نُبلغ من لا يعلم بعد أن حفل توزيع جوائز ال “أوسكار” الإسرائيلي، الحدث الفني الأهم في إسرائيل، أقيم دون وزيرة الثقافة، ميري ريغيف. فقد قرر منظمو الحفل أن لا يدعوا الوزيرة المثيرة للجدل، بدعوى أن حضورها سيثير الفوضى ويلفت الأنظار إليها، بدلا من تسليط الضوء على رجال الفن وأعمالهم الناجحة. لكن الوزيرة لم تتنازل عن حقها وقرّرت أن تلقي كلمة بمناسبة الحفل على صفحتها الخاصة على فيسبوك، أي أن تقيم حفلا خاصا بها ضد النخبة التي رفضت دعوتها. كيف وصل الصراع بين الطرفين إلى هذا الحد؟
حين عيّنت الوزير الليكودية، ميري ريغيف، في عام 2015، وزيرة الثقافة والرياضة، قوبل التعيين من قبل النخبة الثقافية الإسرائيلية، أي الفنانين والناقدين – معظمهم محسوب على اليهود ذوي الأصول الأوروبية، الأشكناز، واليسار السياسي- باستهتار ولامبالاة. فمنهم من وصف الوزيرة بأنها “عديمة الثقافة” وغير مؤهلة لهذا المنصب ولن تحظى لاهتمام أحد، وشق آخر رأى أنها، كسياسية شرقية ويمينية، لن تستطيع جذب أحد من رجال الفن إلى جانبها. لكن بعد مرور عامين أصبح جليا أن حسابات النخبة كانت خاطئة وأن ولاية ريغيف لن تمر على خير.
بداية صاخبة
ريغيف التي تعد طائرا غربيا بالنسبة للنخبة الثقافية الأشكنازية، بسبب مواقفها اليمينية المتشددة وأسلوبها الشعبي الذي لا ينسجم مع عالم النخبة، لم تخشَ منذ يومها الأول شن حرب ضد النخبة المهيمنة على ساحة الفن في إسرائيل، وذلك لأنها تملك الأموال. وكذلك لأنها خيار الشعب.
أوضحت ريغيف أنها لن تلتزم الصمت إزاء الأعمال الفنية التي لا تعجبها ولا تلائم الخط الرسمي، طالما أن الدولة، وزارة الثقافة تحديدا، هي التي تمول المؤسسات الثقافية والنشاطات الثقافية في إسرائيل. وسمّت أهل الفن في إسرائيل بأنهم “ناكري الجميل”. وفي واحد من خطاباتها الأولى قالت “لقد فزنا ب30 مقعدا في الكنيست أما أنتم (النخبة اليسارية) فحصلتم على 20 معقدا. نحن أولى بالقرار”. فمهدت الطريق إلى ولاية حافلة بالضجة.
وكان رد النخبة الأشكنازية على هذا الخط قاسيا، فقد قوبلت خطابات ريغيف على منابر الفن بهتافات مستهترة، وتعرضت الوزيرة إلى انتقادات شديدة بأنها تمس بحرية التعبير عن الرأي وحرية الإبداع، ووصل الحال إلى عدم إرسال دعوة لها للمشاركة في أهم حفل لتوزيع الجوائز الفنية.
وأول صراع لريغيف كان مع الممثل العربي الإسرائيلي نورمان عيسى على خلفية رفضه للظهور في مسرحية في مستوطنة يهودية في غور الأردن، وهدّدت الوزيرة بقطع التمويل للمسرح الذي يديره عيسى. واصطف الفنانون اليهود إلى جانب الممثل العربي ووقع نحو 300 فنان على عريضة ترفض إملاءات ريغيف وتدخلها السافر في الفن.
لا لمحمود درويش! نعم للشعر العربي
واحدة من المفارقات الكبرى التي حدثت في ولاية ريغيف في وزارة الثقافة هي أنها انتهجت خطا هجوميا ضد الأشعار والأعمال المسرحية الفلسطينية في إسرائيل من جهة، فعارضت شعر محمود درويش، التي وصفته بأنه نادى إلى محاربة اليهود. وكذلك عارضت مسرحية “الزمن الموازي” عن قصة أسير فلسطيني قتل إسرائيليين. ومن جهة أخرى ضاعفت ميزانية الثقافة لمؤسسات ثقافية وفنية عربية كثيرة.
وعند إلقاء نظرة على معطيات وزارة الثقافة بإشرافها، تظهر صورة مثيرة للاهتمام. ففي عام 2014، قبل أن بدأت ريغيف بشغل منصبها، خصصت وزارة الثقافة الإسرائيلية ميزانية للثقافة العربية بما معدله نحو ثلاثة ملايين دولار. بالمقابل، بعد سنة من ذلك، بعد أن بدأت ريغيف بشغل منصبها، ازدادت الميزانية ووصلت إلى 5.8 ملايين دولار، أي زيادة نسبتها %180. وفي عام 2016، كانت ميزانية الثقافة العربية شبيهة.
هنالك من يقول إن سياسة ريغيف هي إقصاء المؤسسات العربية المناهضة للدولة مقابل دعم المؤسسات العربية المهادنة. فمقابل زيادة الميزانيات أفلحت الوزيرة في إغلاق مسرح الميدان في حيفا، ومسرح يافا مهدد بالإغلاق عقب وقف نقل الميزانيات إليه.
انقسام بين أهل الفن
“قرار جبان وغير ديموقراطي” بهذه الكلمات وصفت الوزيرة قرار رئيس أكاديمية السينما الإسرائيلية عدم دعوة الوزيرة إلى حفل توزيع الجوائز لأفضل الأعمال السينمائية، موضحا أن حضور الوزيرة يصرف النظر عن الأمر الأهم في هذا الحفل، وهو الأعمال السينمائية والممثلين والعاملين في صناعة الأفلام. ففي المرة الأخيرة التي حضرت الوزيرة أصبحت محط الاهتمام والصحف تناولت الضجة التي أثارتها بدل الحديث عن الأعمال الفنية.
لكن هذا القرار لم يرق لفنانين كثيرين في عالم السينما الإسرائيلي. أبرزهم الشقيقان موشيه وليون إدري، من الوجوه المعروفة في صناعة السينما الإسرائيلية، الذين قالا إنهما سيقاطعان الحفل المهم على خلفية عدم دعوة الوزيرة. ووصف الاثنان القرار بأنه جبان وخاطئ، وقالا في بيان إن القرار يمس بمكانة السينما الإسرائيلية وبالفنانين.
وأشار الاثنان إلى أن القرار اتخذ على يد أقلية لا تمثل الوسط الفني الإسرائيلي، وأن هذه الأقلية لا تحترم الآخر ولا تتقبل رأيه. وكانت هذه أول مرة يشهد فيها حفل توزيع الأوسكار الإسرائيلي انقساما كهذا بين الفنانين، لا بد أنه سيلقي بظلاله على الأعمال الفنية القادمة، لا سيما في التعاون بين الجهات المختلفة في صناعة الأفلام الإسرائيلية.