في الأسبوع الأخير، تصدّر العناوين في العالم التعاوُن المفاجئ بين إسرائيل والأكراد في العراق. أفاد الموقع البريطانيّ “فايننشال تايمز” أنّه في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط، منذ شهر أيار الأخير وحتى بداية شهر آب الأخير، استوردت إسرائيل من الإقليم الكردي في شمال العراق 19 مليون برميل نفط. وتمثّل هذه الكمية 75% من إجمالي استهلاك النفط في إسرائيل.
وقد فاجأ هذا الكشف العالم لأنّ معظم النفط الإسرائيلي يأتي في الواقع من العراق، حليفة إيران التي تُعارض العلاقات التجارية والدبلوماسية مع إسرائيل. ولكنه لا يأتي تماما من الحكومة العراقية، وإنما من الإقليم الكردي شمال العراق، والتعاون بين الأكراد والإسرائيليين هو في الواقع قصة أخرى تماما.
إنّ اتفاق النفط الذي تم الكشف عنه بين الأكراد والإسرائيليين هو مجرّد كشف آخر في سلسلة الكشف التي تُنشر في وسائل الإعلام بين الحين والآخر حول التعاون والعلاقات الكردية – الإسرائيلية. يمكن في السنوات الأخيرة بالتأكيد الشعور بحميمية العلاقات بين إسرائيل والأكراد. تحتاج إسرائيل إلى الأكراد لأجل مصالحها، مثل النفط الموجود في أراضيهم، ويحتاج الأكراد إلى الأموال من إسرائيل من أجل تمويل قتالهم ضدّ الدولة الإسلامية.
وقد أشار رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في السنة الماضية للمسألة الكردية خلال خطاب تحدّث فيه عن التغييرات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وعن الفرص التي نشأت أمام إسرائيل لعقد أحلاف مع شركاء ذوي مصالح مشتركة. وصرّح نتنياهو في ذلك الخطاب أنّ الشعب الكردي “يستحقّ الاستقلال السياسي”.
شارك مئات الطلاب الأكراد في مناسبة في جامعة كردستان وسُئلوا إذا كانوا يؤيّدون إقامة علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل
وقد أعلن طلاب أكراد في العراق أنّهم يؤيّدون إقامة العلاقات مع دولة إسرائيل. شارك مئات الطلاب الأكراد في مناسبة في جامعة كردستان وسُئلوا إذا كانوا يؤيّدون إقامة علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل، وأجاب معظمهم بالإيجاب. وقالت ممثّلة الجامعة في مقابلة أجريتْ معها: “ركّزت حجج الفريق الفائز على العلاقات التاريخية بين الشعب اليهودي والكردي. أنا أيضًا أعتقد أنّه يمكن أن تكون هناك علاقات مثمرة مع إسرائيل”.
عام 2008 أيضًا سُجّل حدث تاريخي في العلاقة بين إسرائيل وكردستان، وذلك عندما صافح جلال طالباني، الذي كان رئيسًا للعراق، يد من شغل يومذاك منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، خلال مؤتمر دولي في اليونان. لم يحبّ أعضاء البرلمان العراقي ذلك بل وطالبوا طالباني بالاعتذار.
إذا كان الأمر كذلك، فإنّ العلاقات بين كردستان وإسرائيل تعود لسنوات طويلة. حاول كلا الطرفين، إسرائيل والأكراد، على مدى الزمن إخفاء التعاون بينهما، ولكن لم ينجحا دائما.
بحسب التقديرات يبلغ عدد الأكراد 30 مليون نسمة وهم المجموعة العرقية الأكبر في العالم والتي لا تتمتّع بحقّ تقرير المصير. وهم مقسّمون الآن بين أراضي أربع دول مختلفة: تركيا، إيران، العراق وسوريا. يمكننا أن نرى في الآونة الأخيرة نوعًا من “اليقظة” الكردية. في سوريا وفي العراق على حدّ سواء، يمكننا أن نرى أنّ السلطة لم تعد تؤثّر على سلوك الأكراد في الدولة، تقريبا.
متى بدأت العلاقة مع إسرائيل؟
بدأت العلاقة بين دولة إسرائيل والأكراد في الخمسينيات. اعتقدت إسرائيل حينها أنّ عليها إقامة علاقات مع جهات غير عربية ومع الأكراد في العراق من أجل الخروج من العزلة التي كانت فيها. ومن جانب الأكراد فقد كانت لديهم أيضًا مصلحة لإقامة علاقات مع إسرائيل؛ إذ كانوا بحاجة إلى مساعدات في صراعهم القومي ضدّ النظام العراقي.
على مرّ السنين، ساعدت إسرائيل الأكراد سرا
على مرّ السنين، ساعدت إسرائيل الأكراد سرا. لقد درّبت جنود البيشمركة، وهو جيش العصابات الكردية، وزوّدتهم بالسلاح وساعدتهم على تطوير التعليم بلغتهم. من جانب آخر: فقد حصلت على مساعدات استخباراتية وعلى هجرة اليهود الذين عاشوا في العراق.
أحد الإسرائيليين من الذين ساعدوا الأكراد في بناء جيشهم كان جنديّا في الجيش الإسرائيلي، وهو تسوري ساغي. أُرسِل ساغي إلى إيران في الستينيات لمساعدة الأكراد في التدريبات. وقال في مقابلة أجريتْ معه قبل عام: “الإسرائيليون هم الوحيدون الذين لديهم ثقة بهم”. وقد أوضح أنّ الأكراد قلقون جدّا من التقارب بين إيران والولايات المتحدة (وقد كان ذلك قبل توقيع الاتفاق النووي).
في السبعينيات، وفي أعقاب حرب تشرين والأحداث الأخرى التي جرت في الشرق الأوسط، حدث برود في العلاقة بين إسرائيل والأكراد في العراق، ثم بعد ذلك عادت العلاقات لتزداد دفئا.
وعندما نتحدث عن الأكراد في تركيا؛ فإنّ علاقة إسرائيل بأكراد تركيا كانت مختلفة تماما على مدى فترات مختلفة. كانت تركيا وإسرائيل على علاقة جيّدة جدّا في الماضي، ولم ترغب إسرائيل بإظهار علاقة جيّدة مع الأكراد في تركيا، لأنّ هؤلاء كانوا أعداء النظام التركي. تم تعريف تنظيم pkk، حزب العمال الكردستاني، في تركيا باعتباره تنظيمًا إرهابيًّا (وأيضًا من قبل الدول الغربية) بل وقاتل ضدّ إسرائيل في حرب لبنان الأولى عام 1982. أي إنّه كان من المهم لدى إسرائيل في الماضي أن تقف في جانب النظام التركي وأن تساعده هو وليس الأكراد.
والتقارب الأخير بين إسرائيل والأكراد حدث بسبب عدة أشياء قد تغيّرت. تدهورت العلاقة بين إسرائيل وتركيا، ولم يعد مهمّا جدّا بالنسبة لإسرائيل ماذا يعتقد النظام التركي بخصوص علاقتها مع الأكراد. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الأكراد الآن مقاتلين رئيسيين ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية ولذلك فلدى إسرائيل مصلحة في دعمهم. يقول بعض المسؤولين الإسرائيليين إنّه يجدر بإسرائيل أن توثّق علاقاتها مع الأكراد في العراق وسوريا، وأن تحاول إقناع الولايات المتحدة بالاعتراف باستقلالهم، لأنّ دولة كردية مستقلّة في المنطقة ستكون جهة صديقة جدّا لإسرائيل.
وهناك مصلحة أخرى لدى إسرائيل، قد رأيناها فعلا، وهي النفط الكردي. كردستان العراق، مستقرّة وناجحة أكثر من الجزء العربي من العراق. وهي تصدّر النفط بشكلٍ مُستقلّ وتنشئ شراكات مع دول العالم.