على مدى سنوات كانت كنيسة السينتولوجيا (الكنيسة العلموية) محاطة بغطاء كامل من السرية. بل حظي أعضاؤها بالتعرّف على قصة الخلق، الكامنة في أساسها، فقط بعد سنوات من انضمامهم إليها وبعد أن رهنوا لها كل ممتلكاتهم.
بدأ اهتمامي الأول بهذا الدين/ الطائفة يوما ما، قبل 6 سنوات (2010) عندما رأيت رويدا رويدا كيف أنّ مبنى قديما ومذهلا في يافا، المدينة التي وُلدت فيها، قد بدأ حظر استخدامه وإغلاقه بهدف الترميم.
أثارت اللافتة الأولى التي وُضعت في المبنى وأعلنت عن افتتاح مركز السينتولوجيا الأكثر فخامة في أنحاء الشرق الأوسط، دهشة الكثيرين. لم يكن أحد يعلم ما هي السينتولوجيا وكيف نجح أتباع هذه الديانة (أو الطائفة) الصغيرة بشراء مسرح الحمراء (مبنى قديم أقيم عام 1936، وكان يعتبر أحد المسارح الأكثر فخامة في الشرق الاوسط) بقيمة ملايين الدولارات بل وإقامة مركزهم الأكبر في الشرق الأوسط به، بعد صراع قانوني مستمر.
كلما مرّت السنين، ظهرت علامات سؤال، وتم افتتاح المركز الجديد لاحقا. ألقى المارّة نظرة، من وراء النوافذ العرض الكبيرة للمبنى الرائع، إلى كتب مؤسس الكنيسة، ل. رون هوبارد. نجح ما لا يحصى من الدعوات للمشاركة في محاضرات مجانية في موضوعات الأمومة والأبوة الجيدة، معارضة إباحة المخدّرات، حقوق الإنسان، واستشارات تجارية، في إثارة اهتمام عدد غير قليل من الناس. أثارت تجمعات سنوية شارك فيها عشرات الأشخاص، لديّ رغبة قوية لفهم ماذا يفعلون في المبنى. أضاءت لدي محادثة صغيرة مع صاحب كشك مجاور للمبنى ضوءًا أحمر. “من يأتي إلى هنا تؤخذ منه كل ممتلكاته. فينظر إلى الأشخاص وكأنهم مصدر مال فقط”.
تسببت لي تلك المحادثة الجانبية بالرغبة في البحث عما كُتب عن هذه المؤسسة ومحاولة فهم ما الذي يجعل البشر يؤمنون بدين يُعتقد أنه قبل 75 ألف عام قد وصل إلى الكرة الأرضية كائن فضائي شرير وزرع في البراكين أرواحا من الكائنات الفضائية؟
نظرة إلى السينتولوجيا
السينتولوجيا هي فلسفة ديانة روحية نظرية وعملية (تم تعريفها من قبل الكثيرين كطائفة)، وتأسست عام 1954، وتم تطويرها من قبل كاتب الخيال العلمي الأمريكي، ل. رون هوبارد. يُستخدم الاسم “كنيسة السينتولوجيا” أيضا كاسم عام لشبكة عالمية من المؤسسات الدينية التي أسسها هوبارد من أجل نشر التعاليم، التي عرّفها كدين.
تقترح السينتولوجيا طرق علاج مختلفة، تهدف إلى تحسين قدرات الإنسان ككيان روحي. بذلك، وفقا لادعائها، ترفع أيضا من قدرته على معالجة جسمه عبر مواجهة الأمراض النفسية والوصول إلى مستوى وعي أعلى. لا تستند هذه الادعاءات إلى أساس علمي. عرفت تحقيقات وإعلانات عبر وسائل الإعلام وتحرّيات أجرتها لجان تحقيق في دول مختلفة السينتولوجيا باعتبارها طائفة.
تهدف السينتولوجيا، في مراحل متأخرة من التدريب، إلى تخلّص الدماغ والنفس من بقايا تلك الكائنات الفضائية، وجعلها “نقية” (Clear) وهي درجة حققها هوبارد نفسه، وكبار المؤسسة فقط. وفقا للسينتولوجيا فإنّ جميع الأمراض، وخصوصا الأمراض النفسية، هي بقايا من تلك الكائنات الفضائية. ولذلك تشنّ المؤسسة الرسمية والمنظمات المختلفة التابعة لها حربا شاملة ضدّ علماء النفس والأطبّاء النفسيين والأطباء بشكل عام وهي تعتمد طرق علاج خاصة بها، وهناك على الأقل حالة واحدة معروف أنها قد أدت إلى الموت.
بل أشارت لجان تحقيق وبعض التحرّيات إلى استخدام طرق التلاعب النفسي في السينتولوجيا. في ألمانيا، أعلِنَ عن السينتولوجيا باعتبارها “مؤسسة شمولية” وتجري ضدّها حملة عامة واسعة. في إسرائيل، كانت السينتولوجيا إحدى المجموعات التي تم فحصها بعناية لجان عديدة على الرغم من أنه لم تكن ضدّها تعريفات قانونية، مما سمح في نهاية المطاف بإقامة المركز الكبير في يافا.
أساس الاعتقاد
قبل 75 مليون عام قدِم كائن فضائي كبير واسمه زينو (Xenu) إلى الكرة الأرضية. زرع زينو، وفقا لهوبارد، مؤسس الديانة، والذي هو بالصدفة أيضا مؤلف كتب خيال علمي، في البراكين كائنات فضائية وفجّر الجبال بقنابل هيدروجينية. فقُتلت الكائنات الفضائية والتصقت أرواحها حينها بالبشر وما زالت حتى يومنا هذا، ولذلك ينشغل أعضاء السينتولوجيا بطردها في مرحلة متقدّمة من عضويّتهم في الكنيسة.
يعرض هذه النتائج المنتج الأمريكي، جيبني في فيلمه عن السينتولوجيا (Going Clear: Scientology and the prison of Belief )، الذي أثار ضجة في العالم عام 2015 وكشف عن الأسرار الأكثر عمقا لدى السينتولوجيين. استند الفيلم إلى مقابلات أجراها المنتج مع عشرات الأشخاص الذين كانوا من أتباع تلك الطائفة لسنوات ولكنهم هربوا منها بعد أن اكتشفوا أسرارا مظلمة.
الفيلم الذي كشف كل الأسرار
على مدى أشهر عديدة حاولت الكنيسة السينتولوجية منع عرض الفيلم “السينتولوجيا وسجن الإيمان” ولكن رغم التهديدات بالمقاضاة القضائية والإعلانات السلبية في الإعلام، فقد بُثّ الفيلم (من إنتاج HBO).
ويستند الفيلم، من بين أمور أخرى، إلى تحقيق أجراه الكاتب، لورانس رايت، الذي تحدث مع أكثر من 200 عضو في الكنيسة واستمع إلى شهادات عن الطرق الوحشية الممارسة في معسكر السينتولوجيا المغلق في كاليفورنيا، المسمى “Gold Base”، وعن حياة قادة الكنيسة، ومن بينهم أيضا الممثّلان توم كروز وجون ترافولتا.
يتحدث أعضاء سابقون في الكنيسة في الفيلم كيف يعمل الرجال، النساء وحتى الأطفال في ظروف عبودية في المبنى الموجود على مسافة نحو 160 كيلومترا من لوس أنجلوس ويتعرّضون للإساءة الجسدية والعاطفية، هكذا ذكرت صحف كثيرة مثلما ورد في هذا التقرير في الهافينغتون بوست.
زُعم في الماضي ضدّ قادة المنظمة، ومن بينهم زعيم الكنيسة في هذه الأيام، ديفيد ميسكافيدج، أنّه هو الوحيد الذي يمكنه أن يأمر بسجن أو إطلاق سراح الأشخاص من الاعتقال في المبنى.
ويكشف الفيلم تفاصيل عديدة حول هذه الديانة/ الطائفة والتي معظم من سمع عنها يربطها ببساطة بتوم كروز وجون ترافولتا، واللذين هما من ممثّلي السينتولوجيا البارزين. إحدى المعلومات المذهلة التي يكشف عنها الفيلم هي عدد أتباع الكنيسة، التي تقدّر ثروتها بثلاثة مليارات دولار وتمتلك أملاكا ثمينة في العالم كله (بما في ذلك إسرائيل)، تعداد أتباعها هو 50 ألف شخص بالمجمل، في جميع أنحاء العالم، رغم أنّ مؤيّدي هذه الديانة/الطائفة يزعمون أنّ عددهم يصل إلى الملايين.
المقابلة التي قدمها توم كروز لأوبرا وينفري وزعم فيها أنّه كان مسحورا بعد علاج سينتولوجي
نشاط واسع في إسرائيل
في منتصف شهر تشرين الأول نُشر في موقع MAKO الإسرائيلي تحقيق شامل حول نشاط المؤسسة في أنحاء إسرائيل. من غير الواضح حتى اليوم كم هو عدد الأتباع الإسرائيليين للكنيسة ولكن التقديرات تتحدث عن نحو 2000 إلى 3000 مؤمنا.
استطلع التحقيق كيف أنّه بواسطة نشاط اجتماعي أو اقتصادي عادي، كما يبدو، تحاول المؤسسة غرس تعاليم السينتولوجيا. قيل في التقرير إنّ المحاضرات المخصصصة للأهالي أو المبادرين الشباب أو الكفاح ضدّ إباحة المخدرات الخفيفة، تموّلها المؤسسة.
“تتميز هذه المؤسسات بأسماء مثل “الطريق إلى السعادة”، “أكاديمية الأبوين”، “إسرائيل تقول لا للمخدرات” وغيرها. إنها تهتم بموضوعات متنوعة، بدءا من التعليم وحتى الاستشارة الاقتصادية، ولكن أهدافها مماثلة: نشر تعاليم السينتولوجيا، تعزيز أهداف الكنيسة، وتقريب أشخاص آخرين إلى صفوفها. هكذا يعمل في إسرائيل مؤيّدو تلك الطائفة المثيرة للجدل، التي تعمل في العالم منذ عشرات السنين وتقدم نفسها كفلسفة دينية، ولكنها معرّفة من قبل كثيرين كطائفة، بما في ذلك “المركز الإسرائيلي لمتضرري الطوائف”. يعمل بعض تلك المؤسسات بصفتها مؤسسات ليست لأهداف ربحية، فهي تعتمد على التبرعات، وتقدم مؤسسات أخرى للكنيسة نسبة من أرباحها”، هذا ما جاء في التقرير.
في إسرائيل أيضا تحاول كنيسة السينتولوجيا تمثيل قوة ذات نفوذ في الجهاز التربوي، الصحي وفي مجال الأعمال. ذكرتها الشرطة الإسرائيلية في وثيقة كتبتها حول موضوع الطوائف منذ عام 1982، وبعد خمس سنوات من ذلك حذّر تقرير آخر من كونها قد تعزل أعضاءها عن أفراد أسرهم. في السنوات الأخيرة، كلما تعززت الادعاءات في العالم ضدّها، أصبحت تواجه معارضة قوية أكثر في إسرائيل.
أحد الموضوعات التي تحاول المؤسسة أن تكون فاعلة فيها هو موضوع العلاج النفسي والأدوية النفسية التي تقدمها المستشفيات والخدمات الطبية في إسرائيل للأطفال الذين شُخصوا بأنهم يعانون من اضطراب نقص الانتباه. في إسرائيل من الشائع اليوم استخدام الدواء المسمى “ريتالين” وهو دواء يتناوله، بموجب وصفة طبية، الأطفال أو البالغين الذين شُخصوا من قبل أطباء نفسيين مؤهّلين، باعتبارهم يعانون من اضطراب نقص الانتباه.
بالنسبة لأتباع السينتولوجيا، فإنّ الطب النفسي في إسرائيل والعالم هو جذر كل الشرور وأنّه من خلال الأدوية والعلاجات التقليدية، تحاول الدولة إرشاد الوالدين حول كيفية قمع غريزة الحياة لدى الأطفال.
“إذا كانت هناك شريحة مجتمعية تحاول السينتولوجيا أن تخترقها بشكل حازم، فهي شريحة رجال الأعمال، والسبب واضح. كتب هوبارد نفسه أنّه من أجل زيادة أرباح الكنيسة عليها أن تبحث عن أعمال تحتاج إلى المساعدة، أن تعرض عليها ورشات مجانية، ومن ثم تلزمها بتخصيص جزء من دخلها للكنيسة. تعمل هذه الطريقة بواسطة “شبكة WISE” (في إسرائيل)، وهي مؤسسة فرعية أخرى للسينتولوجيا” كما كتبت المحققة في التقرير.
صناعة المال
المؤمنون هم مصدر المال. الخلاص، وفقا لهوبارد، لا يأتي مجانا. كان هناك دائما ثمن للتنظيف الداخلي. نقل الكثير من الناس للكنيسة جميع توفيراتهم، فقد أتباعها منازلهم وضحّوا بمستقبل أولادهم تحت اسم الوعد بحياة أفضل.
يقول باحثون خصصوا حياتهم لكشف ما يحدث في السينتولوجيا مثل الباحث، ريك روس، إنّها صناعة تنتج مليارات الدولارات. تشير التقديرات إلى أنّه من أجل الوصول إلى الدرجة ثلاثة من بين ثماني درجات، فعلى المؤمن أن يدفع نحو 400 ألف دولار.
من جهة أخرى، هناك آلاف الأشخاص الذين لا يملكون تلك المبالغ ويرغبون في أن يصبحوا جزءًا من الكنيسة. لذلك يوافقون على العمل بوظيفة كاملة، وتخصيص وقتهم للكنيسة آملين أن يتمكّنوا من التقدّم دون دفع تلك المبالغ. فهذه المؤسسة تعمل طوال الوقت على تجنيد الأموال، وتجبي الأموال مقابل كل شيء، وتمتلك عقارات بقيمة مئات ملايين الدولارات.
ولا يسمح المجال هنا بالتوسّع أكثر حول ظاهرة السينتولوجيا والهوس الذي التصق بالكثيرين في العالم في محاولة الكشف عنها والعمل على تقليصها أو اختفائها من العالم. ومع ذلك فهي ديانة/ طائفة نشأت قبل أكثر بقليل من 60 عاما في العقل المحمود لكاتب قصص الخيال العلمي ونجحت رغم صغر حجمها في إثارة العالم وإذهال الكثيرين الذين لا يدركون كيف، رغم كل الشهادات والخفايا الداخلية، كما يبدو، تنجح هذه الديانة/ الطائفة في سحر الآلاف وإبقاء الكثيرين في مؤسساتها.