الفيلم الهوليودي، “الخروج.. آلهة وملوك”، للمخرج البريطاني ريدلي سكوت، والذي انتج بميزانية ضخمة، يروي قصة خروج الشعب الإسرائيلي من مصر زمن الفراعنة، ويطرَح مجدّدًا السؤال المرتبط بموطن الفراعنة القدماء: مَن بنى المباني الهندسيّة المذهلة في بِلاد النيل، الأهرام؟ الإجابة التي يوفرها الفيلم، مستندا إلى كتاب التوراة، هي أن بني إسرائيل بنوا الأهرام في ظروف عبودية وإكراه. لكنّ هذا الادّعاء دحضه معظم علماء الآثار منذ وقت بعيد، فما هي الحقيقة؟
في ليلة التهيئة – الليلة الأهم في الفصح اليهوديّ – يقرأ اليهود الرواية التقليدية حول الخروج من مصر، حيث يرد في “الهاجاداه”: “عبيدًا كُنّا لفرعون في مصر، وأخرجنا الربّ إلهنا من هناك بيدٍ قويّة وذراع ممدودة. ولو لَم يُخرج القدوس (تبارك وتعالى) آباءنا من مصر، لكنّا لا نزال نحن وأبناؤنا وأحفادنا عبيدًا في مصر…”. فهل هي حقائق فعلًا؟ يعتقد العلماء أنّ ذلك ليس صحيحًا.
وقد تبنّت الحضارة الشعبيّة هي الأخرى هذه “الأسطورة” المغروسة عميقًا في التقليد اليهوديّ – المسيحيّ، فقد أدخلتها هوليوود في عددٍ من أفلامها، مثل فيلم “الوصايا العشر”، الذي نرى فيه عبيدًا منهارين تحت الشمس الحارقة وسِياط معاوني فرعون.
مناحيم بيجن والأهرام؟
تطوّرت الأسطورة الشعبيّة بين أمور أخرى إثر الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة الراحل مناحيم بيجن إثر زيارته إلى مصر عام 1977. فقد تفاخر بيجن، أوّل رئيس للحكومة الإسرائيلية يزور الأهرام، أمام مُضيفيه، بأنّ الأهرام بناها “آباؤنا الأوائل”، بنو إسرائيل، ونجح بذلك في إغاظة المصريين. وواصل سياسيون إسرائيليّون آخرون السير على خُطى بيجن، مصرّحين بشكل واضح أو مبطّن أنّ بني إسرائيل بنَوا الأهرام.
أمّا الحقيقة فهي أنّ بني إسرائيل لم يبنوا الأهرام في مصر. فمعظم الأهرام الموجودة في مصر بُني في حقبتَي المملكة القديمة والمملكة المتوسطة. والأمر غير ممكن من ناحية كرونولوجيّة، إذ إنّ بناء الأهرام توقّف كليًّا قبل نهاية عهد المملكة المتوسّطة (نحو عام 1640 قبل الميلاد)، فيما الخروج من مصر، وتاريخه الدقيق غير معروف، حدث بعد ذلك، في ظلّ المملكة الحديثة.
ويوضح البروفسور إسرائيل فينكلشتاين، رئيس معهد الآثار في جامعة تل أبيب، أنّه “لا شهادات على أننا كنا (اليهود) في مصر، مهما كانت صغيرة. ليست هناك أية إشارات في مصر على أننا بنَينا الأهرام، لا أثريّة ولا تاريخيّة”.
وفي الواقع، لم يكن هناك يهود لدى بناء الأهرام. فضلًا عن ذلك، في مصادر الشعب الإسرائيلي، ليس هناك أيّ ادّعاء يختصّ ببناء بني إسرائيل للأهرام، لا في الكتاب المقدّس والتلمود، ولا في كتاباتٍ أخرى.
فمَن بنى تلك المباني الهندسيّة الساحرة إذًا؟
كشفت مكتشَفات أثرية في الآونة الأخيرة أنّ المصريين هم من بنَوا الأهرام. حتّى إنّ عُلماء الآثار يدّعون أنّ الأهرام بُنيت بدافع الولاء للفراعنة. ووفق ما اكتُشف في محيط الأهرام في الجيزة، تبيّن أنّ من بنَوها لم يكونوا عبيدًا مطلقًا. فمن القبور هناك، خلص الباحثون إلى أنّ بناة الأهرام كانوا أجراء، من طبقات مختلفة، عاشوا في مدينة الجيزة، قربَ موقع البناء.
ووفق مبنى العظام والجماجم التي وُجدت هناك، يتعزّز الاعتقاد أنّ العمّال كانوا مصريّين. وليس مجرّد مصريين، بل كانوا مصريين مؤمِنين. فثمّة شهادات على أنّ العمّال عملوا كلّ أيّام السنة، دون توقّف، لأنّ فرعون، ممثّل الآلهة على الأرض وفق إيمانهم، سيكافئهم في العالَم القادم لقاء عملهم الشاقّ.
وأتاحت الرسوم من داخل المباني الهندسيّة والتحديثات في علمَي الآثار وطبقات الأرض الإضاءة بدقة أكبر على حياة المصريين القدماء، ومدينة بناة الأهرام، الذين أنجزوا عملهم بدافع الإخلاص لسيّدهم. وثمّة اليوم إجماع بين علماء الآثار على كون الأهرام مباني دفن عملاقة جرى تصميمها وفق آراء دينيّة مؤسسة على عبادة الشمس والنجوم.
الادّعاء الآخر المختصّ بالأهرام هو أنّ مخلوقات غريبة بنتها. فقد بحث الباحثون في النظريات العلمية الزائفة كلّ الوقت عن غُرف خفيّة أو رموز تدلّ على أنّ مخلوقات فضائية زارت الأرض. فهم يتساءَلون كيف نجح البشر في نقل 6.5 ملايين حجر، يبلغ وزن بعضها 9 أطنان، لبناء هرم خوفو، وكلّ ذلك بالاستعانة بحبال وأخشاب فقط. لذلك، يقترحون أنّ الأهرام هي مؤشّرات على زيارة كائنات فضائية الكرة الأرضية وترك طابعها على هيئة الأهرام ومبانٍ غامضة أخرى.
وحتّى لو رفض كثيرون هذه النظريّة، فلا يمكن دحضُها، إذ إنّ العلم البشري يقتصر على الأماكن التي بلغناها، وقد تكون هناك في “عوالِم بعيدة” مخلوقات عاقلة غير البشر!