سيصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر اليوم لأول زيارة من نوعها منذ مدة طويلة. هذه أول زيارة لرئيس روسي للقاهرة، خلال العقد الأخير، ما يدل على تقارب كبير بين موسكو والقاهرة، التقارب الذي تعزز منذ سقوط نظام الإخوان المُسلمين.
ستستمر زيارة بوتين إلى مصر مدة يومين وستتضمن سلسلة من اللقاءات والاستشارات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. يُتوقع، فضلًا عن ذلك، أن يحضر الرئيس بوتين عرضًا موسيقيًا في دار الأوبرا في القاهرة. بهذا يحاول بوتين أن يقول لأعدائه الأمريكيين إن تهديداتهم بعزل نظامه لا تُخيفه.
صرح نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل أيام بأن الولايات المتحدة ستستمر بالوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد الهجوم الروسي عليها. زاد الهجوم، الذي يقوم به انفصاليون روس داخل حدود أوكرانيا، في الآونة الأخيرة. وقال بايدن: “ممنوع ترك روسيا تُعيد من جديد وضع خارطة أوروبا، لأن هذا تمامًا ما يفعلونه”.
تُشكل زيارة بوتين هذه إلى روسيا ذروة الموجة، المُستمرة منذ جلوس عبد الفتاح السيسي على سدة الحكم، المتمثلة بتعزيز العلاقات بين مصر وروسيا
تُشكل زيارة بوتين هذه إلى روسيا ذروة الموجة، المُستمرة منذ جلوس عبد الفتاح السيسي على سدة الحكم، المتمثلة بتعزيز العلاقات بين مصر وروسيا. في تشرين الأول 2013، زار مُدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة. في تشرين الثاني، وصل إلى القاهرة معًا وزيرا الدفاع والخارجية الروسيّان – للمرة الأولى منذ بداية السبعينات. إثر الزيارة، زار موسكو في شباط 2014 وزير الدفاع والإنتاج الحربي عبد الفتّاح السيسي بمرافقة وفد عسكريّ رفيع المُستوى.
كان الموضوع المركزيّ الذي طُرح في هذه الاتّصالات زيادة التعاوُن العسكري بين الدولتَين. وفق تقارير عديدة، جرى في المحادثات النقاش حول – وربّما التوافق على – صفقة سلاح كبيرة بين الجانبَين، لفترةٍ تبلغ عامَين حتّى ثلاثة أعوام. يُفترَض أن تشمل الصفقة طائرتَي ميغ 29، مروحيات من طراز إم آي 35، منظومات دفاع جويّ، منظومات صواريخ شاطئيّة مضادّة للسُّفن، وأسلحة متقدّمة مضادّة للدبّابات.
ويُفترَض أن تموّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة الصفقة. في ختام زيارة الوزيرَين المصريَّين إلى موسكو، لم يُنشَر إعلان حول الصفقة. وفق بعض التقارير، جرى التوصُّل إلى اتّفاق مبدئي حولها، لكنه لم يُوقَّع بعد، وقد يجري الاتّفاق النهائي في لقاء ممثّلي الحكومتَين في آذار 2014.
كانت هذه الخطوات الاستراتيجية سبب تفاقم التوتر والغضب بين الولايات المتحدة وبين مصر، الغضب الذي كان شديدًا أساسًا بسبب عدم الدعم من قبل إدارة أوباما لعبد الفتاح السيسي لإسقاط حكم الإخوان المسلمين
في إطار التعاوُن، أُبلغ أنّ مصر ستزوّد روسيا بخدمات بحريّة في ميناء الإسكندرية، تكون بديلًا للخدمات التي تنالها روسيا في ميناء طرطوس السوريّ، في حال سقوط نظام الأسد. ويمكن أن تشتمل العلاقات الموسَّعة أيضًا على تعاوُن في مجال الحرب على الإرهاب، تدريبات عسكريّة مشتركة، وتعاوُن تقنيّ، وكذلك في المجال الاقتصادي – تجديد المنظومة الكهربائية في سدّ أسوان.
كانت هذه الخطوات الاستراتيجية سبب تفاقم التوتر والغضب بين الولايات المتحدة وبين مصر، الغضب الذي كان شديدًا أساسًا بسبب عدم الدعم من قبل إدارة أوباما لعبد الفتاح السيسي لإسقاط حكم الإخوان المسلمين. يُضاف هذا التوتر إلى العلاقات السيئة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب ما يحدث في أوكرانيا.
لكنّ ما أثار غضب المصريين بشكل خاصّ هو قرار الإدارة الأمريكية تجميدَ قسم من المُساعَدة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، لا سيّما أنّ ذلك يأتي في وقتٍ تناضل فيه القيادة من أجل درء خطر موجة التفجيرات الإرهابية وفرض القانون والنظام. وكان قرار الإدارة الأمريكية أشبه بتسوية بين الذين طالبوا – في الكونغرس أيضًا – بتجميد المُساعَدة العسكرية لمصر، وبين الذين حذّروا مِن خطوات قد تمسّ بالمصالح الأمريكية، بما في ذلك علاقات السلام بين مصر وإسرائيل.
فكان أن قرّرت الإدارة تجميد قسمٍ من المُساعَدة العسكرية لمصر بقيمة 250 مليون دولار، وتأجيل الشحنات المخطَّط لها لبضع طائرات F-16 ، مروحيّات أباتشي، صواريخ مضادّة للسفن، وقطع للدبّابات – بانسجامٍ مع حظر تقديم المساعدة لدولةٍ تمّت الإطاحة بزعيمها بانقلابٍ عسكريّ.
نُشرت أجزاء من هذه المقالة لأول مرة على موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS