القرآن هو الكتاب الرئيسي في الإسلام وهو يشكل أساسا للمؤمنين، وكذلك في اليهودية هناك التوراة التي يعمل بموجبها المؤمنون اليهود والتي أوحى بها الله للنبي موسى في جبل سيناء بعد خروج بني إسرائيل من مصر. استُخدمت التوراة التي يؤمن بموجبها اليهود أن النبي موسى كتبها وفق أقوال الله على لوحي حجر عند صعود موسى إلى جبل سيناء لمدة 40 يوما، وتدعى في اليهودية “التوراة المكتوبة”.
ولكن إلى جانب التوراة المكتوبة، حصل النبي موسى على تفاصيل الشريعة والوصايا اليهودية التي لم تُذكر بالتفصيل في كتب التوراة الخمسة. فالتوراة ليست كتب القوانين فحسب بل هي كتاب يصف أيضا خلق العالم والإنسان، وتاريخ الشعب اليهودي منذ أيام المؤمن الأول إبراهيم عليه السلام وحتى دخول بني إسرائيل إلى أرض الميعاد، أرض إسرائيل.
يؤمن اليهود أن الشريعة الشفهية نُقِلت من النبي موسى إلى تلميذه ووريثه يشوع بن نون، ونقلها الأخير بدوره إلى كبار الشعب، ومن ثم إلى الأنبياء، وبعدها إلى رجال “الكنيس الكبير” الذين كانوا زعماء الشعب بعد الأسر البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد. كان رجال الكنيس الكبير هم مَن كتبوا الصلوات الأولى للشعب اليهودي.
وفق التقاليد اليهودية، هناك في التوراة المكتوبة 613 وصية: 248 وصية إيجابية تدعى “وصايا افعل” (مثلا، واجب الاستراحة يوم السبت)، و-365 وصية سلبية تدعى “وصايا لا تفعل” (مثلا، لا تقتل أو لا تزنِ). تتطرق التوراة الشفهية أكثر إلى الواجِبات والمحظورات التي على اليهود العمل بموجبها، ويواصل الحاخامات تفسير أقوال الله في التوراة حتى أيامنا هذه: بدءا من السؤال ما هو الحذاء الذي يجب انتعاله أولا في الصباح وحتى السؤال ما الذي على الإنسان قوله قبل مماته.
الكتابان الدينيان اللذان يشكلان أساسا للشريعة الشفهية هما “المشناه” و”التلمود”. حرر الحاخام يهودا الناسي، الذي عاش في إسرائيل في عام 200 للميلاد تقريبا، المشناه المؤلفة من ستة كتب بالعبرية. فقد سجل الحاخام كل القوانين التي كانت متبعة حتى أيامه خوفا من نسيان التقاليد اليهودية واختفائها. بعد 200 حتى 300 عام بعد ذلك تمت كتابة التلمود الذي يشكل بروتوكولا للنقاشات في المدراش اليهودي في أرض إسرائيل وبابل. كُتب التلمود بالآرامية، وهي اللغة التي تحدث بها اليهود في تلك الفترة، وهو يشكل المؤلف الأساسي الذي يتعلمه اليهود حتى يومنا هذا في المدراش الديني. من خلال النقاشات بين حكماء المشناه، يتضح أن التلمود هو الشريعة التي دعمها معظم الحاخامات في تلك الفترة، واتخذوه قانونا للاستخدام على مر الأجيال.
جبال معلقة على شعرة
يرتاح اليهود أيام السبت لذكرى استراحة الله بعد أن خلق العالم في ستة أيام (كما جاء في سفر التكوين). وفق التوراة المكتوبة، يرتاح يوم السبت العبيد والشعب وحتى الحيوانات الأليفة، ليتذكر اليهود فترة العبودية المصرية. توصي الشريعة اليهود بـ “تذكر” يوم السبت و “الحفاظ” عليه أيضًا، وفي مكان آخر هناك حظر لإشعال النار يوم السبت، حظر العمل في الأرض والحصاد، وحظر الخروج من منطقة معينة. وهكذا تتلخص وصايا أيام السبت في التوراة، والموت هو عقاب من يخالفها.
ولكن في الشريعة الشفهية، بدءا من المشناه، هناك مئات التفاصيل ذات الصلة بقوانين أيام السبت. يرتكز الحظر الوارد في المشناه على الوصايا الـ 39 التي أقيمت في المقر، خيمة الاجتماع المتنقلة التي كان فيها تابوت العهد قبل إقامة المعبد في القدس.
قوانين أيام السبت في الشريعة الشفوية كثيرة ومفصلة، وتستند إلى أسس قليلة في الشريعة المكتوبة، تدعى في المشناه “جبالا معلقة على شعرة”.
العين بالعين والسن بالسن
تتطرق التوراة (سفر اللاويين، الفصل 24) إلى عقاب الإنسان الذي ضرب صديقه وجرحه:
وَإِذَا أَحْدَثَ إِنْسَانٌ فِي قَرِيبِهِ عَيْبًا، فَكَمَا فَعَلَ كَذلِكَ يُفْعَلُ بِهِ. كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الإِنْسَانِ كَذلِكَ يُحْدَثُ فِيه. (سفر اللاويين 24)
حظر فقهاء التلمود دائما المس الجسماني بالآخرين كعقاب على ضرر من جهة المُهَاجِم وحاولوا توضيح العقاب الذي ورد في التوراة بشكل آخر. يقول حاخام متدين إنه لا يمكن أن تكون عين المُهَاجِم مساوية لعين المُهَاجَم، وقد أوصت التوراة “المعاملة بالمثل” أي أن العقاب يجب أن يكون مساو للجريمة. لذلك فقد أمر بأن على المُهاجِم أن يدفع مالا مساويا لقيمة العين.
يبدو قرار الحاخامات أحيانا مختلفا عن قوانين الشريعة، ولكن هناك واجب العمل وفق أقوال الحكماء وتفسيراتهم، والتي تعود إلى أيام موسى النبي. لذلك ينص التلمود أن “الهلاخاه (قوانين الحاخامات، يوازي الشريعة الإسلامية) تهيمن على التناخ”، أي أن التفسيرات الإنسانية تتغلب أحيانا على ما يبدو لنا قانونا إلهيا في التوراة.
“الابن المارد والمعاند مرفوض”
جاء في سفر التثنية وصية “الابن المعاند والمارد”: ابن 13 عاما لا يطيع كلام والديه. فكُتِب أنه إذا كان هناك ولد معاند ومارد لا يسمع لقول والديه فعقابه الرجم بالحجارة. صُدم التلمود من هذه الوصية وثار جدل بين الحاخام يهودا والحاخام يوناتان. يقول الحاخام يهودا إنه من أجل قتل ولد، فهناك حاجة إلى أن يكون صوت والديه، طولهما، ومظهرهما شبيها. لذلك يستنتج أن الحالة المذكورة في التوراة لم تُطبق في الواقع، وكُتبت الوصية لتعليم العبرة فحسب. رغم ذلك، يقول الحاخام يوناتان إنه رأى حالة فيها “ولد مارد ومعاند” وحتى أنه جلس على قبره بعد قتله.
هناك حالة أخرى في التوراة، تشمل وصية قتل سكان المدينة الذين يعبدون الأوثان، حيث يقول الحاخامون إن هذه الوصية لم تُطبّق في الواقع أبدا.
للإجمال، تترجم الشريعة الشفهية التوراة المكتوبة إلى مجموعة قوانين ديناميكية ومتطورة يطور فيها الحاخامات الوصايا الإلهية لصالح اليهود المؤمنين. فمن هذه الناحية فإن اليهودية المُعاصرة هي اليهودية التي تعمل وفق “الشريعة الشفهية” وليس وفق “الشريعة المكتوبة”.