ليس بوسع مغني الراب تامر نفار أن يأمل باهتمام جماهيري عام أفضل بحفله أمس (الثلاثاء) في مهرجان في حيفا، وذلك بعد أن توجهت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، إلى بلدية حيفا مطالبة بمنع عرض حفله. بالإضافة إلى ذلك، دعا ناشطان من حزب الليكود إلى “تفجير” الحفل، وفي أعقاب ذلك اعتُقلا للتحقيق الشرطي. أقيم الحفل أمس كما هو مخطط له، رغم أنف الوزيرة ريغيف، شارك فيه الآلاف من الحضور. بعد يوم من الحفل، أجريت مقابلة مع الرئيس الإسرائيلي قال فيها إنّه فخور بالجمهور الذي جاء ليستمع إلى موسيقى نفار، رغم الخلافات في الرأي.
ورغم الصراع المغطى إعلاميا، يبدو نفار، ابن السابعة والثلاثين، تحديدا في ذروة عمله الفني. فقد صدر هذا العام فيلم “مفرق 48” ببطولته، والمبني على تجاربه بصفته مغني راب عربيا بدأ في مدينة اللد التي وُلد فيها، الواقعة في منطقة تل أبيب. فاز الفيلم بجائزة الموسيقى الأفضل في جوائز الأوسكار الإسرائيلية وبجوائز عالمية.
اعتاد نفار على أن ينظر المجتمع الإسرائيلي إليه نظرة استفزازية. وهو يعرّف نفسه كفلسطيني رغم أنّه يحمل بطاقة هوية إسرائيلية، وحاصل على جوائز من المؤسسة الإسرائيلية التي ينتقدها في أغانيه.
وبصفته “مغني الراب الفلسطيني الأول”، وهو أحد الألقاب التي يفخر بها، إنه يُعتبر مؤسس مشهد الراب بالعربية في الأراضي المقدّسة. لقد بدأ طريقه مع فرقة DAM (تتألف من تامر نفار، أخيه سهيل، ومحمود جريري)، التي تعتبر اليوم إحدى أشهر الفرق وأكثرها تقديرا في مشهد الراب العربي عموما. بالتعاون مع أعضاء فرقة DAM، يقيم نفار في أحيان كثيرة حفلات في أوروبا، ولكن أيضًا في اللد المدينة التي وُلد فيها، في مختلف المدن في أرجاء إسرائيل، وفي أراضي الضفة الغربية. من بين ألبومات الفرقة “ندبك عالقمر” (2012)، و “إهداء” (2006).
إضافة إلى الانتقادات تجاه المجتمع الإسرائيلي اليهودي، كرّس نفار وفرقة “دام” عدة أغان تتطرق إلى مكانة المرأة في المجتمع العربي، مثل الأغنيتين المنفردتين “مين إنت” و “لو ارجع بالزمن”.
إحدى النقاط الأكثر إثارة للاهتمام والأقل شهرة في السيرة المهنية لنفار كانت تعاونه المركّب مع ثنائي مغني الراب الإسرائيليَين الوطنيين “سابليمينال والظل”، اللذين أكثرا من الغناء عن الفخر القومي الإسرائيلي. أثناء الانتفاضة الثانية، واجهت العلاقة بين الموسيقيين وبين نفار عقبات، كانت ذروتها في شجار نُشر إعلاميا في نادي حفلات. فقد حظيت أغنية “مين إرهابي” التي نشرها نفار في تلك الفترة بشعبية هائلة وساعدت في انتشار الفرقة في أرجاء الشرق الأوسط والعالم. قال نفار في المقابلات إنه مهنيا قد تعلم الكثير من سابليمينال ويقدره، رغم الخلافات الحادّة في الآراء السياسية بينهما.
تدرس بلدية حيفا إلغاء حفل مغني الراب المتوقع أن يقام في المدينة وذلك في أعقاب دعوة وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، رئيس البلدية، يونا ياهف، إلى التفكير مجددا في إقامة الحفل.
في أعقاب توجه ريغيف أعلنت البلدية أنّها قصّرت مدة حفل نفار وأنه ربما لن يقام مطلقا. بعد إعلان البلدية نشر نفار منشورا في فيس بوك وكتب فيه أنّه غير مستعد لإلغاء حفله.
“يؤسفني أنّ مهرجانا مثل مهرجان السينما في حيفا، الذي أصبح رمزا للجودة وتقارب الشعوب والبلدان يختار إعطاء منصّة لفنان مثل تامر نفار، الذي يختار في كل فرصة ومن فوق كل منصة ممكنة الخروج ضد فكرة دولة إسرائيل ووجودها كدولة للشعب اليهودي”، هكذا كتبت ريغيف في الرسالة التي وجهتها إلى رئيس بلدية حيفا.
وفي رده في الفيس بوك كتب نفار: “إقامة حفلي في حيفا يوم الثلاثاء… أسمع فجأة عبر وسائل الإعلام أنّ بلدية حيفا أعلنت أنّني، على ما يبدو، سألغي حفلي. أفهم أن البلدية تتعرض إلى ضغوط وزيرة الثقافة وفرقة العنصريين التابعة لها، وتأمل بأن ألغي الحفل، ولكن لن أسمح لهم بإسكاتي وأنتظر لقاءهم جميعا يوم الثلاثاء في حيفا”.
لقد بدأ الاحتجاج ضدّ إقامة حفل نفار منذ أكثر من أسبوع، عندما أعلن نشطاء من الليكود (حزب رئيس الحكومة نتنياهو) في المدينة عبر الفيس بوك أنّه إذا أقام نفار الحفل فهم ينوون “تفجيره”.
وفي الشهر الماضي غادرت ريغيف مراسم جوائز “الأوسكار الإسرائيلي” بعد أن قدّم نفار وفنان إسرائيلي عرضا تضمن مقطعا قصيرا من أغنية محمود درويش “سجل، أنا عربي”. فقد غادرت ريغيف القاعة احتجاجا على العرض، وبعد بضع دقائق عادت وصعدت على المنصة لتمنح جائزة الفيلم الأفضل. أثار خطابها اضطرابا في القاعة، وغادر بعض الحاضرين المكان.
إيقاع القبيلة هو الألبوم الأولّ والوحيد لمحمود جريري، مُغنّي راب من مدينة اللد. بعد فترة قصيرة فقط من إصداره، حاز الألبوم على المرتبة الثانية في تصنيف عدد التنزيلات في تطبيق آي تيونز. لم تتطور موسيقى الراب في الشرق الأوسط، بل في أمريكا، لكّنها في تزايد مُتسارع بين جيل الشباب في الشرق الأوسط. ومحمود جريري هو شخصية هامّة في هذا المجال، نظرا لكونه عضوًا في فرقة الراب “دام” المشهورة، بالإضافة إلى تأسيسه موقعَ “إندي بوش” للموسيقى المُستقلّة.
نصوص جريريّ لاذعة وانتقاديّة، أيضا في ألبومه الخاصّ، إذ يتطرّق في الأساس لقضايا اجتماعيّة عميقة في المجتمع العربيّ. ففيها نرى أنّه يُهاجم الانقسام الطائفيّ ويحتجّ على تعنيف النساء. لم يتجاهل أيضا في تأليفاته، في أغنية “ذئب ذئب” على سبيل المثال، موضوعَ التطرّق لماهيّة هويّته وهوية أبناء جيله المعقّدة، الذين ترعرعوا كمسلمينَ حاملينَ لبطاقة الهوية الإسرائيليّة.
أحد الأغاني المثيرة للاهتمام والجريئة على صعيد خاصّ في ألبومه، هي أغنية بعنوان “الحق على اليهود”. رُغمَ اسمها، الذي يتم ترديده كشِعار على طول الأغنية، فإنّ الرسالة المركزيّة المنقولة هي أنّ اليهود ليسوا في الواقع السببَ الرئيسي للمشاكل في المجتمع العربيّ والفلسطينيّ.
“بتعرفوا كيف احنا بننهي كل نقاش؟ الحق على اليهود” هكذا ردّد جريريّ ليُشدّدَ في أغنيته على ظواهر ذات إشكاليات في المجتمع العربيّ، كالفساد وقتل النساء على خلفيّة شرف العائلة. لكل مشكلة أو ادّعاء يذكره جريريّ، نسمع إجابة واحدة ووحيدة، وكأنها صوت إيقاع القبيلة – “الحق على اليهود”. إجابة جريريّ على هذه الحجج، التي جاءت لترفض أيّ انتقاد أو محاولة لصنع التغيير، هي –”العالم مش بريء بس المشكلة فينا نحنا”. تبحث أغنية أخرى باسم “عماد” أيضا هذه القضايا إلى حدّ ما، ولكن من منظور طفل صغير.
أغنية أخرى ممُيّزة ويجدر ذكرها في الألبوم هي أغنية بعنوان “غسيل دماغ”، وفيها يُهاجم جريريّ التحريض الجامح في وسائل الإعلام، الإنترنت وأنظمة التربية والتعليم. إذ يستوجب حقّا الاستماع لكلّ من الألحان وكلمات النص في هذه الأغنية. وفي أغنية أخرى تلتها، بعنوان أوبتسميست، يُلخّص رأيه بالانتقادات الموجّهة لعمليات غسيل الدماغ الجماعيّة التي تحدّث عنها، على شكل رسالة – “كن الأول؛ الصوت الأول”.
حوَت فحوى المواضيع التي تناولها جريريّ كمغنّي راب السياسةَ والقضايا الاجتماعية دائما. فحتّى عندما يتكلّم عن مواضيع أخرى، مثلا عن الحب (في أغنية “كيميا”)، فإنّ مجاله المجازيّ يبقى متعلّقا بالسياسة (كما في كلامه “عيني عليها ككاميرا على عربي بالمطار” والمزيد). يبدو أنّه واعٍ جدّا لهذا الخيار، وأنه ليس مُهتما بكتابة أغاني الحب الزائفة ذات الكليشيات المبتذلة. (في حين أنّ تامر نفار، زميله في فرقة دام، يقول في أغنيته الجديدة المُسمّاة “يا ريت”، انه “يا ريت اكتبلك أغنية حب ملانة “كليشيهات” – ببدع فكل اشي واشي، وبَبلّم بالاشي هاد!”)
على الرغم من أنّ جريريّ قد بات مُغنيّا لأغاني نقديّة اجتماعيّة لأكثر من 15 عاما، إلا أنّه ما زال ناجحا في إنتاج موسيقى مُميّزة، مُثيرة ومُتّقدة حماسا، ويعود ذلك، إلى حدّ ما، إلى الفُكاهة التي يدمجها خاصّةً في المواضيع الأكثر حساسيّة (كما في أغنية “أنا من هناك” التي تتناول موضوع طفولته في مدينة اللد). حيث يقول في أغنية “شهاب” التي يختم فيها الألبوم “أنا بدي أكون نجم بالسماء”. يُمكن لجريريّ أن يكونَ مُطمئنّا، على الأقل من ناحية هواة الموسيقى العربية البديلة، وهو بالفعل هكذا.
قبل عدة أيام وصلت إلى دور السينما في إسرائيل قنبلة موقوتة – وهو فيلم “مفرق 48” (Junction 48) للمخرج أودي ألوني، ببطولة مغني الراب الفلسطيني تامر نفار من فرقة “دام” (“كريم”) وسمر قبطي (“منار”) والذي حظي بجوائز في مهرجانات أفلام في نيويورك وبرلين. لقد أحدث الفيلم قبل وصوله إلى البلاد ضجة. لقد أعلنت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، في السابق أن صناديق وزارة الثقافة في الدولة لن تمول أفلام مخرج الفيلم وذلك بسبب الانتقادات التي وجهها ضدّ سياسة إسرائيل. ولكن رغم ذلك فقد وصل الفيلم إلى إسرائيل، وفي يوم السبت الماضي عُرض في جِنين، المدينة الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي تل أبيب أيضا.
”أنا مش بوليتي”
تُروى قصة الفيلم، المؤسس على قصة حياة نفار الذي يلعب دور بطولة فيه أيضًا، من زاوية نظر كريم، وهو شاب فلسطيني يعيش في حيّ فقير في مدينة اللد ويحاول أن يشقّ طريقه مع محبوبته المغنية في عالم الموسيقى. وهو لا يوفر النقد ضد أي أحد: ينتقد المجتمع العربي – تطرق نقده إلى العنف واضطهاد النساء والجريمة في الوسط العربي في إسرائيل التي يدفع الكثير من أبناء الوسط بحياتهم بسببها، وتطرق أيضا إلى المجتمع اليهودي وإلى العنصرية والكراهية فيه، وإلى القانون الإسرائيلي الذي لا يعترف بحقوق مهجّري النكبة في بيوتهم. يدعي كريم، بطل الفيلم، بحماسة أن أغانيه ليست سياسية، وإنما ببساطة تعكس واقع حياته. في إحدى الأغاني التي يقول فيها كريم كلمات بالعبرية تتكرر الجملة “أنا مش بوليتي”، معني كلمة “بوليتي” بالعبرية “سياسي”، وفي أغنية أخرى، “يا ريت”، يقتبس كلمات عن محمود درويش.
ولكن يعتبر توقيت عرض الفيلم في إسرائيل – قبل عدة أيام من احتفالات يوم الاستقلال – وأيضا اسم الفيلم – الذي يتطرق بشكل واضح إلى حرب 48، والتي هي حرب الاستقلال في الرواية الإسرائيلية والنكبة في الرواية الفلسطينية، استفزازيا في نظر الجمهور الإسرائيلي العادي، الذي بالنسبة له ليس من المفهوم ضمنا أن يُعرض في دور السينما القريبة من منزله فيلم معظمه بالعربية وتعيش شخصياته الرئيسية في إسرائيل ولكن لا تخفي هويتها الفلسطينية.
“ولكام تو ذا ميدل إيست، أخي”
مدينة اللد المذكورة في الفيلم ليست مجرّد موقع آخر. وفقا للمخرج، فهي واحدة من الأبطال الثلاثة الرئيسيين في الفيلم. تبدأ جذور القصة المعقّدة والمليئة بصراعات اللد في حرب 48، حينها غادر معظم السكان العرب المدينة، ولكن عاد بعضهم إليها بشكل سري على مرّ السنين وفي المقابل أقام في المدينة أيضًا سكان يهود. والنتيجة هي أن المدينة التي عُرفت باللقب المشبوه “عاصمة المخدّرات في إسرائيل”، مدينة مختلطة وفقيرة، وفيها الكثير من الصراعات الداخلية العنيفة. ولذا فليس من العجب أن إحدى هوايات بطل الفيلم كريم هي تخمين نوع السلاح الذي يطلق النار من خلال السماع فقط، حيث تُسمع في الحيّ الذي يقطن فيه أصوات إطلاق نار بشكل متكرر.
ترغب شخصية كريم ومنار وأصدقائهما بتغيير الواقع الذي نشأوا فيه، وهم لا يصدّقون أكاذيب الحكومة والمجتمع – ويتجسد ذلك في أحد التعبيرات ذات المفارقة والشديدة في الفيلم من خلال أمر الهدم ضدّ منزل عربي غير قانوني، والذي يهدف إلى بناء متحف للتعايش بين العرب واليهود على أنقاضه، أو لحظة درامية أخرى يهدد فيها رجال بإيذاء ابنة أسرتهم المحبوبة إذا تجرأت على التصرف وفق إرادتها وبخلاف العادات والتقاليد.
يظهر في فيلم “مفرق 48” الكثير من العنف ولكن الكثير من الحبّ أيضًا، وهو يعجّ بالصراعات وبالأسئلة المتحدية ولكن أيضًا بالفكاهة الذاتية ويقدم للمشاهد موسيقى تصويرية فخمة، موضوعة داخل مقاطع الراب الحادّة لنفار والتي ترن في أذن سامعيها كثيرا بعد الانتهاء من عرض الفيلم.
يتضح أن “صورة السيلفي الأكثر شجاعةً” مزيّفة. نتشر صورة سيلفي يظهر فيها شابًا فلسطينيًا ملاحقًا من قبل جنديين إسرائيليين، في حين يشهر جندي مسدسًا باتجاهه، انتشارًا واسعًا في الشبكات الاجتماعية. نشر ما يقارب 15 ألف مشارك هذه الصورة على أساس أنها حقيقية، لكن تبين اليوم أنها صورة تم إخراجها.
الشاب الفلسطيني الملاحق هو مغني الراب العربي الإسرائيلي تامر النفار، قائد فرقة D.A.M قام نفار بنشر هذه الصورة يوم الاثنين على شبكة تويتر كاتبًا بجانبها باللغة الإنجليزية: “سلفي والجيش الإسرائيلي خلفي”. نُشرت الصورة على الفيس بوك أيضًا، وهناك تبين أن الحديث يدور عن صورة من تصوير الفيلم.
في الواقع، هذه الصورة هي جزء من حملة إعلانية لمشروع جديد للنفار وهو فيلم روائي جديد عن حياته. يتم إنتاج الفيلم في هذه الأيام بالتعاون مع جهات عربية وإسرائيلية، ويدمج بين أعمال النفار وأعمال فرقته. يُحفظ الفيلم وكل تفاصيل إنتاجه بسرية تامة حتى الآن.
الصحافة الإسرائيلية غاضبة من نشر صورة النفار، التي تشوه صورة الجنود الإسرائيليين. وصفت الصحيفة اليمينية “إسرائيل اليوم” الصورة “مثيرة للغضب”، وأشارت إلى أن الشباب الإسرائيلي ينشط على الشبكات الاجتماعية ليكشف حقيقة أن الصورة ليست حقيقية.
يتجنب الموسيقيون الإسرائيليون عادة إثارة الجدل، ولكن هناك من يحتج ضد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ونتائجه. اقرأوا عن المظلي المُغرّد، الفرق الغنائية التي أيقظت الحوار المجتمعي ومغنّي الراب العربي – الإسرائيلي الذي لا يترك كلاما في جوفه
في الأسبوع الماضي، عرضنا عليكم نظرة إلى تاريخ الاحتجاجات في الموسيقى الإسرائيلية. وإنْ كنا في المرة الماضية قد ركّزنا على الظلم الاجتماعي على الخلفية الاقتصادية والجنسية والطبقية، فإننا في هذه المرة سنعرض عليكم تاريخ أغنيات الاحتجاج السياسية في إسرائيل. توفر بنية المجتمع الإسرائيلي – بما فيها ممثلي الأديان والأحزاب الكثيرة – جنبًا إلى جنب مع تعقيد الصراع العربي الإسرائيلي – الكثير (جدًا) من الموضوعات للأغاني الحادة، اللاذعة والمؤلمة.
مسيرة السلام في تل أبيب (David Katz)
في السنوات الأولى لإسرائيل، كانت أغاني الاحتجاجات لا تزال تشق طريقها إلى آذان المستمعين. فبعد حرب حزيران (1967)، وعلى خلفية الشعور بالانتعاش بين بعض قطاعات الشعب، بدأنا نسمع أصواتا أولى من الاحتجاج ضد أمر كان مقدسًا في تلك الأيام: جيش الدفاع الإسرائيلي. اشترك مئير أريئيل، الذي تحوّل خلال السنين إلى مؤلف أغان ومغنّ ذي مكانة، في الحرب بوظيفة جندي احتياطي في كتيبة المظليين. تركت المعارك في نفسه مشاعر قوية وصادمة، وبعد فترة وجيزة من الحرب، أصدر للإذاعة أغنية “القدس الحديدية”، والتي استندت على أغنية نعومي شيمر “القدس الذهبية” . ولكن بخلاف شيمر، غنى أريئيل عن “القدس الحديدية، وقدس الرصاص والسواد”؛ وذلك رمز لدخان المعارك والرصاصات التي أطلقت باستمرار. وعلى ضوء دوره في الجيش، حظي على المستوى الإعلامي بلقب “المظلي المُغرّد”.
استمعوا لمئير أريئيل ورسالته ضد الحروب في “القدس الحديدية”:
ومع ذلك، لم يلق احتجاج أريئيل صدى كثيرا في تلك الأيام، وعادت أغنية الاحتجاج للدُّرج مرة أخرى، حيث تم إهمالها حتى سنوات الثمانينيات. وقد أدى الوضع في إسرائيل – اتفاقية السلام مع مصر إلى جانب الحرب اللبنانية، التضخم الاقتصادي الرهيب والانتفاضة الأولى – أدى كل ذلك إلى ازدهار هذا اللون من الغناء، والذي ظهر بقيادة المطربين الشباب والفرق الغنائية الجديدة. بدأ إيهود بناي في الظهور في أواسط سنوات الثمانينيات وقد مثل أغاني الروك الخاصة به احتجاجا متطورا وصعبا منذ البداية. لقد غنى عن العمال العرب الذين جاءوا للعمل من غزة إلى إسرائيل، عن الحواجز التي أجبروا على اجتيازها كل يوم وعن نفاق الجمهور الإسرائيلي؛ فهو من جانب لا يعطي الحقوق الكاملة للفلسطينيين الذين يعيشون خارج حدود 1967، ومن الجانب الآخر يعتمد عليهم للاستمرار في بناء البلاد.
استمعوا إلى أغنية “اخلط الجبس” ولنقد إيهود بناي الواضح والفاضح:
في أواخر الثمانينات، تزايد الوعي السياسي في إسرائيل، وقد أثر ذلك على الأعمال الموسيقية. بدأ مؤلفو الأغاني بتركيز النقد الشديد على النخب الحاكمة الفاسدة، والحديث عن أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والبحث عن بدائل لواقع تعيس من الحواجز والأسوار. ولكن قبل التفاؤل، الذي سوف نتطرق إليه لاحقًا، اختارت الفرق الغنائية المشهورة الشكوى حول ما هو قائم. فرقتا “مشينا” و”تسلم” غنّتا “ما لي وللسياسة الآن؟” وعن “وجه الدولة”، وقد ردد كلماتهما آلاف المشجعين في الحفلات. “لماذا لا ينحرف الحجر في رام الله عن مساره”، هكذا غنى يوفال بناي، مطرب فرقة “مشينا”، وقد أشار إلى الركود في تطوير البنية التحتية والحياة عمومًا بالنسبة للفلسطينيين.
“ما لي وللسياسة الآن؟” – سؤال كبير ومهم
في سنوات التسعينات والألفية الثانية، وعلى خلفية محادثات السلام مع الفلسطينيين، واتفاقات أوسلو ومحاولات الوصول إلى تسوية إقليمية شاملة، سمح الفنانون لأنفسهم بأن يكونوا أكثر حدة في النقد. من جهة، كانت هناك فرقتا “هداج ناحاش” و”هبيلوييم” ومطربون مثل موكي، احتجوا على الظلم تجاه الفلسطينيين وطلبوا إنشاء مجتمع آخر في إسرائيل، متقبّل للآخر. “يتحدث الجميع عن السلام، لكن لا يتحدث أحد عن العدالة”، هكذا كتب وغنى موكي، مشيرًا إلى أن محادثات السلام لن تغيّر شيئًا إن لم تتركز على الاعتراف بحقوق العرب، كسائر البشر. وفي أغنية أخرى: “الأرض تبكي”، يتحدث كاتب الأغنية عن العالم الذي يتواجد خلف الجدار والحواجز: “لا، إنه ليس خطأ يا أخي، إنه الواقع؛ عالم كامل مليء بالغضب والوحدة”.
“كم منا ينصت حقّا؟” هكذا يتساءل موكي مستدرِكًا: “الجميع يتحدث عن السلام”:
وفي الجانب الآخر من الطيف السياسي، كان هناك احتجاج صارخ أيضًا، وذلك على خلفية إخلاء قطاع غزة من وحدات الجيش والسكان اليهود في عام 2005. وقد غنى أريئيل زيلبر، أحد أكبر الموسيقيين في إسرائيل، أغنية “اليهودي لا يطرد يهوديًا” وذلك حين واجه قوة الإخلاء، وجددت فرقة “السجن 6” أغنية لماني بيجر “كان ذلك بيتي”، وذلك انطلاقا من الحزن على آلاف البيوت التي تُركت مهجورة بعد أن تم إخلاء السكان منها، جاء فيها: “مع الفجر سيسكن الغرباء في المنزل، ونحن سنذهب بعيدًا، مع كل الذكريات”
استمعوا إلى الإصدار الأصلي والمؤثر لماني بيجر في أغنية “كان ذلك بيتي”:
وفي النهاية، ننهي مرة أخرى مع تامر نفار، مغني الراب العربي الإسرائيلي الذي يغني عن المشاكل الداخلية في الوسط العربي، ولكن يبدو أنه حين يغني بالعربية، فإن الكلمات تخترق الجلد وتدخل إلى الشرايين. ففي أغنية فرقة DAM (دام) “هنا ولدت”، يشرح ببساطة أنه موجود هنا وسيبقى، وأن التعامل معه ينبغي أن يكون شبيها بأي مواطن إسرائيلي يهودي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه ليس مواطنًا في الضفة الغربية أو غزة، والمشاكل التي يواجهها مختلفة، ولكن الاحتجاج يعود إلى السبب ذاته؛ وهو المطالبة بالمساواة وتمكين التعبير عن الرأي الشخصي، حتى وإن كان يخالف الرأي العام.