العزوبية المتأخرة، موضحا: “يتعرض العزاب لتدهور نفسي وديني في أحيان كثيرة كلما كانت فترة العزوبية أطول”. وأضاف: “العزوبية لدى المتدينين هي الأصعب موضحا أن المتدينين الحريديم يتزوجون في سن صغيرة بعد عملية وساطة زواج واسعة النطاق، ويتزوج العلمانيون في سن متأخرة ولكنهم يعيشون حياة زوجية وجنسية، وبالمقابل لا يقيم الشبان المتدينون علاقة زوجية ولا جنسية”.
من بين الأسباب لهذه الظاهرة المنتشرة، يشير الكثير من الشبان المتدينين إلى أنهم لا يتلقون الوسائل العاطفية الضرورية للعثور على شريكات الحياة وإقامة علاقة زوجية في سن صغيرة. إضافة إلى هذا، يتعرض هؤلاء الشبان أو الشابات لضغط اجتماعي للعثور على شركاء حياة والزواج، ما قد يحقق نتيجة عكسية. وفق أقوال الخبيرة النفسية، د. أييلت فيدر كوهين فإن “ممارسة الضغط صعبة وتُحدث مشاكل كثيرة لأنها تؤدي إلى صراعات، غضب ولا تسمح بمعرفة الرغبات الشخصية والتعرف إلى أسباب عدم تحقيق الذات. من الصعب على العزاب معرفة أسباب عزوبيتهم لأنهم يشعرون مذنبين ولديهم مشكلة”. أشارت فيدر أيضا إلى أن جزءا من المشكلة يعود إلى الفارق الكبير بين الشبان والشابات النابع بشكل أساسي من أن المتدينين لا يتعلمون معا في المرحلة الثانوية، لهذا ليس هناك عامل مشترك بينهم.
“أنهيت دراستي للقب الأول بامتياز، وأعمل، وأعتبرُ مهنية، وأحقق تقدما في عملي، ولكن رغم هذا، بما أنني عزباء تتعامل معي صديقاتي بصفتي مسكينة، فاشلة وتعيسة”، قالت نعماه، ابنة 33 عاما، التي أوضحت أنه مهما كانت ناجحة في المجالات الأخرى فهذا “لن يساعدها”. نعماه هي واحدة من بين عشرات آلاف الشابات والشبان المتدينين العزاب الذين يشعرون أن هناك حاجة إلى أن يجتاز النقاش العام في المجتمع المتدين تغييرا، ليشعر العزاب بأنهم عاديون ولا يتم وصمهم بـ “عزاب” فقط. “بصفتنا أفراد في المجتمَع علينا أن نطوّر قدرات وننظر إلى العزاب نظرة شاملة. ويجب أن يتغير الحديث، والمكانة التي يموضع فيها المجتمع العزاب الذين يعيشون فيه”، وفق رأي التربوية أورطال شليسل، التي تزوجت في سن 32 فقط.
إضافة إلى نقص الوسائل العاطفية، تؤثر التغييرات العامة التي يمر فيها المجتمع المتدين في مجال التعارف. لقد أدى دخول الإنترنت إلى عالم المتدينين، المغلق نسبيا، إلى تغيير عالم التعارف تماما. فإذا كانت الوساطة الطريقة الأساسية للتعارف في المجتمَع المتديّن، فاليوم هناك الكثير من مواقع التعارف للمتدينين والحريديين في النت، التي أصبحت شعبية جدا في السنوات الماضية. من جهة، يحظى العرض الكبير الموجود في مواقع التعارف بإعجاب الكثير من الشبان، ولكن من جهة أخرى يثير ارتباكا لديهم. إضافة إلى هذا، تؤدي حرية العمل لدى الشبان والعرض الواسع في عالم التعارف عبر النت، إلى صعوبة في إرضاء الشبان.
يُدعى أحد مواقع التعارف الأكثر نجاحا في المجتمع المتديّن “شليش غان عيدن” (Shlish Gan Eden). أوضح أساف نافون، المسؤول عن الموقع، في مُقابلة معه مؤخرا، أن ظاهرة العزوبية المتأخرة في المجتمع المتديّن آخذة بالازدياد، ويعود سببها، من بين أسباب أخرى، إلى الوصم داخل المجموعات الفرعية في المجتمع المتدين، إذ إن الكثيرين يبحثون عن شركاء حياة من المجموعة ذاتها. ثمة مشكلة أخرى طرحها نافون وهي الأهمية الكبيرة التي يوليها الشبان والشابات المتدينون للجيل. فوفق أقواله، يتضح من تجربة أجريت في موقع التعارف الخاص به، أنه من الأسهل الحصول على شركاء حياة عندما لا يُذكر العمر.
يتابع المسلسل الوثائقي “كفار مؤحار” (أصبح متأخرا)، الذي صدر قبل عدة أشهر، العزاب والعزباوات المتدينين في سن 30 عاما وأكثر، ويوثق عالمهم الداخلي وحياتهم العزوبية في المجتمع المتدين. “تحدد العزوبية هوية معينة، حتى إذا كانت مؤقتة، وقد رغبت أن أركّز عليها”، قال مُخرج المسلسل، مئير كلاينر، وهو شاب أعزب متديّن عمره 36 عاما. وفق أقواله، لاحظ أثناء التصوير أن “هناك لدى أكثرية العزاب حاجة أساسية لتحديد مكانتهم في المجتمَع. ففي نهاية المطاف، المجتمع المتدين هو مجتمع يتضمن فئات كثيرة، والسؤال الذي يطرح هو هل يمكن أن يجد العزاب لهم مكانا ضمن هذه الحالة الشخصية المؤقتة، كيف يحدث ذلك، ومتى”.
وأضاف كلاينر موضحا: “إذا سمح المجتمع للعزاب بألا يشعروا بعزلة فهذه خطوة رائعة. إن الحياة العادية، التي تتضمن عائلات وأطفال، هي بيئة سليمة أكثر للعزاب أيضا، وفي نهاية المطاف تدفع أفرادها قدما أسرع نحو إقامة عائلة”.
يمكن العثور في يومنا هذا، من بين عدد من الحلول المقترحة لمشكلة العزوبية المتأخرة، على مؤتمرات تهتم بهذا المجال، لقاءات تدريب للشبان، وحتى دورات وورشات عمل استعدادا للحياة الزوجية، تُقدّم فيها نصائح للعثور على شركاء حياة. “شاركت في ورشات عمل جنونية، بكيت وصرخت، وفهمت أمور كثيرة، ولكن لم يحدث أي شيء”، قال حنانيا وهو شاب أعزب متديّن عمره 37 عاما شارك في سلسلة النت “كفار مؤحار”. من جهته، رغم الصعوبات، فقد ساهمت العزوبية المتأخرة في صقل شخصيته وأثرت في قدراته على إقامة علاقات حميمة كثيرا. “أشعر أن هذه السلسة علمتني درسا من أهم الدورس التي تعلمتها. وأني أصبحت إنسانيا أكثر”، لخص حنانيا أقواله.