سوق محانيه يهودا (Flash90Sarah Schuman)
سوق محانيه يهودا (Flash90Sarah Schuman)

بين الجديد والقديم – أسواق القدس

انطلقنا برحلة ملهمة داخل مراكز التسوق الشعبية في البلدة القديمة وفي محانيه يهودا. أكلنا حلاوة رائعة وكنافة لذيذة، احتسينا القهوة الحارة وتحدثنا مع الباعة، لنعرف ما الذي يميّز سوقهم

07 مارس 2014 | 10:34

للقدس أوجه عديدة، قد تختلف الأفكار والاعتقادات حولها من شخص لآخر ومن منطقة لأخرى. تختلف أيضًا الآراء فيما يخص أنواع الأسواق: هناك من قالوا بأن السوق في محانيه يهودا – القريب من الشارع الرئيسي غربي المدينة، شارع يافا – يقدم تجربة كاملة، تامة، للمتجوّلين في أروقته؛ وبشكل شبيه، هناك من يفضلون السوق في البلدة القدمية، بين الأسوار، رغم أنه أقل عناية وحداثة، وذلك ربما لأنه يعرض الكثير من المنتجات لمن يقصدونه للتسوق.

سوق باب العمود البلدة القديمة (Flash90/Sliman Khader)
سوق باب العمود البلدة القديمة (Flash90/Sliman Khader)

لا يمكننا الحسم في السؤال الصعب، والذي يجعل العائلات يوم الجمعة تفترق، حيث يمكن أن يشتري أحد الأخوة نوع الجبنة الذي أدمن عليه من دكان “باشر” في محانيه يهودا، وأخ آخر يتناول طبق الحمص الذي يشتهيه من محل بيع الحمص “لينا” الشهير. لكن ذلك أثار فضولنا وخرجنا للتجوّل في الأسواق، بهدف رصد أماكن ملفتة، لنسمع من أصحاب منصات البيع والمتاجر كيف ينظرون هم أنفسهم للفوارق ولكي نفتح لكم نافذة على هذا العالم البهي والمشوّق.

بدأنا يومنا من سوق محانيه يهودا، في ساعات الصباح الباكر، بينما كان المكان لا يزال لا يعج بالناس. الباعة، التجار والعاملين يفرغون الحمولة الطازجة التي وصلت للتو، يوزعونها ويرتبونها على منصة البيع ويتنحنحون، تحضيرًا للقادم من اليوم. ومع تعاظم سيل المتسوقين، تبدأ الجلبة ووسط صرخات مختلفة وغريبة تحاول كل منصة بيع جذبهم إليها. والموجود في ذروة نشاطه وهمته، في الساعة العاشرة، هو روني باراك، بائع في “مملكة الحلاوة”. يجذب كعك الحلاوة العين وتملأ رائحة السمسم والطحينة الخام الهواء، وحين يدعوني روني للتذوّق لا يمكن أبدًا مقاومة ذلك.

روني باراك، بائع في "مملكة الحلاوة"
روني باراك، بائع في “مملكة الحلاوة”

ربما تختلف الحلاوة عن مذاقها العادي الدارج، والغنية بالنكهات. يستعجل روني بالشرح: “هذه أطيب حلاوة في العالم لأننا نستخدم 80% من السمسم و 20% من السكر، بخلاف النسب الدارجة. لذا، تكون الأسعار أيضًا وفقًا لذلك”. سألناه كم مضى على وجود هذا المكان، وقال لنا إنه يعمل هنا منذ 5 سنوات، ولكن المكان ذاته أسس عام 1947، في سوق البلدة القديمة. اهتممنا بمصدر الطحينة والسمسم، وأشار روني بابتسامة إلى متجر يبعد 15 مترًا، هناك حجر رحى عمره 170 سنة يطحن السمسم العضوي الكامل، الأثيوبي الأصل، لاستخراج زيت الطحينة الخام. يتابع كلامه بالحديث عن الـ 101 نوع من الحلاوة المختلفة التي تباع في المحل، بينما الأشهر بينها هي حلاوة حبوب القهوة – “حلاوة الملك”، مع 10 أنواع توابل، والتي تنافس بقوة في المسابقات التي تقام في تركيا.

101 نوع من الحلاوة مختلفة  تباع في مملكة الحلاوة
101 نوع من الحلاوة مختلفة تباع في مملكة الحلاوة

وقبل أن يضع روني قطعة أخرى في أفواهنا، قررنا أن نتابع طريقنا. منصة بيع الفواكه والخضراوات التي تملكها عائلة مزراحي موجودة في شارع جانبي، ورغم ذلك ورغم أنه لم تحن بعد ساعة الظهيرة، يدخل المتسوقون ويخرجون بإيقاع يتسارع شيئًا فشيئًا. ألوان الخضراوات مثيرة جدًا وتنبعث روائح الفواكه لمسافات بعيدة، وبدأنا ندرك لماذا يتكلف الناس عناء السفر من كل أنحاء المدينة إلى السوق للحصول على البضاعة الطازجة والمميّزة. تطوع روعي مزراحي، الذي يدير المشروع العائلي، ليعطينا زاوية رؤية إضافية بخصوص الموضوع: “ما المميّز بالسوق؟ محانيه يهودا هو شعب إسرائيل، تشتري كل الأوساط من هنا. متديّنون وعرب، متديّنون متزمتون وعلمانيون”. حسبما قال، المكان موجود منذ 40 عامًا، والسوق كان دائمًا مكان يطيب العمل فيه. إلا أنه بعد التغييرات في السنوات الأخيرة، “العمل في السوق هو فخر كبير”.

تتضمن التغييرات التي قصدها روعي نظافة السوق وزيادة المراقبة على إخلاء القمامة، وتحويل جزء من السوق إلى مكان مسقوف وفتح المطاعم والمقاهي التي تجذب السياح من إسرائيل والعالم. من هذه الناحية يمكن القول بأن السوق فقد القليل من أصالته – عبارة ستتكرر كثيرًا خلال زيارتنا إلى المدينة القديمة – لكسب المزيد من الزوار الذين كانوا يقلقون بسبب الأوساخ والاكتظاظ، والآن يمكنهم دخول موقع الإنترنت ورؤية الكم الكبير والمنوّع من المعروضات، خاصة فيما يخص المجال المتعلق بالمطبخ. ودعنا روعي، الذي كان قد انتهى للتو من تقشير حبة الماندارين وأخذ له شريحة (“نوع الفاكهة المحبب بالنسبة لي، نوع اسمه “أور” الخاص بإسرائيل ويُصدّر إلى أوروبا بكميات كبيرة”).

قبل أن نركب القطار الخفيف وننطلق باتجاه باب العامود، توجهنا إلى مكان جميل جدًا، السوق العراقي. نتحدث عن بضعة شوارع صغيرة تتوزع فيها منصات بيع ومطاعم يملكها أشخاص من أصول عراقية، ومن النظرة الأولى يمكننا أن نميّزها عن شوارع السوق عمومًا. يتبدد الشعور بالازدحام ليتحوّل إلى إحساس بالسفر عبر الزمن. يجلس في الخمارة المركزية قدماء السوق، يشربون الشاي والقهوة، ويدحرجون أحجار الشيش ـ بيش ويلعبون الورق. تنظر ميخال زكاي، مالكة المطعم المقابل “ميخالي”، باتجاه الخمارة بابتسامة وتقول “جميل أن يكون هناك ما يشغلهم طوال النهار. إنهم هنا منذ سنوات، بالنسبة لكم هذا عصر آخر”.

قدماء السوق، يشربون الشاي والقهوة، ويدحرجون أحجار الشيش ـ بيش ويلعبون الورق
قدماء السوق، يشربون الشاي والقهوة، ويدحرجون أحجار الشيش ـ بيش ويلعبون الورق

نجلس حول الطاولة، وتحكي لنا ميخال كيف وصلت لإدارة مطعم الطبخ في السوق. “نشأتُ في حي نحلاؤوت المجاور، ومرضت أمي وأنا صغيرة، ووجدتُ نفسي أشتري وأطبخ لست أخوات. تعلمت أسس الطبخ من جدتي السورية ومن جدي القادم من كردستان – الكبة وورق الدوالي التي أحضرها أصلها من هناك”. الموقع الجانبي لا ينبع من حس رومانسي. “نظرًا لأن السوق تحوّل إلى مكان سياحي وناجح، ارتفعت الأسعار بما يتلاءم مع ذلك والمتجر الصغير إيجاره يعادل إيجار شقة، في الحقيقة”. كانت تُسهبُ بالحديث وتوقفت عن الكلام، لتسأل الطباخ، الذي اسمه مهدي، عن وضع الأرز. تشغل لديها شبانًا عربًا خلال الأسبوع، وتهتم بأن تعاملهم على أنهم كأفراد عائلتها. “أقول للعمال إن هذا المكان هو لكم أيضًا. إن قدم أحدهم الطعام لعمه ولم يأخذ منه مقابل ـ لا أتدخل بذلك”.

طبق الكبة الحمراء الخاص بميخال
طبق الكبة الحمراء الخاص بميخال

تركنا أماكننا على الطاولة وودعنا ميخال. بالطريق إلى سوق البلدة القديمة، احترنا إن كان ذلك الخليط الحضاري وخليط اللغات التي نسمعها من جهة منصات البيع المختلفة هي ما يميّز سوق محانيه يهودا. مع وصولنا إلى باب العامود، بعد أن مررنا من أمام مطعم الحمص الشهير “عكرماوي”، شعرنا بالفارق الكبير، بشكل مباشر تقريبًا. السوق كبير ويمتد على مسافة شوارع طويلة – مسقوفة – والتي تصل إلى مركز البلدة القديمة. قبل أن ندخل أجمة المتاجر الكثيفة التي تبدو لا نهائية، ملأت رائحة قهوة قوية مطحونة أنوفنا. تقدمنا بثقة من متجر “السحيمان” وهناك استقبلنا مأمون، جيل ثالث من محمصي القهوة.

متجر "السحيمان"- محمص القهوة الشهير في البلدة القديمة
متجر “السحيمان”- محمص القهوة الشهير في البلدة القديمة

“نحن هنا من عام 1921، بعد مدة سنحتفل بمرور مائة عام وبدأنا بترتيب الاحتفال”، تكلم بفخر. جده، محمود، أنشأ المشروع ومذاك بقيوا في هذا المكان الاستراتيجي، في مدخل السوق تمامًا. يأتي إليه الزبائن خصيصًا من خارج المدينة – من تل أبيب، حيفا وحتى من الخليل – يشترون 3 ـ 4 كيلوغرامات ويعودون إلى ديارهم. أوقفنا وأسرع لطحن بضع حبات، لزبونة معروفة كانت قد دخلت هي أيضًا إلى المتجر. جربنا حظنا وسألنا عن سر القهوة. “لدينا خليط خاص بنا وطرق تحميص محلية”، رد مأمون بدبلوماسية. هناك أشخاص السر لديهم لا يزال سرًا.

أزقة وحوانيت سوق البلدة القديمة في القدس (Flash90/Nati Shohat)
أزقة وحوانيت سوق البلدة القديمة في القدس (Flash90/Nati Shohat)

قبل أن نخرج – وبعد أن أخذنا كيسًا لنفحصها في البيت – سألناه عما يميّز سوقه مقارنة بسوق محانيه يهودا. فكر للحظات وبعد ثوان توصل إلى نتيجة وقال “هذا المكان أقدم بكثير. فيه أصالة ما”. وبالفعل، مع كل خطوة وخطوة في منحدرات السوق، كان جوابه يبدو لنا صحيحًا أكثر فأكثر. المباني عتيقة، الشوارع ضيقة والمتاجر العتيقة المنتشرة على جوانبها تساعد على تأكيد ذلك. انقضت دقائق وإذا بلافتة مرفوعة على يميننا – “جعفر”. قلائل هم المقدسيّون، من جانبي المدينة، الذين لم يتذوقوا الكنافة الفاخرة التي تصنع وتقدم في المكان. علي، مالك المطعم، تفرّغ لنا وروى بأن المحل قائم منذ عام 1949، وإلى جانب أفرع له في رام الله وفي بيت حنينا، هذا هو الفرع الرئيسي.

طبق الكنافة من محلات الجعفر
طبق الكنافة من محلات الجعفر

من هم زبائنك؟ “يأتي الناس من كل البلاد تحديدًا ليأكلوا هنا. في إجازات نهاية الأسبوع نبيع مئات الوجبات كل يوم”، أجابنا واعترف بأن السيّاح لا يدخلون كثيرًا لتجريب حلوى جبنة الماعز المصنّعة محليًا في المنطقة. على الرغم من ذلك، يعج السوق بالسيّاح وهذا أيضًا تفسير علي بخصوص ما يميّزه. “هنا توجد أجواء مختلفة. يأتي أناس من كل الأنواع ونسمع الكثير من اللغات”. انتهينا من تناول الطبق وتابعنا تقدمنا داخل السوق، دخلنا متاجر وسمعنا من الباعة الهادئين عن الميزات (“غالبية المتسوقين هم أناس رائعون”)، المشاكل (“يبيعون أشياء مختلفة في كل متجر، يجب التخصص”) والأمل (“بقدوم المزيد من السيّاح، إن شاء الله”) الكامنة في السوق.

قبل أن نهم بالخروج من السوق، التقينا مجموعات من السياح من كل أنحاء العالم، الذين يتأثرون من القصص – كما من الأساطير – التي عاشها المكان خلال مئات السنين الأخيرة. حدثنا سائح أسباني اسمه ألفونسو عن مشاعره: “القدس مقدسة والبلدة القديمة مركز لكل الديانات، هذا واضح. ولكن شيء رائع أنه حتى في هذه الشوارع الصغيرة، بين كل المتاجر والباعة، لا تزال القداسة حاضرة”. بالمحصلة، ربما كان هذا هو الفارق الأساسي بين سوق محانيه يهودا – الذي يرنو للحداثة، التقدم ولاستقبال زوار أغنى – وسوق البلدة القديمة، الذي يعيش على الماضي ولا يريد أو لا يمكنه الانفصال عنه.

اقرأوا المزيد: 1297 كلمة
عرض أقل
باحة الحرم القدسي الشريف (Flash90/Sliman Khader)
باحة الحرم القدسي الشريف (Flash90/Sliman Khader)

بين السماوي والأرضي

تُحيى مساء اليوم "ليلة القدر". حيث، أوصى اللهُ في هذه الليلة الملاكَ جبرائيل بإنزال‏‎ ‎‏القرآن‏‎ ‎‏‎على رسول الله ‎ ‎‏محمد‏‎ ‎‏متفرقًا على حسب الأسباب والحوادث

تُحيى مساء اليوم إحدى أقدس الليالي في الإسلام: “ليلة القدر”. ووفقًا للاعتقاد الإسلامي، أوصى اللهُ في هذه الليلة الملاكَ جبرائيل بإنزال‏‎ ‎‏القرآن‏‎ ‎‏من‏‎ ‎‏اللوح المحفوظ‏‎ ‎‏إلى مكان في سماء الدنيا يسمى بيت العزة، ثم من بيت العزة صار ينزل به جبريل على‏‎ ‎‏محمد‏‎ ‎‏متفرقًا على حسب الأسباب والحوادث، فأول ما نزل منه كان في غد تلك الليلة نزل خمس آيات من‏‎ ‎‏سورة العلق‏‎.‎‏

كما في السنوات الماضية، نختار – رفاقي وأنا – ليلةً واحدة على الأقل في شهر رمضان، نصعد فيها إلى القدس بهدف الصلاة والتسامي.

لم أنجح ألبتة في إيضاح الشعور الذي يلازم المرء حين يصل إلى أحد الأماكن المقدسة للديانات الثلاث، وفي شهر رمضان تحديدًا. هذه السنة، وخلافًا لكل السنوات، قررنا زيارة المسجد الأقصى قبل ليلة واحدة من ليلة القدر، بسبب الازدحام الكبير في المسجد.

بعد وجبة الإفطار مباشرةً، وحتى لا نخسر صلاة العشاء، أدرنا محركات سيارتنا، وصعدنا من يافا إلى القدس. في الطريق، كانت رحلتنا سلسة، حيث استمعنا إلى صوت الشيخ عفاسي، الذي قرأ سورة مريم.

يوم السبت في المدينة المقدسة. بعد العديد من المحاولات الفاشلة لإيجاد موقف قرب مدخل شرقي المدينة، يئسنا وقرّرنا إيقاف السيارة غربي المدينة، على بُعد نحو 20 دقيقة سيرًا على الأقدام من باب العمود.

كان الدخول إلى القدس الشرقية، وإلى الأحياء العريقة فيها مزدحمًا بالناس، البضائع، الأولاد، الشبان، والمسنين، من جميع الأجيال، ومن جميع أنحاء البلاد. كذلك، نشط العديد من القوى الأمنية في منطقة باب العمود، لضمان أمن الحجاج والمصلين.

كان باب العمود دائمًا مكانًا غنيًّا بشتى الألوان، يعج بالتجار، عابري السبيل، الحجاج، رجال الأمن، السكان المحليين، والمصلين في طريقهم لمهد الديانات التوحيدية الثلاث: حائط المبكى، كنيسة القيامة، والمسجد الأقصى.

جذبني خليط اللغات عميقًا إلى داخل أزقة المدينة المقدسة. أخذ المكوث إلى جانب المصلين يبعث في نفسي شعورًا بالطهارة وتسامي الروح. تصاعدت رائحة البخور من الحوانيت، فيما أخذ الباعة يعرضون بضاعتهم: سجاجيد صلاة، سبحات صلاة، كتب قرآن مزينة، حلويات ومشروبات خفيفة.

ليس بوسعي تحديد الشعور الداخلي الذي يخالجني حين أقترب من بوابات المسجد الأقصى. تصاعدت روائح المسك والبخور من كل حدب وصوب. وفي الخلفية، بإمكان المرء سماع مكبرات الصوت التي صدحت منها أصوات الصلوات وقراءة القرآن. وفضّل البعض إسماع صوت الشيخ عبد الرحمن السديس‏‎ ‎‏، فيما أسمع آخرون صوت المقرئ المصري الراحل، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد‏‎.‎‏

أمّا أنا فآثرتُ الاستماع إلى صوت مشاري بن راشد العفاسي ، المقرئ الكويتي الذي يُعدّ في نظر شبّان مسلمين عديدين في شتى أنحاء الشرق الأوسط أحد أكثر المقرِئين نجاحًا في العقد المنصرم.

كان الدخول إلى المسجد مزدحمًا بالناس. وامتدت الطوابير إلى ما قبل أمتار من باب القطانين‏‎.‎‏ ووقف على الباب عددٌ من رجال الوقف إلى جانب حرس الحدود، مشرفين على أمن المصلّين.

أداء صلاة التراويح في المسجد الأقصى (Flash90/SlimanKhader )
أداء صلاة التراويح في المسجد الأقصى (Flash90/SlimanKhader )

وللحظةٍ، أضعنا أحد رفاقنا لشدّة الازدحام. رفعتُ يدي لأشير له إلى مكان وجودنا. ويبدو أنني أثرتُ شكوك الجندي الواقف على المدخل، الذي طلب مني الوقوف جانبًا. لم أفهم مغزى الطلب. فورًا، توجّه إليّ شابّ يبلغ من العمر 21 عامًا، وسألني بالعبرية:”ماذا تفعل هنا؟ ومن أين أتيت؟” لم أفهم هدف السؤال، وأجبتُه بعبرية فصيحة: “جئتُ للصلاة. أنا من يافا، وهؤلاء صحبي. لا أفهم لمَ أوقفتَني جانبًا، فيما أذنتَ لكل رفاقي بالدخول؟”.

أربكني السؤال التالي أكثر: “أمتأكدٌ أنتَ أنّك مسلم؟” أجبتُ: “بالطبع”. “بالنسبة لي، تبدو يهوديًّا.هل يمكن، من فضلك، أن ‎أفحص بطاقة هويتك، ويسرني أن أسمعك تتلو آيتَين قرآنيتَين”. طلب مني رجل الوقف، الواقف إلى جانب الجندي الذي استجوبني، أن أتلو سورة الفاتحة‏‎ ‎‏ وسورة المسد‏‎.‎‏كنتُ بحاجة إلى بضع ثوانٍ لأفهم مدلول هذا الطلب العجيب، وإذا بعيسى، رجل الوقف، يشرح لي هذه الأسئلة الأمنية والطلبات، التي تهدف إلى منع دخول “أشخاص غير مصرّح لهم بالدخول إلى حرم المسجد، ومنع الاستفزاز”، حسب توصيفه. “منع دخول اليهود؟ هل ظنّ هذا الجندي أنني يهودي؟”، سألتُ. لم يتردد عيسى، وقال: “حتى بالنسبة لي، أنتَ لا تبدو مسلما نموذجيا”. لم أفهم كيف يجب أن يبدو المسلم النموذجي، لكنني وافقتُ على تلاوة السورتَين لعدم تأخير أصحابي عن الصلاة. بعد نحو ربع ساعة، وصل الجندي، وبيده بطاقة هويتي، قائلًا: “أعتذر عن الإزعاج. افهم أننا نبذل وسعنا لضمان أمن المصلّين، لا سيّما في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان. درجة التأهب مرتفعة، ويمكن أن تسوء الأحوال بسهولة. ليلةً سعيدة”.

أعترف أنني بقيتُ مربكًا من هذا الاختبار، لكنّ الشعور بالإيمان والطهارة في الحرم القدسي الشريف ‎ قللا من شأن الارتباك.

صدح أذان صلاة العشاء من مآذن المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، فسارعنا للاستعداد لصلاة العشاء، والتراويح.‎ سُمعت أصوات الصلاة في كل مكان، وبين كل ركعة وركعة، اختلستُ النظر لأرى أصحابي وغيرهم من المصلين واقفين في صفّ واحد دونما تمييز أمام الخالق الواحد. ساعة ونصف الساعة من الطهارة والتسامي.
مع انتهاء الصلاة، وقفنا أمام باب المغاربة ، حيثُ تمكنت من رؤية حائط المبكى. ارتشفنا الشاي المقدسي المحلّى الذي يتصاعد منه البخار، والتهمنا خلال ثوانٍ الكثير من الكعك . امتد النقاش مع الرفقاء، وتمحور حول أهمية المكان في الإسلام، قرابة الحائط من حرم المسجد والتحديات الأمنية الكامنة أمام رجال الوقف وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي بمنع تسلل غير مرغوب فيه ليهود يدعون علنًا إلى بناء الهيكل الثالث، ويترقبون إتيان المسيح.

في الطريق خارجًا من أزقة المدينة الأكثر قابلية للتفجّر في العالم، التي شهدت الكثير من سفك الدماء والحروب باسم الدين، لم أستطع إلا اتخيّل عالم مثالي يأتي فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون إلى المدينة المقدسة للصلاة وطلب المغفرة، كلٌّ حسب إيمانه، دون احتكاكات أو مشاعر تثقل على المرء.

ستبقى القدس بالنسبة لي مدينةً معقّدة. فإلى جانب الروحانية والطهارة، ثمة حياة مزدوجة هنا: حياة يومية تقوم بالتعتيم على تاريخية وقداسة مدينة الأديان: القدس.

اقرأوا المزيد: 836 كلمة
عرض أقل
باب العمود (Miriam Alster/FLASH90)
باب العمود (Miriam Alster/FLASH90)

عملية طعن بالسكين في القدس

قام شابان فلسطينيان بطعن يهودي يبلغ 33 سنة بجانب باب العمود في القدس، وقد تم نقل الرجل لعلاجه في المستشفى. وحسب تقديرات الشرطة فإن خلفية الطعن هي قومية.

جُرح شخص حاريدي أمس (الثلاثاء) جروحًا متوسطة بعد أن قام شابان فلسطينيان بمهاجمته وطعنه بجوار باب العمود. وقد جُرح الرجل البالغ من العمر 33 سنة بيده وصدره، وقد فرّ المعتدون من المكان. وكانت قوات نجمة داوود الحمراء قد وصلت إلى المكان وقدمت علاجا طبيا للمصاب وقامت بنقله إلى وحدة الصدمات في مستشفى شعاري تصيدك في القدس. وقد أظهرت الفحوص التي اجتازها أن الطعنات التي تلقاها ليس عميقة.

وقد حدث حادث الطعن هذا المساء في شارع السلطان سليمان، بجانب باب العمود. انقض الشابان على الرجل الذي كان يمشي مع نسيبه وابن أخيه/أخته الذي يبلغ من العمر ست سنوات ، حين كانوا في طريقهم من حائط المبكى إلى بيتهم بعد انتهاء صوم التاسع من آب، وطعناه في بطنه بسكين وفرّا من الموقع. وتعتقد الشرطة أن خلفية الحادث هي خلفية قومية، وتحاول العثور على المشتبه بهما بارتكاب الفعلة. وتفيد الشهادات أنه نجح في مواجهة المعتديين وحتى أنه حاول أن يقاوم الهجوم.

وقد قال المساعد الطبي الذي وصل تلبية للاستدعاء أن الحديث يجري عن شاب تم طعنه ست طعنات على الأقل – أربع طعنات في الذراع، طعنة واحدة في الخاصرة وطعنة أخرى في الصدر.

وقد حدث في القدس في السنة الماضية عدد من الأحداث المشابهة حيث جُرح فيها إسرائيليون نتيجة طعن نفذه العرب. قبل أكثر من نصف سنة، جُرح رجل يهودي يبلغ من العمر 35 عاما وكانت إصابته متوسطة بعد أن طعنه شابان عربيان في ميدان راس العمود في المدينة. في تلك الحادثة أيضا كان الشاب في طريقه عائدا من الصلاة في حائط البراق.

وفي نفس الشهر، حاولت شابة عربية طعن جندي من حرس الحدود في العاصمة. لقد وصلت إلى مركز الشرطة “شاليم”، بجانب باب العمود، توجهت إلى نقطة التفتيش وعندها استلت سكينا وهي تصرخ بأعلى صوتها. وقد نجح أفراد شرطة حرس الحدود، الذين أبدوا يقظة، بالسيطرة عليها، وأصيب أحدهم بجروح طفيفة.

وقد جُرحت في شهر آذار من العام ذاته جندية تبلغ من العمر 19 عامًا جروحًا بالغة حين تم طعنها داخل القطار السريع في القدس، في محطة بسغات زئيف. وقد تم طعنها في صدرها ونُقلت إلى المستشفى. وقد فرّ المعتدي ولكن تم القبض عليه بعد مطاردة قصيرة لنصف ساعة من قبل الشرطة.

منذ بداية شهر رمضان المبارك، لم تحدث أي مواجهات بين المسلمين واليهود في منطقة البلدة القديمة، غير أن مصادفة صوم رمضان وصوم التاسع من آب في نفس الوقت، قد أدت على ما يبدو إلى التوتر في منطقة باب العمود في القدس القديمة. يستقطب باب العمود، الذي يتجه نحو أحياء القدس الشرقية والأحياء الحاريدية، معظم حركة المصلين اليهود والمسلمين.

وقررت شرطة القدس أمس عدم تمكين اليهود والسواح من الصعود إلى الحرم القدسي بسب تخوفها من حدوث أعمال عنف من قبل المسلمين الذين أمّوا الحرم في الصباح. هذه هي السنة الثانية التي تمنع فيها الشرطة اليهود من الصعود إلى الحرم القدسي في التاسع من آب.

اقرأوا المزيد: 434 كلمة
عرض أقل