المناطق التي تدعم دونالد ترامب، وبشكل أقل أيضًا بيرني ساندرز، سكانها من البيض الذين يعيشون في الضواحي والمناطق الريفية. بالإضافة إلى لون بشرتهم ومنطقة سكناهم، هناك يأس ملحوظ لدى غالبيتهم: يشعرون محرومين من الانتعاش الاقتصادي، الذي تتناوله وسائل الإعلام ولكنه ليس ملموسا في الحياة اليومية. وهم مقتنعون أن الولايات المُتحدة تُسيطر عليها نُخبة اقتصادية وليبرالية فاسدة ومنقطعة عن الواقع، وتعيش غالبيتهم في حالة من الضيق والعوز بسبب آفة الهيروين التي تعصف بمدنهم وتأخذ منهم أبنائهم وبناتهم.
حاول، ليلة السبت، برنامج “ساترداي نايت لايف” الساخر توجيه نقد فكاهي لهذه الظاهرة. عُرض في الحلقة، التي قدمتها النجمة جوليا لوي – درايفوس، التي أدت دور إيلين في مسلسل “ساينفلد”، إعلان جديد تحت اسم “Heroin A.M” وهو يدمج بين الهيروين، الكوكايين، والقهوة المُركّزة، من أجل توفير أفضل مُخدر للمُتعاطين، ولكن، في الوقت ذاته أيضًا الطاقة والتحفيز. حظي الإعلان بموجة من الانتقادات الحادة لأنه يسخر من موضوع مؤلم جدًا. لا يُعتبر الإدمان الوطني على الهيروين، في نظر الكثير من الأمريكيين، نكتة.
https://www.youtube.com/watch?v=TMIvaljJGAI
زادت نسبة الوفيات في الولايات المُتحدة، منذ عام 2001، ستة أضعاف نتيجة تعاطي الهيروين المُفرط: من 2000 إلى 12 ألف، وهي نسبة تفوق نسبة أي مُخدر آخر. زادت نسبة الوفاة الناتجة عن التناول المُفرط لمُسكّنات الآلام من 5000، في عام 2001، ووصلت إلى نحو 18 ألف تقريبًا في عام 2014. يموت في الولايات المُتحدة كل يوم ما يُقارب 125 شخصًا جراء المخدرات، منهم 78 شخصًا نتيجة تعاطي الهيروين ومُسكنات الآلام. طرأ أيضًا، في هذه الفترة، تغيير على هوية المُتضررين من تعاطي هذا المُخدر. ففي عام 2000، كان الوسط الذي خسر أعلى نسبة من ضحايا الموت بسبب الهيروين هو وسط السود من الفئة العمرية 45 – 64، بينما اليوم قد تغير الحال وأصبحت النسبة الأعلى بين البيض من الفئة العمرية 18 – 44.
زادت نسبة الوفيات في الولايات المُتحدة، منذ عام 2001، ستة أضعاف نتيجة تعاطي الهيروين المُفرط: من 2000 إلى 12 ألف، وهي نسبة تفوق نسبة أي مُخدر آخر
ونشر المعهد الوطني لرصد التعاطي المُفرط للمخدرات، مؤخرًا، مُعطى آخر مُشابه أيضا ومثير للاهتمام. قبل نصف قرن، في الستينات، كان أكثر من 80% من مُتعاطي الهيروين الجدد شُبانًا من غير البيض من المناطق المدنية، واستخدموا الهيروين في تجربتهم الأولى للمُخدرات. بالمقابل، في العقد الأخير أكثر من 90% من مُتعاطي الهيروين الجدد هم من البيض من مناطق ليست مدنية، الذين كانت تجربتهم الأولى مع مُسكنات الآلام من الأنواع الشبيهة بالأفيون مثل بيركوسيت، أوکسيکونتين وغيرها. ينتقل الكثير من المُتعاطين، بعد مرحلة الإدمان على الأدوية، إلى تعاطي الهيروين بسبب توفره في الولايات المُتحدة وبسبب سعره المُنخفض بما يتناسب مع ذلك.
المرشحة هيلاري كلينتون (AFP)
طرأ أيضًا، مع التغيير الديموغرافي والعرقي لهذه الظاهرة، تغيير في التعامل معها والنظر إليها. فطالما أن هذه الظاهرة كانت مُتركزة فقط في أوساط الأفارقة – الأمريكيين وفي أوساط أبناء أقليات أخرى، فإن غالبية الأمريكيين كانوا يدعمون شن حرب شاملة واتباع سياسة “عدم التسامح”، بما في ذلك تطبيق أقصى العقوبات. بينما الآن، بعد أن طرأ انخفاض كبير في نسبة الإدمان على الهيروين في أوساط الشبان السود وبالمقابل، طرأ ارتفاع كبير في تعاطي الهيروين من قبل الشبان البيض زادت المُطالبات للتعامل مع الظاهرة على أنها مرض وليست جريمة، والتي يتوجب علاجها بإعادة التأهيل وليس العقاب.
وقد أعلن الرئيس أوباما في الماضي مرتين، خلال نصف العام الأخير، عن وجود برنامج وطني جديد، وبذل جهود حثيثة لمعالجة الإدمان على الهيروين. وقد ذكر أوباما الإدمان على المُخدرات في الفقرة الثانية من خطاب وضع الأمة في شهر كانون الثاني. ظهر موضوع الإدمان على الهيروين، بعد بضعة أسابيع من ذلك، كموضوع مركزي في حملة الانتخابات التمهيدية الكاملة الأولى التي أُجريت في نيوهامبشير، وهي ولاية غالبيتها سكانها من “البيض”، وتضاعفت نسبة الوفيات فيها من التعاطي المُفرط للهيروين في العامين الأخيرين فقط. وضع مواطنو الولاية، في الاستبيان الذي أُجري في نهاية عام 2015، قضية الإدمان على الهيروين في أول سلم أولويات الانتخابات الرئاسية.
يموت في الولايات المُتحدة كل يوم ما يُقارب 125 شخصًا جراء المخدرات، منهم 78 شخصًا نتيجة تعاطي الهيروين ومُسكنات الآلام
كان تماهي بعض المُرشحين مع ضحايا المُخدرات، شخصيا. فقد قالت المُرشحة الجمهورية السابقة للرئاسة، كارلي فيورينا، التي سقطت ابنتها ضحية الإدمان، إن على الإدارة العمل ضد هذا المُخدر على أنه وباء. وتحدث المُرشح الجمهوري السابق، جيب بوش، عن سجن ابنته لحيازتها مُخدرات غير قانونية وهي عبارة عن مُسكنات آلام. وقارن المُرشح الجمهوري السابق كريس كريستي الإدمان على الهيروين بوفاة أمه نتيجة إدمانها على السجائر وطالب بمكافحة شاملة لكل ذلك.
ظاهرة الهيروين هي ظاهرة مُنتشرة وتحديدًا في الولايات التي لم تُصوت بعد. تُعرّف وزارة العدل الأمريكية وباء الهيروين على أنه “أكبر خطر يُهدد صحة الجمهور في المنطقة الشمالية الشرقية، بما في ذلك نيويورك، حيث أجريت الانتخابات التمهيدية البارحة. تحتل نيويورك المرتبة السادسة في تصنيف الولايات فيما يتعلق بتعاطي الهيروين. نيوجيرسي، التي ستُجرى فيها الانتخابات في حزيران، في المرتبة الخامسة. بنسلفانيا، التي ستُصوت في الأسبوع القادم، في المرتبة الرابعة. كاليفورنيا، التي ستكون الانتخابات فيها في 7 حزيران انتخابات حاسمة، تحتل المرتبة الأولى، وفيها 91 مُدمن هيروين من كل 100 ألف مواطن.
المرشح الجمهوري دونالد ترامب (AFP)
ويشبه الحل الذي يعرضه ترامب لهذه المُشكلة، حل المشكلات الأخرى، ببساطة، أو بوضوح: اتهام المكسيكيين. يقول ترامب إنه عندما يتم بناء جدار على الحدود مع المكسيك – الذي سيدفع تكاليفه المكسيكيون – ستتوقف عملية تهريب الهيروين إلى الولايات المُتحدة. وهو يتجاهل، بالطبع، الكميات الكبيرة من المخدرات التي تدخل إلى الولايات المُتحدة من البحر والجو، وأكثر من ذلك أن المُشكلة لا تتعلق فقط بالهيروين بل بمسكنات الآلام الأفيونية التي تُشبهه وتُعتبر “مخدرات تمهيدية” قبل تعاطي الهيروين.
المُخدر الذي ينتشر بسرعة هو الفينتانيل، من مجموعة المسكّنات الأفيونية، وهو أقوى بـ 100 مرة من الأفيون وأخطر من الهيروين. يأتي الفينتانيل من المختبرات، وليس من المكسيك. ولكن، العلاقة بين الإدمان على الهيروين وبين نجاح ترامب، ليست ذات صلة بالحلول التي يقترحها. إن تركّز الإدمان بين أوساط الشبان البيض من الطبقة المتوسطة والمتدنية – هذا لا يعني أن الظاهرة غير منتشرة بين الأغنياء – يزيد من شعور أفراد عائلاتهم بأن حياتهم تتفكك، جيرانهم في خطر، مدنهم تتفكك، بيئتهم ليست نشطة، وأن الإدارة المحلية والفدرالية لا يُمكنها حل المُشكلة. لا بد في هذه الأجواء السلبية، ومن الطبيعي أن ضحايا الإدمان سابقًا وأولئك الذين يخشون مسألة الإدمان مُستقبلاً، أن يغرقوا في حالة يأس وأن يبحثوا عن حل راديكالي يوصلهم إلى واقع معكوس تمامًا من الوضع الذي يعيشونه الآن. من يُحاكي هذه الرغبة تمامًا هو ترامب وبنسبة أقل، كما أسلفنا، ساندرز أيضًا.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة هآرتس
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني