رغم النقد الجماهيري والعيوب في الأمان التي ظهرت في مشروع المجمّع البيومتري، أعلنت وزارة الداخلية عن بدء التجربة الموسعة لتشغيل المجمّع البيومتري في إسرائيل. في إطار التجربة، التي تستمر عامَين، سيستطيع كل مواطن التوجه لأحد مكاتب وزارة الداخلية في شتى مناطق البلاد، لتقديم البصمات وملامح الوجه – والحصول بالمقابل على بطاقة هوية أو جواز سفر حكيمَين. خلال فترة التجربة، لن تستطيع وزارة الداخلية إلزام المواطنين بتقديم معلومات بيومترية، ولن تصدر الوثائق الحكيمة للمواطنين الذين يرفضون تقديم معلومات كهذه.
إلى جانب الانتقاد لإقامة مجمّع بيومتري في إسرائيل بحد ذاتها، فإنّ الانتقال لاستخدام بطاقات هوية حكيمة له عدد من الحسنات المهمة المتوقعة، كما يدّعي مؤيدو المشروع. فيُفترض أن يقلل بشكل كبير من تزوير بطاقات الهوية وجوازات السفر في إسرائيل. فحسب معطيات تنشرها وزارة الداخلية الإسرائيلية، المسؤولة عن إصدار بطاقات هوية وجوازات السفر، يُستبدَل أو يُصدَر كل سنة نحو 600 ألف بطاقة هوية وجواز سفر، ويُزوَّر كل سنة 50 ألف وثيقة على الأقل. يُفترَض أن يستجيب التوثيق البيومتري لشتى طرق التزوير المعروفة اليوم، ومنع التزوير في السنوات الـ 20 القادمة.
إضافة إلى ذلك، يُفترَض أن تتيح الوثائق الجديدة للمواطنين الحصول على عدد من الخدمات عبر الحاسوب في البيت، بما فيها دفعات الكهرباء والدخول للحسابات المصرفية – ستُنجَز عبر إدخال البطاقة الحكيمة لقارئ خاص يوصل بالحاسوب البيتي، ويتيح التأكد المطلق من هوية المستخدِم.
لكن تحقيقا خاصا بأخبار القناة الثانية يكشف سهولة تزوير وثائق بيومترية. ففي إطار التحقيق، نجحت مراسلة القناة الثانية أن تصدر بطاقة هوية بيومترية على اسمها لقريبتها، رغم أن لا شبه كبيرًا بين الاثنتَين.
ردُّا على التحقيق، دعت حركة الحقوق الرقمية إلى إيقاف تجربة المجمّع البيومتري فورًا. وقال المستشار القانوني للحركة، يهوناتان كلينغر، أنهم “أقنعونا أنّ المجمّع البيومتري سيحمي هويتنا، ويبدو الآن أنّ هذا المجمّع تحديدا يتيح للمزوّرين فرصة لسرقة هويتنا بسهولة شديدة”.
وهاجم الوزير السابق ميخائيل إيتان، الذي يُعدّ أحد أشد المعارضين لإقامة مجمّع بيومتري في إسرائيل، قرار بدء التجربة. “إنه صراع على شخصية دولة إسرائيل. هل نكون دولة حرة، تحمي خصوصية مواطنيها، مثل الدول المستنيرة في العالم، أم نتحول إلى الدولة الأولى في العالم في ملاحقة مواطنيها؟”.
مئير شتريت يعرض مشروع المجمع البيومتري (Flash90/Lior Mizrahi)
“يجري الحديث عن تجربة خطرة للبشر”، حذّر أمس المحامي يهوناتان كلينغر، المستشار القانوني لحركة الحقوق الرقمية. فحسب قوله، “على مواطني إسرائيل أن يعرفوا أنّ مَن يعطي بصمته للمجمّع البيومتري يهدّد خصوصيته، وينضم إلى خطوة قد تعرّض أمن الدولة للخطر أيضًا”.
ويدور أساس الانتقاد للمشروع حول خطر تسرّب المجمّع البيومتري، الذي يجمع معطيات تتعلق بهوية جميع مواطني إسرائيل.
كان يُفترض أن يبدأ مشروع المجمّع البيومتري قبل سنتَين، لكن دخوله حيز التنفيذ تـأجل بسبب تمديد إجراءات التشريع، والاستئناف الذي قُدّم إلى المحكمة العليا من قبل جمعية حقوق المواطن وجرى رفضه.
وتعتزم السلطة الفلسطينية أيضًا إقامة قاعدة بيانات بيومترية. بدءًا من السنة القادمة، ستُصدر السلطة لمواطنيها جوازات سفر حكيمة يشفّر فيها الباركود كل المعطيات الشخصية لأصحابها، بما فيها بصمات الإصبع، نوع الدم، وقرنية العين، كما أعلن وزير الداخلية في السلطة الفلسطينية، حسن علوي.
قبل نحو سبع سنوات، فيما كان الحديث عن إقامة قاعدة بيانات بيومترية في إسرائيل، بدأت الدولة بإلزام الفلسطينيين بإعطاء بياناتهم البيومترية (القرنية وبصمة الإصبع)، لإصدار بطاقة ممغنطة ترافق بطاقة الإقامة الخاصة بهم. دون البطاقة الممغنطة، لا يمكنهم الحصول على تصريح للعمل في إسرائيل. يشجّع المدير المدني المواطنين الفلسطينيين الذين لا يعملون في إسرائيل على إصدار بطاقة ممغنطة، ما يعني تقديم بياناتهم البيومترية، موضحًا أنّ الأمر يسهّل حصولهم على تصاريح لدخول إسرائيل.
وإلى أصوات المعارضين والانتقاد للنائب مئير شطريت، المبادر إلى القانون، انضمت معطيات اقتصادية مقلقة بخصوص نفقات الإقامة. وتتراوح التقديرات بخصوص النفقات بين 270 مليون شاقل (نحو 73 مليون دولار) – المبلغ الذي خُصّص لتطبيق مشروع بطاقات الهوية الحكيمة، على أساس المناقصة التي فازت بها شركة HP، وبين مليار شاقل.
في بريطانيا، يجري اليوم النقاش حول مبادرة مماثلة، وقد قدّرت ال-London School of Economics (جامعة عامة تعمل في لندن، وتهتم بعلوم الاجتماع) أن نفقات المبادرة البريطانية ستصل إلى 10.6 مليار جنيه إسترليني (نحو 67 مليار شاقل).
يُذكَر أنه قبل فترة قصيرة، انتشرت فضيحة PRISM التي أثارت العالم أياما عديدة – فقد جمعت الولايات المتحدة، الديموقراطية الأعرق والأكبر في العالم، بغطاء من قانون وأوامر سرية، معلومات عن مواطنين من العالم عبر خدمات البريد الإلكتروني، شبكات التواصل الاجتماعي، وباقي المعطيات الرقمية بادعاء أن المعلومات جُمعت بهدف مكافحة الإرهاب
رغم وعود سلطة إدارة قاعدة البيانات البيومترية بأنها ستأخذ كل الاحتياطات، ثمة خشية من أن تكون هدفا للاختراق بسبب كبرها وعدد الأشخاص المطلوبين لصيانتها. بدءًا من لحظة جمع المعطيات في مكاتب وزارة الداخلية، مرورًا بنقلها لقاعدة البيانات، حفظها هناك وإصدار بطاقات الهوية، يمكن أن تكون القاعدة معرضة لعوامل داخلية وخارجية تعرضها للخطر نتيجة الإهمال أو عن عمد.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني