إحدى الظواهر التي رافقت المعركة الانتخابية الأخيرة في الولايات المتحدة هي استخدام جماعات يمينية متطرفة للصليب المعكوف في المجال العام ثانية، وهي ظاهرة بدأت قبل ذلك بكثير في أوساط النازيين الجُدد في أوروبا، ولكن بأقل سرعة.
كُتب الكثير عن هذه الظاهرة المُقلقة، ولكن بذل القليلون جهدا لمعرفة مصدر الصليب المعكوف المعروف بسمعته السيئة. إذا ما هو مصدر هذا الرمز؟ متى أصبح بذيئا، وهل قد يتغيّر؟
الاسم الأصلي للصليب المعكوف “سافاستيكا”. معنى الكلمة في اللغة السنسكريتية هو: “حسن الحظ” أو “شيء جيد” ، فمعنى كلمة “سوا” هو “جيد” وتعني “استي” هو “الرفاه”. وهناك معنى إيجابي جدا للكلمة والرمز، وغالبا يُستخدمان في سياق “بشرى سارة”.
ظهر الرمز ذو الأضلاع الأربعة في الفن والتصميم في الفترة ما قبل التاريخ وطيلة آلاف السنوات، بصفته رمزا لأمور مختلفة: الحظ، الشمس، تناسخ الأرواح، وتمثيل الإله الهندي براهما، خالق العالم. فهو يعتبر ذا أهمية مركزية في الديانة الهندوسية والبوذية، ورمزا مُقدسا.
مع مرور الوقت بات الرمز في حضارات شرقية متماهيا مع البوذيين، حيث يظهر الصليب المعكوف على خارطة في اليابان ترمز إلى مكان معبد بوذي، ويظهر في الصين على علب الأطعمة رمزا لأن الحديث يدور عن طعام نباتي، “حلال” لتناول البوذيين المتشددين.
لمزيد الدهشة، فإن ذلك الرمز الذي كان متماهيا جدا مع اللاسامية، كان مُستخدما في أوساط اليهود في فترات تاريخية مُبكّرة. كُشفت تزيينات على شكل صليب معكوف على أجزاء من مبان يهودية في عدة أماكن في إسرائيل، من بين أماكن أخرى، في القدس، بين عامي 100حتى 500 قبل الميلاد، ويظهر الشكل على عدد من أرضيات الفسيفساء في الكُنس من تلك الفترة أيضا.
إذا كيف وصل الرمز إلى أوروبا وكيف أصبح الصليب المعكوف رمزا نازيا ومعاديا للسامية؟
بدأ اكتشاف الصليب المعكوف في الغرب مع اكتشاف أسر اللغات الهندو الأوروبية في القرن التاسع عشر وتطور النظرية التي تفترض أن مصدر الحضارة الأوروبية يعود إلى الجنس الآري الذي وصل إلى أوروبا من منطقة إيران في أيامنا هذه. في أعقاب اكتشاف أغراض عليها الصليب المعكوف في المباني المُدمّرة في المدينة اليونانيّة طروادة، وبعد استشارة باحثي اللغة السنسكريتية، توصل عالم الآثار الألماني المعروف هاينريش شليمان، أن الحديث يدور عن رمز آري قديم. فقد اقتبس هذه الفكرة كتّاب مشهورون في ذلك الوقت، وبات الصليب المعكوف رمزا شعبيا في الحضارة الغربية.
رأى عدد من المفكرين الرمز أثناء زيارتهم إلى الهند، ثم بدأوا باستخدامه فانتشر في بريطانيا. حتى إنه استُخدم في مرحلة معينة كرمز الكشّاف في الدولة. في بداية القرن العشرين، انتشر الرمز في أماكن كثيرة في أوروبا – ظهر في العملات الروسية، في شعار شركات صناعية في السويد، واستخدمته حركات سياسيّة ووحدات عسكرية في فنلندا ولاتفيا.
ولكن في الثلاثينيات شوه النازيون المعنى الإيجابي للرمز عندما استخدموه رمزا لهم. عمل النازيون على التعامل مع الآريون القدامى معاملة مساوية لمعاملة الألمان العصريون، مدعين أن على ألمانيا أن تحكم العالم. كان يهدف الصليب المعكوف إلى التشديد على هذه العلاقة الغامضة بين شعب الأسياد القدامى، على ما يبدو، وبين نسله وورثته في ألمانيا في القرن العشرين.
استُخدم الصليب المعكوف كرمرز الحزب النازي، لمنظمة “شباب هتلر”، التابعة للجيش والتنظيمات النازية الأخرى. في العصر النازي، كان الصليب المعكوف في مركز الصليب الحديدي وبالطبع على العلم النازي. وكان رمزا للحركات القومية الاشتراكية والفاشية في الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، هولندا، وسويسرا.
منذ بدء هذا الاستخدام، حظي الصليب المعكوف بالمعنى العنصري المعروف، مثيرا إحراجا عند رؤية الرمز في الفن والتصميم في الغرب الذي سبق العصر النازي، أو في حضارات ليست غربية، ويعرف القليلون أن معنى الرمز كان إيجابيا في الأصل.
منذ أيام النظام النازي، تخلت حضارات معينة عن الرمز، وغيّر بعض منها شكل الصليب المعكوف، بحيث تتجه أذرعه إلى اليسار، لتكون مختلفة عن الرمز النازي.
ولكن رغم أن استخدام الصليب المعكوف بات بذئيا ومخجلا، ففي السنوات الماضية بدأ يظهر في المجال العام دون خجل. يظهر وشم الرمز على جسد النازيون الجدد، وهم لا يخافون من الظهور أمام الجمهور. يرفع متظاهرون من اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة أعلام عليها صليب معكوف نازي، وفي شبكات التواصل الاجتماعي بات الرمز شائعا ضد اليهود. يمكن أن نقدّر أن تلك الجهات المعادية للسامية التي تستخدم الرمز الذي أصبح مكروها لا تعرف كثيرا عن مصادره الجيدة والإيجابية.