ليس هناك خلاف على أنّ أسلوب قيادة بنيامين نتنياهو قد تغيّر مع السنين. تحوّل من رئيس حكومة شابّ، كانوا ينظرون إليه نظرة شخص متهور، إلى أحد القادة المخضرمين والأكفّاء في دولة إسرائيل.
حتى نحاول رؤية كيف يوجّه نتنياهو السفينة الإسرائيلية خلال عملية “الجرف الصامد” التي بدأت أمس، علينا أن نفحص كيف كان أداء نتنياهو في جولات المواجهة السابقة مع الفلسطينيين.
جاء الامتحان الأول لقيادة بنيامين نتنياهو بعد أشهر قليلة من اختياره رئيسًا لحكومة إسرائيل عام 1996. أعلن رئيس الحكومة نتنياهو في عطلة العيد الإسرائيلية المقدسة ليوم الغفران، وكان حينذاك في سنّ 47 عامًا ودخل إلى وظيفته قبل أسابيع معدودة من ذلك، عن افتتاح نفق في البلدة القديمة في القدس وقد عرف باسم “نفق الحائط الغربي”.
لم يمرّ هذا النفق المتاخم لموقع الصلاة في الحائط الغربي وساحة المسجد الأقصى، إطلاقًا تحت المسجد. حتى عام 1996 كان النفق مفتوحًا من جهة واحدة فقط، وكان يسير زواره به حتى نهايته، وبعد ذلك يستديرون ويعودون أدراجهم. في أعقاب قرار نتنياهو فُتح النفق من الجانب الآخر أيضًا، والذي يتجه نحو الحيّ الإسلامي.
غضبت القيادة الفلسطينية من الخطوة، وفسّرتها بالخطأ بأنّها محاولة إسرائيلية لإلحاق الضرر بالأقصى. خلال يوم بدأت مظاهرات عنيفة بالانتشار في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. وصلت صلوات الجمعة في ذلك الأسبوع، في 27 أيلول عام 1996، إلى ذروة جديدة من العنف. قُتل نحو 17 جنديّا إسرائيليًّا ومائة فلسطيني في المواجهات التي اندلعت.
تكرّرت الانتقادات لاستهتار نتنياهو وسوء تقديره في كلّ النظام السياسي في إسرائيل والعالم. دعيَ الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، إلى التوسّط بين الطرفين. نجحت محادثة هاتفية فقط بين رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات وبنيامين نتنياهو في تهدئة النفوس، ولكن لا يزال مضمون تلك المحادثة غامضًا.
عرفات، نتنياهو وكلينتون (PAUL J. RICHARDS / AFP)
زعم رجال نتنياهو أنّ رئيس الحكومة هدّد عرفات بأنّه لو لم يهدّئ الساحة، فستهاجم إسرائيل مدن الضفة الغربية بالدبّابات. وبالتباين، زعم رجال المنظومة الأمنية الإسرائيلية أنّ نتنياهو نقل لعرفات رسالة تصالحية، جاء فيها أنّ وجهة إسرائيل ليست نحو التصعيد. في جميع الأحوال، فقط بعد المحادثة الهاتفية، توقف تبادل إطلاق النار بين الطرفين.
نتنياهو الذي تحدّث في الماضي عن “تحطيم حماس” تذكّر بعد أن تولّى من جديد منصب رئاسة الحكومة أنّ الحكمة السياسية سابقة لاستخدام القوة العسكرية
حسب المحلّلين، نتنياهو في الولاية الثانية لا يشبه الرجل الذي كان في الولاية الأولى. بدّل رجلٌ كبير السنّ ذلك الرجلَ الشاب والمتهوّر، رجلٌ رصين ومسؤول لا يسارع في إعطاء الجيش الإسرائيلي أوامر شن حرب.
قبل كلّ شيء، فالذي تغيّر هو الوضع السياسي. كان على نتنياهو عام 1996 أن يواجه السلطة الوطنيّة الفلسطينية برئاسة عرفات. بالمقابل، ففي عام 2012 وقف أمام حركة حماس، وهي تنظيم يطمح بوضوح إلى القضاء على إسرائيل ويطلق الصواريخ بهدف معلن لإلحاق الضرر بالسكان المدنيين.
ولكن الصواريخ الـ 1,500 التي أطلقتها التنظيمات الفلسطينية من قطاع غزة لم تجعل نتنياهو يرتبك أو يفقد صوابه، ولم ينجرّ إلى تصريحات متطرّفة للقضاء على كلّ البنية التحتية لتنظيم حماس في قطاع غزة.
هذا مقابل عبارات أخرى أطلقها نتنياهو عام 2008، قبل أن يعود إلى منصب رئيس الحكومة. هناك من يزعم أنّ تعاون نتنياهو مع صديقه المقرّب إيهود باراك الذي كان حينذاك وزير الدفاع هو الذي أثّر عليه وزاد من اعتداله.
قارن مراسل صحيفة “هآرتس” باراك رافيد، بين تصريحات نتنياهو عام 2008، حين أدار رئيس الحكومة السابق عملية “الرصاص المصبوب” ضدّ حماس، وبين أفعال نتنياهو كرئيس حكومة عام 2012: “تحطّم التشدد على أرضية الحاضر. لم يبقَ من الخطب الحماسية سوى فهم حدود القوة”، كما كتب رافيد حينذاك.
في الواقع، فإنّ نتنياهو الذي تحدّث في الماضي عن “تحطيم حماس” تذكّر بعد أن تولّى من جديد منصب رئاسة الحكومة أنّ الحكمة السياسية سابقة لاستخدام القوة العسكرية.
لا يزال نتنياهو عام 2014 هو القائد المعتدل والرصين، الذي لا يسارع في اتخاذ خطوات تؤدي إلى اشتعال الساحة.
بنيامين نتنياهو وموشيه يعالون (Haim Zach/GPO/Flash90)
وقد بدا في الأسابيع الماضية أنّه يعمل بكلّ ما يمكنه كي لا ينجرّ من جديد لعملية مشابهة لـ “عمود السحاب” التي أدارها عام 2012، في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط للثأر لوفاة الشبان الثلاثة الذين اختطفوا في الضفة الغربية وللرد على إطلاق الصواريخ.
يبدو أنّ حماس تريد اختبار حدود نتنياهو، وأن تنظر متى يتوقف عن الكبت. حتى القائد الذي يعرف حدود القوة العسكرية يعلم أنّه في مرحلة معيّنة يكون من الواجب عليه إعطاء أوامر البدء بالقتال. ولا شكّ الآن أنّ نتنياهو سيلزم حماس بدفع ثمن ثقيل على عدم احترام وقف إطلاق النار.
ومع ذلك، فالاحتمال لأن نشاهد في الأسابيع القادمة عملية عسكرية تقضي على البنية التحتية لحماس هو احتمال ضعيف. السؤال الآن هو ماذا ستكون قوة الضربة، وماذا سيكون الدرس الذي ستتعلّمه حماس منها.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني