قد يكون هذا التشخيص ناشز على الأذن الإسرائيلية، وذلك بلا شك في الوقت الذي لم يُدفن فيه بعد الضابط والجندي اللذان قُتلا البارحة في “هار دوف”، إلا أن الرد الذي اختاره حزب الله، ردًا على عملية الاغتيال التي نُسبت لإسرائيل، كان ردًا محسوبًا ومحدودًا حتى الآن.
بالنسبة للحزب، أصابت إسرائيل، في الأسبوع الماضي، هدفًا عسكريًا هامًا بالنسبة له – تلك القافلة التي تضم ستة من المسؤولين الميدانيين الهامين والجنرال الإيراني. قام حزب الله بالرد بهجوم مُرّكز على آلية عسكرية (وليست أهداف أمنية) وحدد نشاطه في الحلبة التي كان يستخدمها في الماضي، منطقة “هار دوف” (فعليًا، في الجزء المُنخفض، على الطريق المؤدي إلى قرية الغجر). تفادى الحزب، حاليًا، القيام بعملية طموحة أكثر ولا يريد فتح جبهات قتال جديدة.
تم تحديد الرد الإسرائيلي حاليًا بتوجيه ضربات لمواقع مُحتملة لحزب الله في المناطق المُحاذية للحدود. إن استمرار ذلك مُتعلق بالقرارات التي تم اتخاذها، من قبل القيادة السياسية بالتشاور مع المنظومة الأمنية.
حتى إن كان على نتنياهو أن يُظهر تمسكه الشديد بالأمن عشية الانتخابات فالحرب الشاملة مع إسرائيل هي مسألة أُخرى
إن أردنا الحكم وفق الأجواء التي شهدها الجيش الإسرائيلي منذ عملية الاغتيال بتاريخ 18 كانون الثاني، نرى أن إسرائيل تريد احتواء الأزمة وعدم التصعيد. وحتى إن كان على رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أن يُظهر تمسكه الشديد بالأمن عشية الانتخابات (وحتى على فرض أن القضية الأمنية تفيده سياسيًا في الانتخابات)، فالحرب الشاملة مع إسرائيل هي مسألة أُخرى.
بنيامين نتنياهو وموشيه يعالون (Haim Zach/GPO/Flash90)
من الصعب أن نعرف كيف يمكن أن تخدم حرب كهذه نتنياهو، ما الذي قد يحققه منها ولماذا عساه يعتقد أن النزاع العسكري الشامل سينتهي بالضرورة بانتصار مُقنع يعزز مكانته.
يبدو أن رئيس الحكومة، ونظرًا لكل هذه الأسباب، لديه مصلحة بإنهاء جولة العنف الحالية في وقت قريب. يجب، كما الأمر دائمًا، الفصل بين الخطاب العلني والتحرك الفعلي. بلور الجانبان، على مدى سنوات، إشارات ودلالات مفهومة لكليهما. إن هدد نتنياهو بسحق حزب الله تمامًا واكتفى سلاح الجو بتفجير تلال خالية في جنوب لبنان، سيعرف اللبنانيون أيضًا أن إسرائيل تُريد إنهاء ذلك.
ووفق ما نرى من خطوات حزب الله حتى الآن مثل إطلاق القذائف على الجولان والهجوم أول البارحة، نجد أن الحزب اختار عملية النزاع المدروسة. انتهج الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، حتى الآن سياسة واعية نسبيًا، على الرغم من عداوته الكبيرة لإسرائيل. كذلك من خلال الرسائل التي نقلها البارحة حزب الله لإسرائيل بطريقة غير مباشرة، من خلال قوات اليونيفيل والجيش اللبناني، يُمكن توقع أنه يود إنهاء هذه الجولة.
مظاهرة تأييد بالسيد حسن نصرالله (AFP)
إشارة الاستفهام فيما يتعلق بالأسابيع القادمة تتعلق بكيفية نظر نصر الله لموت جهاد مُغنية في عملية على الأراضي السورية في الأسبوع الماضي. كان مُغنية الابن يحظى بمكانة خاصة في الحزب، بفضل والده. إن تخطى نصر الله، في عملياته القادمة، حدود ملعبه، مثلاً أن يقوم بتوجيه ضربات لأهداف إسرائيلية في الخارج أو في عمق الأراضي الإسرائيلية، هذا الأمر سيُشير إلى وجود تصفية حسابات خاصة من ناحيته.
وصلت القوة العسكرية، التي تعرضت للهجوم البارحة من خلال إطلاق مضادات دبابات، إلى المنطقة على ضوء الاستعادة العسكرية بسبب التوتر في الأيام الأخيرة. لم تكن الشاحنة التي تُقل الجنود مُدرعة ضد النيران. وإن كان هنالك شك أن آلية مُدرعة كان يمكن أن تصمد أمام صاروخ مضاد دبابات مُتطور من نوع كورنت، وأيضًا إن كانت تتحرك على تلك الطريق أيضًا سيارات مدنية لمواطني قرية الغجر، فتثير تلك التحركات الميدانية التساؤلات. لا شك أن المهاجم في حالة كهذه لديه أفضلية تلقائية وكان واضحًا أنه في هذه المرحلة أو تلك سيجد حزب الله نقطة ضعف في التشكيلات العسكرية.
إنما، الحقيقة هي أن قوة عسكرية غير مُدرعة كفاية كانت تتحرك في الجبهة الأمامية للجيش الإسرائيلي أمام لبنان، في منطقة معروفة مُسبقًا أنها منطقة خطيرة. لو تم، على سبيل المثال، تفجير عبوة ناسفة – بجنود في ناقلة جند مُدرعة لكان احتمال النجاة من الانفجار أكبر بكثير مما هي حال الجنود الذين في الشاحنة.
تُعيد هذه الحادثة إلى أذهاننا ذكرى سيئة وهي عملية تفجير مقر قيادة كتيبة المُدرعات 188 في بداية الحرب في غزة في تموز
تُعيد هذه الحادثة إلى أذهاننا ذكرى سيئة وهي عملية تفجير مقر قيادة كتيبة المُدرعات 188 في بداية الحرب في غزة في تموز، قرب العين الثالثة (عين هشلوشاه). حينها خرجت زمرة قيادة بجولة تفقدية في منطقة الجبهة الأمامية بينما لم تكن مُحصنة بشكل جيد في منطقة عملت فيها القوات بانضباط ميداني أكبر بكثير، وتفاجأت الزمرة بقوة من مقاتلي حماس الذين خرجوا من نفق – مات في الحادثة جندي وضابط. وفق المُعطيات الأولية، على الأقل، هنالك اشتباه أنه في “هار دوف” تتكرر مشكلة دائمة مع الجيش الإسرائيلي: تلك المنطقة بأسرها مُستعدة لما هو أسوأ، ما عدا بعض المناطق.
يتوجب القيام بفحص ميداني أكثر دقة، بسبب الثمن الغالي الذي دُفع البارحة وأيضًا بسبب توقيت الحادثة، بينما لا تزال تظهر في الأفق علامات خطر أكبر وتفاقم للأزمة.
قوات الجيش الإسرائيلي تتأهب على الحدود اللبنانية (Basal Awidat/Flash90)
علينا أن نتمنى أن تُشير تلك الضربة المؤلمة التي تمت البارحة إلى نهاية الجولة وليس تفاقهما المتوقع. ولكن، حتى على فرض أن ذلك النزاع سينتهي، يُطرح سؤال بخصوص استمرار تطور الأمور على الجبهة الشمالية.
لا شك أنه من الواضح أن حزب الله سيستمر بالاتكال على الدعم العسكري الذي يتلقاه من إيران والذي يُنقل إليه إلى لبنان من سوريا.
هل ستهاجم إسرائيل، في هذه الظروف، القوافل التي تنقل السلاح المُتطور في المستقبل، مع العلم أن حزب الله قد يُعاود شك عمليات من حدود الجولان و “هار دوف”؟ من الواضح أن العمليات التي شنتها إسرائيل سابقًا ضد سوريا، إن كانت إسرائيل بالفعل هي التي نفذت ذلك في الماضي، لم تعد مقبولة على العدو الآن.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس“
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني