بيت المكفيلة

(Al-Masdar / Guy Arama)
(Al-Masdar / Guy Arama)

الخليل.. مدينة الأجداد أم مدينة الفصل العنصري؟

أصبحت السياسة الإسرائيلية في الخليل تتصدر مؤخرا النقاش العامّ في إسرائيل. يدعم اليمين الإسرائيلي توسيع الاستيطان اليهودي في المدينة، في المقابل، يدعو اليسار إلى وضع حد للتمييز ضد السكان الفلسطينيين

أدت سلسلة من الأحداث وقعت مؤخرا في مدينة الخليل إلى أن تتصدر هذه المدينة النقاش العام الإسرائيلي حول الضفة الغربية، بعد سنوات من عدم التطرق إلى الموضوع.

يعرف معظمنا الخليل بصفتها واحدة من أقدم المدن في الشرق الأوسط، التي تعتبر مدينة مقدسة في الديانة اليهودية والإسلامية. وهي أكبر مدينة في السلطة الفلسطينية، ومنذ عام 1997، تم تقسيمها إلى منطقة تقع تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية (H1)، ومنطقة أخرى تقع تحت الحكم الإسرائيلي (H2). يعيش مئات اليهود في الخليل، وتقع حوادث عنف بين اليهود وبين الفلسطينيين في المدينة أحيانا.

أحداث العنف في مدينة الخليل

في شهر آذار 2016، تصدرت “قضية الجندي إلئور أزاريا” العناوين الرئيسية، عندما وصل فلسطينيان من الخليل إلى موقع للجيش الإسرائيلي وطعنا أحد الجنود، لهذا قتلهما الجنود رميا بالرصاص، فأردفت العملية عن مقتل أحدهما وإصابة آخر بجراح خطيرة. وبعد بضع دقائق، أطلق الجندي أزاريا النار على رأس الإرهابي الجريح فأرداه قتيلا. وقد حُكِم على أزاريا، وأدين بتهمة القتل العمد والتصرف بشكل غير لائق، وحُكِم عليه بالسجن.

أدت أعمال أزاريا، محاكمته، وإدانته، فضلا عن عقوبته التي ينفذها حاليا، إلى نقاش عام واسع النطاق في إسرائيل بشأن سلوك الجيش في الضفة الغربية، وتعليمات إطلاق النيران في حال وقوع هجمات إرهابية. يرتكز الجدل العام في المجتمع الإسرائيلي على نقطتين متناقضتين – من جهة، عرْض أزاريا بصفته قاتلا وشجب سلوكه، ومن جهة أخرى، تقديمه بطلا وطنيا، والمطالبة بإطلاق سراحه.

وفي تموز الماضي، قامت 15 عائلة إسرائيلية بانتهاك القانون واختراق منزل المكفيلة في الخليل، وهو منزل يقع بالقرب من مغارة المكفيلة المقدسة لدى اليهود والإسلام. وتسكن منذ عام 2012 في منزل المكفيلة عائلات يهودية ادعت أنها اشترت المنزل من أصحابه، إلا أنه تم إخلاؤه بأمر من وزير الدفاع آنذاك، إيهود باراك، ومنذ ذلك الحين فإن السكن فيه يتصدر النزاع القضائي الجماهيري.

وهناك حادثة أخرى ساهمت أيضا في عودة الجدل حول الخليل إلى العناوين الرئيسية، وذلك بعد أن هاجم أحد سكان المستوطنة اليهودية في الخليل إحدى ناشطات اليسار الأمريكي، وقد وُثق هذا الهجوم ببث مباشر على الفيس بوك وأثار ضجة كبيرة.

منزل المكفيلة في الخليل (Flash90 / Hadas Parush)

الخلافات الأساسية بين اليسار واليمين

يدور النزاع الرئيسي في إسرائيل بشأن الخليل حول السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في المدينة. غالبا، يمكن القول إن المنظمات اليمينية في إسرائيل تعتبر الخليل “مدينة الأجداد”، إذ إنه وفقا للديانة اليهودية، فقد دُفن في مغارة المكفيلة أجداد الشعب اليهودي (إبراهيم، إسحاق ويعقوب). ويؤكد اليمينيون على أهمية التاريخ اليهودي القديم للخليل في الديانة اليهودية، وهم يدعمون استمرار الاستيطان اليهودي في المدينة وتوسيعه.

في المقابل، تركّز المنظمات اليسارية الإسرائيلية على السياسة الإسرائيلية الإشكالية تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة “H2” الخاضعة للمسؤولية الأمنية الإسرائيلية، التي يعيش فيها أيضا مئات اليهود. يعارض اليسار الإسرائيلي “سياسة الفصل” الإسرائيلية في هذه المنطقة، التي يفرض الجيش الإسرائيلي بموجبها قيودا شديدة على تنقل الفلسطينيين، إضافةً إلى الفصل المادي والقانوني الذي فرضته إسرائيل بين المستوطنين في الخليل والسكان الفلسطينيين. تدعو المنظمات اليسارية إلى وضع حد للتمييز وإلحاق الضرر بالسكان الفلسطينيين المحليين، ومنع توسّع الاستيطان اليهودي في المدينة.

هذا الأسبوع، برزت وجهات النظر المختلفة في الرأي العام الإسرائيلي، بشكل خاص، بعد نشر شريط فيديو لحركة “إسرائيل شيلي”، التي تنتمي إلى اليمين الإسرائيلي، الذي يدافع عن الاستيطان اليهودي في الخليل. ويسعى الفيديو إلى توضيح الواقع المعقّد في مدينة الخليل وشرحه بأسهل طريقة. ووفقا للفيديو، يمكن للسكان الفلسطينيين في الخليل التنقل بحرية في %97 من المدينة، ودخول %3 من أراضيها بعد اجتياز فحص أمني، باستثناء قسم واحد من شارع الشهداء الذي يصل طوله إلى 300 متر، وذلك بسبب مئات الهجمات التي نُفذت ضد الإسرائيليين. بالمُقابل، لا يُسمح للإسرائيليين بدخول المنطقة الفلسطينية من مدينة الخليل.

https://www.youtube.com/watch?v=xkIz84i8xf8&feature=youtu.be

وورد في الفيديو الادعاء أن الفصل بين السكان اليهود والفلسطينيين في المدينة قد صادقت عليه المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 2001، وحصل أصحاب المصالح التجارية الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم على تعويض مالي. ويختتم مقطع الفيديو بالقول إن اليهود يعيشون في الخليل منذ آلاف السنين، فيما عدا أثناء فترات محدودة، لذلك فإن الوجود اليهودي في الخليل طبيعي ومبرر.

بالتباين، يؤكد فيديو نشرته مؤخرا منظمة اليسار الإسرائيلية “كسر الصمت”، أن اجتياح الأسر اليهودية في الخليل إلى منزل المكفيلة في تموز الماضي، قد جرى دون تصريح وخلافا لموقف الجيش الإسرائيلي. وفقا للفيديو، فإن المستوطنين الذين غزوا المنزل عرّضوا حياة الجنود للخطر من أجل بناء مستوطنة جديدة في قلب مدينة تضم 200.000 فلسطيني. وأهمية هذه الخطوة وفق الادعاء هي أن تصبح المنطقة المحيطة بالمنزل خالية من الفلسطينيين، وعدم السماح للفلسطينيين بدخولها أيضا. والاستنتاج المطروح في نهاية الفيديو هو أن الهدف الواضح للمستوطنة اليهودية في الخليل هو إخلاء المدينة من الفلسطينيين.

إن ثمن المعركة في الخليل باهظ جدا: منذ اندلاع الانتفاضة الأولى وحتى أيار 2007، قتل الفلسطينيون خمسة إسرائيليين، من بينهم طفلة عمرها 11 شهرا, و- 17 من أفراد قوات الأمن الإسرائيليين. في تلك الفترة قُتِل 88 فلسطينيا، من بينهم 9 قاصرون.

ويبدو أن معظم الجدل الدائر في إسرائيل يتعلق بالسياسة الإسرائيلية وليس بالحقائق. هل يجري الحديث حقا عن “مدينة الأجداد” ويجب الحفاظ على قدسيتها اليهودية، أم أن الحديث يجري عن سياسة إسرائيلية تدعم الفصل العنصري الذي يضر بالأغلبية الفلسطينية والنسيج الدقيق وغير المتوازن من العلاقات في المدينة. إن الجدل عميق ومستعر، وربما لا يتوقع أن ينتهي في المستقبل المنظور.

اقرأوا المزيد: 789 كلمة
عرض أقل
بيت المكفيلة  (Uri Lenz/FLASH90)
بيت المكفيلة (Uri Lenz/FLASH90)

بيت المكفيلة لن يُسكن

النيابة لمحكمة العدل العليا: لن نعطي إذنًا بإسكان البيت. وزراء في الحكومة يدعون نتنياهو إلى مناقشة قضية إطلاق سراح الأسرى مجدّدًا

بعد مقتل الجندي الرقيب أول جال كوبي في الخليل، أعلن رئيس الحكومة نتنياهو عبر صفحته على الفيس بوك أنه يجب العمل على جعل بيت المكفيلة في الخليل آهلًا بالسكّان. لكن بعد التماس فلسطينيين يدّعون أنهم مالكو المبنى إلى محكمة العدل العليا، أوضحت النيابة أنّ إعلان رئيس الحكومة عن نيته جعل بيت المكفيلة آهلًا بالسكان كان “تعبيرًا عن موقف يدعم توطين المبنى فقط بعد إتمام كل الإجراءات”.

بعد إطلاق النار الذي أودى بحياة الجندي، كتب رئيس الحكومة على صفحته على الفيس بوك: “من يحاول اقتلاعنا من مدينة آبائنا سيحصد العكس. سنواصل بيدٍ واحدة محاربة الإرهاب وإلحاق الضرر بالإرهابيين، وفي اليد الأخرى تعزيز الاستيطان”. وأضاف أنه يجب العمل لتوطين بيت المكفيلة، بيت موجود إلى جانب مغارة المكفيلة في الخليل، كان مركزًا لنزاع قضائي بين مستوطنين ادّعوا أنهم امتلكوه وفقًا للقانون وبين فلسطينيين ادّعوا أنّ البيت موضع خلاف على الميراث، ولذلك فإنّ بيعه لم يكن قانونيًّا. وكان المستوطنون دخلوا السنة الماضية إلى داخل البيت، لكن جرى طردهم بعد بضعة أيّام بأمر من وزير الأمن إذّاك إيهود باراك.

قبل بضعة شهور، قررت لجنة الاستئناف في المحكمة العسكرية في منطقة الضفة الغربية أنّ البيت امتُلك قانونيًّا، لكنّ المستوطنين بحاجة إلى مصادقة وزير الأمن يعلون للسكن فيه، ولم يوقّع الوزير بعد على المصادقة. وكما ذُكر آنفًا، وصل ردّ النيابة بعد أن قدّم 14 فلسطينيًّا التماسًا إلى محكمة العدل العليا ضدّ منح الإذن.

في هذه الأثناء، صرّح وزير الأمن، موشيه (بوغي) يعلون، بخصوص الأحداث الأخيرة في الضفة خلال لقاء مع شبّان وجنود حاريديين: “تذكّرنا هذه الأحداث بحقيقة أننا مضطرون إلى الإمساك بالسلاح رغم كوننا شعبًا يسعى في أثر السلام”. وأضاف: “سيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي والقوى الأمنية العمل لوضع اليد على آخر إرهابي متورّط في هذه العمليات”.

ووقّع الوزراء نفتالي بينيت، أوري أورباخ، وأوري أريئل، وأربعة من وزراء الليكود بيتنا – عوزي لنداو، سوفا لاندفر، يائير شامير، ويسرائيل كاتس من الليكود أمس على رسالة إلى رئيس الحكومة نتنياهو تدعوه إلى إعادة النقاش في إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين على أثر العمليتَين في الأسبوع الماضي. وعنوان الرسالة هو “إعادة النقاش في الحكومة حول سياسة إطلاق سراح الأسرى”، وفيها كتب الوزراء: “نطالبك بجمع مجلس الوزراء في أقرب وقت، وذلك بهدف البحث في استمرار سياسة إطلاق سراح الأسرى على أثر التطوّرات الأخيرة”.

اقرأوا المزيد: 346 كلمة
عرض أقل