النشيد الوطني

النضال العلماني في تل أبيب يحتدم

جانب من احتفالات المثليين في تل أبيب ( Miriam Alster/Flash90)
جانب من احتفالات المثليين في تل أبيب ( Miriam Alster/Flash90)

تتصدر تل أبيب وحدها المعسكر العلماني الإسرائيلي الآخذ بالتقلص في ظل النزاع على الهويّة الدينية للدولة

هذا الأسبوع، أعلن رئيس بلدية تل أبيب، رون حولدائي، أنه لن يسمح بالعزل بين النساء والرجال في المناسبات العامة في تل أبيب، لهذا ألغى حفلا دينيا جماهيريا للحركة الدينية “حباد” بسبب الفصل بين الرجال والنساء المشاركين فيه، الذي كان مخطط إجراؤه في ميدان رابين المركزي في تل أبيب.

خلافا لسلطات محلية أخرى ومكاتب حكومية مختلفة تستجيب لمطالب الفصل بين النساء والرجال في المناسبات ذات الطابع التقليدي للحفاظ على “الحشمة والتواضع” أو بهدف “الملاءمة الثقافية” مع المجتمع الديني المحافظ، يعتقد المواطنون في تل أبيب أن المطالب الدينية تشكل أعمالا قهرية دينية يجب محاربتها بكل الوسائل. يدعي المواطنون أن إقامة حفل كهذا في مكان عام تابع لكل مواطني المدينة، دون مشاركة النساء فيه ومن خلال الفصل الجندري بين المشاركين، “يمس بقيم المساواة ويعدّ تمييزا بحق النساء”.

أشار رئيس بلدية تل أبيب، رون حولدائي، عندما أعلن عن إلغاء الحفل إلى العلاقة بين الحفاظ على حقوق الإنسان وبين المساواة الجندرية. “حقوق النساء هي جزء من حقوق الإنسان” – تُطرح هذه النقطة في نقاشات كثيرة حول أهمية النضال من أجل مكانة المرأة ودفعها قدما. ترى تل أبيب أن الدين يشكل وسيلة لقمع النساء، ولكن هذا ليس السبب الوحيد وراء النضال العلماني لمدينة الأضواء الإسرائيلية ضد الدين.

“دولة تل أبيب” مقارنة بدولة إسرائيل

ينظر الإسرائيليون الذين يعيشون خارج مدينة تل أبيب الكبيرة إلى المدينة بصفتها “دولة قائمة بحد ذاتها”، نظرا إلى الاختلاف الاجتماعي للمدينة عن دولة إسرائيل. يظهر الاختلاف في خاصتين اجتماعيتين أساسيتين لمدينة تل أبيب عن كل بلدة أخرى في إسرائيل – الطابع السياسي، والهوية الدينية. تل أبيب هي قوة اقتصادية لا منافس لها في إسرائيل. فهي إحدى أغلى المدن في العالم، ومستوى الحياة فيها هو الأعلى في إسرائيل. عمليا، تشكل المدينة مركزا اقتصاديا وثقافيا إسرائيليا، بينما تشكل القدس رمزا دينيا.

في حين يبدو أنه في السنوات الماضية تتجه الحياة العامة في إسرائيل نحو اليمين – كما تجسد ذلك في القوة السياسية المتصاعدة للأحزاب اليمينة منذ الانتخابات للكنيست ورئاسة الحكومة، نلاحظ في استطلاعات الرأي حول قضايا سياسية، أن مواطني تل أبيب يتجهون إلى اليسار أكثر فأكثر. فجامعة تل أبيب، مؤخرا، رفضت عزف النشيد الوطني الإسرائيلي في جزء من احتفالاتها، خوفا من الإضرار بمشاعر الطلاب الجامعيين العرب الذين يتعلمون فيها، وفي يوم ذكرى ضحايا الإرهاب تُجرى في تل أبيب مراسم ذكرى مشتركة بحضور عائلات فلسطينية، وإذا تطرقنا إلى توزيع التصويت في تل أبيب في الانتخابات الأخيرة، فإن حزب اليسار المركز “المعسكر الصهيوني”، والحزب اليساري “ميرتس” كان يفترض أن يشكلا الحكومة الآن، وليس حزب نتنياهو وسائر الأحزاب اليمينيّة.

شاطئ البحر في تل أبيب (Miriam Alster/FLASH90)

في إسرائيل بشكل عام، %43 من المواطنين اليهود، يعرفون أنفسهم كعلمانيين، ولكن معظم مواطني تل أبيب هم علمانيون. يتجسد هذا الفارق في الحياة اليومية في المدينة، ولكن يظهر بشكل خاصّ في نهاية الأسبوع. تل أبيب معروفة بتشكيلتها الواسعة نسبيا بأماكن الترفيه والمطاعم المفتوحة في أيام السبت أيضا خلافا لسائر الأماكن في الدولة، التي تغلق فيها مراكز المشتريات والترفيه في نهاية الأسبوع لأسباب دينية. تقدّم أكثرية المطاعم في تل أبيب أطعمة ليست حلال وفق الديانة اليهودية.

لماذا يغضب مواطنو تل أبيب من الرموز الدينية في الأماكن العامة؟

تتصدر الهوية الدينية وربما يجدر القول – الهوية المعادية للدين، مركز الخلاف المستمر بين مواطني تل أبيب وسائر المواطنين الإسرائيليين في الدولة. يعتقد مواطنو تل أبيب أن مدينة تل أبيب تشكل مركز العلمانية الفخورة والليبرالية اللتين تتعرضان لتهديدات متزايدة من المجتمع الإسرائيلي، لهذا يبذلون قصارى جهودهم للحفاظ عليهما.

مشاركات في “مسيرة العاهرات” في تل أبيب (Miriam Alster/Flash90)

“يشكل النضال حربا ثقافية”، كتب صحفي من تل أبيب، مثير للجدل، يدعى روجيل ألفر، في عيد الحانوكاه (عيد التدشين) اليهودي الماضي. أكثر ما يثير غضبا لدى ألفر هو 66 شمعدانا تم وضعها في المدينة، لأنها تشكل رمز عيد الحانوكاه، وقد وضعتها المنظمة اليهودية الدينية المذكورة أعلاه “حباد” في مدينة تل أبيب في مواقع مختلفة.

كتب ألفر أن المنظمة الدينية “سيطرت على المجال العام في تل أبيب، وأضفت عليها طابعا دينيا بشكل لا يمكن تجاهله. هذه السيطرة عدوانية. طابع مدينة تل أبيب هو علماني بشكل واضح. إضفاء الطابع الديني على المدينة مرفوض، ويعرض نمط حياة مواطني تل أبيب وطابع المدينة العلماني إلى الضرر. على مواطني تل أبيب العلمانيين أن يعملوا معا لمنع أعضاء حركة “حباد” من التصرف كما يحلو لهم، وكأن المدينة ملكهم. على الليبراليين أن يفهموا أن “حباد” أعلنت الحرب ضد قيمهم”.

من جهة، يبدو أن مخاوف العلمانيين في تل أبيب مبالغ بها – هل الفصل بين النساء والرجال في احتفال عام يشكل كارثة ثقافية؟ هل ستسعى منظمات دينية حقا إلى “السيطرة” على تل أبيب وجعلها مدينة دينية؟ يبدو أن الإجابة سلبية، ولكن هناك سبب جيد لدى العلمانيين للقلق – نسبة العلمانيين في المجتمَع الإسرائيلي آخذة بالانخفاض، وتأثيرهم أيضا.

اقرأوا المزيد: 703 كلمة
عرض أقل
لاعب الجودو الإسرائيلي، أوري ساسون، الحائز على ميدالية برونزية في أولمبياد ريو (AFP)
لاعب الجودو الإسرائيلي، أوري ساسون، الحائز على ميدالية برونزية في أولمبياد ريو (AFP)

الإمارات تحظر على الرياضيين الإسرائيليين إبراز شعارات دولتهم

يتعين على لاعبي الجودو الإسرائيليين الذين سيشاركون في المباراة المميزة في العالم التي ستُجرى في أبو ظبي ألا يظهروا شعارات دولة إسرائيل، وإذا فازوا بالميدالية لن ينشدوا النشيد الوطني الإسرائيلي

لن يستطيع الرياضيون الإسرائيليون الذين سيشاركون بعد أقل من أسبوعين في مباراة “‏Grand Slam‏” في الجودو التي ستُجرى في أبو ظبي المشاركة مع شعارات دولة إسرائيل. هذا وفق ما أعلنته اللجنة التي تنظم المنافسة لاتحاد الجودو الإسرائيلي.

وفق النشر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم صباحا (الاثنين)، من المتوقع أن يصل أكثر من 12 رياضيا للمشاركة في المباراة العريقة، التي ستعقد بين 26 وحتى 28 تشرين الأول. من بين اللاعبين الإسرائيليين سيشارك في المباراة لاعب الجودو الإسرائيلي، أوري ساسون، أيضا الحائز على ميدالية برونزية في أولمبياد ريو والذي هزم خصمه المصري، إسلام الشهابي، بعد أن رفض الأخير مصافحته قبل المباراة.

كما جرى في الماضي، على اللاعبين المشاركة في المباراة بينما تظهر على الجهة الخلفية من قمصانهم الكتابة IJF (وهي رمز اتحاد الجودو العالميّ) بدلا من ISR (شعار دولة إسرائيل).

وكما وكُشف النقاب في التقرير في صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن أنه في حال فاز الإسرائيليون بالميدالية لن يُرفع علم إسرائيل وبدلا منه سيُرفع علم اتحاد الجودو العالميّ. ولن ينشد الإسرائيليون النشيد الوطني الإسرائيلي في حال فازوا بالميدالية الذهبية. لهذا أرسلت وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، رسالة طارئة إلى رئيس اتحاد الجودو العالمي بعد أن علمت بقرار المنظمين، طالبة إلغاءه.

وكتبت ريغيف في رسالتها: “دُهشت عند معرفة أن أعضاء الوفد الإسرائيلي لن يشاركوا في المباراة الهامة هذه وهم يستخدمون شعارات دولتنا، أي دولة إسرائيل. يتعدى هذا الطلب حدود مبادئ اتحاد الرياضة العالمي، التي تستند إلى إخراج السياسة بعيدا عن ملاعب الرياضة وتشجيع الرياضة بصفتها عامل ربط وتجسير بين الشعوب، الثقافات، والدول”.

وزيرة الثقافة، ميري ريغيف (Miriam Alster/FLASH90)
وزيرة الثقافة، ميري ريغيف (Miriam Alster/FLASH90)

وأضافت في رسالتها: “كما هو معروف، في الأسبوع الماضي فقط، فاز لاعب الجودو الإسرائيلي، أوري ساسون، بالميدالية الذهبية في البطولة التي جرت في طشقند في أوزبكستان. بالرغم من أن الحديث يجري عن دولة إسلامية، فقد رُفع العلم الإسرائيلي بفخر على وقع أنغام النشيد الوطني الإسرائيلي كما هو معمول به”.

“في ظل هذه الظروف، أتوقع أن تصل رسالة إلى رئيس اتحاد الجودو الإسرائيلي توضح أنه في وسع الرياضيين الإسرائيليين المشاركة مع شعارات دولة إسرائيل، كما يفعل سائر الرياضيين من كل الدول الأخرى التي تمثل دولتهم”، أوضحت ريغيف.

حتى اللحظة، لم يرسل رئيس اتحاد الجودو العالمي أية رسالة، ويبدو أن الملاكمين الإسرائيليين سيستكفون باستخدام شعارات الاتحاد العالمي كما حدث قبل عامين في شهر تشرين الثاني عام 2015 في أبو ظبي.

اقرأوا المزيد: 350 كلمة
عرض أقل
الرموز الوطنية الإسرائيلية - صورة توضيحية (Hadas Parush/Flash90)
الرموز الوطنية الإسرائيلية - صورة توضيحية (Hadas Parush/Flash90)

معضلة النشيد الوطني الإسرائيلي لدى عرب إسرائيل

أثار اختيار أطباء إسرائيليون إنشاد "موطني" بدلا من نشيد "هاتيكفاه" المعضلة طويلة السنوات بشأن النشيد الوطني الإسرائيلي ثانية

07 أكتوبر 2017 | 09:29

يبدو أنه لا يمكن كسب رضى كل المواطنين العرب في إسرائيل بخصوص القضية الحساسة المتعلقة بالنشيد الوطني الإسرائيلي. لمعرفة الحيرة بشكل أفضل، نوصي بأن تقرأوا كلمات نشيد “هاتيكفاه” بالعربية:
طالما في القلب تكمن / نفس يهودية تتوق،
وللأمام نحو الشرق / عين تنظر إلى صهيون‏‎.‎
أملنا لم يضع بعد / أمل عمره ألفا سنة،
أن نكون أمّة حرّة في بلادنا / بلاد صهيون وأورشليم القدس.

من جهة، فإن كلمات هذا النشيد كُتِبت قبل قيام دولة إسرائيل وفق متطلبات الشعر، وهي ملائمة للشعب اليهودي بشكل خاص، ويتضح  هذا مثلا في المقطع:  “طالما في القلب تكمن، نفس يهودية تتوق”. ومن جهة أخرى، كما في كل دول العالم، ترى إسرائيل أن إنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي يمثل تضامن مواطني الدولة معها.

أول نسخة لنشيد "هاتيقفاه"
أول نسخة لنشيد “هاتيقفاه”

لهذا، عندما التحقت مجموعة من الأطباء العرب الإسرائيليين بدورة في كولومبيا وطُلِب منها إنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي كما يُطلب من المجموعات الأخرى المشاركة في الدورة، واختار أعضاؤها إنشاد “موطني”، أوضح الصحفيون الإسرائيليون أن هذه التصرفات تشكل تظاهرة غير مسبوقة من عدم الولاء للدولة وناشدوا وزارة الصحة الإسرائيلية بإقصاء منظم البعثة عن العمل مؤقتا.

“لا يمكن أن نطلب من المواطنين العرب إنشاد ‘هاتيكفاه’ لأنه لا يمث بهم بصلة ولا يمثلهم”

أوضح دكتور فخري حسن منظم البعثة في المقابلة معه الوضع المعقّد الذي تعرض له. “مَن كتب النشيد الوطني الإسرائيلي “هاتيكفاه” لم يأخذ بعين الاعتبار المواطنين العرب الإسرائيليين ولم ينوِ أن ينشدوه. لا أعرف أي عربي إسرائيلي يقف وينشد “هاتيكفاه”. اخترنا إنشاد “موطني” وهو نشيد مشهور يتحدث عن حب الوطن والأمل. لهذا ليس في وسع أي شخص أن يدعي أنه يتضمن كلمات عدائية”، وفق أقواله. وأضاف أن هذه البعثة هي بعثة خاصة لم تحظَ بتمويل الدولة. وتابع مجري المقابلة أن نشيد “موطني” لا يتماهى مع الفلسطينيين فحسب، بل مع العراق الذي استخدمه لفترة قصيرة بعد سقوط حكم صدام حسين أيضا.

ولكن دكتور فخري ليس أول من يتعرض لضجة جماهيرية في إسرائيل بسبب النشيد الوطني الإسرائيلي. حتى أن قاضي المحكمة العُليا، سليم جبران، قد تعرض لانتقادات لاذعة بعد أن شُوهد في احتفال يوم استقلال دولة إسرائيل وهو يقف مع كل الجمهور ولكن دون أن ينشد “هاتيكفاه”.

جنديات إسرائيليات في حفل رسمي (Shlomi Cohen/Flash90)
جنديات إسرائيليات في حفل رسمي (Shlomi Cohen/Flash90)

في ذلك الحين، دعمه القاضي اليهودي، إلياكيم روبينشطاين، معلقا على الانتقادات: “لا يمكن أن نطلب من مواطني إسرائيل العرب إنشاد “هاتيكفاه” لأن هذا النشيد لا يمثلهم”.  وأضاف: “على المواطنين الإسرائيليين من غير اليهود احترام “هاتيكفاه” والوقوف أثناء إنشاده لأنه هكذا من المعتاد أن يعمل الضباط غير اليهود في الجيش الإسرائيلي، الشرطة، ومصلحة السجون الذين يلقون التحية أثناء هذا النشيد، ولكن لا يمكن أن نطلب من المواطنين العرب إنشاده لأنه لا يمت إليهم بصلة ولا يمثلهم”.

كما ودعم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه (بوغي) يعلون، القاضي جبران قائلا: “إن الإصرار على أن ينشد مواطنو الدولة من غير اليهود نشيد “هاتيكفاه” يمثل محط خلاف ونزاعا”.

رغم المشاكل الكامنة في نشيد “هاتيكفاه” الحالي، لم تحظَ الاقتراحات الأخرى بالموافقة. فقد قدمت جهات مختلفة اقتراحات لتعديله، وليس بسبب المشاكل الحالية التي يثيرها النشيد لدى الأقلية العربية الإسرائيلية فحسب. مثلا، يمثل طابع النشيد، وموسيقاه تقاليد الشاعر اليهودي الأوروبي الذي كتبه، ولا يمثلان حضارة يهود الدول العربيّة. كذلك، ادعى آخرون أن نشيد “هاتيكفاه” يمثل اشتياق اليهود لإقامة الدولة قبل قيامها، وأن اليوم بعد قيامها لم يعد هذا النشيد ذا صلة.

لكن الاقتراحات لتبديل النشيد الوطني رُفضت كليا. بات معظم مواطني إسرائيل متضامنا مع “هاتيكفاه” ومن الصعب تغييره. أوضح بروفيسور إسرائيلي مسؤول المعارضة وراء تغيير النشيد، قائلا: “لا تشكل الأناشيد الوطنية العامل المشترك الأدنى بين السكان، بل تضامنا تاريخيا، ويعارض الكثيرون في المجتمعات الديمقراضية التضامن معها”.

سيظل الوضع الراهن ثابتا ويجب احترام نشيد “هاتيكفاه، ولكن لا يُفترض على الجميع إنشاده ويسري هذا الحال حتى يؤلف نشيد وطني يمثل كل سكان إسرائيل.

اقرأوا المزيد: 559 كلمة
عرض أقل
هل أخلى نشيد بلادي بلادي مكانه لنشيد امتي قد لاح فجر
هل أخلى نشيد بلادي بلادي مكانه لنشيد امتي قد لاح فجر

هل أخلى نشيد “بلادي بلادي” مكانه لنشيد “أمتي قد لاح فجر”؟

هل أناشيد الجهاد التابعة للدولة الإسلامية تحل مكان الأناشيد الوطنية؟ كيف استطاعت صناعة الأناشيد لدى داعش أن تنمو وتقضي بشكل تام تقريبًا على التوق إلى تكامل الشعوب العربية؟

رغم أن إذا كنتم لا تؤيدون الدولة الإسلامية أو أنكم لستم معجبين متحمسين للخليفة أبو بكر البغدادي، فمن المرجح أنكم سمعتم ذات مرة عن التمجيد والثناء على عدالة طريق الخلافة الإسلامية الجديدة.

ويبدو أنه في كل وسيلة إعلام ممكنة، فيس بوك، تويتر، إنستجرام، يوتيوب تظهر وتبرز الأناشيد الإسلامية المتطرفة لداعش وأنصارها. ففي الفترة الأخيرة هناك من يدعى أنّ الأناشيد الوطنية لكل دولة ودولة عربية أيّا كانت تخلي مكانها للباكورة الموسيقية لداعش.

أجناد مصر
أجناد مصر

لا يمكننا من خلال هذا المقال أن ندرس بأدوات علمية إذا ما كان فعلا عصر الأناشيد الوطنية قد انتهى وهل فعلا حلّ التوق إلى الخلافة الإسلامية الموحدة ورموزها مكان تلك الأناشيد، ولكن، مع ذلك، من المهم أن نسلط الضوء وأن نحاول فهم ما الذي يجذب الكثيرين في العالم العربي إلى سماع الأنشودة الداعشية، من إصدار “أجناد”.

النشيد – آلة وعي مشحّمة جيّدا

إلى جانب نجاحات داعش العسكرية في ساحة المعركة، لقد حقق التنظيم إنجازات ملحوظة أيضًا في معركة الوعي والإعلام التي يديرها. فأعضاؤه يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافهم المختلفة مثل تجنيد المقاتلين، تجنيد الأموال، نشر أيديولوجية التنظيم وكذلك من أجل الحرب النفسية.

ففي إطار منظومة الوعي تبث أجهزة التنظيم الإعلامية من يوم لآخر أفلاما توثق المعارك، الاجتياحات، الإعدامات وتهديدات الأعداء، إلى جانب أفلام توثق تطبيق الشريعة الإسلامية، حياة السكان تحت حكم الخلافة بل وأفلام طبيعة ومناظر تهدف إلى أن تُظهر إلى أي مدى دولة الخلافة جميلة، بهدف التأكيد إلى أية درجة الحياة تحت حكم الخلافة عادية، هادئة وممتعة

https://www.youtube.com/watch?v=hIoY4RiLbTM

وإلى الجانب المرئي للأفلام يبرز الجانب الصوتي، أي يدور الحديث عن “الأناشيد”، وهي أغاني تصدرها شركة الإنتاج الصوتي لدى داعش، واسمها “الأجناد”. تنشئ هذه الأغاني، بالإضافة إلى الأفلام، الصور، الشعارات، الأعلام، والرموز الأخرى التي تنتمي إلى داعش، ثقافة فرعية كاملة تهدف إلى تعزيز رواية داعش، أي إقامة الخلافة الإسلامية فورا مع إخضاع الأعداء الذي يقفون في طريقها.

لقد منح العصر الحديث وتوسع وسائل الإعلام الاجتماعية، جهودَ داعش في نشر رسائلها، قدرات لا نهائية حيث إنّ الأناشيد الوطنية الرسمية لدول الشرق الأوسط، والتي في غالبيتها نشأت في وقت ما في الأربعينيات أو الخمسينيات وما بعدها من القرن الماضي، لم تحظَ بمثل هذا الانتشار الواسع.

من أجل معرفة مدى انتشار الأناشيد الوطنية مقارنة بأناشيد داعش، من خلال اختبار ليس تمثيليا، لقد اخترنا التركيز على اختبارين. الاختبار الأول هو اختبار البحث في محرك البحث جوجل من أجل العثور على عدد الإجابات الممكنة. والاختبار الثاني هو اختبار اليوتيوب من أجل فحص عدد الأفلام التي تتناول تلك الأناشيد. ومن أجل هذا الاختبار اخترنا تحديدا التركيز على نشيدين شعبيَين جدا، أحداهما هو النشيد الوطني المصري “بلادي بلادي” والثاني هو النشيد الداعشي “أمتي قد لاح فجر”.

وإليكم النتائج:

اختبار نتائج البحث في جوجل

عند البحث عن النشيد الوطني المصري، “بلادي بلادي”، عثرنا في جوجل على مليار و 490 مليون نتيجة.

نتائج بحث في غوغل النشيد الوطني المصري
نتائج بحث في غوغل النشيد الوطني المصري

وأما عند البحث عن نشيد الدولة الإسلامية، “أمتي قد لاح فجر”، عثرنا في جوجل على 82900 نتيجة فقط.

نتائج بحث في غوغل النشيد أمتي قد لاح فجر
نتائج بحث في غوغل النشيد أمتي قد لاح فجر

اختبار عدد الأفلام في يوتيوب

عند البحث عن النشيد الوطني المصري، “بلادي بلادي”، عثرنا في اليوتيوب على 553000 فيلم.

ولكن عند البحث عن نشيد الدولة الإسلامية، “أمتي قد لاح فجر”، عثرنا في يوتيوب على 3060 نتيجة فقط.

يبدو ظاهريا أن النشيد الوطني المصري أكثر انتشارا في شبكة الإنترنت من النشيد الداعشي ولكن هناك أيضا تكمن المشكلة. فقد تم اعتماد النشيد الوطني المصري الحالي من قبل الجمهورية المصرية عام 1979. هذا النشيد، الذي كتبه محمد يونس القاضي ولحّنه سيد درويش، موجود في شبكة الإنترنت على أبعد تقدير في الـ 15 سنة الأخيرة. بينما تم رفع نشيد “أمتي قد لاح فجر” إلى الإنترنت للمرة الأولى في 29 حزيران عام 2014، أي قبل نحو عام وخمسة أشهر. يمكننا إذا كان الأمر كذلك أن نقول إنّ وتيرة انتشار نشيد داعش مذهلة. ومع كل هذا يمكن أن نقول إنّ سياسة النشر في يوتيوب على سبيل المثال هي سياسة صارمة والكثير من الأفلام التي نشرت النشيد الداعشي تمت إزالتها بسبب انتهاك حقوق الاستخدام واستخدام منصّة اليوتيوب من أجل نشر مواد عنف.

بخلاف مصر أو أية دولة عربية أخرى، تعمل داعش على عدة جبهات: في سيناء بمصر، في العراق، في سوريا ومنذ وقت غير بعيد تعمل أيضًا ضدّ “الكافر الغربي”. ولكل جبهة من أولئك هناك نشيد خاص بها يمجّد المقاتلين في الجبهة المحددة ويشجّع الشباب المسلمين المترددين على الانضمام إلى صفوف الجهاد. إن التنوع واسع والأفلام والأناشيد كثيرة. على سبيل المثال، نشرت شركة “أجناد” نشيدا خاصا بمقاتلي سيناء.

https://www.youtube.com/watch?v=0WJT_EtkLZM

اقرأوا المزيد: 665 كلمة
عرض أقل
أفراد قوات الشرطة الإسرائيلية (Uri Lenz/FLASH90)
أفراد قوات الشرطة الإسرائيلية (Uri Lenz/FLASH90)

النقاش حول النشيد الوطني في إسرائيل

حاخام كبير في إسرائيل يقول: "النشيد الوطني الإسرائيلي هو أنشودة غبية"، وعضو الكنيست السابق يضيف: "كاتب النشيد الوطني كان سكّيرا". المعلّقون غاضبون من هذه التصريحات: "تصريحات مهينة"

النشيد الوطني الإسرائيلي، “هاتيكفاه”، الذي يعني الأمل، يقف مرة أخرى في مركز الجدل حول طابع دولة إسرائيل. صرّح الحاخام شالوم كوهين، الزعيم الروحي لحزب شاس الديني وخليفة الحاخام عوفاديا يوسف، في مؤتمر سياسي عُقد في الأسبوع الماضي، بتصريح حادّ حين قال إنّ النشيد الوطني الإسرائيلي هو “أنشودة غبيّة”.

كُتب “هاتيكفاه” من قبل نفتالي هيرتس إيمبر، وهو يهودي من شرق أوروبا ولم يكن متديّنا، ولكنه أعرب عن توق الشعب اليهودي الشديد لأرض القدس، وذلك بعد زيارة لأرض إسرائيل (فلسطين) في أواخر القرن التاسع عشر. تُوفّي في سنّ 53، بمرض نتج عن الاستهلاك المفرط للكحول.

شاهدوا أنشودة “هاتيكفاه” مترجمة إلى العربية:

https://www.youtube.com/watch?v=y5ThOfhrLhk

يرى الكثير من المتديّنين من الجناح المتطرّف في إسرائيل بالنشيد الوطني أنشودة علمانية، ليست مقدّسة، ولذا فلا يجب احترامها. هذا ما ظهر أيضًا في تصريحات الحاخام كوهين، الذي تحدّث عن تفضيل الصلاة على النشيد الوطني.

تحدّث الحاخام كوهين عن حادثة كان حاضرا فيها مع الحاخام الراحل عوفاديا يوسف، في مراسم تتويج حاخام آخر. قال كوهين إنّه مع انتهاء المراسم، قام جميع المشاركين وبدأوا بإنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي، وأضاف بأنّه عبّر عن دهشته من إنشاد النشيد الوطني في المراسم: “هل هؤلاء مجانين؟ لم أقف معهم”.

الحاخام  كوهين: “لقد كان الحاخام عوفاديا يوسف رجلا حقيقيّا، ولم يرغب بأنّ تؤثّر هذه الأنشودة الغبية عليه”

أما الحاخام عوفاديا فقد وقف في المراسم، ولذلك سأله الحاخام كوهين لماذا شارك في الأنشودة العلمانية؟ بحسب كلامه، أجابه عوفاديا بأنّه في الوقت الذي غنّى الجميع النشيد الوطني، غنّى هو بقلبه صلاة. لخّص كوهين قائلا: “لقد كان رجلا حقيقيّا، ولم يرغب بأنّ تؤثّر هذه الأنشودة الغبية عليه”.

أثارت تصريحات الحاخام كوهين غضبا في الأوساط الصهيونية الرئيسية في إسرائيل. قال وزير التربية الأسبق شاي بيرون إنّها “تصريحات مهينة”.

شلومو بنيزري “النشيد الوطني ليس نشيدا دينيّا، وهو يمثّل دولة لا تخشى الله”

وهُرع رئيس حزب شاس، أرييه درعي، للدفاع عن حاخامه وشرح قائلا: “في تلك المراسم، في مدارسنا لم ينشدوا النشيد الوطني. لم يقصد أي أحد الاستخفاف بأحد رموز دولة إسرائيل”.أضاف زميله في الحزب، عضو الكنيست السابق شلومو بنيزري، إلى كلام درعي بأنّ “النشيد الوطني ليس نشيدا دينيّا، وهو يمثّل دولة لا تخشى الله”، واشتكى من أنّ الأطفال اليهود في إسرائيل يعرفون كلمات النشيد ولكنّهم لا يعرفون كيف يصلّون.

وسوى ذلك، فقد هاجم درعي وبنيزري هوية كاتب النشيد الوطني، الذي لم يحرص على اتباع الدين اليهودي. وصف درعي إيمبر بأنّه “فاقد لهويّته الثقافية”، وأضاف أنّ إيمبر كان سكّيرا.

وتعيش في إسرائيل اليوم مجموعتان كبيرتان من السكان تجدان صعوبة في التماهي مع النشيد الوطني الصهيوني في البلاد. اليهود المتطرّفون هم المجموعة الأولى من بينهما فقط، ويُضاف إليهم نحو مليون ونصف مواطن عربي يعيشون في البلاد. وقد تمّ التأكيد على نظرة المواطنين الإسرائيليين تجاه النشيد الوطني بشكل أكبر عندما شوهد قاضي المحكمة العُليا، سليم جبران، قبل ثلاث سنوات في حفل رسمي وهو لا ينشد كلمات النشيد الوطني.

قاضي محكمة العدل العليا، سليم جبران (Isaac Harari/FLASH90)
قاضي محكمة العدل العليا، سليم جبران (Isaac Harari/FLASH90)

غضبت بعض الجهات في اليمين الإسرائيلي لفعلة جبران وطالبوا وزير العدل بإقالته من كرسي القضاء وسنّ قانون لا يسمح للعرب بتولّي منصبا في المحكمة العُليا. وقد دافع وزير الدفاع حينذاك، موشيه يعلون، الذي هو أيضًا شخصية يمينية، عن جبران قائلا: “إنّ الهجوم على سليم جبران يثير الدهشة وهو لا داعي له وتخرج منه رائحة سيئة من اضطهاده لمجرّد أصوله”.
وقد ذكّر يعلون أنّه في الجيش الإسرائيلي أيضًا يخدم جنود عرب من أبناء العرب، والبدو وأبناء الطائفة الدرزية والشركس، ويرفضون غناء “روح يهودية ما زالت تتحرّك شوقًا”
فضلًا عن ذلك، فإنّ أعداء إسرائيل أيضًا استطاعوا استغلال النشيد الوطني الإسرائيلي من أجل السخرية من اليهود والصهيونية:

https://www.youtube.com/watch?v=z1D7G-rs3YE

في هذه الأثناء، هناك من يدعو دولة إسرائيل إلى اعتماد نشيد آخر كنشيد وطني. اقترحت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي، حتى قبل انتخابها في الكنيست، تغيير النشيد الوطني اليهودي بنشيد يعكس طموحات كل فرد باعتباره إنسانا، نشيد يعبّر عن قيم عالمية.

من الصعب رؤية اقتراح ميخائيلي وهو مطبّق في أيامنا في دولة إسرائيل. لا يزال المجتمع الصهيوني يراه نصف مقدّس، بينما يستمرّ المتديّنون والعرب بالتخبط حول نظرتهم إلى هذا النشيد.

اقرأوا المزيد: 599 كلمة
عرض أقل
المطرب عمير بنايون وعضو الكنيست أحمد الطيبي (Flash90)
المطرب عمير بنايون وعضو الكنيست أحمد الطيبي (Flash90)

المطرب عمير بنيون ضدّ عضو الكنيست أحمد الطيبي

أرسل المطرب الإسرائيلي عمير بنيون أغنية وطنية إلى عضو الكنيست أحمد الطيبي مرفقة برسالة قصيرة، وجاء رد الطيبي سريعا مع أغنية "موطني"

04 فبراير 2014 | 13:06

وجد المطرب والفنان الإسرائيلي عمير بنيون عنوانًا مفاجئا ليعبّر عن خيبة أمله من الاقتراح الذي عُرض قبل عدة أسابيع والذي يدعو إلى إبقاء مستوطنات يهودية تحت الحكم الفلسطيني، إذ قرر المطرب أن يرسل أغنية وطنية إلى عضو الكنيست العربي، أحمد طيبي، مرفقة برسالة.

وقد أرسل عمير بنيون أغنيته الوطنية الجديدة “أرضي موطني” إلى عضو الكنيست، أحمد طيبي كاتبًا: “عزيزي أحمد، يبدو أنك وبيبي قد حققتما نجاحًا كبيرًا نظرًا للحديث عن عيش اليهود تحت الحكم الفلسطيني. اسمح لي بأن أرسل لك هذه الأغنية. مع حُبي، عمير”.
http://www.youtube.com/watch?v=5D6hGKgRQo8

وقرر الطيبي ألا يبقى مدينًا ورد على الرسالة حيث أرفق بها الأغنية الفلسطينية “موطني”، والتي يؤديها المغني هاني متواسي. كتب طيبي: “وصلتني الأغنية، وأقدم لك أغنية بالمقابل. أعتقد أنك تعرف هذه الكلمات: ولدت هنا وهنا ولد أبنائي، هنا بنيت بيتي بكلتا يداي، وآبائي وأجدادي ولدوا هنا أيضًا، قبل ولادة المستوطنات، قبلها بوقت طويل”.

ورد بنيون على ذلك برسالة تحمل العنوان “إلى صديقي منذ القدم أحمد”، “لقد تأثرت بمدى رغبتك بأن تتعلم مني بعض دروس التاريخ لكنني وبعد إذنك لا أملك وقتًا لذلك، أنا مشغول جدا”.

وأضاف: “أردت أن أقول لك أن هنالك أمرين لا أفهمهما (أنا وكل العالم) من الناحية التاريخية، الموسيقية، الفنية، العقلية، أو أي ناحية أخرى وهما: أولا – أحمد ابن يتسحاك ويسرائيل. ثانيًا – علاقتك القوية بالقدس، المدينة المقدسة التي سيتم تخطيطها وبناؤها والتي لم يذكرها القرآن ولو مرة واحدة”.

اقرأوا المزيد: 214 كلمة
عرض أقل