الموسيقى أداة ضرورية بالنسبة لأية حركة اجتماعية، سواء كانت متطرفة أو معتدلة. إنها تلعب دورا في التأثير على عناصر الحركة وتجنيد العناصر الجدد. عندما ننظر إلى مشهد الجهاد العالمي، فإنّ الأناشيد وأغاني الراب تحظى بأهمية كبيرة في فهم قدرة الحركة الجهادية في تجنيد العناصر واكتساب التضامن.
منذ الثمانينيات الأولى، أدركت جهات ذات خلفية جهادية قوة الموسيقى في تحقيق أهداف التنظيمات الجهادية. في مجموعة ضخمة، من مجلدين، لأناشيد من عام 1984، أوضح الكاتبان أحمد عبد اللطيف وحسني أدهم جرار أهمية هذه الأناشيد في نشر الإسلام ودعوة الشباب إلى أداء واجب الجهاد. قال كلاهما إنّ الإسلام بحاجة إلى هذه الأناشيد للتذكير بالأيام المجيدة في الماضي، ولتوثيق الجهاد المستمر وتمهيد الطريق نحو المستقبل. وقد أوضحا أيضًا أنّ الشباب بحاجة إلى سماع هذه الأناشيد ليفهموا أهمية التضحية بالنفس.
في السنوات الأخيرة، ولا سيما، بعد بداية الثورات في العالم العربي، وهي الفترة التي تُعرف باسم “الربيع العربيّ”، جنّد الكثير من الشبان المسلمين أغاني الراب وموسيقى الراب للثورة على الأنظمة الظلامية، سواء في الدول العربية أو دول أوروبا. والراب كما هو معلوم هو شكل من أشكال الاحتجاج الاجتماعي في متناول أيدي المراهقين والشباب في بداية طريقهم للتمرّد على المتفق عليه والتطرق إلى مشاكل اجتماعية شديدة مثل البطالة، الجريمة، المخدّرات وحروب العصابات.
استغلّت المجموعات الجهادية خلال السنين هذه الأداة البسيطة والحديثة لتجنيد المنضمّين الجدد ولإثارة رغبتهم في التضحية بالنفس في سبيل القيم العليا والمختلفة من حياتهم المريرة في العديد من الدول العربية وكذلك حياة الكثير من الشباب العاطلين عن العمل وذوي القدرات الاقتصادية الفقيرة في الدول الأوروبية، وهم أبناء (الجيل الثاني والثالث) لاجئين من الدول العربيّة.
كما ذُكر آنفًا، فموسيقى الراب هي موسيقى في متناول الأيدي بحيث أن زعماء التنظيمات الإرهابية سواء في العراق، سوريا، ليبيا، تونس أو الصومال يستطيعون تجنيدها لصالح تجنيد الشباب وتأجيج أفكار المراهقين المهمشين للانضمام إلى حروب الجهاد. إن الدمج الناجح بين الراب ومواقع التواصل الاجتماعي وسع كثيرا من دائرة المنضمين إلى صفوف الجهاد.
صحيح أن جزءًا كبيرا من زعماء الدولة الإسلامية يعتبرون الثقافة الغربية وموسيقى الراب بضاعة أجنبية لا ينبغي إدخالها إلى الإسلام ولا يجوز استخدامها في أراضي الدولة الإسلامية، ولكن في العديد من الدولة الأوروبية وفي الولايات المتحدة يعتبرونها أداة مستخدمة بالتأكيد لتجنيد الشباب لأن جزءًا كبيرا منهم لا يتحدثون العربية وهذه هي الطريقة الأسهل والأكثر أمانا لتجنيدهم.
عبد الماجد عبد الباري
إحدى الشخصيات الأكثر شهرة في الإعلام هو الشاب عبد الماجد عبد الباري أو كما يُدعى حتى انضمامه إلى صفوف الإرهاب، J Linny.
نشرت وسائل الإعلام في بريطانيا في شهر آب عام 2014 أنّ قوات الأمن والاستخبارات البريطانيّة قد نجحت في التعرّف على أحد عناصر داعش والذي صدم مقطع الفيديو الذي ظهر فيه وهو يقطع رأس الصحفي جيمس فولي العالم بأسره. صدقت الشكوك التي ثارت في أعقاب اللكنة البريطانية التي برزت في حديثه، عندما اتضح أن المشتبه به الرئيسي هو موسيقي شاب في الخامسة والعشرين من عمره، ومن سكان العاصمة لندن.
بحسب صحيفة “الإندبندنت” وبعض الصحف الأخرى في بريطانيا، فهو عبد الماجد باري، ابن لأسرة مهاجرين مصرية. ونُشر كذلك أن والده هو عنصر إرهابي ينتظر في هذه الأيام محاكمته بتهمة التورّط في عمليات إرهابية شديدة في سفاراتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998.
دوالي عبد الله
تصدّر اسم مغني الراب دوالي عبد الله أو بحسب الاسم الآخر دوالي خالد العناوين للمرة الأولى بعد أن عُثر على جثّته في سوريا في آب عام 2014. دوالي هو مواطن أمريكي بحثت عنه وكالات الاستخبارات الأمريكية على مدى سنوات بل وأصدرت أمرا بمنعه من الخروج من أراضي الولايات المتحدة، ولكن سرعان ما عثر دوالي على طريق إلى تركيا ومن هناك تسلل وانضم إلى صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية على أرض سوريا.
اسم دوالي الحقيقي هو دوغلاس ماكين (تُوفي في الثالثة والثلاثين من عمره). كان ماكين في الأصل من سان دييغو في كاليفورنيا. وقد اعتنق الإسلام عام 2004. ووفقا لاستنتاجات وكالات الاستخبارات فماكين هو الأمريكي الأول الذي قُتل في صفوف داعش.
لم ينهِ ماكين دراسته الثانوية أبدا، وشهد أصدقاؤه أنّه أحب كرة السلّة بشكل خاص وكان مشجّعا لفريق NBA شيكاغو بولز. ارتكب ماكين خلال السنين جرائم جنائية مختلفة من بينها مخالفات مرورية، سلوك غير منضبط، وإعطاء الشرطة أسماء وهمية. وكما ذكرنا فقد دخل الإسلام عام 2005، وسافر إلى أوروبا ولكنه عاد بعد فترة قصيرة إلى سان دييغو عام 2013، حيث بدأ هناك العمل في مسجد.
كان ناشطا بشكل خاصّ في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد على الكتابة في تويتر تحت مسمى “دوالي خالد (Duale Khalid)” وفي الفيس بوك اعتاد على كتابة رسائل تحت مُسمّى “دوالي عبد الله (Duale ThaslaveofAllah)”.
قُتل ماكين في نهاية الأسبوع الـ 23/24 في آب عام 2014، لدى مشاركته في المعارك ضدّ قوات الجيش السوري الحر. عثر مقاتلو الجيش السوري الحر على جثّته حيث كان معه 800 دولار نقدا وجواز سفره الأمريكي.
Dirty kuffar
https://www.youtube.com/watch?v=SWP_95eSLBI
ومنعًا للخطأ حول ما ذكرنا فقد بدأ الربط بين الراب والتحريض والدعوة إلى الجهاد قبل الربيع العربيّ. في وقت ما عام 2004، بعد نحو ثلاث سنوات من أحداث الحادي عشر من أيلول وغزو الولايات المتحدة للعراق نشرت مواقع تواصل اجتماعي عديدة أغنية “Dirty Kuffar” (الكفار القذرون).
وهي الأغنية التي حظيت بمشاهدات وسماع وبيع تسجيلاتها في المساجد في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكانت من إنتاج فنانَين شابَين أطلقا على نفسيهما في مقطع الفيديو اسمي “Sheikh Terra” و “Soul Salah Crew”.
كانت تلك هي البراعم الأولى لموسيقى الاحتجاج الإسلامي التي تمزج بين الراب وكراهية الغرب، مما أدى بعد ذلك إلى إبراز مقاتلي داعش واستخدام “أدوات غربية” لنقل رسائل هدّامة ضدّ الكفار في الداخل والكفار في الخارج.
يظهر في مقطع الفيديو في البداية جنود أمريكيون يقاتلون في العراق وفي النهاية صور من اصطدام الطائرات في برجَي مركز التجارة العالمي في 11 أيلول في مدينة نيويورك مع صوت مغني الراب الضاحك.
تم إعداد الأغنية نفسها من أجل إدانة “الكفار القذرين”، توني بلير رئيس حكومة بريطانيا الأسبق والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن. بل إن الأغنية تدعو المؤمنين إلى إلقاء كليهما في نار جهنّم.