تُشير عملية استهداف يهودا غليك، وهو من الشخصيات البارزة في حركة “أمناء جبل الهيكل”، إلى مرحلة جديدة من مراحل تطور الصراع الديني في المدينة المقدسة. معروف عن غليك، ذو اللحية الحمراء الكثيفة، أنه يقود جولات داخل جبل الهيكل ويزور المكان كثيرًا كلما سنحت له الفرصة. تم إبعاد غليك كثيرًا، وخاصة في الفترة الأخيرة، عن جبل الهيكل وغالبًا بسبب إقامته للصلاة هناك وهو أمر مخالف للقوانين وخوفًا من أن تتسبب تصرفاته باندلاع أعمال عنف.
حمل غليك راية “حركة أُمناء الهيكل” بفخر، وهي الحركة التي تم تأسيسها في عام 1967، بعد احتلال منطقة حائط المبكى والحرم القدسي من الأردنيين، ووضعت الحركة أمام أعينها أن تقيم في جبل الهيكل هيكل سليمان الثالث واستعادة سيادة الشعب الإسرائيلي على كل مناطق أرض إسرائيل التاريخية. غالبية نشاطات الحركة، فعليًا، تتركز بمحاولة استصدار تراخيص لصلاة اليهود على جبل الهيكل، والتشديد على الصلاة الجماعية.
تمنع الشرطة رئيس الحركة منذ تأسيسها، غرشون سولومون، من دخول منطقة الحرم القدسي منذ عام 1990، حيث حاولت الحركة حينها وضع حجر الأساس للهيكل الثالث، الأمر الذي أدى لاضطرابات كبيرة في الأقصى وعموم القدس. يشدد، من ذلك الحين، كثيرون من الحركة على زيارة الحرم القدسي، ومن بينهم، كما ذكرنا، غليك أيضًا، وأيضًا نائب الكنيست الليكودي موشيه فيجلين، الذي لا يُعتبر رسميًا عضو في الحركة إلا أنه يدعم أهدافها بشكل واضح.
تعرض غليك في مساء يوم الأربعاء لإطلاق نار بعد خروجه من المؤتمر الذي نظمته الحركة تحت عنوان “إسرائيل عائدة إلى جبل الهيكل”. رن جرس هاتف غليك المحمول خلال إلقائه محاضرة هناك. أوقف غليك المحاضرة، بخلاف العادة، وقال للحضور إنه يعتذر، ولكن كلما تلقى مكالمة من مصدر غير مجهول عليه أن يرد، حتى وإن كان ذلك في وسط محاضرة، لأنه “لعل ذلك يكون النداء لبدء إقامة الهيكل الثالث”.
تُعتبر هذه الحركة، التي تحظى بدعم الكثير من اليهود حول العالم وأيضًا مسيحيين إنجيليين وتحديدًا في الولايات المتحدة، في إسرائيل كحركة يمينية متطرفة، وينظم نشطاء الحركة دائمًا مظاهرات ومؤتمرات في منطقة حائط المبكى، وأحيانًا كمحاولة للتسلق على بوابة جبل الهيكل، حتى رغم أن ذلك أمر منعته الشرطة. أعلن رفاق غليك في اليمين مثلاً، بعد أن تعرضه لإطلاق النار، أنهم في اليوم التالي سينظمون عملية دخول جماعية لليهود إلى جبل الهيكل وقاموا بدعوة الجميع للانضمام إليهم، إلا أنه خوفًا من الإخلال بالنظام قررت الشرطة أن تمنع الدخول إلى الحرم الشريف تمامًا على المسلمين واليهود.
لا عجب أن كثيرين في العالم الإسلامي وتحديدًا بين الفلسطينيين لا يحبون نشاط الحركة، على أقل تقدير. كون الأقصى يقف في أساس الخلاف بين الشعبين، حيث يدعي كل طرف ملكيته عليه، تاريخيًا، دينيًا وقوميًا، فتبدو أية محاولة للتأكيد على تلك الملكية أمرًا لا يتم تقبله بشكل جيد. يشدد الوقف الفلسطيني مثلاً، الذي يتمسك مع إسرائيل بالملكية على جبل الهيكل، على توظيف نساء وفتيات، يتم دفع أجورِ لهن، للجلوس عند المدخل المخصص لدخول اليهود إلى الباحة وإطلاق نداءات “الله أكبر” كلما دخل يهود إلى باحة الأقصى وتحديدًا عندما يكون أولئك اليهود ملتحين أو يضعون قلنسوة.
حظي غليك ذاته، من قبل الفلسطينيين، “بمكانة” معروفة كونه يهدد الملكية الحصرية للمسلمين على الحرم الشريف، وتم نعته بأكثر من مناسبة بـ “مهندس اقتحامات الأقصى”. تلقى غليك تهديدات كثيرة حتى قبل إطلاق النار عليه من قبل فلسطينيين وتوجه للشرطة، إنما يبدو أن ذلك لم يوصل لأية نتيجة. اتهم مسؤولون إسرائيليون، بعد عملية إطلاق النار هذه، ومن بينهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، محمود عباس والقيادة الفلسطينية بالتحريض على العنف الذي نتج عنه محاولة الاغتيال هذه.
يبدو الآن أن التوتر في القدس وصل إلى ذروته، مع رفع درجة التأهب إلى أعلى الدرجات، وكما سبق وذكرنا، تم منع الدخول إلى الحرم الشريف، ويبدو أن حل هذا الصراع المستمر منذ سنوات طويلة بعيد جدًا عن التحقق. حتى وإن تمكن اليهود مستقبلاً من الصلاة في باحة الحرم الشريف إلى جانب المسلمين، يبدو أن ذلك اليوم لا يزال بعيدًا جدًا.