“الحملة العسكرية عند الحدود مع لبنان تسلب حزب الله مفاجأته الهجومية”
قوات إسرائيلية تنشط عند الحدود مع لبنان (AFP)
أجمع المحللون الإسرائيليون على أن منظمة حزب الله لن تصعد عسكريا ردا على الحملة العسكرية الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان وأن الخطر الأكبر على إسرائيل ليس الأنفاق وإنما مشروع الصواريخ الدقيقة
كتب محلل صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، اليوم الخميس، أن الحملة العسكرية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي عند الحدود مع لبنان لتدمير أنفاق حفرتها منظمة حزب لله واخترقت الحدود الإسرائيلية، هي حملة دفاعية في أساسها، ولن تتحول إلى حملة هجومية على الأغلب.
وأضاف المحلل أن النشاطات الإسرائيلية عند الحدود شرعية لأنها في الأراضي الإسرائيلية وليست اللبنانية. وكتب هرئيل أن الجيش الإسرائيلي يحبط خطة هجومية قيمة لحزب الله كان احتفظ فيها في حال نشوب حرب وعمل عليها بالسر.
وأشار هرئيل إلى أن الحملة العسكرية التي تأتي بعد يوم على لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلي، وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في بروكسل، تؤكد أن نتنياهو نسّق مع الجانب الأمريكي الخطوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان، وطلب منه نقل رسالة إلى الحكومة اللبنانية بأن تلجم نشاطات حزب الله في جنوبي لبنان من أجل منع التصعيد عند الحدود.
وقال المحلل الإسرائيلي إن السؤال المثير في هذه المرحلة هو كيف سترد إيران على هذه العملية التي تحبط مشروعا قيما كانت شريكة له، مشيرا إلى أن تدمير الأنفاق التي حفرتها حماس عند الحدود مع القطاع أدت إلى تصعيد أمني ما زال سائدا إلى اليوم بين الطرفين.
وأضاف أن القدرات التكنولوجية التي طورتها إسرائيل في حربها ضد أنفاق حماس، مكنت الجيش من كشف الأنفاق التي حفرها حزب الله عند الحدود مع لبنان، وظن أنها مخفية عن أعين إسرائيل.
وكتب المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، أن منظمة حزب الله لن تصعد إزاء النشاطات الإسرائيلية لأن ذلك سيؤدي إلى مواجهة عسكرية ستشارك فيها الولايات المتحدة وفرنسا وستجر إدانات للحكومة اللبنانية لأن حفر الأنفاق في الجانب الإسرائيلي يعد اختراقا سافرا للسيادة الإسرائيلية.
وأضاف يشاي أن الأنفاق رغم كونها خطرا كبيرا على أمن إسرائيل، إلا أنها ليست على رأس قائمة التهديدات، وأن الصواريخ الدقيقة هي الخطر الأكبر. وكتب يشاي أن الحملة العسكرية ضد الأنفاق قد تمهد الطريق لعملية عسكرية واسعة ضد الصواريخ أو لمعركة دبلوماسية للضغط إلى الحكومة اللبنانية وحزب الله لوقف مشروع الصواريخ الدقيقة التي تقف من وارئها إيران.
الجيش الإسرائيلي يطلق حملة لهدم أنفاق عند الحدود مع لبنان
جدار بنته إسرائيل عند الحدود مع لبنان ( Basel Awidat/Flash90)
قال الجيش الإسرائيلي إن قواته ستنشط في الأراضي الإسرائيلية بالقرب من الحدود مع لبنان من أجل هدم أنفاق حفرتها منظمة حزب الله سرا، وإنه لم يعلن حالة استنفار خاصة في أعقاب الحملة العسكرية
أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم الثلاثاء، أنه أطلق حملة عسكرية لهدم أنفاق عند الحدود مع لبنان، اتهم منظمة حزب الله بأنه وارء حفرها. وجاء في بيان عمّمه الجيش أن قوات عسكرية كبيرة تشارك في الحملة وأن الجيش لم يعلن حالة أمنية خاصة في أعقاب النشاطات عند الحدود.
وأطلق الجيش على الحملة اسم “درع الشمال”، قائلا إنها تأتي في أعقاب مجهود استخباراتي بدأ منذ عام 2014 وكشف مخطط أنفاق تابع لحزب لله.
وجاء في البيان أن “طاقما خاصا ومشتركا لهيئة الاستخبارات والقيادة الشمالية الذي يقود منذ عام 2014 التعامل العملياتي والتكنولوجي والاستخباراتي يعمل على قضية الأنفاق في الجبهة الشمالية.. لقد تمكن الطاقم من تطوير خبرة وقدرات واسعة عن مشروع الأنفاق الهجومية التابع لمنظمة حزب الله”.
وقال الجيش إنه يتعامل مع تهديد الأنفاق منذ سنوات، وفي هذا الإطار قام ببناء سياج عند الحدود مع لبنان. وشدد على أن المجهود في الراهن هو يرتكز على نشاطات دفعاية لكي تسلب العدو من تنفيذي مخططاته الهجومية. وأضاف أن الظروف الراهنة أصبحت ملائمة لإطلاق حملة عسكرية لكشف الأنفاق وتدميرها.
وقال الجيش إن الأنفاق التي كشفت تعد اختراقا صارخا ضد السيادة الإسرائيلية، وتدل على أن منظمة حزب الله تضرب عرض الحائط باتفاق رغم 1701 للأمم المتحدة. وأشار الجيش أن إيران تدعم المنظمة الشيعية من أجل المساس بإسرائيل ومواطنيها.
قوات حرس الحدود الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان (Doron Horowitz/FLASH90)
الجيش الإسرائيلي يحقق في إخفاق قواته رصد لبناني دخل إسرائيل
كيف استطاع مواطن لبناني أن يصل إلى مدينة كريات شمونة، على الأرجح أنه سار على قدميه 10 كيلومترات من الحدود الإسرائيلية اللبنانية حتى المدينة، دون أن يراه أحد؟
تواصل قيادة المنطقة الشمالية التابعة للجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، في التحقيق في إخفاق القوات الإسرائيلية المرابطة على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، التي لم ترصد عبور مواطن لبناني السياج الحدودي ووصوله إلى كريات شمونة، قاطعا 10 كيلومترات سيرًا دون أن ينتبه له أحد.
والسؤال الملح بالنسبة للجيش هو كيف أخفقت قوات رصد الحدود في مهمتها، وكذلك كيف استطاع اللبناني التجول في طرقات المنطقة الشمالية التي تقع تحت حراسة الجيش الإسرائيلي؟ وحتى الساعة ليس واضحا ما هي المدة التي قضاها اللبناني في الجانب الإسرائيلي، سواء كانت ساعات أم أيام قبل أن يلاحظ بعض سكان كريات شمونة وجوده ويوقفوه.
ومن المتوقع أن يتخذ الجيش خطوات عقابية ضد المسؤولين عن هذا الإخفاق الذي يعد خطيرا للغاية، علما أن المواطن اللبناني الذي أعيد إلى الأراضي اللبناني اليوم الجمعة لم يكن مسلحا.
يذكر أن الجيش الإسرائيلي نفذ أعمالا هندسية متطورة في المنطقة التي دخل منها اللبناني، أبرزها وضع موانع من الإسمنت، بهدف منع دخول مسلحي حزب الله إلى إسرائيل.
تنتشر أنباء إعلامية في الأيام الأخيرة في وسائل الإعلام العربية، جاء فيها أن مقاتلي حزب الله يحاولون في الفترة الأخيرة تجنيد “جيش نساء” خاص لصالحهم، لتأمين “أهداف داخلية”، كما يسميها التنظيم الشيعي.
الهدف: تأمين وحماية مواقع حزب الله في لبنان من “الجواسيس” والإرهابيين السنيين مثل داعش وفصائل عبد الله عزام، الذين يمكنهم أن يضروا بأهداف استراتيجية لحزب الله في جنوب لبنان، على خلفية الحرب في سوريا والعراق. يجدر الذكر أن مجمّع المجنّدات الجديدات يرتكز على أقرباء مقاتلي حزب الله.
يقدّر بعض المحللين العسكريين أنه إذا كان التنظيم الشيعي يجنّد لخدمته نساء ورجالا صغار العمر، فتيانًا، هذا يعني أنه في أزمة تجنيد حقيقية ويخشى من تنفيذ عمليات تفجيرية كبيرة، تخططها المليشيات السنية.
عمليًّا، ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها حزب الله دمج النساء الشيعيات داخل التنظيم رغم ما يبدو من مساواة بين الجنسين فإن الواقع يُثبت أمرًا آخر.
“الأمر المهم هو التركيز على التأثير، فتؤثر الأخوات (أي النساء) على المجتمع والبيئة”، هكذا عرف نصر الله في جملة واحدة معنى مساهمة النساء الشيعيات داخل التنظيم سواء العسكري أو السياسي.
نساء حزب الله (AFP)
تحظى نساء التنظيم بتقدير كبير في أوساط القيادة وهن منخرطات في فروعه، لكن تُظهر نظرة أعمق فجوة بين الطموح والوعود المتقدمة نسبيًّا وبين الواقع على أرضه. بصرف النظر عن الإيحاء بالانفتاح، فمن الواضح للعيان أن مرتبة المرأة الشيعية في أوساط متخذي القرار بعيدة عن تلك التي لدى النساء الأُخريات في العالم العربي.
تتبع نساء حزب الله لأقسام التنظيم المسمّاة “جهات نسائية” ومن ضمنها الفرع الثقافي والتربوي، الفرع الاجتماعي والعلاقات العامة وفروع الاتصال. يمنح توزيع الجهات سيطرة نسائية في السلطة. ففي المجال العسكري، يحظى الرجال باحتكار مطلق تقريبًا وفعالية النساء معرفة “كشراكة في مصنع المقاومة”. وظيفتهن هو العمل كأمهات، أخوات ونساء، تحضير المقاتلين للمعارك وعلاجهم أو علاج عائلاتهم في حالات الإصابة أو الموت.
كما هو معروف، عملت النساء في التنظيم سابقًا في ساحات معارك وتلخص عملها بتعقب حركات العدو ونقل السلاح والمعلومات. لا ينحصر عمل المرأة فقط في دعم المقاتلين، وقد عانيّن أيضًا من الاعتقال وحتى التعذيب.
ما زال المجال السياسي في حزب الله في النطاق الرمادي. عندما أعلن التنظيم في بداية طريقه سنة 1985 عن ميثاقه السياسي، لم يتطرق أبدًا إلى حقوق المرأة السياسية. تكرر الأمر سنة 2009 أيضًا، لكن في حالات كهذه أصبحت الحاجة ماسة لتقوية وظيفة المرأة. منذ عام 1996، تصاعدت فكرة وضع النساء من التنظيم كمرشحات للانتخابات البرلمانية، لكن في نهاية المطاف لم تبصر النور.
نساء حزب الله (AFP)
لقد شكل عام 2004 تحولا ما لنساء حزب الله. في اللجنة التي أنشأها التنظيم، طُرحت توصية لزيادة مشاركة المرأة في المجال السياسي بواسطة التمثيل النيابي في قسم من مجالس صُنع القرار. في السنوات الأخيرة، سُمح للنساء من التنظيم أن يترشحن في الانتخابات للسلطة المحلية في لبنان بل ونجح قسم منهن في ذلك.
سنة 2004، وقع حدث تاريخي حين عُينت ناشطة واسمها ريما فخري كنائبة أولى في المجلس السياسي للتنظيم، الذي ضم في أروقته 17 رجلا. يستمر التاريخ النسائي بشخصية عفاف الحكيم، المسؤولة عن الوحدة المركزية لتنظيم النساء في حزب الله، التي نالت حق المشاركة فعليًّا في نقاشات المجلس التنفيذي- أحد هيئات اتخاذ القرار في التنظيم.
طبعًا، ما زال الطريق للقمة لنساء حزب الله طويلا. عندما طُلب من ريما فخري بنفسها أن تجيب لماذا ما زالت النساء لا تتحملن قسطا من العمل البرلماني أو الحكومي، أوضحت أنه “ليس هناك اعتراض عملي أو تنظيمي أن تكون المرأة نائبة برلمان أو وزيرة. هنالك مجالس كثيرة تشارك فيها نساء. أما عن الأسباب لماذا لا تتواجد نساءَ في البرلمان، فإن الأمر يتعلق بظروف معينة. لكن بصرف النظر عن دخول نساء حزب الله بالبرلمان، ما يعنينا هو التمحور في التأثير، والأخوات يتركن أثرهن في المجتمع والبيئة”.
انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 (SVEN NACKSTRAND / AFP)
14 عامًا على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان: عودة عصر الانسحاب أحادي الجانب؟
اليوم قبل 14 عامًا، خرج الجيش الإسرائيلي من الشريط الأمني في جنوب لبنان، وأنشأ واقعًا جديدًا من التوازن بين إسرائيل وحزب الله. أصبحت فكرة الانسحاب من طرف واحد غير شعبية في إسرائيل، ولكنها لم تدفن نهائيًّا
قبل 14 عامًا تمامًا، في صباح 25.5 عام 2000، استيقظ سكّان شمال إسرائيل على صباح جديد. 18 سنة من الحرب في لبنان، سيطر خلالها الجيش الإسرائيلي على جميع منطقة الجنوب اللبناني، انتهت في ليلة واحدة بالانسحاب السريع. وعد رئيس الحكومة حينذاك، إيهود باراك، مع انتخابه عام 1999 بأنّه سيعمل على تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من المنطقة التي سمّيت “الشريط الأمني”، والتي خُصّصتْ لحماية سلام سكّان شمال إسرائيل من إطلاق صواريخ الكاتيوشا.
“كان ذلك بمثابة وعد الانتخابات الوحيد الذي قام إيهود باراك بتحقيقه كرئيس للحكومة ووزير للدفاع خلال تولّيه لمنصبه لفترة قصيرة”، هذا ما قاله اليوم المحامي ألدد يانيف، الذي كان مستشار باراك القريب. أراد باراك في البداية أن ينسحب من لبنان في إطار اتفاق شامل مع نظام حافظ الأسد الذي كان يسيّطر على لبنان، ولكن حين خاب أمله من ذلك الأمر وحين فهم الجيش الإسرائيلي أنّ قوات الميليشيا التابعة لأنطوان لحد (التي كانت تتعاون مع إسرائيل) قد انهارت تمامًا تقريبًا، أمر رئيس الحكومة بالانسحاب الفوري حتى خطّ الحدود.
أيّدتْ غالبية الشعب الإسرائيلي ذلك القرار وقام بدعمه. رغم ذلك، لم تحظ حكومة باراك بشعبية كبيرة، وبعد أقلّ من عام انهارت وتم تغيير باراك بأريئيل شارون. وقد تمّ استبدال الانتقادات الجارحة بالدعم العلني الذي أعطي لباراك. كان أحد أكبر منتقدي الانسحاب رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، حيث قال عام 2007: “كان هذا الانسحاب المتسرّع من جنوب لبنان هروبًا غير مسؤول”، وقد أدى إلى اندلاع حرب لبنان الثانية عام 2006.
جنود اسرائيليون في لبنان خلال حرب تموز 2006 (Pierre Terdjman / Flash90)
وقد اختار أريئيل شارون أيضًا المضيّ في مسار الانسحاب من طرف واحد، وذلك حين قاد عام 2005 برنامج فكّ الارتباط والذي انسحبت خلاله جميع القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتم خلاله أيضًا إخلاء 8,600 مستوطن من منازلهم. وقد جلب تفاقم الإرهاب وإطلاق القذائف من قطاع غزة في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي الانتقادات الحادّة لإسرائيل، بشكل أساسيّ من فم نتنياهو (رغم أنّه صوّت لصالح البرنامج). بعد أن انتُخب نتنياهو مجدّدًا لرئاسة الحكومة عاد وصرّح قائلا “لن نعود إلى خطأ فكّ الارتباط”.
ويعتقد البعض الآن أنّ نتنياهو نفسه يدرس إمكانية العودة للمسار من طرف واحد يقدّر محلّلون إسرائيليون أنّ نتنياهو معنيّ بدراسة فكرة الانسحاب من طرف واحد في الضفة الغربية، حيث يترك الأراضي الفلسطينية خارج مجال إسرائيل. -وفي المقابلة التي أجراها مع وكالة “بلومبرغ” قال نتنياهو هذا الأسبوع: “إنّ فكرة الخطوات من طرف واحد تكتسب زخمًا في إسرائيل، بدءًا بمعسكر مركز اليسار وانتهاءً بمركز اليمين”. طرح نتنياهو الفكرة كطريقة لمواجهة فقدان الرغبة بدولة ثنائية القومية.
بنيامين نتنياهو (Kobi Gideon / GPO)
ومع ذلك، عاد نتنياهو وذكّر أنّ إسرائيل ليست معنيّة بالعودة إلى الأخطاء التي نُفّذتْ لدى فكّ الارتباط. وقد أسرعت وزارة الخارجية الأمريكية في الردّ والتعبير عن معارضتها لفكرة أنّ يحدّد أحد الطرفين في المفاوضات حقائق على أرض الواقع من جهة واحدة، ولم يُسجّل في إسرائيل أيضًا تحمّس كبير لتلميحات نتنياهو.
وقال الوزير عوزي لنداو، الذي يعارض بشدّة كلّ خطوة للتنازل أمام الفلسطينيين، إنّ كلام نتنياهو لا لزوم له ومن شأنه أن يجلب ضغوطات كبيرة على إسرائيل لاستمرار فكرة الانسحاب. ” إنّ الحديث عن خطوات من طرف واحد سيُفهم بأنّه استعداد إسرائيلي للتنازل من طرف واحد”، هذا ما قاله لنداو.
بعد 14 عامًا من خروج آخر جندي من لبنان، ما زالت فكرة الانسحاب من طرف واحد حيّة في إسرائيل، رغم جميع الانتقادات التي وُجّهتْ إليها. وستخبرنا الأيام إنْ كان نتنياهو، وهو المنتقد الأشد للانسحاب من طرف واحد والذي نفّذته إسرائيل في جنوب لبنان وقطاع غزة، هو تحديدًا من سيعيد الحياة للفكرة ويقود انسحابًا آخر.
اللبنانيون في إسرائيل: بين الحنين والبحث عن مستقبل أفضل
"اللبنانيون في إسرائيل"- مصطلح انبثق بعد عام 2000، ليمثل شريحة من الشعب اللبناني اضطرت الى دخول دولة اسرائيل قسرا، اثر الانسحاب الاحادي الجانب الذي نفذته قوات الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان
يعيش اليوم في إسرائيل اكثر من ثلاثة الاف لبناني، يتمركزون في شمال إسرائيل، اغلبيتهم في مدينة نهاريا الحدودية. هؤلاء اللبنانيون دخلوا إلى إسرائيل بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، تطبيقا للقرار الدولي رقم 425، وهم بأكثريتهم الساحقة من عناصر جيش لبنان الجنوبي وعائلاتهم.
بين المرارة على مصير انهى قضية نضال يعتبرونها الاشرف والحنين الى وطن لم يقدر تضحياتهم، يعيش عناصر جيش لبنان الجنوبي تناقضات المنفى، وفي هذا الاطار يقول سامر أ. رقيب سابق : ” قدمنا اغلى ما لدينا من اجل لبنان، واذا به يفضل اعداء هويته على حراس لبنانيته”.
جيش لبنان الجنوبي
لا يزال هؤلاء اللبنانيون يعيشون وفق حضارتهم وعاداتهم، متمسكين بهويتهم، محاولين استكمال الحياة رغم صعوبة الواقع المفروض ” اربعة عشر عاما، ونحن نصارع البقاء معنوياً، ليس من السهل بعد نضال استمر عقود من الزمن، من اجل قضية، ان تقتلع من ارضك ويسدل الستار بسهولة عن تاريخ جبل بالدماء “، قال ابو سمير بحرقة، والدمعة تلمع في عيونه، تختصر عمرا من الكفاح، وهو ضابط سابق في “الجنوبي” وفي سؤال عن المسؤول عن واقعهم؛ اسرائيل، الدولة اللبنانية او حزب الله اجاب: ” الكل يتحمل المسؤولية… نحن دفعنا ثمن تسوية دولية ومصالح خاصة للاسف”
اتشعرون بالندم؟ سؤال اخر طرحناه، محاولين الولوج الى اعماق تفكيرهم فاجاب ريمون وهو من خدم في صفوف “الجنوبي” لاكثر من ثلاثين عاما ” ابدا!! عندما حملنا السلاح كان هو الخيار الاخير لمواجهة مشروع الفلسطيننين والدولة البديلة ومشروع دولة الفقيه برعاية حزب الله، نحن فخورون بماضينا واذا كنا اليوم نعيش المنفى ، فهذا دليل على اننا لم نساوم يوما على حبة من تراب وطننا”
شادي أ قال:” حملنا السلاح بشرف، وما حذرنا منه طيلة ثلاثين عاما، وصل اليه لبنان… كنا اول من فضح المشروع الفلسطيني واول من واجه ارهاب حزب الله، لم تعِِ الدولة اللبنانية ما فعلت، اتهمتنا بالعمالة(..) لكن عدالة التاريخ اثبتت اننا كنا على حق وان حزب الله وجه سلاحه ضدنا وليس ضد اسرائيل لاننا كشفنا مخططه ورفضناه”.
أنطوان لحد ضابط لبناني تولى قيادة “جيش لبنان الجنوبي” الموالي لإسرائيل (AFP)
بين العنفوان والتأكيد على عدم الندم، تنضح معاني الغضب من كلمات مَن التقيناهم من عناصر “الجنوبي”، لاعداد هذا التقرير، ليبادرنا نبيل قائلا: “طبعا هناك غضب! غضب على الدولة اللبنانية التي باعت شعبها اكراما لمصالح دول اقليمية، غضب على حكومة إيهود باراك التي لم تحترم حلف الدم والمصير المشترك الذي جمع الجيش الجنوبي بالجيش الإسرائلي”.
ليؤكد : “نحن نحترم الشعب الاسرائيلي، ونكن له كل التقدير، علاقتنا به عميقة، يجمعنا به التاريخ والحلم المشترك؛ اي السلام… ومن اجله صغنا حلف الدم معه(..) هو ايضا دفع ثمن سياسة باراك الفاشلة التي انعكست سلبا على دولة اسرائيل، والمفارقة ان الاغلبية من الشعب، دائما تعتذر منا على ما اقترفته حكومتها بحقنا” .
شكل دخول عناصر جيش لبنان الجنوبي عام 2000، وغيرهم من سكان المنطقة الحدودية الى اسرائيل، ظاهرة اكبر لجوء انذاك، وضع الدولة الاسرائيلية في حالة بلبلة حول كيفية استيعابهم، لتشرع حدودها فيما بعد امام اكثر من ثمانية الاف لاجئ.
يستعيد نمر هذه اللحظات قائلا؛ “عبرنا الحدود وايقنا ان الستار اسدل على تاريخ من المعارك والحروب ودخلنا اسرائيل في رحلة نحو المجهول، مزقنا الالم والحرقة على فراق عائلاتنا وقرانا ووطنا، فحضتنا هذه الدولة وعاملتنا اسوة بمواطينيها، هنا تشعر انك انسان وبالتالي تعي اهمية قيمة الانسان ” .
الامتنان لدولة اسرائيل لم يخفِ عتبا على سياسة حكوماتها تجاه ملفهم الذي لا يزال عالقا في اروقة الدوائر الحكومية دون حل نهائي.
وعن هذا يحدثنا سعيد:” عندما دخلنا اسرائيل، دخلناها كجسم واحد، وفي السنة الاولى كان لنا مرجع واحد، حتى اتخذ القرار بتقسيم هذا الجسم الى قسمين، الاول ، يتمثل بضباط وكبار القياديين في الجيش والذين احيلوا الى وزارة الدفاع، متمتعين بامتيازات شتى اهمها امتلاك دور خاصة بهم، ويقدر عددهم بـ250 عائلة، فيما احيل القسم الثاني، الذي يضم 470 عائلة، وهم من الجنود، الى وزارة الاستيعاب التي تعنى بشؤون القادمين الجدد، لا امتيازات لهم وبالتالي عليهم ان يؤمنوا مسكنهم ومستلزمات عيشهم بمفردهم” .
ويضيف سعيد:” هذا القرار كان ظالما وغير منطقي، حتى شخصيات سياسية اسرائيلية اعترفت بذلك، معتبرة هذا الملف صيغ بصورة غير عادلة وبانه بمثابة معضلة”
اما اليأس فكان له مداخلة حول هذا الموضوع قائلا: “الصعوبة تكمن في عدم قدرتنا على الاندماج في سوق العمل، فالمعدل الوسطي لعمر عناصر الجنوبي يتخطى الخمسين عاما، كما ان واقع الحروب الذي عشناه حال دون تعلم مهنة، ضف الى صعوبة اتقاننا اللغة العبرية…كلها عوامل تعبر عن المأزق الذي نحن فيه نتيجة هذا القرار “.
رغم مرور 15 عام على القرار الا ان عناصر “الجنوبي”، الذن صنفوا على الاستيعاب لم يعرفوا الاستسلام، وها هم لا زالوا في حالة نضال من اجل احقاق الحق .
وهنا يقول نقولا: “لا نريد ان نكون متساووين 100% بالضباط، ولكن هناك خطوط عريضة لا بد من اعتمادها ان تكون.. وزارة الدفاع الإسرائيلية مرجعنا وبالتالي تأمين دور سكن لكل عائلة ، لاننا ناضلنا ودفعنا شهداء نحن ايضا وعندما كان حزب الله يزرع العبوات فهو لم يميز ابدا بين ضابط وجندي “.
وبين عتب وغضب الجيل الاول يبرز الجيل الثاني الذي يبدو اكثر استقرارا وتصالحا مع واقعه.
وهنا تقول نادين ابنة السادسة عشر ربيعا : “انا لبنانية اولا واخيرا وايضا اسرائيلية، كبرت هنا، ترعرعت هنا.. واشعر بالانتماء الى المكان الذي انا فيه”.
بين الهوية اللبنانية والهوية الاسرائيلية مصالحة يعكسها ابناء جيش لبنان الجنوبي، كانت جلية اكثر في سؤال استفزازي، نوعا ما، طرحناه على جورج ابن العشرين ربيعا؛ من تفضل لبنان او اسرائيل ؟
فكانت الاجابة اكثر ذكاءً ووفاءً: “اجيبك على السؤال، حين تقول لي ايهما تفضل عينيك اليمنى او اليسرى؟ “.
عناصر من جيش لبنان الجنوبي عام 2000 (AFP)
في المدارس اليهودية يتلقى ابناء “الجنوبي” تعليمهم، يتفاعلون مع الحضارة الاسرائيلية واعيادها الدينية والوطنية، ولكن دون الغاء للثقافة اللبنانية، وعن هذا الموضوع حدثتنا نوال المسؤولة عن نشاطات الشبيبة اللبنانية: “نحن متمسكون بثقافتنا اللبنانية، ونحاول قدر الامكان زرعها في الاجيال الصاعدة عبر لقاءات ونشاطات اسبوعية، تتم بمعظمها برعاية كاهن رعية الجالية اللبنانية، لقد استطعنا خلق نوع من الكيان المستقل، اقله دينيا، فلنا رعيتنا الخاصة التي تعرف برعية “مار بطرس وبولس الللبنانية” ولنا ايضا كنائسنا الخاصة في عكا وطبريا… حتى كاهننا لبناني، فنحن نربي جيلا فيه من اللبنانية اصالته مع احترام الحضارة الاسرائيلية والعيش فيها دون ان يمحي كيانه الحضاري..والحمدلله بالامكان القول اننا نجحنا “.
الصفعة التي تلقتها عائلات الجنوبي في عام 2000، اثرت بهم لكنها لم تكسرهم، فقرروا السير قدما في الحياة، في اسرائيل، ليحققوا نجاحات على صعد مختلفة، من الاعمال الى الفن وصولا الى الجمال، تاركين الاثر وبصمتهم الخاصة.
وهنا تبادرنا كاسندرا وهي فتاة تطمح الى حمل لقب ملكة جمال اسرائيل يوما :” الوطن ليس بمكان جغرافي بل هو شيئ تشعر به وتعيشه، حلمي ان اصل الى لقب ملكة جمال اسرائيل، عند اصبح مستعدة، اللقب ليس هدفي بقدر ما الرسالة هي غايتي، وتتمحور : فتاة لبنانية تمثل الجمال الاسرائيلي وبهذا اعكس حقيقة شعبي وحقيقة الدولة حيث اعيش”.
يذكر ان للجالية اللبنانية في إسرائيل، موقع خاص، على الرابط الآتي:
http://www.lebaneseinisrael.com
ينقل الموقع اخبار الجالية ومواقفها، وعن هذا يقول المسؤول عن الموقع: “هذا الموقع هو صرح اعلامي لنا، يتم تحديثه اسبوعيا بمقالات يكتبها ابناء الجالية بالاضافة الى مواقفنا وردودنا على الكثير من المقالات التي تهاجمنا ضف الى الشائعات التي تفبرك بحقنا.. كما يهمنا ان نحفظ تاريخنا وبطولات رجالنا.”
وبهذا، تبقى هذه الفئة جسرا بين هويتين يجمعهما العداء، هدفها كسر الجفاء بين الارزة ونجمة داوود لبناء اسس السلام وحسن الجوار بين دولتين فرضت الجغرافيا الجوار ونضح منذ فجر التاريخ بذور التعاون والتبادل الحضاري .
ونختم التقرير بقول لسيدة سبعينية من الجالية: “السلام قدر بين لبنان واسرائيل … وسنكون جسره وهمزة التواصل بين الشعبين “.