بين حين وآخر يعلو صدى صرعات إعلامية جديدة – قديمة حول خدمة النساء في الجيش الإسرائيلي. تتراوح العناوين في الصحف الإسرائيلية بين “يحظر الجيش الإسرائيلي على الجنود المتديّنين سماع أغان لمطربات” وبين “يعزز الجيش الإسرائيلي عدد المقاتلات وسيُجند 2500 امرأة لهذه الوظائف”.
ولا شك أن خدمة النساء في الجيش الإسرائيلي شهدت تغييرات كثيرة خلال السنوات على خلفية التغييرات التي طرأت على مكانة النساء في المجتمَع الإسرائيلي عامة. التوجه السائد العام في وقتنا هذا في الجيش الإسرائيلي هو دفع أكبر عدد من النساء للالتحاق به واتباع أسلوب تعامل أكثر احتراما مع النساء فيه. رغم هذا يبدو أن ما زالت هناك حاجة إلى عمل كثير.
والمبدأ الذي تدفعه قدما مستشارة رئيس الأركان لشؤون النساء والجندر، العميدة شارون نير، ولمزيد من الدقة في السنتَين الماضيتَين، على خلفية الانتقاد العام اللاذع ضد دمج النساء في وظائف قتالية هو تبديل فكرة الخدمة على أساس جندري بمبدأ جديد وفق “الإنسان الصحيح في المكان الصحيح”.
العميدة شارون نير (IDF)
ومَن يقرأ مقالات في وسائل الإعلام الإسرائيلية وأبحاث تنشرها معاهد أبحاث للأمن في وسعه التوصل إلى الاستنتاج أن أحد الأسباب للتعرض لدفع مكانة النساء في الجيش الإسرائيلي قدما في السنوات الماضية هو عملية “التديين” التي يشهدها الجيش.
وفي مقابلة خاصة مع شارون، مستشارة رئيس الأركان لشؤون النساء والجندر في الجيش الإسرائيلي، حاولنا فهم وضع النساء في يومنا هذا في الجيش. “تجري الرياح في الجيش باتجاهين أساسيين: أولا، واجب الحفاظ على احترام الإنسان ومبدأ المساواة، وهو أحد قيم دولة إسرائيل بصفتها دولة ديمقراطية، إذ على الجيش الإسرائيلي الحفاظ على احترام النساء وممارسة حقهن في المساواة. ثانيا، إن الخدمة النسائية الهامة في الجيش تساهم من ناحية مبدأية وفعلية في أمن إسرائيل أكثر، وهكذا تساعد على تحقيق أهداف الجيش، وهي الحفاظ على وجود الدولة واستقلالها”، وفق أقوال شارون.
وعندما كانت شارون ضابطة في بداية طريقها، في بداية التسعينيات، حلمت بأن تكون ضابطة ارتباط ولكن في تلك الفترة لم يسمح الجيش الإسرائيلي للنساء بالانخراط في هذه الوظائف. ولكنها أصبحت اليوم مستشارة رئيس الأركان لشؤون الجندر، وأحد أهدافها هو دمج النساء في كل الوظائف في الجيش تقريبا. في مقابلة خاصة مع طاقم هيئة “المصدر” قالت: “أؤمن أن ضابطة سترأس سلاح الجو وسلاح البحرية”.
وتشكل الجنديات في الجيش الإسرائيلي %35 مقارنة بالجنود الذين يشكلون %65، والسبب هو أن الجنديات يخدمن سنتين مقارنة بالجنود الذين يخدمون في خدمة إلزامية مدتها 32 شهرا. في شهر تموز الماضي تجند نحو 400 مقاتلة أكثر من السنة الماضية، ووصل إجمالي عددهن إلى 2500 مقاتلة. “تتجند غالبية المقاتلات لواحدة من الكتائب القتالية المختلطة الأربع (جنود وجنديات). تشكل النساء في يومنا هذا نحو %60 من الجنود في الكتائب المختلطة الأربع – “كاركال”، “بردلس”، “أريوت هيردين” (أسود الأردن)، و “لفيئي هبكعاه” – التي تنشط في الحدود الشرقية والجنوبية من دولة إسرائيل وتعرف بكتائب الأمن الدورية”.
مقاتلات في الجيش الإسرائيلي (Flickr IDF)
ومن المتوقع أن تؤدي زيادة عدد المقاتلات، في ظل زيادة الدافعية النسائية للخدمة القتالية، إلى زيادة عددهن في السنوات القادمة وتفوق عددهن على عدد موظفات المكتب في الجيش.
ويفحص الجيش الإسرائيلي فحصا معمقا نواح كثيرة لدمج الجنديات المقاتلات. فهو يفحص عدد الجنديات اللواتي يتركن مقارنة بسنوات سابقة، ويفحص الادعاء أن نسبة إصابتهن عالية في مرحلة التأهيل الأولي، ويفحص استعداده لزيادة عدد الجنديات من خلال تقديم الطعام، المعدّات، الطب، والبنى التحتية. “أحدثنا ثورة: طرأت زيادة على عدد الجنديات المقاتلات ووصلت إلى آلاف في السنوات الخمس. نحن نفحص تجنيد المقاتلات من ناحية جسدية، ولوجستية، ونجري ملاءمات خاصة للمقاتلات. نعد لهن سترات واقية، أحذية خفيفة، وخوذات خاصة. ونجري تغييرات خاصة في مجال الأطعمة أيضا. اكتشفنا أن الجنديات المقاتلات يحتجن إلى كمية أكبر من الكالسيوم، لهذا فالأطعمة التي يتناولنها غنية به”، تقول شارون بفخر.
وفي إطار عملها الجديد، ترغب شارون في متابعة ما تسميه “ثورة نسائية”. “في غضون خمس سنوات، كان عدد المقاتلات المجنّدات أربعة أضعاف وهذه البداية فقط”، قالت معربة عن رضاها.
“أعالج متضرري ومتضررات التحرش الجنسي”
إحدى القضايا التي تواجهها شارون هي مكافحة التحرشات الجنسية في الجيش الإسرائيلي: عندما أسمع عن حالات كهذه أغضب. نحن نتبع سياسة عدم التسامح كليا في الجيش مع حالات كهذه وقد أقلنا ضباطا كبارا في الجيش. وأعرف أن قائد الأركان يتعامل مع هذه الحالات بيد حديدية لأنه يعتقد أنها تشكل تجاوزا للخطر أحمر”.
ويعمل مركز خاص بإشراف شارون لمواجهة، دعم، وتقديم المساعدة النفسية للجنود والجنديات المتضررين جنسيا. “حدث نحو نصف الحالات قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية. هناك جنود تعرضوا لحالات خطيرة من الاستغلال الجنسي ولم يتحدثوا عنها ولكنهم يتلقون في الجيش دعما للمرة الأولى. فهم يشعرون أننا العنوان الصحيح”.
وثمة موضوع آخر مثير للاهتمام وطرحنا سؤالا على العميدة شارون بشأنه، وهو هل تعتقد أن هناك احتمال أن تشغل ضابطة منصب رئيس الأركان ذات مرة. لقد تهربت شارون من الإجابة المباشرة بلباقة مدعية أنها تؤمن أن قريبًا ستكون ضابطة مسؤولة عن سلاح الجو”، هناك اليوم 32 ضابطة بدرجة عميدة مقارنة بـ 24 في عام 2015. كذلك، فإن عدد الضابطات برتبة عميدة ارتفع في السنوات الماضية”.
والثورة الشخصية التي تحاول إحداثها هي ثورة مهنية. بات الجيش يولي اهتماما أكثر للمهنية إذ يدفع الجيدين قدما لشغل المناصب الأفضل دون التمييز على أساس العرق أو الجنس.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني