الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (AFP)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (AFP)

روسيا ستنتصر في الحرب العالمية التالية خلال 60 ساعة

خبراء يقدّرون أنّه في حال اشتعل الوضع بين روسيا وقوّات الناتو المنتشرة في بحر البلطيق، فبإمكان روسيا الانتصار في الحرب خلال يومَين ونصف فقط

أعلنت خلية تفكير تابعة لمعهد الأبحاث RAND في شهر شباط من هذا العام أنه إذا اندلعت حرب بين روسيا وقوّات الناتو المنتشرة في منطقة بحر البلطيق، فستنتصر روسيا خلال نحو ثلاثة أيام – بل حتى أقل من ذلك، فالتقدير الدقيق هو أنّ الحسم سيكون خلال 60 ساعة.

يساهم مركز الأبحاث RAND، مؤسسة لا تهدف إلى الربح تشغّل نحو 1900 خبير، في بلورة السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة منذ أواسط القرن الماضي. مع ذلك، فقد واجه التصريح الحاسم للمعهد حول هذا الموضوع ردود فعل مستغربة، على الأقلّ حتّى تأكيده هذا الشهر من المصدر الأكثر أهلية في الأمر – وزارة الدفاع الأمريكية.

فقد تبنى مساعد وزير الدفاع لشؤون روسيا، أوكرانيا، وأورو- آسيا، استنتاجات تقرير خلية التفكير، وشهد أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي أنه لم يتغير الكثير منذ نشر التقرير. مع ذلك، فهو يعتقد أنّ الأمور قد تشهد توازنًا حتى نهاية العام 2017، بعد تعزيز قوّات الناتو في المنطقة بشكلٍ ملحوظ.

قوات من الجيش الروسي (AFP)
قوات من الجيش الروسي (AFP)

وكان تقرير RAND قد توصّل إلى أنّ دُوَلًا مثل إستونيا، لاتفيا، وليثوانيا ليست لديها أية إمكانيات لصدّ هجوم روسي بقواها الذاتية، وحتّى قوّات الناتو الموجودة حاليًّا لا تكفي لقلب كفة الميزان العسكري.

ويفصّل التقرير أنّ قوّات الدول الثلاث معًا توازي نحو 11 كتيبة، هي عبارة عن كتائب مشاة خفيفة مع كمية قليلة من المركبات العسكرية المصفّحة. أمّا في الجانب الآخر فهناك 46 كتيبة للجيش الروسي، بما فيها كتائب مدرّعة وحضور ملحوظ للقوّات الجوية والبحرية.

يُظَنّ أنّ القوة الهجومية يجب أن تكون أكبر من القوة المدافعة بنسبة 3:1 حتى يُضمَن الحسم. أمّا توازن القوى في بحر البلطيق فهو حاليًّا 4:1، ولا يُتوقَّع أن يتغيّر ذلك إلّا في حال عزّز حلف الناتو قواه هناك بشكلٍ ملحوظ.

اقرأوا المزيد: 259 كلمة
عرض أقل
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (AFP)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (AFP)

حلم تركيا الشرق أوسطي يتحوّل إلى كابوس

تركيا تدعم الثوّار ضدّ نظام الرئيس بشّار الأسد، تتدخّل في السياسة العراقية وتدعم الأكراد في وجه الحكومة المركزية في بغداد

شكّلت قمّة “حلف الناتو” في ويلز التي استمرت حتى 4 أيلول/سبتمبر، فرصة ذهبية لرئيس الوزراء التركي الجديد أحمد داوود أوغلو. فبعد مرور فترة ظنّت فيها أنقرة أنّ مستقبل تركيا يكمن في الشرق الأوسط فقط، أظهرت الأحداث الأخيرة أهمّية التحالفات الأوروبية للبلاد. وفي ويلز، يستطيع السيد داوود أوغلو البدء في إصلاح هذه العلاقات التي عانت من الإهمال.

منذ تسلّمها السلطة في عام ٢٠٠٢، حوّلت حكومة “حزب العدالة والتنمية” اقتصاد تركيا، وجعلت بذلك البلاد مجتمعاً أغلبيته من الطبقة الوسطى. ويعيش الأتراك اليوم حياةً أفضل من تلك التي عاشوها في أي وقت مضى في التاريخ المعاصر. ويترافق هذا الازدهار الذي لم يسبق له مثيل مع شعور قويّ بالعجرفة لدرجة ظنّ فيها رئيس الوزراء الأسبق والرئيس الحالي رجب طيب إردوغان، ومستشاره ثمّ وزير خارجيته السابق حتى نهاية آب/أغسطس، أحمد داوود أوغلو، أنّهما يستطيعان بمفردهما إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (KAYHAN OZER / PRIME MINISTER PRESS OFFICE / AFP)
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (KAYHAN OZER / PRIME MINISTER PRESS OFFICE / AFP)

وهكذا، تخلّى “حزب العدالة والتنمية” عن الفكر الكمالي الذي شكّل الأخلاقيّات التأسيسيّة لتركيا. فمصطفى كمال أتاتورك، أوّل رئيس للبلاد، الذي رأى تركيا بلداً أوروبيّاً. وساد اعتقاد في صفوف خلفائه أنّ كون تركيا عضواً في كلّ مؤسسة أوروبية وعبر المحيط الأطلسي، من “حلف شمال الأطلسي” إلى “منظمة التعاون والتنمية”، فقد قُدر لمصير البلاد أن يكون في أوروبا والغرب. لقد ارتبط الأتراك بالشرق الأوسط كما يرتبط الأرجنتيّون بأمريكا اللاتينية. وكما يرى الأرجنتيون أنفسهم أوروبيين وصادف أنّهم يعيشون في أمريكا اللاتينية، رأى الكثيرون من الأتراك أنفسهم كأوروبيّين صادف أنّم يعيشون بالقرب من الشرق الأوسط.

وبصفته كبير الخبراء الاستراتيجيين في سياسة تركيا الخارجية منذ عام ٢٠٠٢، تحدّى أحمد داوود أوغلو هذا النموذج من خلال التلميح بأنّ على تركيا أن تكون “برازيل الشرق الأوسط”، أي أن تتمتّع باقتصاد إقليمي مهيمن قادر على إدارة دفّة الأحداث. ولم تكن تركيا بحاجة إلى حلفاء غربيين في الشرق الأوسط في ظلّ هذا التوجّه الجديد الذي تتبعه.

وقد بدا هذا التحوّل جليّاً في تورّط أنقرة في الحرب السورية، إذ فتحت تركيا حدودها الممتدة على طول ٥١٠ ميلاً لدعم الثوّار ضدّ نظام الرئيس بشّار الأسد. كذلك، تدخّلت تركيا في السياسة العراقية، ودعمت الأكراد في وجه الحكومة المركزية في بغداد. كما دعمت أنقرة الأحزاب التي تدور في فلك جماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا وسوريا ومصر. وقد قامت أنقرة بكلّ ذلك أملاً منها في تحويل هذه المعطيات لكي تصبّ في مصلحة وكالاتها ذات النفوذ في الشرق الأوسط.

إلّا أنّ هذه المناورة قد أسفرت عن نتائج كارثية. فللمرّة الأولى في تاريخها، تورّطت تركيا في الحرب الأهلية الدائرة في بلد مجاور وهو سوريا، ولا ترى نهاية لهذا التورط في الأفق. كما أنّ سياسة أنقرة في دعم الأكراد في العراق قد أتت بنتائج عكسية، إذ جمّدت بغداد العلاقات التجارية التركية مع باقي أنحاء البلاد. وهكذا، وكحدث آخر لا سابقة له، خسرت تركيا جميع طرق وصولها إلى الشرق الأوسط. فحدودها مع العراق وسوريا مغلقة.

الرئيس الإيراني حسن روحاني مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته في تركيا (ADEM ALTAN / AFP)
الرئيس الإيراني حسن روحاني مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته في تركيا (ADEM ALTAN / AFP)

أمّا في مصر، فليست هناك رغبة بتركيا بسبب دعمها لـ جماعة «الإخوان المسلمين». فالمصريّون يلومون أنقرة لعدم بنائها جسوراً مع المجتمع الأوسع. وفي ليبيا وسوريا، قام المتطرّفون بتهميش أعضاء «الجماعة» الذين تدعمهم تركيا. بالإضافة إلى ذلك، إن السعوديين الذين يعملون جاهدين ضدّ «الإخوان المسلمين» في جميع أنحاء المنطقة يكرهون تركيا بسبب دعمها المتعنّت لـ «الجماعة».

وانهارت قاعدة “اللانزاع” القائمة منذ زمن طويل والتي تحكم العلاقات التركية- الفارسية في ظلّ حكومة “حزب العدالة والتنمية”. فتركيا وإيران تجدان نفسيهما اليوم عالقتَان في دوّامة حرب بالوكالة بحكم دعم طهران لنظام الأسد في دمشق وحكومة بغداد، وتهديدها بذلك لمصالح أنقرة الجوهرية في سوريا والعراق. لذا، فباستثناء قطر الموالية لـ «الإخوان المسلمين» وأكراد العراق، تجد أنقرة نفسها من دون أي حلفاء أو وكلاء أو أصدقاء في الشرق الأوسط.

وقد خسرت تركيا أيضاً إسرائيل، بعد أن كانت هذه الأخيرة حليفاً ديمقراطيّاً مهمّاً لها قبل عام ٢٠٠٢، من خلال بنائها علاقات أوثق مع «حماس». وقد أكّد مؤيّدو “حزب العدالة والتنمية” أنّ اعتماد تركيا موقفاً أكثر قسوة تّجاه إسرائيل كان شرّاً لا بدّ منه لكسب تأييد العرب. لكن اليوم، لا العرب ولا إسرائيل هم أصدقاء تركيا.

وتأتي هذه المعطيات في وقت خطر جدّاً، إذ تقوم اليوم دولة إسلامية متطرّفة وخطرة على حدود تركيا، وذلك في العراق وسوريا، التي تشاطر أيديولوجية تنظيم «القاعدة» ومهارات حركة «طالبان» في فنّ الحكم والفكر. وقد وصل بعض هؤلاء الجهاديون إلى سوريا عبر تركيا.

لاجئون سوريون في الحدود السوري التركي (AFP)
لاجئون سوريون في الحدود السوري التركي (AFP)

وقريباً، قد تتحوّل هذه الأزمات المتفاقمة في السياسة الخارجية إلى تحدّيات سياسية داخلية تواجه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو والرئيس رجب طيب إردوغان و”حزب العدالة والتنمية”. إنّ نجاح تركيا الاقتصادي هو نتيجة لاستقرارها في منطقة غير مستقرّة. ويصل قدر الاستثمار الخارجي المباشر في البلاد الذي حطّم الأرقام القياسية إلى ٥٠ مليار دولار أمريكي سنويّاً، مما يعزز نموّ تركيا ونجاح أحمد داوود أوغلو الانتخابي. لكن مع تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية» لنموّ تركيا، ستنحسر الاستثمارات الدولية، ولن تكون حظوظ رئيس الوزراء داوود أوغلو في الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠١٥ مبشّرة بالنجاح.

بيد، بالرغم من أنّ تورّط أنقرة في الشرق الأوسط لم يكن ناجحاً حتّى الآن، إلّا أنّ الأوان قد فات للعودة إلى نموذج الفكر الكمالي القاضي بتجاهل الشرق الأوسط بالكامل. فتركيا هي جزء من واقع الشرق الأوسط والاضطرابات التي يعيشها. وخلال قمّة “حلف الناتو” وبعدها، سيكون رئيس الوزراء داوود أوغلو حذراً في الاستيحاء من قواعد الفكر الكمالي وإعادة تطوير تعاون مناسب مع حلفاء تركيا السابقين وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والأوروبيين للتصدّي لخطر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» والمشاكل الشرق أوسطية الأخرى معاً.

نشرت هذه المقالة لأول مرة على موقع معد واشنطن

اقرأوا المزيد: 820 كلمة
عرض أقل
الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود مع وزير الخارجية الإمريكي جون كيري (BRENDAN SMIALOWSKI / AFP)
الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود مع وزير الخارجية الإمريكي جون كيري (BRENDAN SMIALOWSKI / AFP)

تاريخ لم يات صدفةً: قمة ضدّ داعش في 09/11

قالت مصادر سعودية إن هذا التاريخ جاء صدفة ولكن سيجتمع في هذا التاريخ في الدولة وزراء خارجية دول الخليج، لبنان، الأردن وبريطانيا، فرنسا والولايات المتحدة

ستنعقد، في يوم الخميس الواقع في 11 أيلول في مدينة جدة، قمة دولية للنظر في مسألة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) هذا ما صرحت به مصادر سعودية مطلعة لصحيفة “الوطن”.

سيحضر الجلسة، وفق ما ورد في التقرير، وزير الخارجية الأمريكي جون وكيري ووزراء خارجية كل من بريطانيا وفرنسا على ما يبدو. وستشارك بالقمة أيضًا دول الخليج ووزراء خارجية كل من لبنان، الأردن وهما دولتان مهددتان مباشرة من قبل ذلك التنظيم. ومن الدولة التي لم تتم دعوتها؟ إيران.

تهدف القمة، وفق ما ذكرت المصادر السعودية، إلى بلورة استراتيجية مشتركة لمواجهة الإرهاب بشكل عام ومحاربة داعش بشكل خاص على المستوى العسكري والمستوى السياسي – وهذا بعد الخطة التي سيتحدث عنها غدًا رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما. تم اختيار الموعد الرمزي للقمة، وهو الذي يصادف الذكرى السنوية لتفجير برجي مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة، بالصدفة، حسبما ذكرت المصادر السعودية.

أكدت تلك المصادر على أن الحجر الأساس لحل مشكلة داعش يكمن في إيجاد حل شامل للأزمة السورية. “ما الفائدة من القضاء على داعش في العراق دون اجتثاث المشكلة من جذورها في سوريا؟، حسب ادعائهم. “طالما بقيت الأمور على حالها هناك واستمر النظام بتعنته ولم يستجب لمطالب الشعب، ستموت داعش وتُولد داعش غيرها”.

"داعش" (لقطة شاشة من يوتيوب)
“داعش” (لقطة شاشة من يوتيوب)

سيصل وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، اليوم إلى الشرق الأوسط بهدف توسيع التحالف الذي سيحارب ضد ذلك التنظيم الإسلامي المتطرف. من شأن التحالف الإقليمي تشكيل قوة تحارب التنظيم من المحيط القريب منه وتنضم تلك القوة إلى قوات الناتو المتواجدة في دول أبعد.

عُقد في الأسبوع الماضي اجتماع ضم دول الناتو وخرج وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هيغل، بعد الاجتماع ليعلن عن تشكيل “تحالف جوهري” لمحاربة التنظيم الإرهابي. الدول التي تم الإعلان عن مشاركتها في التحالف هي: أُستراليا، بريطانيا، كندا، دنمارك، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بولندا، تركيا والولايات المتحدة.

إلا أن، من بين الدول التي تم الإعلان عن انضمامها للحلف، تركيا هي الدولة الأقرب التي يمكن منها توجيه ضربات قاسية ضد داعش. لهذا، سيصل وزير الخارجية الأمريكي إلى الشرق الأوسط لإقناع دول إضافية بالانضمام إلى التحالف.

اقرأوا المزيد: 307 كلمة
عرض أقل
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)

روسيا تربط ما يجري في أوكرانيا بالانقلابات في الشرق الأوسط

في أيار 2014، أُقيم في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. وكان موضوعه: الأمن في منطقة الشرق الأوسط، لكنه فعليًّا كان بخصوص ربط روسيا بين الأزمة الأوكرانية وبين الانقلابات في الشرق الأوسط

أُقيم في 20 حتى 23 أيار في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. كان موضوعه: أمن منطقة الشرق الأوسط، لكن المؤتمر تطرق فعليا إلى نظرة روسيا للعلاقات بين الأزمة الأوكرانية (أجريت انتخابات في أوكرانيا) وبين الانقلابات في الشرق الأوسط. اشتركت في المؤتمر النخبة الدولية الأمنية الروسية (وزير الدفاع ونائبه، وزير الخارجية ونائبه والقائد العسكري العام) وأُعطي منبر للدول التي رغبت روسيا في وجودها- إيران (وزير الدفاع)، سوريا (نائب القائد العام)، مصر (نائب القائد العام)، الصين، باكستان والهند.

لقد وجّه الروسيون حينما عرضوا وجهة نظرهم لتطور الأزمات في النظام الدولي، إصبع الاتهام للغرب، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يبادر ويحرض “الانقلابات الملّونة”، الموجّهة لتغيير الأنظمة الحاكمة القائمة وتوسيع مناطق النفوذ الغربية التي تشمل فيما تشمل إحاطة روسيا بحزام من عدم الاستقرار.

حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب

عرض كبار المسؤولين الروس موقفًا موحدًا في الرابط الذي يربط بين الأحداث والمجريات في البلقان، العراق، أفغانستان، ليبيا، مصر وسوريا، إذ إن كلها نتيجة لأعمال “مدمّرة” للغرب في تلك الدول. والنتائج متساوية: (1) حرب أهلية تُراق فيها الدماء؛ (2) تبذير مليارات الدولارات من أجل حرب عبثية؛ (3) أزمة عامة؛ (4) إضعاف الدول حتى تفككها؛ (5) تسلل الجهات الإرهابية في الفراغ الذي تكوّن وتعاظمها. فلكل هذا تبعات سلبية على النظام العالمي من عدم الاستقرار، زيادة حدة الصرعات الجيوسياسية وتعميق الخلافات بين الدول، الطوائف والأديان.

يشخّص الروس ما يحدث في أوكرانيا كحلقة في سلسلة ستؤدي لتبديل الحكم، غليان الشعوب، تعاظم الصراعات الداخلية مع احتمال التدهور إلى حرب أهلية، وفقدان الاستقرار، وكل ذلك للإضرار بالتأثير الروسي. كذلك يفسرون الانسحاب المتوقع لقوات الناتو من أفغانستان بأنه حلقة تُضاف لهذه السلسلة، والتي ستؤدي إلى إسقاطات أمنية سلبية على روسيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)

عُرض التطرق للشرق الأوسط بما يتلاءم مع ذات النظرة للمجريات الدولية. حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب حسب نفس الدوافع التي ذُكرت أعلاه. في رأيهم، فإن النموذج الأمثل الوحيد للتعامل الجيد مع مجريات “الربيع العربي” هو الانقلاب المضاد المصري ومن هنا تُشتق المعادلة الصحيحة التي يجب أن تكون مؤسسة على تقوية الأطراف الدولية التقليدية. في إطار ذلك، ترى روسيا لنفسها مهمة ذات أهمية في تقوية هذه الأطراف الدولية، ولذا فهي تعزز علاقاتها مع مصر بعد الانقلاب، وتدعم الحكومة السورية وهي الوحيدة التي كانت قادرة على أن تحقق تفكيك الأسلحة الكيميائية في سوريا.

ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب

فيما يخص إسرائيل، عرضت في المؤتمر تلميحات متعارضة. من ناحية، ظهر تقدير لسياسة إسرائيل بخصوص أوكرانيا، لكن من ناحية أخرى، قد وُضعت في مركز المشاكل في المنطقة. لقد عرض كبار المتحدثين الروس مركزية الموضوع الفلسطيني وتأثيره المهم على المجريات في المنطقة. حسب ادعائهم، إن فشل المرحلة الأخيرة لعملية السلام (استمرار المفاوضات بالتنسيق مع الوزير كيري) ينبع من السيطرة الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية وتقرير معادلتها. لقد كرر المتحدثين الروس موقف روسيا التقليدي من العملية الإسرائيلية- الفلسطينية. فحسب المفهوم الروسي، يجب تحويل مسار العملية مع إعطاء روسيا دورًا مركزيًا يرتكز إلى إطار لجنة دولية.

في إطار هذه المباحثات، طُرح أيضًّا موضوع تسليح إسرائيل بالسلاح غير التقليدي، مع توجيه إصبع الاتهام نحوها، كما لو أنها لا تتيح جعل الشرق الأوسط منزوع من سلاح الدمار الشامل. لقد عُرض الموضوع بانسجام بين كبار المتحدثين وحظي بدعم من نائبين عن الشرق الأوسط وأسئلة المشاركين في المؤتمر. إضافة إلى موضوع العمليات السياسية مع الفلسطينيين، عرض الروس أيضًا موضوع اللجنة الدولية بخصوص “منطقة منزوعة سلاح الدمار الشامل”- الذي تقرر في استطلاع لهيئة الأمم لمنع انتشار السلاح النووي سنة 2010- كالنموذج الأمثل ولذلك فقد أكدوا على حيوية اجتماعها في السنة المقبلة.

تلخيص وتقييم

فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)
فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)

رغم أنه لا جديد في ادعاءات ومواقف روسيا، لكن ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب، الذي انجر وراءها. واستُغل المؤتمر كمنبر للربط بين “الربيع العربي” والأزمة في أوكرانيا. لهذين الحدثين، بنظر الروس، تبعات سلبية على استقرار وأمن النظام الدولي.

بغضّ النظر عن صحة رأي الروس أو عدمها، يمكن رؤية رسالة فيه للغرب، وهي أن روسيا تفكر في تغيير سياستها، أي، عدا عن السياسية الفعالة في الساحة الدولية، كذلك خارج نطاق الاتحاد السوفيتي السابق. توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى.

يهدف التهديد المُشار إليه والذي أساسه السياسة الفاعلة، من خلال الإضرار بالمصالح الأمريكية عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة، إلى كبح تدخل الغرب فيما يحدث في أوكرانيا. لكن بالمقابل، أبدى الرئيس بوتين تلميحات عن استعداد للتروي أساسه الاتفاق بين الجانبين. لقد أبدى استعدادًا لقبول نتائج الانتخابات في أوكرانيا ولأي ترتيبات. الأساس الظاهر للاتفاق المستقبلي، هو التفاهمات التي طُرحت في مؤتمر جنيف بتاريخ 17/04/2014، التي اتفق حسبها على الحفاظ على استقلال أوكرانيا، وتغيير البنية الحكومية القائمة لبنية فيدرالية وتحقيق مبدأ الحيادية، مع عدم انضمام أوكرانيا للمنظمات الغربية (ناتو، والاتحاد الأوروبي).

توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى

يبدو أن روسيا تفضّل أن تصل إلى تفاهمات مع الغرب فيما يخص أوكرانيا وذلك لأنها لا تملك القدرة على التعامل المتواصل- سياسيًّا واقتصاديًّا- مع الغرب، لذلك فهي معنية باتفاق يمكّنها من تحقيق تأثير ما في أوكرانيا، وستمنع انضمام أوكرانيا إلى دائرة التأثير الغربي. لكن، إن تم هذا الاتفاق، ستضطر روسيا إلى التنازل عن مكانة أوكرانيا المركزية في خططها الجيوسياسية لترميم العظمة والتأثير الروسي، على الأقل على المدى القريب والمتوسط. لكن، ثمة شك إذا كانت تستطيع روسيا الاستمرار لمدة طويلة على هذا الحال، لأنها ستبحث عن فرص أخرى لاسترجاع تأثيرها الكامل في أوكرانيا.

نشر المقال لأول مرة في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 869 كلمة
عرض أقل