الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID

الإسمنت الرخيص إلى البيوت في القطاع وأمّا الأسمنت الجيد فاستخدمته حماس للأنفاق (AFP)
الإسمنت الرخيص إلى البيوت في القطاع وأمّا الأسمنت الجيد فاستخدمته حماس للأنفاق (AFP)

من أين حصلت حماس على الإسمنت لبناء الأنفاق وغزةَ السُفلى؟

كي تستطيع حماس بناء الأنفاق استخدمت الإسمنت الأفضل واضطر سكان غزة للاكتفاء بالإسمنت الرخيص بثمن باهظ

في كل مرة يُكتشف نفق آخر من بين أنفاق الهجوم التي بنتها حماس في السنوات الأخيرة، يمكن أخذ انطباع من الجهد المستثمر في بنائها، وذلك حتى من قبل أن نعرف عن أنفاق الإدارة والسيطرة التي تمتلكها حماس من تحت غزة. أحد الأسئلة المقلقة هي من أين حصل رجال الذراع العسكرية لحماس على الإسمنت لبناء جدران الأنفاق، وذلك في ظل ظروف الحصار والنقص في الإسمنت والمواد عامة.

يبدو أن حماس أقامت لأجل ذلك آلية ضخمة كل هدفها أن تدخل ما أمكنها من إسمنت للقطاع، ومن الحديد ومواد البناء وباقي المواد المطلوبة لعملها تحت الأرض.

ظاهريًّا، عانى السكان في القطاع من نقص في نفس المواد كلها، وخاصة مواد البناء، لكن كما يتجلى يومًا بعد يوم منذ أن بدأت عملية “الجرف الصامد”، لم تعانِ الذراع العسكرية لحماس من نقص في العتاد أو الأموال وقد استعدت للمعركة جيدًا.

يبدو أن قسمًا من الإسمنت الذي سمحت إسرائيل في إدخاله للقطاع لدواعٍ إنسانية (مثلا بعد الفيضانات آخرَ 2013) قد صَبّ في النهاية بين يدي حماس. لكن، هذا ليس المصدر الوحيد، وكانت للحركة مصادر أخرى من الإسمنت.

أجرى الملحق الاقتصادي (كلكليست) لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، الصحيفة الإسرائيلية الأكثر قراءة، استطلاعات حول مصادر الإسمنت المعروفة منذ سنوات عديدة، وحاول الحصول على إجابة كيف نجحت وحدة الأنفاق لحماس في حصولها على الإسمنت الذي يعد بضاعة مطلوبة ونادرة في القطاع، بسبب الظروف التي تخيّم عليه.

إدخال مواد البناء والإسمنت الى القطاع عبر معبر رفح (AFP)
إدخال مواد البناء والإسمنت الى القطاع عبر معبر رفح (AFP)

حسب الدلائل التي نشرت في الصحيفة فإن قسطًا وفيرًا من الإسمنت الفاخر، مخبّأ في أنفاق التهريب في غزة. لقد ازدهر قطاع التهريب عبر الأنفاق في رفح خلال السنوات، لكن لا شك أن ذروة النشاط كان سنة حكم الإخوان المسلمين في مصر (تموز 2012 حتى حزيران 2013). في نفس الفترة، تسربت لوسائل الإعلام العربية معطيات لافتة عما يحدث هنالك.

حسبما يقول مهربون في نفس الفترة، في كل يوم هُرّب 3000-4000 طن من الإسمنت، الحديد وحجارة البناء. كانت حماس تعبئ جيوبها بـ 75 شاقلا من كل طن أدخل للقطاع عبر الأنفاق، ولذلك كان من مصلحتها أن تُدخل أكبر كمية من الإسمنت.

كانت أسعار الإسمنت ولا تزال مرتفعة في القطاع على طول السنين الأخيرة، بل وصل السعر الرسمي لطن من الإسمنت إلى 520 شاقلا. للمقارنة، يتراوح ثمن طن الإسمنت في إسرائيل حول 320 شاقلا. في السوق الغزية السوداء، وصل سعر طن الإسمنت إلى 1200 شاقل. وأما السوق السوداء فقد كان رجال حماس يديرونها.

كان مصدر الإسمنت المهرب “الفائق الجودة” من تركيا. حسب المهربين، كانت تصل شاحنات الإسمنت إلى ميناء العريش المصري، وكان يخزّن هناك. ومن هناك كان يهرب عبر الأنفاق إلى القطاع.

منذ 2011 بدأت تصل شكاوى أكثر فأكثر من مواطنين في القطاع عن جودة الإسمنت الذي يصل من الأنفاق. أعربت مقالات كثيرة، خُصصت عن الموضوع، في الصحافة الفلسطينية عن تخوّف بعض الغزيين من أن تنهار بيوتهم بسبب جودة الإسمنت المنخفضة.

الإسمنت الرخيص إلى البيوت في القطاع وأمّا الأسمنت الجيد فاستخدمته حماس للأنفاق (AFP)
الإسمنت الرخيص إلى البيوت في القطاع وأمّا الأسمنت الجيد فاستخدمته حماس للأنفاق (AFP)

تبيّن أن المقربين من حماس أصحاب الأنفاق استخدموا عدة طرق لرشوة عامة الزبائن في غزة: مثلا، أدخل إسمنت غير معروف مصدره (يبدو أنه من إنتاج مصري) إلى أكياس إسمنت من شركة ذات ماركة معروفة بجودتها العالية، أو أن أكياس الإسمنت مجهولة المصدر حظيت “بترقية” عبر إرفاق تفاصيل كاذبة على الغلاف حول الجودة. وصل الإسمنت الأجود من تركيا إلى رجال حماس الذين كانوا مشغولين كلّ تلك الفترة ببناء غزة السُفلى.

ولقد أقلق موضوع الإسمنت المغشوش الكثيرين في القطاع. لقد قصّ بعضهم للصحافة أنهم قد توقفوا عن بناء البيوت تخوفًا من انهيار البيوت مع الزمن بسبب الإسمنت الضعيف.

يتم حفر الأنفاق غالبًا تحت الأرض ببضعة أمتار وعلى شكل مناوبات (Flash90/Abed Rahim Khatib)
يتم حفر الأنفاق غالبًا تحت الأرض ببضعة أمتار وعلى شكل مناوبات (Flash90/Abed Rahim Khatib)

يدعي أسامة كحيل، رئيس رابطة المقاولين في القطاع، أنه قدّم في الماضي طلبًا رسميًّا إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) كي تموّل اقتناء أجهزة لفحص جودة الإسمنت الذي استُعمل في غزة، وذلك على ضوء كثرة الشكاوى والمخاوف. ولكن، لم يُستجب للطلب.

وطُرح السؤال إن كانت قطر وحماس قد خدعتا إسرائيل ومصر في موضوع الإسمنت ؟ قبل سنتين، صادقت إسرائيل لقطر على تمويل مشاريع لترميم القطاع بمبلغ قدره 400 مليون دولار. حسب الاتفاق، من أجل تنفيذ المشروع القطري، أُدخِل لغزة بصورة منظمة ومكشوفة عبر معبر رفح الإسمنت “عسكري”، لأن الجيش المصري نقله من أحد مخازن شركات المقاولة الكبيرة في مصر.

حسب شهادة الصحفيين الغزّيين، في اللحظة التي دخل فيها لقطاع غزة أصبح الإسمنت ملكًا حصريًّا لرجال حماس. جُمعت كل حمولة الإسمنت في مكان واحد، وتم تأمينها من مسلحي حماس وكان نشطاء الحركة مسؤولين عن توزيعها. لم يهتمّ القطريون كثيرًا إلى أين يذهب الإسمنت، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي مواد البناء التي موّلوها.

اقرأوا المزيد: 664 كلمة
عرض أقل
  • بيل كليتنتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين خلال التوقيع على اتفاقية أوسلو (GPO)
    بيل كليتنتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين خلال التوقيع على اتفاقية أوسلو (GPO)
  • اتفاقيات أوسلو البيت الأبيض 1993 (AFP)
    اتفاقيات أوسلو البيت الأبيض 1993 (AFP)
  • فشل محادثات كامب ديفيد (AFP)
    فشل محادثات كامب ديفيد (AFP)
  • جورج بوش, ايهود اولمرت, ومحمود عباس خلال مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة (AFP)
    جورج بوش, ايهود اولمرت, ومحمود عباس خلال مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة (AFP)
  • عباس ونتنياهو في لقائهما عام 2010 (AFP)
    عباس ونتنياهو في لقائهما عام 2010 (AFP)
  • صائب عريقات وتسيبي ليفني مع جون كيري بعد لقائهم في واشنطن (AFP)
    صائب عريقات وتسيبي ليفني مع جون كيري بعد لقائهم في واشنطن (AFP)

المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية: محادثات دون هدف

لم يعط أي أحد تقريبًا فرصة لجهود جون كيري لإنقاذ المفاوضات مع الفلسطينيين، ويبدو أحيانًا أن القضية لا نهائية. هل السبب لذلك "صانعو السلام"، الذي يريدون فقط إجراء محادثات من غير وصول للحسم فيها؟

مضى ما يقرب 21 سنة منذ تصافح ياسر عرفات وإسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض واتفقا على بدء عملية تاريخية، من السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كان الطموح المعلن عنه هو التوصل لاتفاق دائم بين الجانبين خلال خمس سنوات فحسب. لكن خلال 21 سنة من هذه المسيرة، لم يشهد الجانبان إلا الخيّبة والمرارة، وحتى عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بغاية الفخر والافتخار عن تجديد المحادثات في نيسان 2013 لم يستجب أحد لآماله.

هل مصير عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أن تستمر للأبد بلا غاية؟ كيف وصلنا إلى هذا الوضع العسير، الذي  لا يجرؤ أي أحد فيه على تصوّر حل سياسي يضع نهاية لسفك الدماء، وحدًّا بين إسرائيل وفلسطين؟ إحدى الإجابات المحتملة هي أن في القدس ورام الله من يرغب في إجراء محادثات وألّا يوقّع على أي اتفاق. وهكذا يستمر الحاضر للأبد، ولن يحضر المستقبل أبدًا.

هناك من يدعي في اليمين الإسرائيلي أن  الإسرائيليين أنفسَهم المنفعلين بشدة لإجراء المفاوضات هم الذين يعثّرون إمكانية الوصول لاتفاق. صرّحت أييلت شاكيد عضو الكنيست من البيت اليهودي، وهي من كبار المعارضين اليوم لإقامة دولة فلسطينية أو حتى مجرد الاعتراف بأي حقوق للفلسطينيين، أن اليسار الإسرائيلي – الذي يعلن مرارًا وتكرارًا عن أهمية المفاوضات- لا يريد قطّ التوصل للسلام.

عضو الكنيست أييلت شاكيد: "اليسار الإسرائيلي مصمم على استيراد التحريض إلى الجامعات الإسرائيلية" (Hadas Parush/Flash 90)
عضو الكنيست أييلت شاكيد: “اليسار الإسرائيلي مصمم على استيراد التحريض إلى الجامعات الإسرائيلية” (Hadas Parush/Flash 90)

حسب ما تقول شاكيد، كل المنظمات الإسرائيلية التي تعمل من أجل منح الدعم لاتفاقيات السلام من الجمهور الإسرائيلي ليست إلا “ترتيبات عمل”، كمصلحة اقتصادية لجماعة اليسار الإسرائيلية. الأمثلة كثيرة: “مبادرة جنيف” هي حركة تعمل منذ 2003 لدفع الاتفاق السياسي، حركة “مستقبل أزرق أبيض” التي تدعم إخلاءً إراديًّا للمستوطنين، وهيئات مثل “مركز بيرس للسلام” الذي يدعم عدة مبادرين للتقريب بين الإسرائيليين والعرب- ترى شكيد (وعامّةُ اليمين الإسرائيلي) في كل هذا عملا غايتُه أن يؤمّن معاشا وربحًا ماليا لكل من يعْرض نفسه كمحب للسلام.

تحظى هذه الهيئات بتمويل كريم للغاية. هكذا مثلا، استلمت مبادرة جنيف سنة 2010 مبلغ 220000 ألف دولار من الوكالة الأمريكية  USAID ،  تقريبًا  نصف مليون فرنك سويسري من وزارة الخارجية السويسرية، نصف مليون شاقل من حكومة النرويج وغيرها من عشرات آلاف الدولارات من حكومة هولندا، إسبانيا والسويد.

طبعًا هذه المعطيات لا تثبت بأي حال من الأحوال ادعاءات شكيد أن منظمات السلام غير معنية حقًا بالسلام، إلا بربحها المالي. لكن مع كل هذا فهنالك دعوى واحدة صحيحة: تُضخُّ ملايين الدولارات كل سنة للحفاظ على مجرى عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ورغم الاستثمار الضخم، ما زال الأفق مسدودًا، ولا يتوقع أحد أن تزدهر عملية السلام.

في اليسار هنالك أيضًا من يوافق على أن المفاوضات أجريت لمجرد القيام بمفاوضات، لا لتمضي نحو سلام حقيقي. كتب مؤخرًا الصحفي الإسرائيلي أوري مسجاف، الذي يدلي بآراء يسارية في صحيفة “هآرتس”: “أنا قلق إن رأيت مرة أخرى ليفني وعريقات يجتمعان مع مبعوث أمريكي لإيجاد “صيغة لاستمرار المفاوضات”، إني قد أفقد تعقّلي”.

مؤتمر صحفي مشترك لكيري والمفاوضين صائب عريقات وتسيبي ليفني في واشنطن (U.S State Department)
مؤتمر صحفي مشترك لكيري والمفاوضين صائب عريقات وتسيبي ليفني في واشنطن (U.S State Department)

حسب ما يقول مسجاف: “في هذه المرحلة تقصي المفاوضات السلام بدلا من أن تُدنيه”. لكنه يدعي، أن المتهمين بذلك هم في الجانب الإسرائيلي: “ربما كانت هذه هي الخطوة العبقرية لجبان السلام نتنياهو. أن يطبع في الوجدان الإسرائيلي الصعوبة العظيمة المطلوبة لكي يستمر فقط في التفاوض. وأما بيت القصيد المطلوب: إن كان هذا هو الثمنَ من أجل إجراء المحادثات، فلا يمكن تصوَر ما يتطلبه تحقيق الأمر في الواقع”.

لن تجد يومًا تصريحًا متشائمًا من قبل الوسطاء. المتحدثة باسم الحكومة الأمريكية، جين ساكي، تكرر أسبوعًا بعد أسبوع  الأقوال المملة من نوع: “ما زالت الحكومة الأمريكية تؤمن أنه يمكن التوصل لاتفاق يمكنه  تقييم المحادثات”، “الفجوات ما زالت واسعة، لكننا نعتقد بإمكانية تقليصها”، “هذه فرصة عباس ونتنياهو لاتخاذ قرار تاريخي”، وهكذا دواليك، تصريحات لا تؤدي إلى أي مكان. تُسمع بعض التصريحات المماثلة بوتيرة مستمرة من أفواه كبار الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم مسؤولة العلاقات الدولية كاثرين آشتون.

على نقيض التفاؤل الأمريكي والأوروبي حول إمكانية التوصل لاتفاق سلام في الشرق الأوسط،  تقف تصريحات القادة الإسرائيليين والفلسطينيين كشواهد على مدى سوء الوضع القائم. إن محمود عباس وبنيامين نتنياهو حقا  يصرحان كُلَّ الوقت أنهما ملتزمان باستمرار المفاوضات، وأنهما يحترمان جهود الوساطة الأمريكية. لكن يظن بعض المحللين أن كليهما، عباس ونتنياهو، يشكلان مرآة الواحد للآخر: كلاهما لا يوافق على تقدم حقيقي في المفاوضات، وكلاهما ينتظر فشل المفاوضات كي يستطيع  اتهام الآخر بذلك.

 كلينتون مع نتنياهو وعباس (Flash90)
كلينتون مع نتنياهو وعباس (Flash90)

يكفي أن نفحص ما يحدث على مستوى الأفراد من غير القادة، كي نرى إلى أي مستوى يصل العداء: في شهر آذار السابق ألقى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سلطان أبو العينين خطابا أثنى فيه على دلال المغربي، التي قادت عملية إرهابية قُتل فيها 35 إسرائيليًّا- من بينهم 12 ولدًا قُتلوا بسابق الترصد سنة 1978. إن الثناء والمدح لأناس قتلوا أطفالا، يقوي فقط ادعاءات أولئك الذين لا يؤمنون بإمكانية السلام.

من الجهة الأخرى، يتذرع الفلسطينيون بتصريحات الإسرائيليين كدليل على عدم جديتهم في السلام. في مقابلة أجراها مع القناة الإسرائيلية الثانية، اقتبس جبريل الرجوب من كلمات الوزير الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي قال إنه إذا اجتمع في غرفة واحدة مع محمود عباس “فسيطلب منه إعداد القهوة”. “انظروا لأنفسكم في المرآة”، قال رجوب للمقابِلين الإسرائيليين.

جبريل الرجوب (Flash90/Nati Shohat)
جبريل الرجوب (Flash90/Nati Shohat)

على خلفية ذلك، كتب باراك رافيد مؤخرًا، وهو من كبار الكتاب السياسيين في إسرائيل، ويكتب في صحيفة “هآرتس”: يحاول وزير الخارجية الأمريكية أن يطيل أمد مفاوضات عقيمة لا تثمر شيئا”. لذلك، دعا ربيدُ كيري إلى نبذ جهود الوساطة غير الناجعة، حتى يتوسل الجانبان كي يعود وينقذهما. وإذّاك، يُنصح كيري بأن يبقى في الولايات المتحدة وأن يتخلى عن الإسرائيليين والفلسطينيين. إن لم يكونوا يملكون ما يكفي من الشجاعة لإنفاذ السلام، فلن تستطيع الولايات المتحدة إجبارهم على فعل ذلك.

اقرأوا المزيد: 825 كلمة
عرض أقل
إسرائيل تخصص  20  ألف دونم من أراضي المنطقة C للسلطة الفلسطينية (Flash90/Nati Shohat)
إسرائيل تخصص 20 ألف دونم من أراضي المنطقة C للسلطة الفلسطينية (Flash90/Nati Shohat)

خطوة تبني الثقة: إسرائيل تخصص أراض للفلسطينيين

كشفت صحيفة معاريف أن إسرائيل، في هذه الأيام، تنوي أن تخصص 20 ألف دونم من أراضي المنطقة C، شريطة أن تكون تحت سيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية، للسلطة الفلسطينية لأهداف المشاريع الاقتصادية

هل تعلن إسرائيل عن خطوة تبني الثقة؟ نشرت صحيفة معاريف صباح هذا اليوم أنه للمرة الأولى، تنوي إسرائيل تحديد مساحة تبلغ 20 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية الخاصة بهدف تطوير مشاريع ضخمة في السلطة الفلسطينية في مجال الزراعة والأراضي التجارية.

سيتم في هذه الأراضي، التابعة للمنطقة C، منذ اتفاقيات أوسلو، تسريع عملية المصادقة على المشاريع حيث لا تتعدى 90 يومًا. بادر الأمريكيون، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID والتي ستموّل المشروع، إلى هذه الفكرة.

وفق التقرير، يقوم جهاز الأمن، في هذه الأيام بالعمل على المصادقة على الأراضي التي سيتم تسليمها. وضحت جهات سياسية في إسرائيل في نطاق أعمال جهاز الأمن أنه “يجري الحديث عن أراض سيتم شملها في أي تسوية في الدولة الفلسطينية”. من الجدير ذكره، أنه نظرًا للأهمية الأمنية للأراضي التي سيتم تسليمها للفلسطينيين لاحتياجاتهم الاقتصادية، هنالك حاجة للحصول على مصادقة وزير الدفاع، موشيه يعلون.

يجري الحديث عن منطقة تبلغ مساحتها نحو واحد بالمئة من كافة أراضي المنطقة C في الضفة الغربية، وتمتد على مساحة نحو مليوني دونم. قرروا في إسرائيل الموافقة على الطلب الأمريكي “لإثبات أن إسرائيل على استعداد للمصادقة على تطوير مشاريع اقتصادية وتجارية في أراضي المنطقة C، وأنها لا تعيق التطور الاقتصادي الفلسطيني.

نشير إلى أن أراضي المنطقة C تشكّل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتسيطر إسرائيل مدنيًا وأمنيًا عليها. يجري نزاع طوال سنوات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول السيطرة على هذه الأراضي. يرى الفلسطينيون فيها جزءا متكاملا وذا أهمية في الدولة التي سيقيمونها، وتمرر جهات دولية، وتحديدًا دول الاتحاد الأوروبي، مبالغ طائلة لإنشاء مشاريع مدنية مختلفة في المنطقة.

اقرأوا المزيد: 238 كلمة
عرض أقل
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID

الدبلوماسية الاقتصادية في مناطق نزاع

تحاول الولايات المتحدة، عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID تقديم المساعَدة لرجال أعمال فلسطينيين، لكنّ الصعوبات التي يواجهونها هي قُطرية ومحلية جدًّا إلى درجة أنّ أكبر هيئة مساعدة في العالم لا يسعها حلّها.

زار المدير التنفيذي لـ ‏USAID‏، راجيف شاه، إسرائيل، وجال في مشاريع تُموّلها ‏USAID‏، والتقى بتلاميذ، يدرسون في برنامج إدارة أعمال في جامعة تل أبيب (برنامج إدارة أعمال لمبادِرين هامّين، هو ثمرة تعاون مع جامعة نورث ويسترن، الولايات المتحدة، “برنامج لاهف” لجامعة تل أبيب وكلية الإدارة على اسم ريكانتي)

لكن فيما قدّم شاه، المفعم بالنوايا الحسنة ولكن الذي لم يذكُر تفاصيل، للتلاميذ تصريحات عامة – حول أهمية العلاقات بشركات أمريكية، الواقع أنّ الأمريكيين لا يقومون بعد بما يكفي من أجل النساء المبادِرات، وأهمية التقدُّم في الحصول على ثقة ورصيد عبر استشارة ممثّلي ‏USAID‏ في المنطقة – تبيّن من إحدى الحاضرات أنه حتى الاستخدام البسيط لـ ‏ PayPal (تجارة إلكترونية تتيح نقل الأموال والدفع عبر موقع إنترنت) لا يستطيع الفلسطينيون القيام به.

والتحدي الآخر الذي يواجهونه يوميَّا، هو صعوبات التصدير، شحنات المنتجات الزراعية التي يجب أن تجتاز بيروقراطية انتقال معقّدة وصعوبات تنقّل أخرى.

تمنح ‏USAID‏ نحو 20 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين كل عام في أنحاء العالم. بين أكبر متلقي المساعدة: إسرائيل ومصر.

ووصلت المساعدة المالية المقسومة على مشاريع مختلفة في السلطة الفلسطينية إلى مبلغ إجمالي من 4.5 مليارات دولار في العقدَين الأخيرَين (منذ 1994)، وفقًا لمعطيات نشرتها الوكالة الأمريكية. وللمقارنة، حصلت إسرائيل خلال عام 2012 على نحو 3 مليارات دولار كأموال مساعدات مختلفة من الولايات المتحدة.

المشاريع الزراعية التي تقوم بها وكالة ال- USAID في الضفة الغربية
المشاريع الزراعية التي تقوم بها وكالة ال- USAID في الضفة الغربية

في نهاية الحديث مع التلاميذ، الذين يملك بعضهم مزرعة توابل في أراضي السلطة ويعملون في التصدير، فيما آخرون هم مبادرون في شركات ناشئة أو في التجارة الإلكترونية، سألتُ شاه: ما هي الصعوبات التي يطرحها رجال أعمال فلسطينيون أمامهم، في أية مراحل عليه التوجه للحكومة الإسرائيلية لطلب تسهيلات؟

أجاب شاه أنّ لـ ‏USAID‏ خبرةً متواصلة في المحادثات وحلّ المشاكل بين رجال أعمال فلسطينيين، السلطات الفلسطينية، ونظيرتها الإسرائيلية لتكون التجارة أكثر نجاعة. “اليوم زرنا أراضي السلطة، والتقينا طاقمًا من مصدّري المنتجات الزراعية. قبل خمس أو ست سنوات، نجحوا في تصدير نحو 80 شاحنة في اليوم إلى خارج أراضي السلطة. اليوم، يبلغ الرقم نحو 1200 شاحنة يوميَّا. أحد الأمور التي ساهمت مثلًا في زيادة التصدير هو توفير ماسحات إلكترونية متطوّرة موّلتها الولايات المتحدة في المعابِر. التقينا اليوم برجال أعمال يقدّرون جدًّا ما نفعله”، قال.

وأضاف شاه، أنّ ‏USAID‏، في نهاية المطاف، هي مجرّد طرف ثالث بين طرفَين، وأنها ليست مَن سيجلب حلًّا شاملًا في المنطقة. “يمكن إحراز الحلّ الشامل فقط عبر معاهدة سلام بين الجانبَين. قال وزير الخارجية كيري يوم الأربعاء (6 تشرين الثاني، في القدس) إنّ الولايات المتحدة غير معنّية بتوقيع معاهدة سلام من أجل المعاهدة. لكنها معنيّة بتغيير طابع سلوك الجانبَين في هذه المنطقة”.

مشاريع تربوية تقوم بها وكالة ال- USAID في الضفة الغربية
مشاريع تربوية تقوم بها وكالة ال- USAID في الضفة الغربية

سألنا شاه أيضًا حول ماهيّة المساعدة المقدّمة للّاجئين السوريّين، فذكر أنّ الولايات المتحدة تحاول مساعدة نحو مليونَي لاجئ سوريّ فرّوا خارج بلادهم، وكثيرين في سوريا وضعهم سيّء. “مرّرنا اليوم مبلغًا يقارب 1.3 مليار دولار كمساعدة، وخصّصنا كذلك الكثير من الموارد. من جانبنا، ثمة تزويد ماء ومعدّات طبيّة. لكنّ المساعدة الإنسانية بحدّ ذاتها لن تجلب حلًّا. نواصل العمل مع الدول المجاورة في المنطقة والأمم على طول الحدود الموجودة تحت ضغط شديد، وسنواصل تقديم المساعدة”.

عُدنا إلى المبادِرة الفلسطينية، نسرين صابي، التي تُدير موقع كليك أند بيك. “الصعوبة الحقيقية ليست معابر الحدود بل التجارة عبر الشبكة تحديدًا. اليوم، لا يمكننا أن ننصّب في موقعنا ‏PayPal رغم أنّ هذه شركة أمريكيّة. شركات الائتمان غير مستعدّة لمساندتنا لإجراء مبيعات في الإنترنت. لأنّ لديّ رقم بطاقة ائتمان صادرًا عن مصرف فلسطيني، يُرفَض فورًا”.

هل جربتِ طرح ذلك أمام ‏USAID‏؟

“نعم. تحدثنا معهم حول هذا. أجابوا بأنهم يعملون على ذلك، وأرسلوا وطاقم بحث يفحص ما الصعوبة. أظنّ أنّ ثمة مشكلة مع النظام المصرفيّ الفلسطيني، وكذلك الإسرائيليّ. تُفترَض مصادقة كلَيهما”.

بعد اللقاء مع المبادِرين الفلسطينيين، اتّصلتُ بـ ‏ Paypal‏ لمحاولة فهم أصل المشكلة. وكان ردّهم الرسمي الآتي: “تعمل PAYPAL في 193 دولة في العالم وتدعم 26 عملة نقدية مختلفة لتتيح للتجار والمشترين القيام بتجارة إلكترونية بسرعة، بشكل مريح وآمن. الدخول إلى أسواق جديدة في العالم هو عملية معقّدة، تتطلب فحصًا قانونيًا وتنظيميًا وفقًا لما معمول به بموجب القانون في منطقة العمل. نعمل بجهد كبير بهدف توسيع خدمة PayPal في مناطق إضافية، وذلك وفقًا لاعتبارات الشركة التجارية”.

اقرأوا المزيد: 627 كلمة
عرض أقل