على شاطئ البحر، خلال يوم متعب في العمل، في رحلة مع الصديقات أو الأصدقاء أو في البيت فقط؛ ترغب النساء دومًا في أن تظهرنَ برّاقات ومميّزات. بعضهنّ ينفقن الساعات الطوال لوضع الماكياج أمام المرآة، ليرتدين نماذج لأفضل مصمّمي الأزياء، وبعضهنّ ببساطة يزدنَ من مساحة تقويرة منطقة الصدر من الفستان بشكل لا لبس فيه. ومن بين جميع هؤلاء هناك نساء يخترن (وأحيانًا الرجال أيضًا) حلّا آخر، وهو منذ فجر التاريخ، أثبت نفسه كمغناطيس طبيعي للفت الانتباه، فيتحوّلن فجأة إلى شقراوات.
يمكن للمرء أن يتجادل حول العلامة المميّزة التي ينسبها المجتمع للنساء الشقراوات، سواء كان رمزًا للبراءة، للعذرية والطفولة أو حتّى سمة مميّزة للهيبة والرقيّ، ولكن يبدو أنّه يمكن الاتفاق على شيء واحد بشكل كبير؛ الرجال يفضلون الشقراوات لسبب من الأسباب. الشقراوات هنّ النجمات الرئيسيّات في تخيّلات الذكور. وقد يكون هذا هو السبب أيضًا أنّنا يمكننا أن نجد في عالم النجومية الكثير من النساء اللواتي يتقيّدن باللون الأشقر الأبدي طوال فترة عملهنّ.
إذن فما هو لون الشعر الأشقر في الحقيقة؟
الشقراوات رمزًا للبراءة والطفولة ؟ (Flash90Chen Leopold)
لون الشعر الأشقر هو اللون الذي يتمتّع به بعض البشر وبشكل شبيه بالشعر الأحمر، وهو يتّسم بمستوى منخفض من صبغة الملانين، ومستوى مرتفع من صبغة الفيوميلانين. من اللون الأشقر الغامق حتى الأشقر الباهت، هنالك درجات لون أشقر بشكل طبيعي على رأس عدد أقلّ بقليل من 1.8% من سكّان العالم. يتمتّع ذوو لون الشعر الأشقر الأصلي بشعر دقيق، بينما يتمتّع أصحاب الشعر الأحمر بالشعر الأكثر غلظة.
من أين جاءت كلمة الأشقر (بلوند)؟ نحن نسمعها بلا نهاية في اللغة الإنجليزية ولكن يعود أصلها إلى اللغة الفرنسية. وتستخدم الكلمة أيضًا في تسمية أشياء يذكّر لونها بلون الشعر الأشقر، مثل الشجر أو من أنواع الجعة .
يعتبر اللون الأشقر شائعًا جدّا في المجتمعات الأوروبية، والذي يُشار إليه أحيانًا كميزة أوروبية فريدة من نوعها، ولكن التميّز هو في انتشاره هناك.
واستنادًا إلى المعلومات الوراثية، فمن الممكن الافتراض أنّ اللون الأشقر هو نتاج طفرة جينية انتشرت في أوروبا قبل نحو 11,000 – 10,000 عام، في العصر الجليدي الأخير. قبل ذلك، كان للأوروبّيين شعر وعينان بنيتان وداكنتان، مثل بقيّة العالم. ولم يجد العلماء حتى الآن جوابًا للسؤال لماذا تطوّر سكّان الشمال الأوروبي ليكونوا أصحاب شعر أشقر وعيون فاتحة بهذه السرعة، بالنسبة إلى معدّل التطوّر البشري.
هوليوود ذوو اللون الأشقر
مادونا الشقراء (Flash90\Kevin Mazur)
لو فكرتم في ذلك، فإن جميع اللواتي يتصدّرن الشاشات هن الشقراوات، وتشكّلن أكبر رمزًا للجنس: مارلين مونرو، بريجيت باردو، باميلا أندرسون ومادونا فقد كنَّ ذوات شعر بنّي، فصبغنَ شعورهنّ للّون الأشقر ثم أصبحنَ نجمات. هناك القليل من الشقراوات ذوات اللون الطبيعي، مثل بريتني سبيرس مؤخرًا، اللواتي قمن بالمسار المعاكس وانتقلنَ من اللون الأشقر إلى لون الشعر الداكن أو إلى اللون الأحمر.
يمثّل اللون الأشقر الفخامة، البريق، ولا يوجد امرأة تقريبًا لا تحلم بأن تتحوّل إلى شقراء حتى ولو لفترة قصيرة في حياتها. المزيد والمزيد من النساء اللواتي يقرّرن التحوّل إلى الشقراوات، وخصوصًا مع قدوم الصيف، فهذا يرتبط مع شعور عذب ومشعّ، وهو يتلاءم مع لون الجلد الباهت، وينقل رسالة مثيرة وطفولية في نفس الوقت.
لماذا يفضّل الرجال الشقراوات؟
الكاتبة الأمريكية أنيتا لوس هي المشتبه به الأساسي في نشر هذه المقولة التوافقية الشعبية الحالية بأنّ الرجال يفضّلون النساء الشقراوات على النساء ذوات لون شعر آخر.
كانت أنيتا لوس مؤلّفة وكاتبة سيناريو شهيرة أيام “الجيل الضائع”، أو “جيل الجاز”، لسنوات العشرين من القرن الماضي، وهي حقبة أخرى كان فيها الكتاب والشعراء هم الأكثر شهرة. كتبت أنيتا لوس سيناريوهات لمشاهد هوليوودية في ذلك الوقت. ومثل كتّاب آخرين كثر في زمانها، فقد كانت عضوًا في أوساط أدبية مختلفة، بما في ذلك الأوساط الأدبية في نيويورك وأوساط المغتربين الأمريكيين في باريس.
كانت لوس وأصدقاؤها من أبناء الجيل الضائع، هم المغذيات الرئيسية لنمط الحياة البوهيمي في العصر الحديث. لقد عاشوا بين المطعم والمقهى وبين لوس أنجلوس، نيويورك، باريس والريفيرا الفرنسية. كانت لوس مرآة عصرها وكان من الطبيعي بأن يأتي يوم تعبّر فيه عن أقوالها في كتاب “الرجال يفضّلون الشقراوات”، وهو من أكثر الكتب التي كتبتها مبيعًا، والذي على ما يبدو قد أورث الاعتقاد بأنّ اللون الأشقر برّاق، ومميّز وطفولي ولكنّه ماكر. وسرعان ما أصبحت نجمات هوليوود الأوليات شقراوات وشابات عملاقة في السينما، وشيئًا فشيئا ترسخت هذه الثوابت: الأشقر هو شيء خالد وهو هنا من أجل نيل إعجاب الرجال.
ولكن اتّضح أنّ حماستنا للشقراوات (والشقر) قديمة. فقد وصفت بعض الآلهة في اليونان القديمة بالشعر الفاتح وبعضهم كشقر، ولكن في الأوديسا التي كتبها هوميروس، على سبيل المثال، رغم أنّ معظم الشخصيات موصوفة بأنّها ذات شعر داكن، إلا أن جميع الأبطال وُصف شعرهم أنه كان أشقر اللون. الإسبارطيّون وملكهم منلاوس وُصفوا كذلك بأنّهم شقر.
ولكن في روما القديمة، كانت الأشياء أكثر تعقيدًا. فالكثير من الشخصيات التاريخية في روما وصفت بأنّها شقراء. نحو 250 من تلك الشخصيات التاريخية حملت الاسم فلابيوس، والذي يعني “ذو الشعر المشرق”. ولكن الغريب في تلك العصور الأولى لروما القديمة أنّ الكثير من هؤلاء الشقر اعتادوا على صبغ شعورهم بألوان داكنة أكثر لأنّ اللون الأشقر اعتبر لونًا إشكاليّا في ذلك العصر وارتبط أكثر من مرّة بالدعارة. وبدأ التغيير حين أدخلت الثقافة اليونانية لروما الأكسدة (ملاحظة هامشية: فن صبغ الشعر هو فنّ قديم، وقد كانوا يعرفون في اليونان القديمة التعامل مع العديد من أنواع الخلطات النباتية، مثل الحنّاء، بهدف تغيير لون الشعر).
في وقت لاحق، بعد غزو بلاد الغال (فرنسا اليوم) وجلب العبيد الغاليين إلى روما، بدّلت النساء النبيلات الرومانيات الأكسدة اليونانية – التي أدت أكثر من مرة لفقدان الشعر – بشعر مستعار من شعور العبيد والإماء الشماليين.
هل الأشقر النمطي، غبيّ؟
تعود الشقراء إلى المنزل بتأخير من عدّة ساعات. يسألها والدها لماذا تأخّرتِ كثيرًا؟ وتجيب الشقراء “لا تسأل، كان هناك انقطاع في الكهرباء في المجمّع التجاري، واستغرق منهم ساعات من أجل إنقاذي من الدرج المتحرّك”…
تجبرنا العولمة ليس فقط على اعتماد أنماط استهلاك موحّدة فحسب، وإنّما كذلك سمات موحّدة، فالشقراء تمثّل الحماقة الأمريكية وبالتالي فهي كذلك الغبية عالميًّا. ”الشقراء الغبية” اخترقت مجال الصور النمطية في منتصف القرن العشرين مع نجمات هوليوود مثل مارلين مونرو واللواتي لعبنَ أدوار نساء ساذجات بشكل كوميدي.
ووفقًا لبعض الدراسات، فإنّ الشعر الأشقر سمة من سمات الأطفال الصغار، يؤدّي بالناس إلى الإحساس بمشاعر الأبوّة والمودّة والرغبة في الحماية. اقتران هذه الميزة بالأطفال هو ربما أيضًا السبب في تشكيل الصورة النمطية الغربية التي تعزو الغباء للنساء الشقراوات.
الممثلة الأمريكية الشقراء مارلين مونرو (Wikipedia)
وهناك أيضًا تفسيرات فيسيولوجية شوفينية: ففي الكثير من الأحيان يشكّل الشعر الأشقر مكوّنًا في المظهر في الشمال الأوروبي عمومًا، فيما عدا الشعر الفاتح والعينين الزرقاوين، أيضًا الشفاه الرقيقة، الفكّين الناعمين والذقن الصغيرة، الخصر الضيّق والوركَيْن الواسعين. وهو ما يعتبر مظهرًا أنثويّا أكثر وضوحًا من نساء الشعوب الأخرى. ماذا نفعل، فالثقافة الأبوية لم تعط الكثير من الفضل لحكمة المرأة. “المرأة ينقصها العقل” ينصّ التالمود ويحدّد بذلك إجماعًا شوفينيًّا. وبناءً على ذلك، كلّما كانت المرأة أكثر “أنثوية” ينسب إليها الفجور الجنسي والغباء بشكل أكبر.
تظهر التجربة اليومية أنه لا يوجد علاقة كبيرة بين لون الشعر والذكاء أو الخصائص الأخرى، ولكن من يبحث كثيرًا سيجد علاقة ما. أظهر أحد الأبحاث أنّ الأطفال ذوي الشعر الفاتح يميلون أكثر للخوف من الحالات غير المألوفة والأشخاص الغرباء. إنّ الهرمون اللازم لإنتاج الميلانين في بصيلات الشعر يتم إنتاجه من نفس المواد المستخدمة في خلايا المخّ لإنتاج الإندورفين وهو “مسكّنات” طبيعية. وقد أظهرت الاستطلاعات أنّ من بين أولئك الذين يعانون من التأتأة فالمشكلة الأكثر حدّة هي لدى الشقر. ومع ذلك، فالنكات حول الشقراوات تصرّ على الغباء وليس الخوف، القلق أو التأتأة، حيث من الصعب أن نرى في هذه الاختلافات أساسًا متينًا للمقوّلبات.
هل يناسب الجميع أن يكون لون شعرهم أشقر؟
اللون الأشقر لا يناسب الجميع للأسف الشديد (Flash90\Doron Horowitz)
لا يبدو ذلك. من المفضّل ألا نبثّ رسالة رخيصة، فاللون الأشقر يجب أن يتلاءم مع لون بشرة الشخص. من المهمّ أن نشخّص جيّدًا لون البشرة ولون الشعر قبل صبغه. هناك ألوان وأنواع عديدة من اللون الأشقر، ويجب أن تتحقق الملاءمة التامة بين لون الجلد ولون الشعر، غير ذلك سيوحي اللون الأشقر بشيء مزخرف وصارخ. فالمرأة صاحبة الشعر الأسود، على سبيل المثال، ستكون مخطئة فيما لو انتقلت للون الأشقر بشكل حادّ دون مراحل أولية. فضلًا عن ذلك، لا يُنصح أصحاب الصبغة السوداء بصبغ شعورهم باللون الأشقر الساطع جدًا، لأنّ الشعر سيبدو حينذاك محترقًا وليس أنيقًا.
على أيّة حال، إذا كان هناك من تريد أن تجتاز الخطوط وتصبح شقراء، فمن المستحسن عمل ذلك في صالون حلاقة، مع المواد المناسبة، وعدم الاكتفاء بالألوان المعروضة للبيع في السوبر ماركت بأنواعها المختلفة. ولأنّ الانتقال للون الأشقر يتمّ من خلال استخدام مواد كيميائية مركّزة، فمن المهم عمل ذلك عند مصفف شعر مهني، وذلك لتجنّب الأضرار الخطيرة بالشعر.
في الوقت الراهن، يبدو أنّ اللون الأشقر سيبقى. سواء اخترتم أن يصبح لون شعركم أو شعركن أشقر، أو استمرت صناعة الأفلام ووسائل الإعلان في نسبة الطابع الطفولي، الجاذبية الجنسية، الحدّة، الغباء أو الجرأة لذوي اللون الأشقر، فسيتمر الكثير من الناس حول العالم في المناقشة يوميًا إنْ كان من المفضّل تغيير لون الشعر للأشقر والوقوف على طبيعة الشقر والشقراوات.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني