نوبل للسلام لناشطة إيزيدية فرت من داعش وطبيب كونغولي

الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)
الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)

الناشطة العراقية الإيزيدية نادية مراد التي فازت بجائزة نوبل زارت إسرائيل عام 2017، حيث تحدثت عن معانتها في أسر داعش وضرورة الاعتراف بالمجزرة التي ارتكبها التنظيم ضد الأقلية الإيزيدية

05 أكتوبر 2018 | 15:51

ناجية من أسر داعش تربح الجائزة العالمية المرموقة: حازت نادية مراد، ناشطة حقوقية إيزيدية، نجت من الاستعباد الجنسي على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، على جائزة نوبل للسلام لعام 2018، حسب ما أعلنت لجنة الجائزة في أوسلو.

واشتهرت نادية في العالم بفضل قصتها القاسية في أسر داعش، حيث تعرضت للاستغلال الجنسي والاغتصاب من قبل عناصر التنظيم عام 2014 بعد أن احتل التنظيم الوحشي الموصول من العراق. وبعد فرارها من الشقة حيث احتزها عناصر داعش، وصلت إلى ألمانيا وأصبحت مناضلة من أجل حقوق النساء وحقوق الأقلية اليزيدية.

وزارت نادية إسرائيل عام 2017 والتقت نوابا من البرلمان الإسرائيلي، تحدثت معهم معانتاها واضطهاد الأقلية اليزيدية في الشرق الأوسط. وقالت نادية لوسائل الإعلام الإسرائيلية إنها مسرورة لزيارة إسرائيل وإنها تشعر أن إسرائيل يمكنها أن تفهم جرائم الحرب التي ارتكبت ضد الشعب اليزيدي، لأن الشعب اليهودي مر بمجازر قاسية أبرزها الهولوكوست. ودعت الإسرائيليين إلى تقديم العون ومساعدة الشعب اليزيدي.

أما الطبيب الكونغولي دينيس ماكفيغا فقد أمضى الجزء الأكبر من حياته يساعد الضحايا في بلاده، عبر مستشفى أنشأه وعالج فيه آلاف الضحايا، وساهم في إبراز الجرائم ذات الصبغة الجنسية في إطار الحروب.

اقرأوا المزيد: 174 كلمة
عرض أقل
امرأة يزيدية تشارك في مراسم دينية في معبد لالش(AFP)
امرأة يزيدية تشارك في مراسم دينية في معبد لالش(AFP)

الكرد اليزيديون ضحایا التعریب والصهر القومي

لا شك أن الناشطة اليزيدية نادیة مراد هي ضحیة من ضحایا داعش المجرمة، لكنها هي والكثیر من الكرد الآخرین ومنهم الیزيدیين، هم قبل کل شيء ضحایا عملیات التعریب وغسل الدماغ والاضطهاد والصهر القومي

تحت عنوان “فرّت من داعش وألقت خطابا في البرلمان الإسرائيلي” ، بتاریخ 25 يوليو 2017، کتب الأستاذ عامر دکة، في الموقع الإخباري “المصدر”، أن الناشطة اليزيدیة نادیة مراد زارت إسرائیل، وألقت کلمة في الكنیست الإسرائیلي حول ما تعرضت له هي والیزيدیون من تعذیب وقتل وإبادة واغتصاب وکل أنواع الجرائم من قبل عصابات داعش المجرمة. ما جلب انتباهي أنە في کل ما کتبه الأستاذ دکة وفي کل ما قالته الناشطة مراد، لم تذکر ولو بكلمة “کرد، شعب کردي أو کردستان”، بل تتكرر عبارة “الشعب الیزیدي”.

الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)
الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)

أعرف مقدما أن کلمة شعب، یمكن أن تفسر قانونیا ولغویا وسیاسیا واجتماعیا ودینیا وفلسفیا، تفسیرات مختلفة ولكن کل التفسیرات تتفق علی کون الشعب (بالإنجليزية: People): هي لفظة مفردة (جمعها: شعوب)، تستخدم عادة للإشارة إلى مجموعة من الأفراد أو الأقوام ينتمون إلى فئة ما، قد تكون أمة، طبقة، مجموعة إثنیة، بلد، عائلة، مجتمع، يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات، ضمن مجتمع واحد وعلى أرض واحدة، ومن الأمور المميزة لكل شعب هي طريقة تعاملهم وشكل العلاقات الاجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب، إضافة إلى أسلوب العقد الاجتماعي بين أفراد الشعب . حسب هذا التعریف، فإن اليزيديين کما الكثیر من سكنة المعمورة یدرجون في إطار الشعوب، لكنهم وحسب کل التعاریف والدراسات التاریخیة والاجتماعیة والإثنیة، لیسوا سوی جزءا من أبناء الأمة الكردیة ومناطق سكناهم ومعابدهم وأماکنهم المقدسة، جزء من أرض کردستان، کما أن هناك أعدادا کبیرة منهم یتواجدون في المهجر.

حسب الموسوعة البریطانیة (Encyclopædia Britannica): الیزيدیون “أعضاء أقلیة دینیة کردیة، یتواجدون في شمال العراق، جنوب غرب ترکیا، شمال سوریا، القفقاس وأقسام من إیران. تتضمن دیانتهم عناصر من الدیانات الإیرانیة القدیمة وکذلك من الدیانات الیهودیة والنسطوریة المسیحیة والإسلام. تتراوح أعدادهم ما بین 200000 – 1000000 شخصا”. وحسب الموسوعة الإیرانیة (Encyclopædia Iranica): الیزيدیون “أقلیة دینیة کردیة، تتناقض تعالیمهم مع الدیانة السائدة للأکثریة أي الدیانة الإسلامیة. یعیشون في شمال العراق، شمال سوریا، جنوب ترکیا والقفقاس وکذلك المهجر في أوربا. لغتهم التي یتحدثون بها هي اللغة الکردیة (اللهجة الشمالیة أي الکرمانجیة)، کما أن اللغة الکردیة هي لغة الثقافة والتعالیم والتقالید الدینیة المحکیة والشفهیة الإیزدیة” . کما أن هناك من یٶکد علی أن اليزيديین (بالکردیة: Êzidî أو ئێزیدی) هي مجموعة عرقیة دینیة تتمركز في العراق وسوريا. يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق، وتعيش مجموعات أصغر في ترکیا، وسوریا، وألمانیا، وجورجیا وأرمینیا. ينتمون عرقيًا إلى أصلٍ كرديٍ ذي جذور هندو – أوروبية.

يتكلم اليزديون اللغة الكرمانجیة. صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوسهم الدينیة، باللغة الکرمانجیة. يرى الكثير من اليزيديين أنفسهم كرد القومية. جاء في المنجد: “الیزیدیة، عقیدة دینیة تقوم علی تقدیس الشیطان. نسبتها إلی یزد أو یزدان من آلهة الزرادشتیین الإیرانیین. أتباعها من الأکراد، نحو 50000 ن. یعیش معظمهم في شمالي العراق لا سیما في قضاء سنجار بمحافظة نینوی، منهم جماعات في تورکیا ونواحي حلب. أشهر أولیائهم الشیخ عدي بن مسافر، صاحب “کتاب الجلوة”، وکتاب “مصحف روش” من الكتب المقدسة عندهم” .

ضریح الشیخ آدي من الداخل

الموسوعتان البریطانیة والإیرانیة والمصادر الأخری، تٶکد جمیعها علی کون الیزيدیین کردا من الناحیة القومیة ویسكنون أرض کردستان (فشمال العراق وجنوب شرق ترکیا وشمال سوریا ما هي إلا کردستان) ولغتهم هي اللغة الكردیة، وهي لغتهم الأولی ولغة الأم عندهم، والکرمانجیة ماهي إلا لهجة من لهجات اللغة الکردیة.

للیزدیین کتابان مقدسان هما: “کتاب جلوة، بكسر الجیم” والذي یعني: کتاب النور، کتاب الإشراق أو کتاب الضیاء. فحسب اعتقاد الیزيدیین فإن الكتاب عبارة عن کلمات وأقوال “طاوس ملك”، الذي یعتبر أقدس وأعظم الملائکة عند الیزيدیین. ففي الميثولوجيا اليزيدية طاووس ملك قد تجسد في الشیخ عدي بن مسافر (بالکردیة: شیخ آدي). أما الكتاب الآخر فهو “مسحفا رش” أي “المصحف الأسود”، فكلمة “رش” والتي تكتب بالكردیة “ڕەش” تعني “أسود”. الكتابان مكتوبان باللغة الكردیة. کلمة الیزيدیة، مصدرها “إیزد أو إیزدان، بالکردیة: ئێزدان أو یزدان” وتعنی الإلە أو اللە في اللغة الکردیة واللغات الإیرانیة الأخری. صلوات الیزيدیین وکل الطقوس الدینیة والأدعیة عندهم تتلا وتقال باللغة الكردیة. الیزيدیون یحجون إلی “لالش”، التي تعتبر قبلتهم و محجهم وأقدس بقعة في العالم حسب اعتقادهم، وتقع لالش بالقرب من مدینة دهوك في کردستان ويعد من أقدم المعابد في كردستان، حيث تُرجع بعض المصادر تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
لالش، أقدس بقعة في العالم عند الیزيدیین

لو عدنا قلیلا إلی التاریخ لنجد أن الأنظمة والسلطات العربیة الحاکمة في العراق وعلی مر التاریخ، حاولت دوما تعریب الیزيدیین وطمس و مسح هویتهم القومیة الكردیة، مستغلة کونهم من دین لیس دین الأکثریة. ما تقولە مراد عن “العودة إلی العراق وأن العراق هو بلد المستقبل للیزيدیین”، تأتي من کونها هي وغیرها من الیزيدیین والكثیر من أبناء الکرد الآخرین، تحت تأثیر عملیات التعریب وغسل الدماغ وطمس الهویة المستمرة والمبرمجة التي تعرض لها الكرد، ولا زالوا، طیلة مئات من السنین في العراق ومن قبل العنصریین العرب. إذا کانت الأکثریة الكردیة المسلمة تعرضت لتلك العملیات السیئة الصیت فقط لکونهم کردا، فاليزيدیون تعرضوا لها أضعافا لکونهم کردا وغیر مسلمین.

کما الحال بالنسبة للكرد الفیلیین، الذین یسكنون بغداد ومناطق جنوب کردستان، ففي ظل الأنظمة العراقیة العربیة القومیة السنیة البعثیة، تعرضوا أیضا أضعافا لعلمیات التعریب والتهجیر والإبادة لکونهم کردا وشیعة في نفس الوقت. الكرد، بكل شرائحهم وأدیانهم المختلفة في کردستان العراق، تعرضوا وعلی مرور الزمن وبشكل مبرمج ومخطط لعملیات الصهر القومي. لم یكن الحال لا من قبل ولا الآن بالنسبة للكرد في ترکیا وسوریا وإیران بأحسن مما کان علیە الکرد في العراق. هنا أود الإشارة إلی مثال واحد من آلاف الأمثلة علی سیاسة الصهر القومي تجاە الكرد في العراق:

في أواخر خریف سنة 1977 کنت قد سافرت من أربیل “بالکردیة: هەولیر”، التي کنت أعمل فیها في مجال الإحصاء، إلی سیمیل، القریبة من دهوك، ومن هناك إلی قریة اسمها “قصریزدین”، لزیارة خطیبتي، التي بدأت عملها کمعلمة في تلك القریة وفي تلك السنة الدراسیة. سكان القریة کلهم کانوا من الكرد الیزيدیین. کان علي التأکد من وسائل النقل وکیفیة الذهاب إلی تلك القریة. لم يكن هناك في تلك الأیام لا إنترنیت ولا الحاسوب ولا الهاتف الجوال ولا حتی الهواتف الأرضية.

وصلت إلی سیمیل وسألت حول کیفیة الذهاب إلی قصریزدین. دلوني علی مكان لوقوف السیارات التي تنقل المسافرین إلی القری المحیطة بالمنطقة. وصلت المكان، وجدت عددا من الجیبات وسیارات اللاندروفر وغیرها وسألت عن السیارة التي تغادر إلی قصریزدین فأشاروا إلی سائق، بأنە هو الذي سیغادر وینتظر حتی تمتلئ السیارة بالرکاب. عندما رأیت السائق، الذي کان شخصا ذو وجە بشوش، ممتلئ الجسم، ذو شوارب غلیظة علی عادة الكثیر من الیزيدیین، لابسا دشداشة و کوفیة حمراء وعقالا غلیظا، أي ملابس عربیة بالکامل، فتصورتە عربیا.

سلمت علیە بالعربیة و أخبرتە بأنني أود الذهاب إلی قصریزدین. کان بشوشا ولطیفا معي وکرمني أن أجلس بجنبە في السیارة. عند إکمال العدد بدأ صاحبي قیادة السیارة. في الطریق سألني: من أين جئت؟ ولماذا أذهب إلی قصریزدین؟ من أعرف هناك؟ کم أبقی هناك، ماذا وأین أعمل وکثیر من الأسئلة الجانبیة الأخری؟ کما هي العادة لدی الکثیر من الناس في مجتمعاتنا وبلداننا الشرق – أوسطیة. أجبتە بالكامل ودون أن أخفي شیئا أو أتملص من الإجابة عن سٶال. کنا نتحاور باللغة العربیة. وبعد أن تأکد لە أني قادم من أربیل وقد تم نقلي عنوة من کرکوك، ضمن عملیة تعریب وتهجیر الكرد من کرکوك، عندذاك إطمأن إلي کوني کردیا، غیر مواليا للسلطات الحكومیة، ففتح قلبە وقال بلغة کردیة فصیحة: أنا أیضا کردي. قلت: یرحمك اللە، کیف لي أن أعرف أنك کردي وأنت بكل هذە الملابس العربیة و تتحدث العربیة بهذە الطلاقة! قال:”ماذا أفعل، أنا مجبر للبس هذا الزي العربي. لقد کنت أحد أفراد البیشمرکة (بالكردیة: پێشمەرگە)، بل وآمرا لفصیل منهم، أثناء ثورة أیلول تحت قیادة الرئیس الراحل مصطفی البارزاني. بعد انتكاسة الثورة في 1975 رجعت إلی هنا کي أسكن في قریتي مع أهلي وعائلتي.

وتابع: الحكومة العراقیة بدأت حملة تعریب في المنطقة وأجبرت کل الیزيدیین علی تغییر قومیتهم الكردیة إلی القومیة العربیة وأجبروهم علی لبس الزي العربي بدل الزي الكردي وأنا واحد من هٶلاء المغضوب علیهم. منذ ذلك التاریخ نعتبر عربا، في کل السجلات الرسمیة الحكومیة. لکن قلبي، عقلي، فکري، لغتي وکل أحاسیسي کردیة ولازلت أتقد للثورة وکلي حماس وأنا علی أهبة الاستعداد للانخراط مرة أخری في صفوف البیشمرکة والثورة الکردیة لمقاتلة الغاصبین والمحتلین”.

ما أودە هو أن، مع إیماني المطلق بأن الانتماءات القومیة والعرقیة قابلة للتغییر، والقومیة هي إحساس وثقافة قبل أي شيء آخر- أن نادیة مراد، هي ضحیة من ضحایا داعش المجرمة، لكنها هي والكثیر من الكرد الآخرین ومنهم الیزيدیون، هم قبل کل شيء ضحایا عملیات التعریب وغسل الدماغ والاضطهاد والصهر القومي.

اقرأوا المزيد: 1287 كلمة
عرض أقل
الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)
الناشطة الأيزيدية، نادية مراد (تصوير Israaid)

فرت من داعش وألقت خطابا في البرلمان الإسرائيلي

الناشطة الأيزيدية، نادية مراد، تصل إلى إسرائيل لدفع يوم ذكرى خاص بارتكاب المجزرة بحق الشعب الأيزيدي وتطلب تعليم قصته في الجهاز التربوي الإسرائيلي

أجرى البرلمان الإسرائيلي أمس (الإثنين) اجتماعا خاصا لذكرى الشعب الأيزيدي الذي تعرض في السنوات الماضية إلى مجزرة من قبل داعش. شاركت أيضا في المراسم الخاصة الناشطة الأيزيدية، نادية مراد، حيث نجحت في التهرّب من أسر التنظيم الإجرامي في العراق، بعد أن تعرضت لتعذيبات خطيرة.

وإضافة إلى المراسم الهامة، قدّم 9 أعضاء برلمان إسرائيليين مشروع قانون يطالب بالاعتراف بإبادة الشعب الأيزيدي، ويتضمن إقامة مراسم ذكرى بتاريخ 3 آب سنويا، برامج تعليمية، ووقفة احتجاجية مركزية لذكرى القتلى.

وفي صيف 2014، تصدر الشعب الأيزيدي العناوين حيال المجزرة التي ارتكبها داعش، والتي تضمنت إبادة جماعية، تعذيبات قاسية، اغتصابات، والمتاجرة بالنساء على خلفية دينيهن وعقائدهن. كانت مراد مرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام تقديرا لناشطها في العالم من أجل الشعب الأيزيدي ومن أجل اعتراف حكومات العالم بالإبادة الجماعية التي لحقت بهذا الشعب.

مُراد تلقي خطابا في الأمم المتحدة (AFP)
مُراد تلقي خطابا في الأمم المتحدة (AFP)

وصلت مراد إلى إسرائيل بمساعدة جمعية “‏Israaid‏” التي تعمل على تقديم المساعدة اليهودية والإسرائيلية للأيزديين وبمبادرة عضو الكنيست، كاسنيا سبتلوفا.

وفي مقابلات معها لوسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت مراد عن فرحتها للمشاركة في اجتماع خاص من أجل الشعب الأيزيدي وعن أنها متأكدة أن إسرائيل بعد ما مر به الشعب اليهودي أثناء الهولوكوست، ستُبدي تفهمها إزاء الجرائم التي نفذتها داعش ضد الشعب الأيزيدي وضد الكثير من الأقليات في العراق وسوريا.

ستحاول مراد أثناء زيارتها في إسرائيل إقناع الحكومة الإسرائيلية بالاعتراف بما لحق بالأيزيدين، كإبادة جماعية.

فرحت مراد عندما علمت بهزيمة داعش في الموصل، وهي تسكن في وقتنا هذا في ألمانيا وتأمل أن تعود يوما ما إلى العراق. لقد تحدثت مراد في الماضي عن وطن الأيزيديين موضحة أنها تعتقد أن العراق هو بلد المستقبل للأيزيديين، إضافة إلى سائر السكان والطبقات المختلفة في الدولة العراقية.

اقرأوا المزيد: 251 كلمة
عرض أقل
أشبال الخلافة
أشبال الخلافة

أشبال الخلافة: الجيل القادم من مقاتلي داعش

الأطفال الذي ظلوا في سوريا والعراق، تحت حكم الدولة الإسلامية، يتربّون على قيم الإسلام المتطرف: 8-10 ساعات تدريب يوميا، تدريبات على إطلاق النار، وذبح "الكفار"

من يشاهد مقطع الفيديو الصادم الذي انتشر في الإنترنت، لتفكيك حزام ناسف من جسد صبي عراقي عمره نحو 12 عاما قبل لحظة من انفجاره في مدينة كركوك في واجهة مسجد شيعي، لا شك أنه يصاب بصدمة من الاستخدام المتزايد للمراهقين والأطفال الصغار لتنفيذ مهامّ القتل لصالح تنظيم الدولة الإسلامية.

وصدم بالتأكيد الحزام الناسف أيضا الذي شغّله صبي تركي يبلغ من العمر نحو 12 عاما في زفاف زوج كردي، والذي أدى إلى وفاة أكثر من 50 شخصا، العالم بالوحشية والأساليب التي تستخدمها داعش في تجنيد هؤلاء المراهقين للمهام الأكثر فتكا لها وضدّ “الكفار”.

8-10 ساعات تدريبات يومية على إطلاق النار، وذبح "الكفار"
8-10 ساعات تدريبات يومية على إطلاق النار، وذبح “الكفار”

ولكن قصة “أشبال الخلافة” لا تبدأ هنا، في الأحداث الصادمة من الأيام الأخيرة، وإنما منذ سنتين من الماضي تقريبا، عندما بدأت أحلام داعش في احتلال مدن وقرى أبناء الأقلية اليزيدية في شمال العراق (صيف 2014) تتحقق. ذبح مقاتلو التنظيم رجالا وشيوخا وسخّروا نساء وفتيات كإماء للجنس.‎ كان مصير الأبناء الصغار، المراهقين والأطفال، مختلفا. فرض عليهم تنظيم داعش اعتناق الإسلام ووجّههم إلى معسكرات إعادة التربية، والتي هدفها النهائي هو جعلهم مقاتلي التنظيم المستقبليين. تم إدخال أكثر من 120 طفلا ومراهقا يزيديا إلى معسكر في شمال العراق لغرس قيم الجهاد في وعيهم. طُلب منهم مشاهدة مقاطع فيديو لقطع رؤوس وقال لهم المرشدون أنّه يومًا ما سيقومون بذلك بأنفسهم، ولكن في البداية عليهم التدرّب على التقنية. حصل كل واحد من الأطفال على دمية وطُلب منه قطع رأسها.

https://www.youtube.com/watch?v=n1Qo7bwmWE4

ولكن اليوم، ليست هناك معلومات دقيقة حول عدد الأطفال الذين جندوا للخدمة في صفوف داعش والتدريبات الجهادية. تتحدث التقديرات المختلفة عن أعداد تتراوح بين 500-1500 طفل ومراهق يتلقّون إعادة تربية على قيم الإسلام المتطرّف.

في سوريا أيضًا، تبذل داعش قصارى جهدها لتجنّد من صفوف الصغار، جيل مقاتليها القادم. في آذار 2015 ذكرت وسائل إعلام دولية أنّ التنظيم قد جنّد 400 طفل سوري ووفر لهم تدريبات عسكرية مكثّفة ودروسا دينية في الأراضي التي يسيطر عليها في البلاد وخصوصا في منطقة الرقة.

الدولة الإسلامية تعيد تربية الأطفال على قيم التطرف، والتي هدفها النهائي هو جعلهم مقاتلي التنظيم المستقبليين
الدولة الإسلامية تعيد تربية الأطفال على قيم التطرف، والتي هدفها النهائي هو جعلهم مقاتلي التنظيم المستقبليين

وقال زعماء منظمات حقوق الإنسان الذين يتابعون هذه الظاهرة المقلقة إنّه في سوريا، منذ اللحظة التي يبلغ فيها الأطفال 15 عاما، تُعطى لهم فرصة القتال بوظيفة كاملة مقابل الأجر. يحاول عناصر داعش إغراء الأطفال بالمال والسلاح ويعلّمونهم قيادة السيارات. فمع غياب إطار تربوي بديل وغياب العمل أو إمكانية التشغيل، فهذا ما يفضّل الأطفال القيام به.

في سوريا، يُستخدم “الأطفال-الجنود” في العادة لحراسة نقاط التفتيش التابعة لـ “الدولة الإسلامية” ولجمع المعلومات الاستخباراتية من المناطق التي لا يسيطر عليها التنظيم. وذلك، نظرا للحقيقة أنهم يستطيعون التسلل إلى تلك الأماكن من دون أن يلاحظ وجودهم أحد. ومع ذلك، فقد خُصّصت لبعضهم أهداف أكثر عنفا.

وتتحدث شهادات من أراضي الخلافة في العراق عن جهود كبيرة لداعش في بناء أجيال جديدة من الجهاديين. يغري التنظيم الأطفال والمراهقين بالهدايا للانضمام إلى صفوفه، ولكن أيضًا من خلال ممارسة التهديد وغسيل الدماغ، مما يجعلهم قتلة وانتحاريين. الإنترنت مليء بمقاطع الفيديو لأطفال يقطعون رؤوس أكراد، شيعة أو مجرد جنود سوريين أو عراقيين. يتم كل شيء بطبيعة الحال بإشراف شخص بالغ من داعش.

https://www.youtube.com/watch?v=PlaztLcBbqU

إنّ التربية الجديدة على قيم داعش تتم أيضًا في المدارس وفي المساجد. يتم تجنيد الأطفال أحيانا خلافا لرغبة الأهالي ويثير صراعات أسرية. يوزّع المسلّحون ألعابا على الأطفال للتقرّب منهم. في معسكرات إعادة التربية، تتم تسميتهم “أشبال” – وهم الأطفال المقاتلين في الخلافة الإسلامية.

يتحدّث الأطفال الذين أقاموا في معسكرات تدريب داعش ونجحوا في الفرار عن أنّ التدريب الروتيني يشمل بين 8-10 ساعات يوميا. ويشتمل جدول الأعمال اليومي على تدريبات لياقة، تدريبات على السلاح، وتعلّم القرآن. يعلّم مرشدو المعسكرات الأطفال كيف يطلقون النار من مسافة قريبة. وتحدث أطفال آخرون عن أنّ المرشدين قد طلبوا من بعضهم توجيه الضربات بينهم بحجّة أن هذه الضربات تعزّزهم.

يرى تنظيم داعش، هؤلاء الأطفال بصفتهم جيل المستقبل من المقاتلين الذين سينشرون بشرى الخلافة، قيم الجهاد، والتطرّف الإسلامي. وقد بات العالم يعيش البوادر الأولى لظهورهم ونشاطهم الوحشي في هذه الأيام.

اقرأوا المزيد: 582 كلمة
عرض أقل
فتيات يزيديات (AFP)
فتيات يزيديات (AFP)

الأخت الإسرائيلية للنساء الأيزيديات

ليسا ميارا تقرر استغلال صدمتها العائلية لإنقاذ مصابي صدمة آخرين من قبضة الارهاب

في مكان ليس بعيدا عن معارك البشمركة وداعش، هناك مخيّم اللاجئين الأيزيديين الذين فروا من قبضة داعش. تحمل النساء على أجسادهن وفي وعيهن الاحتقار الذي مررن به عند بيعهن كإماء لمقاتلي داعش، ونُقلن من يد إلى أخرى، اغتُصبن كثيرا حتى لحظة إنقاذهن. دُرب الأولاد ليكونوا جنودا منتحرين خبيرين – التدرّب على إعداد أحزمة ناسفة، التدرّب على قطع رؤوس القطط، واعتناق مبادئ الدولة الإسلامية. كانت عملية إعادة تأهيلهم طويلة وصعبة أيضا.

تقف الإسرائيلية ليسا ميارا، وراء إنقاذ هؤلاء الأيزيديين. “قالت إحدى الأيزيديات في مقابلة معها لأخبار القناة الثانية الإسرائيلية إنها نجت بفضل ميارا وهي بمثابة “أختنا”، وقالت ميارا “أشعر وكأنني في بيتي، وهذا ليس متوقعا ولكن أصبح بيتي. ليس لدي تفسير لذلك. هم مثل عائلتي”. في المقابل، قال لها مجري المقابلة والذي رافقها في إحدى زياراتها في شمال العراق “في إسرائيل، يعتقدون أنك مجنونة”.

ليسا ميارا الأخت الإسرائيلية للنساء الأيزيديات (لقطة شاشة)
ليسا ميارا الأخت الإسرائيلية للنساء الأيزيديات (لقطة شاشة)

ولكن تدرك ميارا الخطر الذي قد تتعرض له بصفتها يهودية إسرائيلية تتجول في المنطقة التي تدور فيها رحى الحرب، ولكنها لا تخاف. تحاول توخي الحذر والحفاظ على نفسها، أولادها، وأحفادها الذين ينتظرونها في إسرائيل. “يتجول عناصر داعش هنا أيضا، ويتواجد هنا نشطاء سريين. يجب معرفة مع من يمكن التجول، إقامة علاقة، وكذلك توخي الحذر”، تقول وفق خبرتها. وقد تُوفي بعض الأشخاص الذين ساعدوها على إنقاذ الأيزيديين من قبضة داعش.

تجمع ميارا الأموال من حول العالم في إطار جمعيتها التي تُدعى “براعم أمل – ‏springs of hope”، وترسل في إطار عملها فيها مشترين سريين إلى سوق العبيد الخاص بداعش في الرقة والموصل لشراء الفتيات الأيزيديات المرشحات للبيع إلى مقاتلي داعش، ومن ثم يتم تهريبيهن إلى منطقة أكثر أمنا، بعيدة عن سيطرة داعش.

وقبل أن تبدأ ميارا في هذا العمل الشاق، عملت في مجال البحث الأكاديمي وكانت سيدة أعمال، ولكنها تعرّضت لحادثة مأسوية غيّرت مجرى حياتها. في شهر كانون الأول 1998، عندما كان يخدم ابنها في الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، وجد نفسه وحيدا في مفرق في الضفة الغربية. وحاول فلسطينيون كانوا في المنطقة قتل ابنها عمدا. ولكن نجح ابنها في التهرب والنجاة، ولكن بعد أن تعافى من الكدمات الجسمانية، كانت الصدمة النفسية الصعوبة الكبيرة في حياته.

وقد نجا ابنها من الموت لاحقا بعد مرور أربع سنوات، عندما كان جالسا في مقهى في القدس، عندما وقعت عملية أسفرت عن مقتل 11 شخصا، وكان من بينهم أصدقائه. لذلك قررت ميارا أن تكرس حياتها من أجل مساعدة متضرري العمليات الإرهابية ليس في إسرائيل فحسب، بل في مناطق أخرى أيضا. لقد ساعدت مقاتلي جيش لبنان الجنوبيّ الذين تضرروا من حزب الله، وتكرس في الآونة الأخيرة جهودها لإنقاذ الأقلية الأيزيدية، والتي منذ أن احتلت داعش منطقة سنجار في شمال العراق، تتعرض لخطر الإبادة

اقرأوا المزيد: 405 كلمة
عرض أقل
أمل كلوني (AFP)
أمل كلوني (AFP)

أمل كلوني تُحارب داعش

أمل علم الدين كلوني، مُحامية في مجال حقوق الإنسان، تتجند لمساعدة النساء اليزيديات وستُمثلهنّ في المحكمة الدولية التابعة للأمم المُتحدة، في دعوى ضد داعش بتهمة الإبادة الجماعية

تشتهر أمل كلوني أولاً كونها امرأة متزوجة من أحد الرجال الأكثر رغبة حول العالم، جورج كلوني. ولكن، قبل أن تلتقي زوجها كلوني بسنوات طويلة، حظيت علم الدين بسمعة عالمية مرموقة كمحامية ومُناضلة في مجال حقوق الإنسان. ها هي اليوم تحظى بدور جديد، من بين أهم الأدوار التي خاضتها حتى اليوم: ستقوم كلوني بالترافع عن ضحايا المجازر والاستعباد التي طالت اليزيدين – وتحديدًا النساء الإيزيديات، من قبل داعش.

كتبت كلوني في بيانها قائلة “إن البرلمان الأوروبي، ومجلس الاتحاد الأوروبي، والإدارة الأمريكية، ومجلس العموم البريطاني – قد اعترفوا جميعًا أن داعش ارتكب مذبحة بحق اليزيدين في العراق”. “كيف تتم تلك الجرائم البشعة أمام أعيننا ولا تُقدم شكوى ضد داعش إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي؟”.

ستعمل كلوني بمثابة مُستشارة عن الضحايا في الدعوى المُقدمة من قبلهم للمطالبة بمحاسبة داعش على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الاستعباد الجنسي، والمتاجرة بالنساء والشابات اليزيديات في العراق. من المتوقع أن يتم رفع الدعوى في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اعتمادًا على قصة الطائفة اليزيدية بشكل عام وعلى رواية الناجية اليزيدية نادية مُراد، بشكل خاص، والتي كانت قد روت حكايتها المُخيفة أمام لجنة خاصة تابعة للأمم المُتحدة. قالت كلوني: “نعرف أن آلاف اليزيدين قُتلوا وأن آلاف اليزيديات استعبدهن التنظيم الإرهابي الذي صرّح علانية أنه ينوي ارتكاب إبادة جماعية. “نعرف عن عمليات الاغتصاب المُمنهجة التي ما زالت مُستمرة. “وعلى الرغم من كل ذلك لم تتم إدانة أحد بعد. “آن الأوان لكي نرى زُعماء داعش في محكمة لاهاي، وأتشرف بأن أترافع عن نادية وعن الشعب اليزيدي في بحثهم عن تحقيق العدالة في حقهم”.

فتيات يزيديات (AFP)
فتيات يزيديات (AFP)

نادية مراد، ابنة الـ 23 عامًا، هي واحدة من النساء اللواتي اختطفهن داعش واستعبدهنّ واغتصابهنّ. طوال 3 أشهر، اغتصب 12 مُقاتلاً من التنظيم، الشابة نادية، لكنها نجحت في الهروب وتحولت إلى ناشطة ومُناضلة جريئة في الدفاع عن مجتمعها عمومًا ونساء طائفتها تحديدًا. وذكرت أنباء، قبل أسبوع فقط، أن التنظيم أحرق 19 ايزيدية حتى الموت بعد رفضهنّ ممارسة الجنس مع مُقاتلي التنظيم.

قالت مُراد، بعد أشهر من تجوالها حول العالم لإقناع قادة العالم السياسيين لتقديم المساعدة لها في تحقيق هدفها، إن أمل كلوني منحتها الأمان والأمل. “استضافتني أمل وزوجها جورج في بيتهما وفتحا لي قلبهما، واستمعا إلى قصتي متلهفَين، ومنحتني أمل هبة كبيرة وذلك عندما قالت إنها ستمثلني في الدعوة. “أعطتني الأمل لأنها ستكون الصوت الذي سيُمثّلني. “لم تتحدث معي كامرأة مشهورة، والتي كان الناس سيتراكضون لالتقاط صورة معها، بل تحدثت معي كأخت وكمناصرة لي”.

بدأت عملية الإبادة الجماعية بحق الطائفة اليزيدية في آب عام 2014. كان حتى الآن 5000 شخص، منهم أكثر من 2000 امرأة وشابة تم استعبادهنّ و 400 ألف شخص اضطروا إلى ترك بيوتهم في سنجار ونينوى في العراق وسوريا.

اقرأوا المزيد: 411 كلمة
عرض أقل
لاجؤون يزيديون في كردستان العراقية (AFP)
لاجؤون يزيديون في كردستان العراقية (AFP)

صرخة من خطّ الجبهة: لاجئون يزيديون في القدس

عُقد هذا الأسبوع في القدس مؤتمر خاص شارك فيه لاجئون يزيديون وأكراد، وسعوا إلى رفع الوعي حول الأزمة التي تحلّ ببلادهم وأهمية المساعدات الدولية

من زار هذا الأسبوع مركز المؤتمرات في “مشكنوت شأننيم” في القدس، كان يمكن للحظة أن يختلط عليه الأمر ويظنّ أنّه لم يعد في إسرائيل. عند مدخل القاعة رحبت موسيقى شرقية لطيفة بالضيوف، عزفها شاب على آلة التار. وصدر مزيج غير عادي من اللغات من بين الحضور. مزيح من الإنجليزية، الكردية، والتي تبدو شبيهة جدّا بالفارسية للأذن غير الماهرة، بعض الكلمات بالعربية والعبرية.

وضع بعض الحاضرين على طيّة صدر قميصهم دبابيس تحمل العلم الكردي، واختار آخرون وضع علم المعارضة السورية، وبينما مزج بعضهم بين الدبّوسين: العلم الكردي والعلم الإسرائيلي.

شيرزاد مامساني، مدير الشؤون اليهودية الكردية، وزارة الشؤون الدينية (صورة باذن Springs of Hope‏)
شيرزاد مامساني، مدير الشؤون اليهودية الكردية، وزارة الشؤون الدينية (صورة باذن Springs of Hope‏)

أجري هذا المؤتمر الاستثنائي تحت عنوان “صرخة من خط الجبهة: العراق وسوريا”، بمشاركة خبراء، أكاديميين، حقوقيين، ناشطين إنسانيين، بالإضافة إلى لاجئين أكراد ويزيديين قدِموا بأنفسهم إلى إسرائيل من أجل رفع الوعي حول الأزمة التي تحلّ ببلادهم، ومناقشة خيارات تحسين الوضع الراهن.

نظم المؤتمر منظمة “‏‎Springs of Hope‏” (“بوادر أمل”) وهي منظمة تعمل في لندن، القدس، وفي مدينة دهوك في كردستان العراقية، وتعمل لأجل ضحايا الإرهاب، ضد الجرائم الإنسانية، والإبادة الجماعية. في الواقع تهدف إلى مساعدة اللاجئين اليزيديين والأكراد، والناجين الذين نجحوا بالفرار من أيدي داعش.

إحراق حياة كاملة كليا

كان داود علي آغا صالح أحد اللاجئين اليزيديين الذين قدموا إلى إسرائيل، ووافق على التحدث معي. عاش صالح (في الماضي) مع أسرته في مدينة سنجار الكردية. في صيف 2014، بدأت قوات “الدولة الإسلامية” (داعش) بالاقتراب من المدينة، وأصبحت المعارك حولها كثيفة. عندما وصلت الشائعات عن المعارك إلى أسرة داود، قرر أفرادها الفرار.

داود علي آغا صالح في المؤتمر في القدس
داود علي آغا صالح في المؤتمر في القدس

لذلك، هربت الأسرة في جوف الليل، 11 فردا، في 5 سيارات مختلفة، لينجحوا في الهروب بسهولة أكبر، والتعرض إلى  مخاطر أقل. ولم يستطيعوا بطبيعة الحال أخذ أية أغراض معهم سوى ملابسهم التي كانوا يرتدونها، ومبلغ ضئيل من المال. ولحسن الحظ، نجح جميعهم في الفرار ومن ثم الالتقاء خارج حدود المحافظة. في وقت لاحق فرضت قوات داعش حصارا على المدينة كلها، واكتشفوا أنّ منزلهم احترق تماما. لم يبقَ لديهم شيء من ماضيهم.

قدِم داود إلى إسرائيل عن طريق الحدود الإسرائيلية التركية. كان على علاقة بمختلف الجمعيات، والتي ساعدته على الحصول على تأشيرة دخول، وأصبح الآن يتنقل ويحكي قصته. يمارس اليوم مهنة الترجمة، وعمل في الماضي مترجما رئيسيا لرئيس بلدية سنجار، وكانت تربطه علاقات ودّية مع جهات غربية، والتي وصل بمساعدتها إلى إسرائيل. كانت هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها إلى البلاد، وهو سعيد ومتحمّس لوجوده هنا، للالتقاء بالإسرائيليين، والذين هم على حدّ تعبيره أشخاص لطفاء جدّا ورائعون، وبشكل أساسي، فرح بالفرصة التي سنحت له للتحدث عن قصته الشخصية، وقصة شعبه.

خلال المؤتمر قرأ داود إحدى قصائده، والتي ينوي إصدارها قريبا في ديوان شعر، مكرّس كله لتراجيديا الشعب اليزيدي.

إماء جنس للبيع

لكن لم يحالف الحظ جميع اليزيدين مثل أسرة داود. تضمّنت احتلالات مقاتلي “الدولة الإسلامية” التدمير والنهب، قتل الرجال، وأسر النساء والأطفال. أصبح اليزيديون الذين لم ينجحوا في الهرب، إماء جنس وعبيد. وقد شارك في المؤتمر الدكتور ميرزا حسن دنايي، وهو يزيدي ومستشار كبير للحكومة الكردية، وألقى محاضرة عن وضع الأطفال والنساء اليزيديات في الحرب.

ميرزا حسن دنايي في المؤتمر في القدس
ميرزا حسن دنايي في المؤتمر في القدس

تركت المحاضرة التي شاركت فيها لدي شعورا كبيرا من عدم الارتياح وذلك بعد مرور ساعات على انتهائها أيضا. يعمل الدكتور دنايي اليوم على مساعدة وإنقاذ اللاجئين والناجين الذين نجحوا في الهروب من داعش. وقد شارك الحاضرين في محاضرته كلاما سمعه من مصدر أول من اللاجئين اليزيديين الذين عانوا في الجحيم بأنفسهم، ولكن قبل ذلك فقد اختار أن يبدأ تحديدًا بنهج داعش بخصوص إماء الجنس، كي يثير الصدمة في نفوس الحاضرين في القاعة.

من المثير أن نرى أنّ الإسلام يحرّم ظاهرة العبودية وإماء الجنس، باستثناء حالة حصرية جدا يكون فيها أسرى الحرب من غير المسلمين، وحينها يُسمح باستعبادهم. للأسف الشديد، هذا هو حال النساء والأطفال اليزيديين.

عرض دنايي أمام الحاضرين قائمة من “حقوق” إماء الجنس والتي نشرتها داعش، وأكّد على الوحشية والسخافة التي تتضمنها. من بينها ذُكر أنّ الإماء والعبيد هم “مِلك” لمالكهم، وفي حال موت المالك، يتم تقسيمهم على ورثته كسائر الأملاك. إذا كانت الأَمَة عذراء، يُسمح بممارسة الجنس معها فور الاحتلال، وإذا لم تكن بتول، يجب الانتظار حتى الدورة الشهرية الأولى. يتطرق أحد أكثر البنود الصادمة إلى ممارسة الجنس مع القاصرات. وفقا لداعش، إذا شعر المالك أنّها مستعدّة لذلك، يمكن ممارسة الجنس معها، ولكن إذا لم تكن مستعدة، فيمكنه استغلالها جنسيا بطرق أخرى، في كل سنّ.

أسواق العبيد والإتجار بالبشر هي قضية غير مهمة ومسموحة تماما وفق قوانين داعش: بعد المعارك يقسّم المقاتلون بينهم “الغنائم” البشرية، ولكن إذا أراد مقاتل معيّن بيع “الغنيمة” التي حصل عليها في السوق، والحصول على المال مقابلها، يمكنه القيام بذلك بسهولة. ويقول دنايي إنّه بفضل مواقع التواصل الاجتماعي يزدهر سوق إماء الجنس. يتم نشر صورهنّ وهن يرتدين فساتين مكشوفة في الواتس آب بين المقاتلين، ويُبعْنَ لكل من يدفع ثمن أعلى.

بصيص من الأمل

في محاضرته ذكر دنايي قصة إماء وعبيد-أطفال استطاعوا الهروب من داعش، والتقى بهم شخصيّا. إحداهنّ! هي مها – يزيدية في السادسة والعشرين من عمرها، وأم لأربعة أطفال. قُتل زوجها في المعركة، وأخذها المقاتل الذي قتله كأَمَة مع أطفالها. عندما حاولت الهرب تم الإمساك بها، وعقوبة على أفعالها سمم مالكها أطفالها، وقد مات ثلاثة منهم نتيجة تلك الجريمة. ولكن لم تتنازل مها، وبعد شهرين من ذلك حاولت الهرب مجدّدا، مع ابنتها البالغة من العمر 8 أعوام، وتكللت محاولتهما بالنجاح. وهما تعيشان اليوم معًا في خيمة في مخيم للاجئين اليزيديين. وتنقصهما المساعدة، المال، والأسرة. ولكن لديهما بصيص من الأمل.

أَمَة جنس يزيدية استطاعت الهروب من داعش
أَمَة جنس يزيدية استطاعت الهروب من داعش

خلال عمله أجرى دنايي مقابلات مع 1400 امرأة وطفل من الناجين من داعش. حتى اليوم تم تحرير 2289 امرأة وطفل، ولكن 3,700 ما زالوا أسرى لدى داعش ويمرّون بانتهاكات لا تُحتمل كل يوم. من بين اللاجئين الذين هربوا، تم نقل 1100 إلى ألمانيا، حيث تم استيعابهم وستتم إعادة تأهيلهم، وسيتلقون دعما نفسيا. ومع ذلك، فإنّ أكثر من 2000 ما زالوا يفتقدون كل شيء، بلا حول ولا قوة، ويعيشون حياة تفتقر إلى الظروف الأساسية وبالتأكيد لا يتلقون دعما نفسيا لمساعدتهم على مواجهة الصدمة النفسية التي مرّوا بها. للأسف الشديد، لم يتم العثور على دولة أخرى توافق على أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تقديم المساعدة.

عودة إلى الدين

أدّت الأزمة التي تواجهها الجالية اليزيدية إلى تغييرات في الدين القائم منذ أكثر من 4000 عام. وفقا للتقاليد اليزيدية، فالطريقة الوحيدة للانضمام إلى هذه الديانة هي الولادة داخلها. والزواج مسموح فقط من أبناء الديانة ذاتها، ومن يتزوج خارج الجالية، أو يبدّل دينه، لا يمكنه أبدا العودة إلى حضن الديانة.

ومع ذلك، في ظلال الأزمة، يحظى الناجون اليزيديون باحتضان من قبل رجال الدين. لقد وافقوا، بشكل غير مسبوق، على أن يقبلوا في الدين مجددا أطفالا أسلَموا قسريّا تحت حكم داعش، ونساء تمت أسلمتهنّ وتزوّجنَ من مقاتلين مسلمين. تحدّث دنايي متأثرا عن طفل صغير، كان خلال 9 أشهر أسيرا في داعش. مرّ بعملية أسلمة، وتعلم القرآن طوال خمسة أشهر. وعلى مدى أربعة أشهر أخرى اجتاز تدريبات قتالية متقدّمة ليصبح طفلا مقاتلا في صفوف داعش. بعد تحريره من الأسر، أخبر الدكتور دنايي أنّه يحفظ غيبًا أكثر من مائة سورة. سأله دنايي إذا كان يعتبر مسلما الآن، ولكن الطفل أجاب “لا إطلاقا، ما زلت يزيديّا”.

لقد اغتصبوني واحدا تلوَ الآخر وسمّوا ذلك جهاد النكاح

تحدث دنايي عن المزيد من الأدلة، صور الناجين، وقصص اللاجئين. كانت كلها صعبة، وتمزق القلب. تحدث عن قصة فتاة صمّاء بكماء، تم أسرها وأصبحت أَمَة جنس، ولكن أحدا لم يكن يرغب في شرائها في سوق العبيد. وقد توجّهت هذه الفتاة إلى سيّدتها، وسألتها: “لماذا لا تساعديني؟ لماذا تسمحين لزوجك باغتصابي كل ليلة بدلا من أن تمارسا العلاقات الجنسية معا”. وردّا عليها أجابتها المرأة: إذا ساعدتك في الهرب، سيحضر زوجي امرأة أخرى. أنت على الأقل قادرة على الطهي والتنظيف بدلا منّي”.

في نهاية المحاضرة عرض دنايي مقطع فيديو فيه مقابلة مع اليزيدية نادية مراد، وهي فتاة يزيدية جميلة تم أسرها من قبل داعش وأصبحت أَمَة جنس. بعد أن نجحت في الهروب والتحرّر أصبحت مراد واجهة للنضال اليزيدي في العالم كله. “لقد اغتصبوني واحدًا تلوَ الآخر، اغتصابًا جماعيّا، وسمّوا ذلك “جهاد النكاح” كما تقول. شاهدوا المقابلة:

https://www.youtube.com/watch?v=VRdMzHa6_WA

 

 

اقرأوا المزيد: 1205 كلمة
عرض أقل
نادية مراد (صورة من فيس بوك)
نادية مراد (صورة من فيس بوك)

جائزة نوبل لنادية مراد؟

نادية مراد، شابة يزيدية اختطفتها داعش وعذبتها، فأثارت وعيا عالميا وإقليميا كبيرا حول معاناة النساء اليزيديات منذ صيف 2014. والآن تُرشحها الحكومة العراقية لجائزة نوبل للسلام

أعلنت وزارة الهجرة والمهاجرين العراقية، أمس، أنّ الحكومة العراقية ستُرشح، في الأيام القادمة، نادية مراد طه لجائزة نوبل للسلام. مراد هي شابة يزيدية من قرية كوشو جنوب سنجار، اختطفتها داعش واستعبدتها طوال ثلاثة أشهر حتى نجحت في الفرار. شرحت الحكومة العراقية سبب ترشيحها للجائزة موضحة مساهمتها الكبيرة في نشر المعلومات حول العالم عن معاناة النساء العراقيات بشكل عام، واليزيديات بشكل خاص، تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.

وصل خبر مراد إلى حكومتها في أعقاب جولة طويلة شهدت خلالها بشجاعة وصراحة مثيرين للإعجاب أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبعد ذلك في ظهور دراماتيكي أمام جلسة مجلس الأمن في نيويورك. بعد ذلك فورا أجرت زيارة لعدة أيام إلى مصر. التقت خلالها بالرئيس عبد الفتّاح السيسي وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي طلبت منه أن تنشر بين الشباب الوعي حول خطر الانضمام إلى داعش. وكشفت مراد، في كل ظهورها العلني في الإعلام والمنتديات العالمية، عن معلومات أولية حول ممارسات الاستعباد، العنف الجنسي والتجارة بالبشر لدى التنظيم الإرهابي الجهادي. وقد شددت في قصتها على حياة الأسيرات المستعبدات اليومية وتحدثت، مرارا وتكرارا، عن قصة قريتها الصعبة، كوشو، التي كانت، كما يبدو، القرية الأكثر معاناة من أية بلدة أخرى بسبب قبضة داعش القوية في سنجار.

وفي مقابلة مطوّلة في برنامج مقدّم البرامج المصري، عمرو أديب، حكت نادية القصة المأساوية التي حلّت بكوشو. لم يستطع 1700 من سكان القرية، المحاطة بقرى عربية سنية، الفرار مع بداية غزو داعش فحوصروا في منازلهم. وقد وعدتهم عناصر داعش بأنّه لن يحدث لهم أي مكروه إذا اعتنقوا الإسلام. وبعد عدة أيام قيل لهم إن عليهم إخلاء بلدهم والتوجه إلى جبل سنجار، ومجددا وُعدوا بألا يتم المساس بهم. ومن ثم تم جمعهم في مدرسة القرية، وهناك تم فصل الرجال عن بقية السكان ومن ثم قُتلوا. أخِذَ الأطفال والنساء إلى قرية مجاورة لسنجار. فأرسلوا الأطفال من سن الثالثة فما فوق إلى معسكرات تدريب داعش، وأُخِذَت النساء إلى مدن الموصل، تلعفر والحمدانية الواقعة تحت سيطرة داعش، حيث تم بيعهنّ هناك كإماء للجنس في أسواق العبيد التي افتتحها التنظيم.

https://www.youtube.com/watch?v=f1zOTc2wbpY

نادية مراد في برنامج عمرو أديب في التلفزيون المصري، 26 كانون الأول 2015

تحدثت نادية بصراحة عن أيام أسرها من قبل داعش. أخِذَت إلى التجمّعات في مدينة الموصل حيث احتُجزت فيها آلاف الإماء، وبيعت بمزادات علنية نظّمها قاض في المحكمة الشرعية في المدينة من أجل مقاتلي التنظيم وسكان المدينة. وقد نُشرَت صور النساء في المحكمة الشرعية وكان الناس يأتون لشراء أو استجار الإماء لأنفسهم، حيث كانوا يُتمّمون الصفقة مع عنصر من داعش كان “مالك” تلك الأَمة. وفي وقت لاحق كان يأتي المشترون إلى منزل “المالك”، حيث تم أخذ الأمَة إلى هناك وتأجيرها لمقاتلي داعش ورعاياها لفترة محدودة، وأحيانا حتى لساعة أو ساعتين. لم يكن لدى النساء خيار للاعتراض، وكنّ يعطين بشكل تام لأتباع المشتري أو المستأجر. في أحيان عديدة كان يتم ضربهنّ، إهانتهنّ والتحرش بهنّ جنسيا خلال البيع أو الإيجار وبعد ذلك يتم اغتصابهنّ في منازل المشترين، وفي بعض الأحيان مرات عديدة في اليوم.

طلب عمرو أديب، المقرب من دوائر الحكم المصري، مرارا وتكرارا، من مراد الكشف عن معلومات إضافية عن التجربة الفظيعة التي مرت بها، معتذرا عن تطفّله. ورغم الموقف الصعب أجابت مراد عن أسئلته بشجاعة وأثارت إعجابا جماهيريا كبيرا. وتدريجيا كسبت لنفسها مؤيدين كثر في المجتمع اليزيدي وفي الرأي العام العراقي، العربي والعالمي. كان اليزيديون الذين وصفوها بـ “الأميرة الجديدة للشعب اليزيدي” هم الذين طرحوا فكرة منحها جائزة نوبل. في أعقاب ذلك فُتحت عدة مجموعات فيس بوك في العراق لطلب مماثل، وقد اكتسبت شعبية هائلة في أوساط عشرات آلاف المتصفحين. وتوافقت الحكومة العراقية، في الواقع، مع التأييد الجماعي والشعبي الكبير الذي اكتسبته مراد في الأسابيع الماضية، وقامت بذلك بخدمة مهمة لقضية النساء المختَطَفات، التي تم إهمالها في وسائل الإعلام ومن قبل الحكومة منذ سقوط سنجار.

ومن الممكن تماما أنّ تقديم ترشّح مراد لجائزة نوبل يهدف إلى “الركوب” على ظهر تلك الشعبية التوافقية، العراقية العامة، ومحاولة امتلاك القضية اليزيدية وقضية النساء المختطفات للعراق. وكذلك تسعى الحكومة العراقية إلى الإشارة بأنها لا تزال المسؤول الأول عن سلامة مواطنيها من جميع الأصول والأجناس. وكخطوة صورية فهي خطوة ذكية جدا، ولكن إذا لم تفز مراد بتلك الجائزة فستتبدّد شعبيّتها بسرعة، في حين ستنتظر إعلانات الدعم وتصريحات التضامن اليوم لتسديدها من قبل الحكومة العراقية.

نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 657 كلمة
عرض أقل
الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)
الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)

المضطهدون: 8 حقائق عن الآشوريين

حتى وقت قريب، كان يعشي ملايين الآشوريين في العراق وسوريا - ولكن داعش تضطهدهم الآن. الخطيئة: إنهم مسيحيون

حدث ذلك عشية الخامس من آب عام 2014، حيث سيطر “المغول الجدد” – وفق ما تتم تسمية مقاتلي داعش في العراق – تقريبا دون أية مقاومة على سهل نينوى شمال العراق. لقد سقطت مدينة الموصل – نينوى القديمة، المدينة العظيمة، عاصمة مملكة آشور القديمة – قبل ذلك، في العاشر من حزيران عام 2014.

العلم الآشوري (Wikipedia)
العلم الآشوري (Wikipedia)

وليس صدفة أن تُجرى مقارنة بين داعش والمغول، الذين دمّروا في القرن الثالث عشر هذه المنطقة من البلاد وكذلك الإمبراطورية العربية المجيدة. يتحدث المؤرخون عن المغول المحتلّين باعتبارهم متوحّشين، لم يتردّدوا في قطع الرؤوس وأدوا إلى هرب جماعي، ممّا حوّل المقاطعات المزدهرة إلى قِفار.

الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)
الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)

وكان الغزاة البرابرة في ذلك الحين وثنيين؛ واليوم، فإنّ مسلّحي داعش يعملون باسم الإسلام وللمفارقة فهم يرفعون أعلام الخلافة العباسية السوداء والتي دُمّرت في النهاية على أيدي المغول. ولكن النتيجة ذاتها.

فمعظم القرى والمدن الإحدى عشرة في سهل نينوى، حيث عاش اليزيديون، التركمان المسيحيون وأبناء الطائفة الآشورية، فُرّغت من سكانها قبل أيام معدودة من الاحتلال. وبعد سقوط الموصل وهرب القوات العراقية المسلّحة وقوات البشمركة الكردية من المنطقة، لم يشكّ في المنطقة أنّ ليس هناك من يوقف وباء داعش.

الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)
الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)

تم الحديث كثيرا عن الأكراد واليزيديين وبتوسّع. وتضطهد داعش الآشوريين اليوم بل وتم الحديث مؤخرا عن قوة نسائية مسيحية – آشورية تعمل مع قوات الثوار السوريين لإسقاط الدولة الإسلامية، ولكن من هم الآشوريون؟‎ ‎

10 حقائق مثيرة للاهتمام عن الآشوريين

الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)
الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)

1.الآشوريون هم مجموعة عرقية تتحدث الآرامية الحديثة ودينها هو الدين المسيحي.

2.ويعيش معظم الآشوريين اليوم بشكل أساسيّ في شمال العراق، ولكن في جنوب شرق تركيا، في أذربيجان، كردستان وشرق سوريا أيضًا. وهناك الكثير من المغتربين في أوروبا والولايات المتحدة.

3.دينيًا، فهم ينتمون إلى عدة كنائس من بينها الكنيسة الآشورية. المشترك لدى جميعهم هو استخدام اللغة السريانية القديمة كلغة الصلاة.

الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)
الطائفة الآشورية في الشرق الأوسط (AFP)

4.وينبع اسم الآشوريين نسبة إلى الشعب الآشوري القديم، ولكن لا يقبل جميعهم هذه التبعية. ويفضّل بعضهم أن يسمّوا “الكلدان” (نبوخذ نصر الثاني هو الملك الأشهر للإمبراطورية الآشورية)، بينما يفضّل آخرون أن يسمّوا الآراميين أو السريان (على اسم الكنيسة السريانية).

5.بنى الآشوريون الكنائس، وترجموا الكتاب المقدّس إلى السريانية، وكذلك كتابات أرسطو وكلوديوس. وقد انتقلت عن طريق الآشوريون العلوم اليونانية، الفلسفة والطبّ إلى العرب.

شابّات سوريات مسيحيات يُحاربن داعش (AFP)
شابّات سوريات مسيحيات يُحاربن داعش (AFP)

6.واضطهدت “تركيا الفتاة” التي سيطرت على الإمبراطورية العثمانية في سنواتها الأخيرة الآشوريين، كأقلية مسيحية. وقد بدأ طردهم من منازلهم بدءًا من عام 1914. فخلال العام 1915 قُتل نحو 750,000 آشوري، والذين كانوا يمثّلون نحو ثلاثة أرباع السكان الآشوريين في المنطقة. أما الجالية الآشورية الصغيرة التي ظلت في جنوب شرق تركيا فقد خرجت من هناك بدءًا من السبعينيات مع تطوّر الصراع بين الحكومة التركية والأكراد في المنطقة.

7.تعرّض الآشوريون للاضطهاد في العراق وإيران أيضا. ومؤخرا، مع سقوط نظام صدام حسين في العراق، ازداد انعدام الأمن لدى الجالية الآشورية في شمال العراق، وهاجر الكثير منهم إلى الغرب. هناك تمثيل صغير للجالية الآشورية في البرلمان العراقي، على شكل الحركة الديمقراطية الآشورية.

8.ويعيش اليوم وفقا للتقديرات أكثر من 3 ملايين آشوري في جميع أنحاء العالم. فبعضهم في الولايات المتحدة (جالية كبيرة بشكل خاصّ، نحو 80,000 نسمة، تعيش في شيكاغو). بالإضافة إلى ذلك، ففي أوروبا أيضا هناك جالية كبيرة من الآشوريين، وخصوصا في السويد، ألمانيا وروسيا.

اقرأوا المزيد: 474 كلمة
عرض أقل
البابا شيخ، المرجعية الدينية اليزيدية الأعلى، إلى جانب جمال وأسمهان وقت الإعلان عن زواجهما (صورة من الإعلام اليزيدي)
البابا شيخ، المرجعية الدينية اليزيدية الأعلى، إلى جانب جمال وأسمهان وقت الإعلان عن زواجهما (صورة من الإعلام اليزيدي)

حبّ الأزواج والدين اليزيدي أقوى من داعش

مرونة رجال الدين اليزيديين، بالإضافة إلى الحبّ الكبير بين الأزواج من الشبان والفتيات اللواتي اختُطفن واغتُصبن من قبل مسلحي داعش، تمكّن من زواج الفتيات المتضررات بأحبابهنّ

في الأسبوعين الماضيَين، تجري في المجتمع اليزيدي ظاهرة مهمة وغير مسبوقة، والتي تساهم في فهم جزء من الحساسية في الواقع اليزيدي اليوم، بعد عام وأكثر من الأحداث في سنجار. وهي ظاهرة النساء المختطفات اللواتي نجين من أسر داعش، ربما هي القضية الأكثر اشتعالا على جدول الأعمال اليزيدي، والتي تجعل الجالية اليزيدية تواجه التحدّي المعقّد لاستيعاب النساء وإعادة تأهيلهن.

قبل نحو أسبوعَين، أعلن زوجان شابان يزيديان، علي وفيان، عن زواجهما القريب في ألمانيا. ولكنهما ليسا زوجا عاديا. كلاهما من سكان سنجار، كانا زوجين في السنتَين الماضيتَين، ولكن في آب عام 2014 اختُطفت فيان من منزلها في سنجار من قبل عناصر داعش، مباشرة بعد غزو التنظيم للمنطقة، وبيعت كرقيق للجنس لمسلّحي التنظيم. في نفس الوقت كان يقيم علي في كردستان كعامل في شركة البناء أفرو سيتي (‏Avro City‏) في مدينة دهوك. عندما سمع عن اختطاف محبوبته انضمّ فورا إلى القتال؛ في البداية إلى قوات البيشمركة، ولكن بعد أن رفض هؤلاء العودة للقتال في سنجار تركهم وانضمّ إلى قوات YPG في روجابا (كردستان السورية). وقد عاد مع تلك القوات الأخيرة إلى سنجار وانضم هناك إلى “قوات حماية سنجار”، وهي الميليشيا اليزيدية المقاتلة ضدّ داعش في المنطقة. تحدث مع زملائه المقاتلين عن محبوبته فيان وعن اختطافها، وعُرف بينهم كمقاتل حازم يسعى إلى الانتقام من خاطفيها.

في بداية شهر كانون الأول الماضي قد فرّت فيان، مع 24 امرأة وفتاة يزيدية أخرى، من أسر داعش، ووجدت ملجأ في جبل سنجار. حدّد علي مكانها وهربا معا عائدين إلى كردستان وقرّرا الانتقال إلى ألمانيا والتزوج هناك. انتقلت فيان إلى ألمانيا في إطار برنامج إعادة تأهيل لمنظمة الناشط اليزيدي الدكتور ميرزا ديناي وتم أخذها إلى لقاءات علاجية طبية ونفسية. ومع استكمال العلاج في ألمانيا نجح علي أيضًا في الوصول إليها، وقبل نحو أسبوعَين أعلن الاثنان عن نيّتهما بالزواج.

علي وفيان في يوم الإعلان عن زواجهما في ألمانيا (صورة من الإعلام اليزيدي)
علي وفيان في يوم الإعلان عن زواجهما في ألمانيا (صورة من الإعلام اليزيدي)

نُشر هذا الأسبوع في الشبكات اليزيدية خبر عن زواج زوجين آخرين جمال فير خضر وأسمهان فير إبراهيم. وصل الاثنان إلى المعبد في لالش، وهو المكان الأكثر قداسة لليزيديين شمال مدينة الموصل، وأعلنا هناك عن خطوبتهما وعن زفافهما القريب. ولم تصل بعد تفاصيل كاملة عن الزوجين وخططهما، ولكنها هي أيضًا تم اختطافها من قبل عناصر داعش من قرية في منطقة سنجار وتم إطلاق سراحها مؤخرا من آسرها.

تُعرف الجالية اليزيدية كجالية محافظة ومغلقة، والتي يُعتبر شرف العائلة والمرأة فيها من الركائز الأساسية الحيوية لتجمّعها، وحدتها وبقائها. ولهذا السبب قدّرت ناشطات نسويات من كردستان، وأخريات من جميع أنحاء العالم، أن اليزيديين سيستنكرون النساء المختَطَفات عندما يتم إطلاق سراحهنّ من الأسر. وكان هناك من ذهب بعيدا إلى درجة التحذير بأنّ مصير النساء اليزيديات اللواتي سيُطلق سراحهنّ سيكون الموت أو الحبس من قبل مجتمعهنّ وأسرتهنّ، بسبب الاعتداء الجنسي الذي مررنَ به من قبل آسريهنّ وبسبب المسّ بـ “شرف العائلة”.

ومنذ بداية المأساة في سنجار نفى نشطاء يزيديون هذه الدعاوى وواجهوا النشاطات الكردية والأوروبية التي طُرحت. عندما بدأت موجة إطلاق سراح المختطفات في أيلول عام 2014 اجتمع “المجلس الروحي اليزيدي الأعلى”، والذي يتألف أعضاؤه من رجال دين يزيديين كبار وشخصيات بارزة في المجتمع، وصدر بيان علني، والذي هو بمثابة حكم شرعي، يقضي أنّ المحرّرات لسن “وصمة عار” أو “خزيًا” على المجتمع، وإنما اختُطِفنَ واغتُصبنَ ضد إرادتهنّ وبقين “يزيديات طاهرات”. وحثّ المجلس اليزيديين من جميع أماكن سكناهم على استيعاب المحرّرات ليعدنَ إلى حضن أسرهنّ ومجتمعهنّ والحرص على علاجهنّ الطبي والنفسي المناسب، من أجل إعادة تأهيلهنّ، وتمكينهنّ من الزواج لاحقا أيضًا. وقد تمت المصادقة على هذا البيان العلني في شهر شباط الأخير خلال بيان نشره البابا شيخ، وهو المرجعية الدينية العليا في الدين اليزيدي.

تصريح البابا شيخ في شأن إعادة تأهيل المحررات في المجتمع اليزيدي في شهر شباط 2015
تصريح البابا شيخ في شأن إعادة تأهيل المحررات في المجتمع اليزيدي في شهر شباط 2015

لاحقا تطلّب من رجال الدين اليزيديين التطرق الخاص إلى احتمال عودة المختطفات إلى أسرهنّ وهنّ حوامل بعد اغتصابهنّ. وحتى الآن ليست هناك تقارير ذات مصداقية عن وجود حالات كهذه، ولكن رجال الدين اليزيديين أقروا على أية حال أنّ الحظر الواضح الذي يمنع الإجهاض سيُلغى في هذه الحالات. وذلك من أجل تسهيل اندماج المحرّرات داخل أسرهنّ وداخل المجتمع المحلي.

إن إعلانات الزواج لرجال يزيديين من محبوباتهم المحرّرات، واللواتي اغتُصبن مرات عديدة في السجن ومررن باعتداءات قاسية، هي تصريح أولي أمام العالم الخارجي، ولكن قبل كل شيء أمام المجتمع اليزيدي المحافظ، بأنّ مرونة رجال الدين والتجديد التاريخي للتقاليد اليزيدية قد آتت ثمارها. إنّ هذه المؤشرات الأولى هي بمثابة تصريح بأنّ المجتمع اليزيدي لن يتنازل عن المختطفات ولن يتخلّى عنهنّ خارج حدوده. تدل التعليقات الحماسية لناشطات ونشطاء يزيديين في مواقع التواصل الاجتماعي عن حفلات الزفاف القريبة على أنّ المجتمع يدرك أهمية التوقيت، ويعتني بالمحرّرات ويحتضنهنّ. من الممكن تماما أن يستمر الدين اليزيدي في التحلي بالمرونة إزاء تحديات إعادة التأهيل الطويلة من الصدمة المجتمعية والصدمات الشخصية.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 710 كلمة
عرض أقل