هذا هو الزعيم الذي سيظل محفورا في ذاكرة الإسرائيليين كرجل السلام الشجاع، الذي أدرك أنّ عليه السعي للسلام مع جيرانه الفلسطينيين والأردنيين: إسحاق رابين بعد مرور 22 عاما على اغتياله
سيتم إحياء الذكرى العشرين لوفاة رئيس الحكومة الراحل، إسحاق رابين، والذي صادف بتاريخ 4 تشرين الثاني 1995 في مراسم عديدة في إسرائيل.
رابين الذي كان رئيس الأركان السابع للجيش الإسرائيلي والقائد الأكبر في صفوف الجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة عام 1967، كان أيضًا الرجل الذي وقّع على اتفاق أوسلو في أيلول عام 1993 مع الفلسطينيين، وهي خطوة مثيرة للجدل في الرأي العام الإسرائيلي، وقد منحته أيضًا جائزة نوبل للسلام مع وزير الخارجية في عهده، شمعون بيريس، ورئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات.
ومن أجل التعرّف عن قرب على الرجل ونشاطه، نقدم لكم 10 حقائق مثيرة للاهتمام عن “رجل السلام”، إسحاق رابين.
إسحاق رابين مع أخته وأمه روزا، 1927 (Wikipedia)
1. وُلد إسحاق رابين في مدينة القدس في الأول من آذار عام 1922 لوالد يعمل في شركة الكهرباء، وأم ناشطة اجتماعية هاجرت إلى أرض إسرائيل (1919) ونشطت كثيرا في المجال الاجتماعي بل وعُيّنت كعضو مجلس في بلدية تل أبيب يافا. سُمّي إسحاق رابين على اسم جده.
2. وُلدت لإسحاق أخت صغيرة، راحيل، وبعد مدة صغيرة من ولادتها انتقلت أسرته للسكن في تل أبيب. بدأ رابين دراسته في مدينة تل أبيب، وفي عام 1937 بدأ بتعلّم الزراعة وإدارة الحسابات في إحدى أشهر المدارس في إسرائيل “كدوري”. أنهى دراسته بالامتياز عام 1940 وكجائزة على ذلك اقترح عليه المندوب السامي البريطاني في أرض إسرائيل منحة للدراسة في الولايات المتحدة. لم يذهب رابين، الذي طمح بدراسة هندسة المياه، إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراسته وذلك بسبب الحرب العالمية الثانية.
رابين الشاب 1948 (Wikipedia)
3. في شبابه انضمّ رابين إلى صفوف “البلماح” (قوة عسكرية مجنّدة من اليهود قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948). خلال عشرة أيام فقط تعلّم كيف يشغّل السلاح في دورة مسرّعة من قبل البلماح (سرايا الصاعقة). كان نشاطه العسكري الأول بالتعاون مع الجيش البريطاني الذي سعى للسيطرة على لبنان الذي كان تحت سيطرة حكومة فيشي (الحكومة الفرنسية التي تعاونت مع النازيين بين عاميّ 1944-1940). خلال هذه العملية العسكرية فقد موشيه ديان (لاحقا أصبح وزير الدفاع في إسرائيل) عينه.
4. كلما اكتسب خبرة عسكرية أكبر، تم تعيينه في مناصب أكبر. في فترة حرب استقلال إسرائيل عام 1948 كان رابين قائدا كبيرا عمل بشكل أساسيّ على جبهة القدس. بين عاميّ 1959-1956 خدم كقائد للواء الشمال، وبين عاميّ 1963-1961 كان نائبا لرئيس الأركان.
رابين قائد الأركان 1964 (Wikipedia)
5. في 25 كانون الأول عام 1963، تم تعيين رابين رئيس الأركان السابع في الجيش الإسرائيلي وتولى المنصب حتى عام 1968. خلال فترة توليه المنصب قاد حرب الأيام الستة. ومن بين إنجازاته العسكرية الكبرى في تلك الحرب كان احتلال سيناء، قطاع غزة، وأجزاء من الضفة الغربية والقدس الشرقية بل ومساحات كبيرة من هضبة الجولان. كانت المساحة العامة التي تم احتلالها تساوي 3 أضعاف مساحة إسرائيل عشية الحرب.
6. ومع تقاعده من الجيش عُيّن سفيرا لإسرائيل في الولايات المتحدة وتولى هذا المنصب لخمس سنوات. خلال توليه للمنصب ارتفعت المساعدات التي قدّمتها الولايات المتحدة لإسرائيل كثيرا على شكل بيع السلاح والمساعدات العسكرية. ولدى عودته من الولايات المتحدة انضمّ إلى حزب اليسار، حزب العمل.
رابين وزوجته ليئا، عند خدمتهم كسفيرين في واشنطن 1968 (Wikipedia)
7. في 3 حزيران عام 1974، عُيّن رابين في منصب رئيس الحكومة وكان يبلغ من العمر 52 عاما. كان رئيس الحكومة الخامس لإسرائيل، والأول الذي يعتبر رئيس للحكومة من مواليد البلاد. خلال فترة ولاية رابين الأولى كرئيس للحكومة تم تحقيق اتفاق تهدئة والتزام بالحفاظ على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومصر. وقد قاد أيضًا عملية إنقاذ 105 مختطفا يهوديا إسرائيليا تم اختطافهم إلى أوغندا. وهي عملية عسكريّة حظي بسببها بتقدير كبير (عملية إنتيبي). عام 1977، اضطرّ رابين إلى الانسحاب من الترشّح مجدّدا لمنصب رئيس الحكومة بسبب كشف حساب بنكي أدارته زوجته بشكل مخالف للقانون الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
رئيس الحكومة الإسرائيلي بين عاميّ 1974-1977 (Wikipedia)
8. عام 1992، وفي أعقاب فوز حزب العمل انتُخب رابين مجددا لولاية ثانية في منصب رئيس الحكومة الإسرائيلي وبنى ائتلافا ضيّقا (61 عضو كنيست في حكومته من بين 120).
9. ومع بداية ولايته الثانية بدأ بالمفاوضات مع السوريين والفلسطينيين. كان يأمل رابين بتحقيق اتفاق مع حافظ الأسد ولكن الأمر لم يتم من قبله على وجه الخصوص في ظلّ معارضة الإسرائيليين الذين عاشوا في الجولان بقيادة المستوطنات في إسرائيل. في آب عام 1993، صنع رابين تحوّلا عندما وافق على خطوط عريضة للمحادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها، ياسر عرفات، والتي جرت في أوسلو. حرص على أن يُدخِل إلى الخطوط العريضة في محادثات أوسلو ترتيبات أمنيّة إضافية وأن يحوّل الاتفاقات إلى اتجاه أكثر ملاءمة لمنهجه الذي فضّل الترتيبات الانتقالية على التسوية الدائمة. في أيلول عام 1993، وُقعت اتفاقيات أوسلو تحت هجمة شديدة من اليمين الإسرائيلي. في 26 تشرين الأول عام 1994، وقّع رابين على اتفاق سلام بين إسرائيل والأردن.
رئيس الحكومة رابين يتحدث مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر 1977 (Wikipedia)
10. في 4 تشرين الثاني عام 1995، تقريبا الساعة 21:54، لدى انتهاء مسيرة دعم لاتفاق السلام الذي وقع رابين وحكومته عليه، وفي الوقت الذي مشى فيه رابين باتجاه سيارته، تم إطلاق 3 طلقات باتجاهه. تم نقله إلى المستشفى الرئيسي في تل أبيب، حيث تُوفي هناك متأثرا بجراحه بعد مرور 40 دقيقة. غيّم حزن شديد على إسرائيل وعلى مستقبل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل وسائر العالم العربي. كان القاتل يغئال عمير حينذاك في الخامسة والعشرين من عمره، طالب جامعي يميني راديكالي، كان يأمل بأن يمنع قتل رابين تنفيذ اتفاقيات أوسلو وتطبيع العلاقات مع الفلسطينيين. حُكم على عمير بالسجن المؤبّد و 6 سنوات إضافية. وقد حضر جنازة رابين زعماء من جميع أنحاء العالم. كان الشعار الأكثر شهرة في خطابات التعازي، كلمات الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، الذي قال فوق تابوته “سلام أيها الصديق”.
شَغِل اللواء الإسرائيلي شلومو غازيت في الماضي منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وكان مسؤولا عن إعادة تأهيل جهاز المخابرات الإسرائيلي بعد حرب الغفران. كشف، خلال لقاء خاصّ معه لصحيفة يديعوت أحرونوت، عن بعض المعلومات السرية في تاريخ دولة إسرائيل، التي كان شاهدًا عليها.
أوضح غازيت أنه عام 1985 أرسله شمعون بيريس لعقد مفاوضات سياسية مع ياسر عرفات، ولكن لم يعرف عن ذلك أحد، ولا حتى وزير الخارجية الإسرائيلي إسحاق شمير. أمر بيريس غازيت ألا يعرف شمير عن تلك المحادثات السياسية، وأن يوضح له أن هدف التفاوض مع عرفات هو تبادل الأسرى والمفقودين فقط.
كشف غازيت عن معلومة أُخرى أيضًا وقعت بعد حرب عام 1967. وهي أنه قد وقع مُقدم إسرائيلي في الأسر لدى المصريين. وقد كان أكبر شخصية إسرائيلية تقع في الأسر، وتفاجأ زملاؤه عندما عاد إلى إسرائيل وتملص من الخضوع لفحص كذب عادي ومن التحقيق معه في الشاباك. اعترت الشكوك جهاز المخابرات الإسرائيلية أن يكون تم تجنيده للعمل كجاسوس لصالح المصريين. تم انتخاب ذلك المُقدم لاحقا ليكون نائبًا في البرلمان الإسرائيلي، وعمل غازيت جاهدا لسد طريقه السياسي، ومنع تعيينه في لجنة الخارجية والأمن، المكشوفة على مواد سرية وحساسة.
كشف غازيت النقاب أيضًا عن حادثة وقعت خارج الحدود الإسرائيلية. فقد حدثت خلافات قوية في الرأي، خلال مؤتمر القمة العربي عام 1965 في المغرب، بين الرئيس المصري عبد الناصر والملك حسين. يقول غازيت إن هذه الخلافات أدت إلى تبادل المشادات الكلامية بينهما. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تمكن اللواء غازيت، الذي لم تتم دعوته بلا شك لحضور تلك القمة، من سماع ذلك؟
نجح جهاز الموساد الإسرائيلي بتسجيل أحداث تلك القمة دون معرفة المشاركين فيها، وفتحت تلك التسجيلات إطلالة على واقع القيادات العربية خلف الكواليس. “عززت تلك التسجيلات، من جهة، شكوك إسرائيل أن الدول العربية تنوي شن حرب ضده ويجب الاستعداد لذلك جيدًا، ومن جهة أخرى، فإن كل ذلك الكلام المتعلق بالوحدة العربية وتشكيل جبهة واحدة ضد إسرائيل هو أمر لم يحظ بإجماع حقيقي”.
في الوقت الذي يجلس فيه الملك عبد الله على كرسي الملك بأمان، يغرق جاره في الشمال بشار الأسد في حمام دم مستمر. كيف نجح نجل الملك حسين في الحفاظ على إرث والده؟
فاجأ التعيين الخاطف للملك عبد الله، نجل الملك حسين، وريثا للعرش قبل أيام قليلة من وفاة الملك في 7 شباط 1999 الكثيرين، بعد سنوات طويلة كان فيها شقيق الملك، حسن، وليّ العهد. لم يكن معروفا الكثير عن الأمير الشاب عبد الله، الذي أصبح خلال أيام معدودة ملكا، وتندّر الكثيرون وقالوا إنّ الملك الجديد للأردن هو أمريكي أكثر من كونه عربيا.
بعد نحو عام من ذلك، في صيف 2000، توفي حافظ الأسد، رئيس سوريا وهي الدولة الشمالية الجارة للمملكة الأردنية. خلال زمن قصير، أصبح طبيب العيون الشاب بشّار الأسد حاكما في سوريا. واليوم، بعد 17 عاما على وفاة الملك حسين، يبدو أنّه في حين أنّ وريث الحسين يُبلي بلاءً حسنا في المملكة الهاشمية، فإنّ وريث حافظ الأسد غارق كثيرا في حمام من الدماء.
A photo posted by Queen Rania Al Abdullah (@queenrania) on
لقد وصلت مظاهرات الربيع العربي عام 2011 بعد عقد من تولي كلا الحاكمين الشابين زمام الأمور في الحكم. كيف، إذن، نجح الملك عبد الله في الحفاظ على مملكته، في الوقت الذي تورّط فيه بشّار الأسد من الشمال بمجازر دموية؟. يعدّد الخبراء بالشأن الأردني خمسة أسباب لذلك:
1. الاعتدال. في الوقت الذي جرّت فيه مظاهرات الربيع العربي عام 2011، مصر وسوريا إلى العنف، بل إلى حرب أهلية حقيقية في سوريا، فقد بذل رجال الشرطة الأردنيون كل ما في وسعهم كي لا يسكبوا الزيت على النار. تجنّبت القوى الأمنية الأردنية استخدام الأسلحة النارية، بل وفي حالات عديدة قدّمت للمتظاهرين المنهكين مياه الشرب، بشكل هدأ من احتجاجهم.
لقاء بين الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد، عام 2000 (AFP)
2. الاستجابة للاحتجاجات. يوضح الخبير بالشؤون الأردنية يوآف ألون أنّ الاستجابة السريعة للنظام الأردني للمظاهرات الأولى في الربيع العربي، وأخذ زمام المبادرة تفسّر نجاحه في احتواء الاحتجاجات وتهدئة النفوس. عرض النظام حوافز اقتصادية وإصلاحات دستورية نجحت في تهدئة النفوس. نجح الملك في أن يُظهر للمواطنين أنّه مهتمّ بقضيتهم، وذلك مقارنة بالمستبدين من دول الجوار والذين أظهروا تجاه المواطنين الاحتقار الذي زاد من غضبهم.
3. ضعف الإخوان. مكّن انقسام حركة الإخوان المسلمين، الأسرة المالكة من إضعاف التهديد المحتمل الكامن في هذه الحركة. في هذا السياق لعب الحظّ لصالح النظام، حيث ساعد الانقلاب العسكري في مصر في صيف 2013 كثيرا في إضعاف حركة الإخوان، التي لم تنجح في التعافي حتى اليوم.
مظاهرة الإخوان المسلمون في الأردن ضد إسرائيل (AFP)
4. تحييد السكان الفلسطينيين. يضيف ألون ويوضح أنّ أحد إنجازات النظام، والذي سمح له بالحفاظ على استقراره هو تحييد السكان الفلسطينيين في الأردن، وإبعادهم عن دائرة الاحتجاج. طالما بقي الفلسطينيون في الأردن خارج موجة احتجاجات الربيع العربي، فلن تجد المملكة صعوبة في التعامل مع حجمها المحدود. ولكن لو طالب الفلسطينيون بحقوقهم في جميع شوارع الأردن، فلا يمكن أن نعلم إذا كانت الاحتجاجات ستمر من دون ضحايا.
5. استقرار اقتصادي على مدى كل سنوات الاحتجاج. نجح الاقتصاد الأردني في الحفاظ على مؤشرات مناسبة، ولم يدخل في أزمة اقتصادية حقيقية حتى عندما دخل تيار كبير من اللاجئين إليه من سوريا. استمر الاقتصاد في النموّ، فبقي معدّل الدين العام منخفضا، بل ولم ترتفع معدلات البطالة بشكل كبير. ولكن عام 2015 بدأت الصورة بالتغير، عندما انخفض معدّل نموّ الناتج المحلّي الإجمالي، في الوقت الذي استمر فيه معدّل البطالة بالارتفاع. واليوم، حيث لا نرى نهاية للحرب المستعرة في سوريا، من الصعب التنبؤ إذا ما كانت المملكة ستستطيع الحفاظ على اقتصاد قومي مستقر ترافقه احتياجات أمنية آخذة في الازدياد، وتيار لاجئين لا يمكن إيقافه.
رئيس الحكومة الإسرائيلي الراحل، إسحاق رابين، 20 عاما على اغتياله (Flash90/Nati Shohat)
10 حقائق عن رجل السلام: إسحاق رابين
هذا هو الزعيم الذي سيظل محفورا في ذاكرة الإسرائيليين كرجل السلام الشجاع، الذي أدرك أنّ عليه السعي للسلام مع جيرانه الفلسطينيين والأردنيين: إسحاق رابين بعد مرور 20 عاما على اغتياله
سيتم إحياء الذكرى العشرين لوفاة رئيس الحكومة الراحل، إسحاق رابين، والذي صادف بتاريخ 4 تشرين الثاني 1995 في مراسم عديدة في إسرائيل.
رابين الذي كان رئيس الأركان السابع للجيش الإسرائيلي والقائد الأكبر في صفوف الجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة عام 1967، كان أيضًا الرجل الذي وقّع على اتفاق أوسلو في أيلول عام 1993 مع الفلسطينيين، وهي خطوة مثار جدل في الرأي العام الإسرائيلي، وقد منحته أيضًا جائزة نوبل للسلام مع وزير الخارجية في عهده، شمعون بيريس، ورئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات.
ومن أجل التعرّف عن قرب على الرجل ونشاطه، نقدم لكم 10 حقائق مثيرة للاهتمام لم تعرفوها عن “رجل السلام”، إسحاق رابين.
إسحاق رابين مع أخته وأمه روزا، 1927 (Wikipedia)
1.وُلد إسحاق رابين في مدينة القدس في الأول من آذار عام 1922 لوالد يعمل في شركة الكهرباء، وأم ناشطة اجتماعية هاجرت إلى أرض إسرائيل (1919) ونشطت كثيرا في المجال الاجتماعي بل وعُيّنت كعضو مجلس في بلدية تل أبيب يافا. سُمّي إسحاق رابين على اسم جده.
2.وُلدت لإسحاق أخت صغيرة، راحيل، وبعد مدة صغيرة من ولادتها انتقلت أسرته للسكن في تل أبيب. بدأ رابين دراسته في مدينة تل أبيب، وفي عام 1937 بدأ بتعلّم الزراعة وإدارة الحسابات في إحدى أشهر المدارس في إسرائيل “كدوري”. أنهى دراسته بالامتياز عام 1940 وكجائزة على ذلك اقترح عليه المندوب السامي البريطاني في أرض إسرائيل منحة للدراسة في الولايات المتحدة. لم يذهب رابين، الذي طمح بدراسة هندسة المياه، إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراسته وذلك بسبب الحرب العالمية الثانية.
رابين الشاب 1948 (Wikipedia)
3.في شبابه انضمّ رابين إلى صفوف “البلماح” (قوة عسكرية مجنّدة من اليهود قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948). خلال عشرة أيام فقط تعلّم كيف يشغّل السلاح في دورة مسرّعة من قبل البلماح (سرايا الصاعقة). كان نشاطه العسكري الأول بالتعاون مع الجيش البريطاني الذي سعى للسيطرة على لبنان الذي كان تحت سيطرة حكومة فيشي (الحكومة الفرنسية التي تعاونت مع النازيين بين عاميّ 1944-1940). خلال هذه العملية العسكرية فقد موشيه ديان (لاحقا أصبح وزير الدفاع في إسرائيل) عينه.
4.كلما اكتسب خبرة عسكرية أكبر، تم تعيينه في مناصب أكبر. في فترة حرب استقلال إسرائيل عام 1948 كان رابين قائدا كبيرا عمل بشكل أساسيّ على جبهة القدس. بين عاميّ 1959-1956 خدم كقائد للواء الشمال، وبين عاميّ 1963-1961 كان نائبا لرئيس الأركان.
رابين قائد الأركان 1964 (Wikipedia)
5.في 25 كانون الأول عام 1963، تم تعيين رابين رئيس الأركان السابع في الجيش الإسرائيلي وتولى المنصب حتى عام 1968. خلال فترة توليه المنصب قاد حرب الأيام الستة. ومن بين إنجازاته العسكرية الكبرى في تلك الحرب كان احتلال سيناء، قطاع غزة، وأجزاء من الضفة الغربية والقدس الشرقية بل ومساحات كبيرة من هضبة الجولان. كانت المساحة العامة التي تم احتلالها تساوي 3 أضعاف مساحة إسرائيل عشية الحرب.
6.ومع تقاعده من الجيش عُيّن سفيرا لإسرائيل في الولايات المتحدة وتولى هذا المنصب لخمس سنوات. خلال توليه للمنصب ارتفعت المساعدات التي قدّمتها الولايات المتحدة لإسرائيل كثيرا على شكل بيع السلاح والمساعدات العسكرية. ولدى عودته من الولايات المتحدة انضمّ إلى حزب اليسار، حزب العمل.
رابين وزوجته ليئا، عند خدمتهم كسفيرين في واشنطن 1968 (Wikipedia)
7.في 3 حزيران عام 1974، عُيّن رابين في منصب رئيس الحكومة وكان يبلغ من العمر 52 عاما. كان رئيس الحكومة الخامس لإسرائيل، والأول الذي يعتبر رئيس للحكومة من مواليد البلاد. خلال فترة ولاية رابين الأولى كرئيس للحكومة تم تحقيق اتفاق تهدئة والتزام بالحفاظ على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومصر. وقد قاد أيضًا عملية إنقاذ 105 مختطفا يهوديا إسرائيليا تم اختطافهم إلى أوغندا. وهي عملية عسكريّة حظي بسببها بتقدير كبير (عملية إنتيبي). عام 1977، اضطرّ رابين إلى الانسحاب من الترشّح مجدّدا لمنصب رئيس الحكومة بسبب كشف حساب بنكي أدارته زوجته بشكل مخالف للقانون الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
رئيس الحكومة الإسرائيلي بين عاميّ 1974-1977 (Wikipedia)
8.عام 1992، وفي أعقاب فوز حزب العمل انتُخب رابين مجددا لولاية ثانية في منصب رئيس الحكومة الإسرائيلي وبنى ائتلافا ضيّقا (61 عضو كنيست في حكومته من بين 120).
9.ومع بداية ولايته الثانية بدأ بالمفاوضات مع السوريين والفلسطينيين. كان يأمل رابين بتحقيق اتفاق مع حافظ الأسد ولكن الأمر لم يتم من قبله على وجه الخصوص في ظلّ معارضة الإسرائيليين الذين عاشوا في الجولان بقيادة المستوطنات في إسرائيل. في آب عام 1993، صنع رابين تحوّلا عندما وافق على خطوط عريضة للمحادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها، ياسر عرفات، والتي جرت في أوسلو. حرص على أن يُدخِل إلى الخطوط العريضة في محادثات أوسلو ترتيبات أمنيّة إضافية وأن يحوّل الاتفاقات إلى اتجاه أكثر ملاءمة لمنهجه الذي فضّل الترتيبات الانتقالية على التسوية الدائمة. في أيلول عام 1993، وُقعت اتفاقيات أوسلو تحت هجمة شديدة من اليمين الإسرائيلي. في 26 تشرين الأول عام 1994، وقّع رابين على اتفاق سلام بين إسرائيل والأردن.
رئيس الحكومة رابين يتحدث مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر 1977 (Wikipedia)
10.في 4 تشرين الثاني عام 1995، تقريبا الساعة 21:54، لدى انتهاء مسيرة دعم لاتفاق السلام الذي وقع رابين وحكومته عليه، وفي الوقت الذي مشى فيه رابين باتجاه سيارته، تم إطلاق 3 طلقات باتجاهه. تم نقله إلى المستشفى الرئيسي في تل أبيب، حيث تُوفي هناك متأثرا بجراحه بعد مرور 40 دقيقة. غيّم حزن شديد على إسرائيل وعلى مستقبل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل وسائر العالم العربي. كان القاتل يغئال عمير حينذاك في الخامسة والعشرين من عمره، طالب جامعي يميني راديكالي، كان يأمل بأن يمنع قتل رابين تنفيذ اتفاقيات أوسلو وتطبيع العلاقات مع الفلسطينيين. حُكم على عمير بالسجن المؤبّد و 6 سنوات إضافية. وقد حضر جنازة رابين زعماء من جميع أنحاء العالم. كان الشعار الأكثر شهرة في خطابات التعازي، كلمات الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، الذي قال فوق تابوته “سلام أيها الصديق”.
النجاة من الموت غرقا في قناة السويس، الشقيق الذي قُتل، الاتهامات المتكررة بالميل للهلع والهستيريا، الزيجتان اللتان تم فضّهما، والزواج الثالث الذي كاد أن ينفجر على الهواء مباشرة - تلك هي القصة الكاملة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو
عام 2012، عندما ترأس الحكومة الإسرائيلية، وقف بنيامين نتنياهو أمام قبر والده المفتوح، المؤرخ بن تسيون نتنياهو، والذي توفي في سنّ 102، وتحدّث عن اليوم الأصعب في حياة والده، وفي حياته، 4 تموز عام 1976، يوم وفاة شقيقه الأكبر يوناتان.
“انقسمت حياتنا إلى نصفين: قبل وبعد ذلك اليوم الفظيع الذي سقط فيه يوني”، قال نتنياهو. كان حينذاك طالبا لإدارة الأعمال في معهد ماساتشوستس للتقنية في بوسطون، الولايات المتحدة.
“انقسمت حياتنا إلى نصفين: قبل وبعد ذلك اليوم الفظيع الذي سقط فيه يوني. لن أنسى هذه الصرخات حتى أموت”
كان شقيقه الأكبر يوناتان قائدا لوحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي، وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة. حين تمّ اختطاف طائرة إير فرانس إلى إنتيبي من قبل عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان يوناتان أول من قفز من على متن طائرة هرقل وهاجم الخاطفين في مطار إنتيبي. قُتل من نيران أطلِقتْ باتجاهه من برج المراقبة.
تابع بنيامين نتنياهو قضية الاختطاف حينذاك قلقًا بواسطة وسائل الإعلام الأمريكية. لقد علم أنّ شقيقه يوني سيشارك بالتأكيد في عملية الإنقاذ، وفهم المخاطر التي تنطوي على ذلك. حين اتصل شقيق نتنياهو ويوناتان الأصغر، عيدو، إليه في ساعات الليل، علم بنيامين نتنياهو بأنّ شقيقه الأكبر قد قُتل.
“علمتُ حتى قبل أن أمسك بالسماعة بأنّ يوني لم يعد بيننا”، هذا ما قاله نتنياهو في جنازة والده. وأضاف: “ظننت حينذاك بأنّه ينبغي الوصول إليك، أبي، وإلى أمي، بأسرع وقت ممكن، إلى مكان إقامتكما في نيويورك، قبل أن يصل الخبر إليكما عن طريق آخر. وحينها سافرنا، سبع ساعات في جهنّم، ووصلنا إلى الجادة التي تؤدي إلى المنزل الذي أقمتما فيه حينذاك”.
رأيتك، أبي، تمشي من خلال النافذة الزجاجية الكبيرة. رأيتك تمشي وتفكر، ويداك كعادتك متشابكتان خلف ظهرك. وفجأة حوّلْتَ رأسك ورأيتَني، فامتدت على وجهك نظرة دهشة وقلت لي: “بيبي، ماذا تفعل هنا”؟ وفي لحظة تغيّرتْ نظرتك بفهم رهيب، صرخت صرخةً مريرة وصرختْ أمي بعدك كذلك، ولن أنسى هذه الصرخات حتى أموت”.
بنيامين نتنياهو مع أخيه يوني نتنياهو (YEDIOTH AHARONOTH/AFP)
ابن المؤرّخ
أحسن رئيس دولة إسرائيل، شمعون بيريس عندما صاغ الأمر كالتالي: “بيبي، والدك كتب التاريخ، وأنت تصنعه”. وفعلا، من يريد أن يفهم من هو بنيامين نتنياهو عليه أن يفهم من كان والده.
أحسن رئيس دولة إسرائيل، شمعون بيريس عندما صاغ الأمر كالتالي: “بيبي، والدك كتب التاريخ، وأنت تصنعه”
كانت دراسة وبحث التاريخ مركز حياة البروفيسور بن تسيون، وأسرة نتنياهو بأسرها. كرّست زوجة بن تسيون ووالده بنيامين نتنياهو، تسيلا، كلّ حياتها لدعم عمل زوجها الأكاديمي. ولهذه الغاية انتقلت أسرة نتنياهو بين القدس والولايات المتحدة، ذهابا وإيابا، طوال فترة طفولة بنيامين نتنياهو. قضت الأسرة معظم سنوات الستينيات من القرن العشرين في مدينة فيلادلفيا.
طوال فترة مراهقته – وربما حتى اليوم – رأى بنيامين نتنياهو نفسه مرتبطا بشكل وثيق بأسلوب الحياة الأمريكي. الإنجليزية الجميلة التي يطقنها حتى يومنا هذا هي نتيجة تلك السنوات الدراسية التي قضاها في المدارس الأمريكية.
طوال فترة مراهقته – وربما حتى اليوم – رأى بنيامين نتنياهو نفسه مرتبطا بشكل وثيق بأسلوب الحياة الأمريكي.
حين تجنّد الابنان يوناتان وبنيامين نتنياهو للجيش الإسرائيلي، بقي الوالدان في الولايات المتحدة، وفي الواقع قرّرا الهجرة بشكل نهائي إلى نيويورك في أعقاب تعيين بن تسيون بروفيسورًا في جامعة كورنيل. وقد اتُّخذ قرار العودة للبلاد بعد ذلك بعدة سنوات فقط، عندما قُتل يوناتان.
كان بن تسيون، كاسمه تماما، وفيّا طوال حياته للصهيونية. كان والده، جدّ نتنياهو، حاخامًا صهيونيا شهيرا بحدّ ذاته. ولدى قراءتنا لمقابلة قدّمها لصحيفة “هآرتس” بعد وقت قصير من انتخاب ابنه لرئاسة الحكومة، يمكننا أن نرى نهجه المتطرّف في الصهيونية، ومعارضته الهائلة للتسوية مع الفلسطينيين:
“علينا أن نفهم بأنّ بيننا وبين العرب تعارض ثقافي عميق”، هذا ما قاله البروفيسور نتنياهو وأضاف: “الصهيونية منذ تأسيسها هي حركة غربية. إنها حركة عاشت على حدود الشرق ولكن وجهها كان دائما للغرب. كانت الصهيونية دائما قاعدة أمامية للغرب في الشرق، وهكذا هي حتى اليوم. لهذا السبب، يعتبرنا العرب كائنا غريبًا. حتى لو لم نشعر بذلك، حتى لو كنّا نخدع أنفسنا بأنّ السلام سيسود هنا، فإنّنا نعتبر هدفا لهجومهم والذي هو ليس هجوما نشطا ولكنه هجوم يتشكّل”.
بنيامين نتنياهو ووالده بينتسيون (Facebook)
هذه الرؤية التاريخية، التي استوعبها بنيامين نتنياهو من والده، هي إلى حدّ كبير برنامج عمله الاستراتيجي.
المقاتل الذي شاهد الموت بعينيه
في تشرين الأول عام 1967، بعد أشهر قليلة من الانتصار الإسرائيلي الهائل على الدول العربيّة، تجنّد نتنياهو للجيش الإسرائيلي. ومثل شقيقه الأكبر يوني وشقيقه الأصغر عيدو، تجنّد لوحدة النخبة، وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة.
برز كأحد المقاتلين الموهوبين والشجعان، وتقدّم بسرعة في سلّم الرتب، بعد أن شارك في سلسلة من العمليات السرية. وقد شارك نتنياهو من بين أمور أخرى في عملية تدمير 14 طائرة في مطار بيروت، وفي عملية “الكرامة” الشهيرة.
نتنياهو وباراك أصدقاء (Flash90/Avi Ohayon)
وتعرّف هناك في وحدة النخبة على خصمه وشريكه لاحقا في قيادة دولة إسرائيل، إيهود باراك. قاتل نتنياهو وباراك في سنوات الستينيات والسبعينيات كتفًا إلى كتف بزيّ الجيش الإسرائيلي. عام 1999، تنافس الاثنان وجها لوجه على رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وهزم باراك نتنياهو بفارق كبير. بينما في عام 2011، عندما كان باراك يتولى منصب وزير الدفاع في ظلّ رئيس الحكومة نتنياهو، قاد الاثنان سويّة العملية الاستراتيجية التي كادت أن تنتهي بقصف المنشآت النووية الإيرانية.
وفجأة فُتحت نيران مصرية على المقاتلين الإسرائيليين. سقط نتنياهو في مياه القناة وهو يرتدي معدّات عسكرية ثقيلة، وبدأ بالغرق والاختناق
كاد نتنياهو أن يخسر حياته في سنوات وجوده في الوحدة، أكثر من مرة. في شهر أيار عام 1969، شارك نتنياهو بعبور سرّي لقناة السويس على متن قوارب مطاطية. وفجأة فُتحت نيران مصرية على المقاتلين الإسرائيليين، وقُتل على الفور رفيقه في السلاح، حاييم بن يونا. سقط نتنياهو في مياه القناة وهو يرتدي معدّات عسكرية ثقيلة، وبدأ بالغرق والاختناق. وفي اللحظة الأخيرة امتدّت إليه يدّ لتنقذه، وتمّ إنقاذ نتنياهو بسلام.
حادثة أخرى جرت عندما أصبح قائدا لفرقة في الوحدة. واجه نتنياهو وجنوده عاصفة ثلجية قوية عبر الحدود السورية، في مهمّة بقيتْ تفاصيلها سرّية، وكاد الاتصال معهم أن يُقطع. انضمّ المقاتل الدرزي الشجاع سليم شوفي إلى قوة نتنياهو من أجل إنقاذه بسلام ونقله إلى داخل الحدود الإسرائيلية. ذكر نتنياهو كيف أرشده شوفي للاستمرار في المسير، وعدم التوقف في الثلج المتجمّد رغم الإرهاق الكبير، لأنّ توقّفا كهذا سيجمّدهم حتى الموت.
قبل وقت قصير من تسريحه من الجيش، في صيف عام 1972، كان نتنياهو أحد القادة الميدانيين في عملية إنقاذ الرهائن من طائرة شركة “سابينا” التي اختطفها الفلسطينيين. في الوقت الذي تصارع نتنياهو مع إحدى الخاطفات، وهي فلسطينية اسمها تيريز هلسة، جاء مقاتل آخر وضرب رأس هلسة بمسدّسه. ونتيجة لذلك خرجت رصاصة من مسدّسه كادت أن تقتل نتنياهو، ولكنها أصابت كوعه.
نتنياهو يلتقي الرئيس زلمان شازار بعد عملية إنقاذ الرهائن من طائرة شركة “سابينا” (Flah90)
تم تسريح نتنياهو بعد هذه الحادثة من الجيش كجندي ممتاز، وعاد إلى الولايات المتحدة من أجل إكمال اللقب الأول في الهندسة المعمارية واللقب الثاني في إدارة الأعمال من معهد ماساتشوستس للتقنية، وبالإضافة إلى التخصّص في العلوم السياسية من جامعة هارفرد. وفي هذه الأثناء، عندما اندلعت حرب تشرين عام 1973 عاد وشارك في المعارك ضدّ سوريا، وعاد إلى استكمال دراسته.
أمِل أبناء أسرة نتنياهو طوال تلك الفترة بأنّ يتم تعيين الأخ الأكبر يوناتان، الذي بقي في الخدمة الدائمة في الجيش وتم تعيينه برتبة مقدّم، أن يتم تعيينه في نهاية المطاف رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي. وضعت وفاة يوني في عملية إنقاذ الرهائن في إنتيبي في صيف عام 1976 كلّ التوقعات على أكتاف الأخ بنيامين.
صوت إسرائيل بالإنجليزية
بعد وفاة يوني كرّس بنيامين نتنياهو نفسه للعمل العام، وبشكل أساسي لإقناع شعوب العالم بخطر الإرهاب الفلسطيني. حين كان خريجا شابا في دراسات إدارة الأعمال في الولايات المتحدة أجرى نتنياهو مقابلة مع محطّة تلفزيون أمريكية محلية، وتحدث عن الموقف الإسرائيلي.
قام بذلك أولا عندما عُيّن من قبل سفير إسرائيل في الولايات المتحدة موشيه أرنس مبعوثا للسفارة، وبعد ذلك عندما عُيّن سفيرا لإسرائيل في الأمم المتحدة بين السنوات 1984 – 1988.
مرة تلوَ الأخرى، صعد نتنياهو إلى المنصّة وأدان بكل قوة السياسة العربية، ودافع عن حقّ إسرائيل في الوجود. وفي وقت لاحق، كرئيس للحكومة، يعود نتنياهو كلّ عام إلى ذات المنصّة في نفس القاعة من أجل إلقاء خطاباته الهجومية.
في تلك الفترة تم الكشف عن ماضي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كورت فالدهايم، كضابط في جيش ألمانيا النازي، من قبل المؤتمر اليهودي العالمي بعد الكشف الأول طالب نتنياهو من الأمم المتحدة، بنجاح، فتح الأرشيف والكشف عن وثائق متعلّقة بماضي فالدهايم ومجرمي الحرب النازيين الآخرين. وهكذا أصبح نتنياهو اسما معروفا في النظام السياسي الإسرائيلي والعالمي، نجمًا حقيقيّا. حين عاد إلى البلاد وترشّح عام 1988 للانتخابات الداخلية لحزب الليكود، فاز بسهولة بغالبية الأصوات، وتمّ تعيينه في مكان عال في قائمة الليكود.
إن خبرته الدبلوماسية ومهاراته الممتازة في الاتصال باللغة الإنجليزية، كل ذلك قاده إلى أن يُعيّن عضو الكنيست الشاب نائبا لوزير الخارجية فورا بعد الانتخابات عام 1988. تصادم في هذه الوظيفة كثيرا مع وزير الخارجية، دافيد ليفي، الذي لم يكن يعرف التحدّث بالإنجليزية وكان يفتقد إلى الخبرة الدبلوماسية.
عندما اندلعت حرب الخليج عام 1991، حضر نتنياهو في جميع إستوديوهات التلفزيون العالمية وشرح الموقف الإسرائيلي. وعندما عُقد مؤتمر السلام في مدريد في نفس العام، فضّل رئيس الحكومة شمير اصطحاب نتنياهو مع الوفد الإسرائيلي، وتنازل عن سفر ليفي. عادت تلك الخصومة مع دافيد ليفي وأزعجته لاحقا.
نتنياهو مع رئيس الحكومة شمير في مؤتمر مدريد (AFP)
النساء والخيانة
الجانب الأكثر خفاء من حياة نتنياهو هو علاقاته مع النساء، وخصوصا مع زوجته الحالية سارة. انتهى زواجه الأول لميكي وايزمان، التي وُلدت له منها ابنته الكبرى نوعا، بعد سنوات قليلة بالطلاق. والزواج الثاني، من امرأة مسيحية اسمها فلايير كيتس، والتي حوّلت دينها خصّيصا من أجل الزواج منه، انتهى هو أيضًا بالطلاق. أما الزواج الثالث من سارة، والدة يائير وأفنير، فكاد أن ينفجر هو الآخر.
هناك عدة روايات، من نمط القيل والقال إلى حدّ كبير، عن الحياة الزوجية للزوجين نتنياهو. هناك من يقول إنّه لم يكن حبّا من النظرة الأولى، وإنّ نتنياهو الذي كان عضوا في الكنيست، وافق على الزواج من سارة فقط عندما أخبرته بأنّها حامل.
الزوجان نتنياهو (MENAHEM KAHANA / AFP)
ولكن عام 1993، وقف نتنياهو أمام الكاميرات واعترف بأنّه أقام علاقة غرامية خارج الزواج مع سارة. انفجرت القضية بشكل غريب. ترشّح نتنياهو في تلك الأيام ضدّ خصمه دافيد ليفي على رئاسة حزب الليكود، الذي كان في المعارضة. في تلك السنوات أقام علاقة حميمية مع روت بار، مستشارته الاستراتيجية، التي كانت متزوجة. لم تعلم سارة شيئا عن ذلك.
في أحد الأيام، عندما كانت سارة وحدها في المنزل، رنّ جرس الهاتف، وأعلمها رجل مجهول الهوية بأنّه سيتمّ نشر شريط يظهر فيه زوجها وهو يقيم علاقة جنسية مع امرأة غريبة. كانت سارة مصدومة، وطلبت من نتنياهو الطلاق
في أحد الأيام، عندما كانت سارة وحدها في المنزل، رنّ جرس الهاتف، وأعلمها رجل مجهول الهوية بأنّه فيما لو لم ينسحب زوجها من الترشح على رئاسة الليكود، فسيتمّ نشر شريط يظهر فيه زوجها وهو يقيم علاقة جنسية مع امرأة غريبة. كانت سارة مصدومة، وطلبت من نتنياهو الطلاق.
وبجهد هائل فقط نجح في مصالحتها، واعترف في مقابلة تلفزيونية بأنّه أقام علاقة غرامية خارج الزواج. وقد ألمح إلى أنّ دافيد ليفي هو من يقف وراء محاولة الابتزاز. ولكن رغم الإحراج، فاز نتنياهو بسهولة برئاسة الحزب.
وخلال سنوات طويلة بعد ذلك ظلّت تظهر شائعات حول سلوك السيدة نتنياهو تجاه زوجها. في إحدى المرات، عندما أجرى مقابلة في برنامج استضافة مع المطربة عوفرا حازا، وقفت حازا بجانبه وداعبته. ذُكر حينها أنّ سارة غضبت كثيرا وصاحت في وجهه: “لماذا تسمح لها بلمسك”؟
شائعة أخرى تقول إنّه عندما جاءت ابنه نتنياهو الكبرى من زواجه الأول، نوعا، لزيارة أسرة نتنياهو في منزلهم وقالت “مرحبا أبي”، انقضّت سارة عليها وأخبرتها بألا تناديه هكذا أمام الأطفال الصغار، يائير وأفنير، الذين لا يعرفون بأنّ لديهم أخت غير شقيقة.
أسرة نتنياهو في الطائرة في طريقها إلى زيارة رسمية للولايات المتحدة (Moshe Milner, GPO)
ومع مرور السنين، وخصوصا عندما تولّى نتنياهو منصب رئيس الحكومة، ظهرت تقارير عن إهانة الموظفين في بيت رئيس الحكومة من قبل السيدة نتنياهو. بل إنّ بعضها وصل إلى التوضيحات القانونية.
زعم في إحدى الحالات مدبّر المنزل في بيت رئيس الحكومة، ماني نفتالي، أنّ سارة اتصلت به في الساعة الثالثة ليلا لتوبّخه لأنه اشترى الحليب بالكيس وليس بالكرتون، اغتاظت منه حتى اضطرّ رئيس الحكومة بنفسه إلى التدخّل وأمره بـ “أن يفعل كلّ ما تطلبه”. في حادثة أخرى وبّخته لأنّ الأزهار في المزهرية لم تكن جديدة، وقالت له: “في قصر الإليزيه لم يكن ذلك ليحدث”.
من رئيس الحكومة الأصغر سنّا، إلى السياسي الأقدم
عندما انتُخب نتنياهو لرئاسة الحكومة للمرة الأولى عام 1996 وفاز على شمعون بيريس المخضرَم، كان الأصغر من بين رؤساء الحكومة في التاريخ الإسرائيلي – بلغ من العمر حينذاك 47 عاما فقط.
كانت فترة توليه الأولى فاشلة جدّا، واتّسمت بفقدان الاستقرار وانعدام الثقة مع سائر الجهات السياسية والأمنية.
كانت المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، عام 1997 نقطة متدنية في رئاسة حكومة نتنياهو. أفاد لاحقا أريئيل شارون، الذي كان وزيرا في حكومته، بأنّ نتنياهو أصيب بالذعر والافتقار الحادّ إلى رباطة الجأش في تلك القضية، ممّا أجبر الحكومة الإسرائيلية على إرسال الترياق إلى مشعل والذي أنقذ حياته، وإلى إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من سجنه.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (GPO / AFP)
أثارت القضية غضب الحسين ملك الأردن، وأيضا غضب رئيس الولايات المتحدة حينذاك بيل كلينتون، الذي قال لحسين: “هذا الرجل (نتنياهو) مستحيل”.
سخر منه أريئيل شارون علنًا قائلا: “سأسعد بمساعدتك، ولكنني لا أعلم هل أساعد يدك اليمنى أم اليسرى”
غضب معارضو نتنياهو اليساريّون منه على كونه لم يتقدّم في عملية السلام الذي بدأها سابقاه، إسحاق رابين وشمعون بيريس. بينما غضب معارضوه من اليمين منه لأنّه اضطرّ إلى استمرار تلك العملية مع ذلك، بل وصافح رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات. وغضب الجميع بسبب فقدان الاتساق في قيادته. سخر منه أريئيل شارون علنًا قائلا: “سأسعد بمساعدتك، ولكنني لا أعلم هل أساعد يدك اليمنى أم اليسرى”. هُزم نتنياهو عام 1999 في الانتخابات من قبل إيهود باراك، وأعلن نتنياهو للمرة الأولى عن استراحة من الحياة السياسية.
نتنياهو يصافح عرفات (AFP)
ولكن سرعان ما دُعي نتنياهو للقيادة مرة أخرى. عيّنه أريئيل شارون، الذي هزَم باراك، عام 2002 وزيرا للخارجية، وعيّنه بعد ذلك فورًا وزيرا للمالية. وهكذا حظي نتنياهو بسمعة “سيّد الاقتصاد”، الذي أجرى سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية. وبحسب أقوال مؤيديه، في تلك الفترة “أنقذ نتنياهو الاقتصاد الإسرائيلي” عندما خفّض فوائد الفقر والعجز وأدى إلى خصخصة صناديق التقاعد في إسرائيل.
وبحسب أقوال معارضيه، فقد ساهم نتنياهو بذلك في تدمير دولة الرفاه الإسرائيلية. وفي الانتخابات التي أجريت بعد ذلك عام 2006، غضب كثيرون من الليكود بقيادة نتنياهو بسبب تلك السياسات الاقتصادية، وأورثوه هزيمة أخرى في الانتخابات. ولكن بعد 3 سنوات، في عام 2009، عاد نتنياهو وانتُخب رئيسا للحكومة.
كانت فترة ولاية نتنياهو الثانية مختلفة عن الفترة الأولى. أفرغ الشك وعدم الاستقرار في فترة الولاية الأولى مكانه للتعاون المتناغم مع سائر الوزراء، وعلى رأسهم صديقه وخصمه القديم، إيهود باراك. والموضوع الأكثر بروزا في فترة الولاية تلك كان: النووي الإيراني. مرّة تلوَ أخرى، حين حاول خصوم نتنياهو السياسيون مهاجمته، أجاب بأنّ المهمة الوحيدة على جدول الأعمال هي إيقاف البرنامج النووي الإيراني.
نتنياهو يخاطب الجمعية العامة للامم المتحدة (Flash90)
كانت فترة نتنياهو في الساحة الفلسطينية راكدة. على الرغم من رضوخه لضغوط رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما وموافقته عام 2009 على تجميد البناء في المستوطنات، فلم يثق أبدا برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ولم يقصد أبدا التوصّل معه إلى تسوية.
بدلا من ذلك، حاول نتنياهو مرّة تلوَ الأخرى إيجاد نماذج بديلة لتحقيق التقدّم السياسي – فقد حاول في بداية فترة ولايته طرح “السلام الاقتصادي” بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي سيستند إلى الشراكات التجارية. وقد حاول مؤخرا اعتماد فكرة جديدة بتعزيز العلاقات مع الدول المعارضة لإيران في العالم العربي، وعلى رأسها السعودية، فيقفز بذلك فوق رؤوس الفلسطينيين.
قال الرئيس الفرنسي حينذاك نيكولا ساركوزي في مكالمة تمّ تسريبها في الصحافة لأوباما: “نتنياهو كاذب”. “لا بدّ لي من التعامل معه يوميّا”، أجاب أوباما
ولكن خبرته السياسية الكبيرة لم تسعفه. مرة تلو أخرى، اتضح بأنّه خلال ستّة أعوام في فترة ولايته كرئيس للحكومة كانت العلاقات الخاصّة جدّا مع الولايات المتحدة تقع في مسار تصادمي. كان انعدام الثقة البارز بين نتنياهو وأوباما هو خلفية ما لا يحصى من الحوادث المحرجة، التي ضربت مكانة إسرائيل الدولية. قال الرئيس الفرنسي حينذاك نيكولا ساركوزي في مكالمة تمّ تسريبها في الصحافة لأوباما: “نتنياهو كاذب”. “لا بدّ لي من التعامل معه يوميّا”، أجاب أوباما.
بنيامين نتنياهو وباراك أوباما (Avi Ohayon/GPO)
وحلّق فوق كلّ ذلك اتهام بارز واحد تجاه نتنياهو: بأنّ هدفه الوحيد هو البقاء سياسيّا. سوى السياسة وسوى الاقتصاد وسوى الأيديولوجية، فإنّ نتنياهو مهتمّ بشيء واحد فقط – الحفاظ على منصبه كرئيس لحكومة إسرائيل.
ولكن في المقابل، يروج في السنوات الأخيرة في صفوف الشعب الإسرائيلي بأنّه لن يكون هناك شخص آخر بمثل مكانة بنيامين نتنياهو، القادر على قيادة دولة إسرائيل وتوجيهها.
عندما انتُخب للمرة الثالثة رئيسا للحكومة عام 2013، تحوّل نتنياهو من رئيس الحكومة الأصغر سنّا إلى رئيس الحكومة الأقدم فيما عدا رئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون. ولكن رغم الخبرة والتجربة، لم يكن الائتلاف الأخيرة لنتنياهو مستقرّا مثل سابقه، وذكّرنا أكثر بفترة ولايته الأولى كرئيس للحكومة.
خلال كل أسبوع فرض شركاءه السياسيين الجدد – يائير لبيد، تسيبي ليفني، نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان شروطا جديدة عليه. ووصل الأمر إلى الذروة عندما توحد جميع هؤلاء ضدّه من أجل تشريع قانون لإغلاق صحيفة “إسرائيل اليوم” – وهي الصحيفة الوحيدة التي تقف على يمين نتنياهو، وتتبع لصديقه، الداعم الأكبر له، الملياردير الأمريكي شيلدون أدلسون.
إنّ سجلّ نتنياهو ليس واضح المعالم. لقد فاز بشكل كبير في المعارك الانتخابية الثلاث التي قادها، عام 1996، 2009 و 2013، ونجح في تشكيل حكومة وفي القيادة. ولكن في معركتين انتخابيتين أخريين، عام 1999 و 2006، ضُرب مرة أخرى من قبل الناخبين. وقبيل الانتخابات المقبلة، يبقى السؤال مفتوحا: هل سيثبت نتنياهو بأنّه قادر على البقاء مرّة أخرى، أم سيُهزم؟
رجل الساعة: الملك عبد الله يُكافح من أجل بقاء المملكة الأردنية
يخشى من انقلاب داخلي، يريد إجراء إصلاحات اقتصادية حديثة، ويرغب بالقضاء على داعش، يزدري بشار الأسد ويحاول الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل. هذا هو الملك عبد الله الثاني الملقاة عليه المسؤولية الأكبر، لمنع انهيار المملكة الهاشمية
من غير الواضح إذا ما كانت إشارة ملك الأردن، عبد الله الثاني، في المقابلة التي قدّمها للصحفي الأمريكي “تشارلي روز” قبل نحو سبعة أشهر (أيار 2014)، حول ضغوط العمل والمسؤولية الكبيرة الملقاة على أكتافه كملك لدولة صغيرة تواجه موجة من التحدّيات والمشاكل الداخلية، نوعا من النكات أو إشارة جدّية. “عندما أرى ما يواجهه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تفكّك ليبيا، المشاكل الاقتصادية الحادّة، والتعامل الداخلي مع مشكلة الإخوان المسلمين والتعامل الأمني والعسكري الذي يقوم به في سيناء ضدّ الجهاد العالمي، فإنّ ذهني يستريح. إنه يواجه الكثير جدّا من التحدّيات. أما أنا من جهة أخرى فلا أواجه مثل هذا القدر الكبير من المشاكل”.
“ملك بمفاجأة”
إذا أردنا مسح المشاكِل التي عدّدها الملك الأردني في المقابلة، والتي تواجهها المملكة الهاشمية الأردنية، فيمكننا ببساطة أن نقدّر بأنّ عبد الله يضع على أكتافه أكثر المشاكل إلحاحا في الشرق الأوسط. بدءًا من مواجهة تهديدات داعش، ومواجهة أكثر من مليوني لاجئ سوري وعراقي يقيمون على حدود بلاده الصغيرة ويخنقون الاقتصاد المحلّي، والمواجهة الداخلية ومحاولة الحفاظ على الوضع القائم بين القبائل الأردنية والسكان الفلسطينيين، الانتقادات تجاه علاقاته مع الغرب، مسألة الحرم القدسي الشريف، مسألة علاقة السلام مع إسرائيل وفوق كلّ شيء محاولة معالجة الصعوبات الاقتصادية الهائلة والملحّة في المملكة الصحراوية.
ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال مع نجله العاهل الأردني عبد الله الثاني (AFP)
صعد الملك عبد الله الثاني إلى الحكم في 7 شباط عام 1999 بعد وفاة والده الملك حسين. كانت والدة عبد الله إنجليزية واسمها توني جاردنر، وقد كانت ابنة ضابط بريطاني خدم في الأردن. بعد زواجها عام 1961 من حسين، ملك الأردن، أسلمتْ واتّخذت اسم “منى”.
تزوج عبد الله عام 1993 من السيدة رانيا، من مواليد الكويت ومن أصول فلسطينية. درس في شبابه ببريطانيا، في الأكاديمية العسكرية البريطانية وفي جامعة أوكسفورد. خدم كطيّار في الجيش الأردني وتولّى منصب قائد القوات الخاصة في الأردن. في المقابل، درس العلاقات الدولية في جامعة جورجتاون في واشنطن بالولايات المتحدة. منحه كلّ ذلك لغة إنجليزية ممتازة وطليقة. وهناك من سيقول إنّ لغته الإنجليزية أفضل من لغته العربية الفصحى.
http://instagram.com/p/wvdTxDBrgI/
لم يتم إعداد عبد الله على مدى سنوات طويلة لخلافة والده كملك للأردن. كان شقيق الملك حسين، الأمير حسن، هو وليّ العهد في غالبية عهد الملك حسين، ولكن قبل وفاته بقليل قرّر الملك تمرير العرش لابنه. كان سبب عزل الحسن، من بين أمور أخرى، رغبة حسين في نقل الملك إلى سلالته. فاجأت هذه الحقيقة عبد الله كثيرا والذي قال في المقابلات لوسائل الإعلام في تلك الفترة إنّه الملكة رانيا وهو كانا متفاجئين من قرار والده.
الوجه الجميل للأردن
http://instagram.com/p/yKkYEdBrii/
يُعتبر عبد الله رجلا غربيّا. يميل الأردن تحت قيادته إلى خطّ سياسي موال لأمريكا وللعلاقات الوثيقة مع الغرب، وهي سياسة تثير في أحيان كثيرة الانتقادات من جانب جيرانه العرب. ويدفع الملك الثمن الأكبر، كما يبدو اليوم، بسبب دعمه وانضمام المملكة الهاشمية لقوى التحالف التي تحارب داعش. صُدِم الملك من نشر مقطع الفيديو الذي يوثّق حرق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، حتى الموت، وصدم كذلك المملكة الهاشمية بأسرها. قال الملك في رسالة تلفزيونية: “القتل هو عمل إرهابي جبان تم تنفيذه من قبل مجموعة لا علاقة لها بالإسلام”.
تساعده زوجته أيضًا، الملكة رانيا، في محاولة تقديم الأردن كدولة تبحث عن شركائها الغربيين، الليبراليين. تشارك الملكة رانيا بنشاط في عدد من مجالس المنظّمات الدولية، وقد أخذت على عاتقها مؤخرا مهمّة عرض “الإسلام الذي تؤمن به هي وأسرتها وملايين المسلمين الآخرين في أنحاء العالم” للعالم. في كل مقابلة مع وسائل الإعلام الأجنبية أو العربية في الموضوع، تنفر رانيا من الربط الذي يقوم به الكثيرون بين الإسلام والإرهاب. وتقول خلال حديثها عن تنظيمات الجهاد العالمي التي تعمل على حدود بلادها، سواء في سوريا أو في العراق: “إنّ الحرب هي حرب على مستقبل الإسلام ومستقبل العالم العربي… إنّ انتصارنا في الحرب متعلّق بقدرتنا (كمسلمين) على كسب المعركة الفلسفية… ذلك أنّ وراء هذه الهجمة الإرهابية تكمن أيديولوجية متطرّفة، لا تتوافق مع روح الإسلام”. ويميل الملك عبد الله أيضًا إلى الغضب عندما يصفونه كأنه “زعيم عربي، مسلم معتدل”. “أنا زعيم عربي ومسلم نقطة. الأشخاص المتطرّفون الذين يقومون بأبشع عمليات القتل في سوريا والعراق لا يمثّلون الإسلام الحقيقي الذي أؤمن به”.
http://instagram.com/p/xR8EzXBrts/
تحرص الملكة رانيا على تقديم أجندة مساواة بين الرجال والنساء في المملكة في مجالات الوصول إلى الدراسات العليا ومجالات العمل وتعمل على تمويل ومرافقة مشاريع عديدة للقضاء على ظاهرة الأمية والبطالة بين النساء. في مقابلة مع تلفزيون العربية في شهر تشرين الأول عام 2013، فتحت رانيا منزلها أمام فريق التصوير وتحدّثت عن أسرتها الصغيرة، أبنائها وزوجها، وسعت إلى نقل رسالة عن سلامة الأسرة الملكية في العصر الحديث، بما في ذلك عرض نموذج لماهية الأسرة المسلمة الصحّية بنظرها.
الحرب على الداخل: الحرب ضدّ داعش
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (AFP)
في ظهر يوم الجمعة، 20 حزيران عام 2014، جرت في معان، جنوب الأردن، مظاهرة رُفعت فيها أعلام داعش السوداء. العناوين التي تحملها اللافتات ليس فيها لبس: “جمعة دعم الدولة الإسلامية في العراق والشام / معان هي جند الأردن / مؤيدة للدولة الإسلامية”.
وقد صدرت في المظاهرة صيحات مثل: “الله أكبر”، “الجهاد” و”بالروح بالدم نفديك يا إسلام”. وبعضها الآخر أكثر تميّزا، ويظهر الطابع الذي لا لبس فيه للمتظاهرين: “لا إله إلا الله والشيعي عدوّ الله” و”السنة أحباب الله”.
https://www.youtube.com/watch?v=IQERKn2EEM4
الأمر الأكثر أهمية هو حقيقة أنّه سوى أفراد معزولين، فإنّ جميع المشاركين في المظاهرة كانوا مكشوفي الوجوه، أي إنهم لا يخشون من النظام الأردنيّ، من استخباراته وشرطته. وقد رأى المتظاهرون أيضًا الشخص الذي قام بتصوير المظاهرة ولم يقوموا بفعل شيء ضدّ التوثيق، رغم أنّهم يعلمون جيدا بأنّ النظام قد يستخدم مقاطع الفيديو من أجل التعرّف عليهم والإمساك بالمشاركين في المظاهرة. وعندما يختفي الخوف من الدولة، فإنّ كل عمل يصبح متوقعا.
لم يخف تنظيم داعش نواياه تجاه الأردن أبدا، والذي نشأ هو مثل العراق وسوريا من قبل الاستعمار الأوروبي، ولذلك فحكمه هو الهلاك. حتى اسمه يدل على هذه النية، حيث إنّ منطقة “الشام” هي في الواقع تشمل كلا من سوريا، لبنان، الأردن وإسرائيل.
ومن أجل توضيح نواياه تجاه الأردن وسّع التنظيم مساحات سيطرته في العراق باتجاه الغرب، حتى الحدود العراقية الأردنية. تثير نجاحاته في العراق وسوريا “الأدرينالين الجهادي” لدى السكان المهمّشين في الأردن، والمظاهرة في معان تعبّر عن المعروف للجميع: نجاح داعش يجذب الجماهير، وخصوصا أولئك الذين هم في الأطراف، الذين يرغبون بالانتماء أخيرا إلى شيء ناجح.
إعدام معاذ الكساسبة (لقطة شاشة)
ويفهم هذه المسألة جيّدا ملك الأردن الذي شارك في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة وتنفيذ الهجمات ضدّ أهداف داعش في مثلث الحدود الأردنية – العراقية والسورية. يبحث الملك عبد الله في كل لحظة من لقاءاته مع شركائه من الزعماء العرب في السعودية ومصر عن حلول إبداعية من أجل منع انتشار “المرض”، الذي يُسمى داعش.
ومن المفاجئ أن نعرف بأنّه في إسرائيل، يقدّر محلّلون عسكريّون بأنّ “الأردن يكشف عن تصميم وقوة في معالجة الأوضاع. نحن ننظر محدّقين بقدرات الأردن على مواجهة الصعوبات وتجهيز الحلول. هذا مركّب ليس فقط من القوة العسكرية والاستخبارات النوعية، وإنما أيضا من حكمة الأسرة المالكة، ومن قدرتها على إنشاء التماهي مع الجماهير، والشعور بأنّ هناك حكم متيقّظ للضائقات. الأردن، في تقديرنا، مستقرّ ويتعامل بالشكل الأفضل مع التهديدات”.
سيرافق الإعدام الهمجي للطيار الأردني، معاذ الكساسبة، من خلال حرقه حتى الموت داخل قفص، الأردنيين والأسرة المالكة فترة طويلة، حيث أعلنت الأخيرة بأنها ستزيد من هجماتها ضدّ داعش.
رؤيا الأردن الجديدة
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (AFP)
المشكال الأكثر إلحاحا للتعامل معها هي المشاكل الاقتصادية، التعامل مع موجة اللاجئين السوريين والعراقيين الذين يخنقون الاقتصاد الأردني ويورّطون البلاد من الناحية الأمنية والحرب ضدّ التطرّف الديني والحرب ضدّ التنظيمات السلفية.
ويرغب عبد الله أيضا بمواجهة المشاكل الاجتماعية الداخلية حيث تكون القيادة والسياسية الداخلية أفضل فتمنع تفكّك نسيج الحياة الحسّاس بين الأردنيين من أصول فلسطينية والأردنيين من أصول بدوية. معظم سكان الأردن هم من أصول فلسطينية، وتعود جذورهم إلى الضفة الغربية، ولكن زعماء القبائل هم من الضفة الشرقية، وملوك السلاسة الهاشمية كانوا دائما يعتمدون عليهم لحماية العرش. تحمل العلاقة التي توحّد العائلة المالكة وزعماء القبائل طابعا لاتفاق واضح: مقابل دعمهم للبلاط الملكي، يتوقع زعماء القبائل الشرقيين من الملوك الحفاظ على حقوقهم والحدّ من قوة الفلسطينيين. وعندما يظنّون أنّ الملك لا يهتمّ بهم بما فيه الكفاية، تبدأ المشاكل بالنشوء.
يريد عبد الله رؤية الأردنيين يبنون الأحزاب التي لا تعمل فقط كمراكز لتوفير الفوائد، الإكراميات والوساطات، وإنما أيضا تطوّر الأفكار الأيديولوجية وتنشئ في الأردن ثقافة سياسية ناضجة. إنه يريد أن يرى تمثيلا نسبيا سليما أكثر للفلسطينيين في البرلمان، دون أن يمكّن الإخوان المسلمين من احتكار الإصلاح لأنفسهم باسم الإسلام.
من عدّة نواح، فالملك الأردني هو شخص مليء بالتناقضات. ملك عربي، صادف كونه حفيدا مباشرا للنبي محمد، ويبشّر بنظام ليبرالي، علماني وديمقراطي. عبد الله، وفقا لرؤيته، هو رجل إصلاح سياسي واقتصادي. يقول إنّه يفهم بأنّ الأسرة المالكة الهاشمية، وربما الأردن نفسه، لن ينجحا في البقاء للعقود القادمة، إذا لم ينجحا بسرعة في دفع البلاد للتحرّك صوب العالم الحديث.
علاقات سلام باردة مع إسرائيل
اجتماع نتنياهو مع الملك عبد الله. أرشيف (Kobi Gideon/GPO/FLASH90)
مر عشرون عاما (وقليلا) منذ توقيع معاهدة السلام، والتي أعطت موافقة رسمية وعلنية على المحادثات السرّية التي استمرّت لعشرات السنين، ولكن ليس بشكل مستمرّ، بين إسرائيل والأردن. تأسس الحوار بين البلدين على مصلحة مشتركة لكليهما، والذي بقي منذ ذلك الحين ساري المفعول وهو: احتواء اللاعب المنافس في كلتا الدولتين: الفلسطينيون.
إنّ التفكير بـ “منح الأردن دورا حاسما في حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”، قد أدى بالملك حسين إلى التصريح بفكّ الارتباط رسميّا عن الضفة الغربية عام 1988. مهّد فك الارتباط هذا – الذي أعقبه تغيير في منهج منظمة التحرير الفلسطينية – الطريق إلى اتّفاق أوسلو، والذي تم توقيعه بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وقد منح فكّ الارتباط هذا أيضا شهادة موافقة على المفاوضات بين إسرائيل والأردن وعلى اتفاق السلام بين البلدين، والذي تم توقيعه بعد ثلاثة عشر شهرا فقط من توقيع اتّفاق أوسلو. لم ينتظر الملك حسين ليرى إذا كان الفلسطينيين وإسرائيل سيصلون إلى اتفاق دائم كامل، فقد عجّل في شقّ طريق لإجراء المفاوضات مع إسرائيل وإزالة شبكة التمويه عن العلاقات بين البلدين.
منذ العام 1996، رأى العديد من تشكيلات الحكومة الإسرائيلية بالأردن الوطن البديل للفلسطينيين. وتؤرّق هذه الفكرة قادة النظام الهاشمي، وهو في الواقع، أساس سياسة الأردن الشاملة مع مثلّث العلاقات الأردني – الإسرائيلي – الفلسطيني. إنّ الانتقادات التي يطرحها الملك عبد الله الثاني حول التطرّف في إسرائيل بخصوص قضايا متعلّقة بالصراع مع الفلسطينيين وخصوصا حول مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ينبع من قلق السؤال حول إذا ما رافق اندلاع الانتفاضة الثالثة – التي ستؤدي إلى موجة ثالثة من هروب الفلسطينيين إلى الأردن – تطوّر من شأنه أن يضع حدّا للحكم الهاشمي في المملكة. تعترف معاهدة السلام مع إسرائيل بمكانة الأردن الخاصة في كل ما يتعلق بالمواقع الدينية الإسلامية في القدس. ومن جهتها تحرص إسرائيل على مشاركة الأردن في كلّ ما يتعلق بتلك المواقع في شرقي المدينة، ولكن ولاعتبارات سياسية – داخلية وإقليمية – تفضّل الحكومة الأردنية الاستمرار في توجيه الانتقادات حول ما يحدث في المدينة، حتى لو لم يكن للأحداث مساس مباشر بالمواقع المقدّسة في الإسلام.
رئيس الحكومة الإسرائيلية رابين يتحدث مع ملك الأردن، الملك الحسين، على شاطئ بحيرة طبريا بعد مراسم المصادقة على اتفاق السلام مع الأردن من الحكومة الإسرائيلية (GPO)
ومع ذلك، فإنّ هذه الانتقادات – مهما بلغت حدّتها – لم تُتَرجم حتى الآن إلى عمل ملموس. وذلك رغم أنّ الأردن، ولكونه عضوا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عاميّ 2014 – 2015، قادر على التسبّب بمشاكل وأضرار لإسرائيل في الساحة الدولية. إنّ الاعتراف الأردني بتأثير إسرائيلي في الكونغرس الأمريكي يلعب هو أيضًا دورا مهمّا في اعتدال ردود فعل الأردن لما يراه استفزازات إسرائيلية؛ أي البناء في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويعكس ضبط النفس هذا نظرة واسعة لنظام المصالح الشامل لدى المملكة، وخصوصا على خلفية وبعد الاضطرابات التي جرت في الشرق الأوسط في السنوات الأربع الأخيرة.
إنّ الذكرى السنوية العشرين لمعاهدة السلام بين إسرائيل والأردن ليست عيدًا، ولكنها أيضًا ليست يوم صيام. يمكننا أن ننظر إلى هذه المعاهدة، وكذلك الأمر إلى معاهدة السلام التي وقّعتْ بين إسرائيل ومصر، كخيبة أمل. ليس هناك أي دفء في العلاقات بين إسرائيل والبلدين. بقيت غالبية المعاهدات المرتبطة بالتعاون في المجالات المختلفة حبرا على ورق، دون أي تطبيق. ليس هناك أي أثر يُذكر للتعاون على مستوى المجتمع المدني، وكذلك فإنّ آلاف السياح الإسرائيليين الذين ارتادوا في الماضي المواقع السياحية المعروفة في هذين البلدين، يبعدون أقدامهم خوفا من الإرهاب. من ناحية أخرى، فإنّ معاهدات السلام مع الأردن ومصر توفّر الإطار الرسمي، الذي يمكّن من التعاون الذي يلبّي المصالح الحيوية لدى إسرائيل وأيضا لدى كلا البلدين الجارَيْن.
لقد كانت هذه المراسم مرة في العمر. تجمع الآلاف في المعبر غربًا واتخذوا أماكنهم على المقاعد التي جُهزت مسبقًا. وجوهم إلى الشرق، إلى منصة الرفعة التي وقع عليها رؤساء الدول، الملك الحسين ورئيس الحكومة إسحاق رابين المتوفيان، على الاتّفاق التاريخي. السلام بين دولة إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية.
لقد كانت الترتيبات مدهشة. كان التنسيق بين الجانبين راقيًا. والجو احتفاليا. امتزجت أعلام الأردن وإسرائيل والقوى العظمى بعضها ببعض، كما أطلِقت مئات البالونات في الهواء ولونت كل السماء بالأحمر، الأخضر، الأسود والأبيض ألوان علم المملكة الهاشمية، والأزرق والأبيض لدولة إسرائيل.
كانت اللحظة الأكثر تأثيرًا عند وصول الملك الحسين، برفقة الملكة نور، وهو يلوح للجمهور، ومعظمه من الإسرائيليين، وابتسامة عريضة ترتسم على شفتيه.
عمل اتفاق السلام الذي عُقد في 26 تشرين الأول بين كلا الدولتين بترتيب الحدود بينهما، اتفاق على تطبيع كامل، على تقسيم المياه، رُتبت قضايا أمنية وهكذا حُددت البنود فيما يخص القدس والمناطق منزوعة السلاح.
أقيمت مراسم توقيع الاتّفاق في المعبر الحدودي بين الدولتين شمال إيلات، بحضور ضيف الشرف رئيس الولايات المتحدة حينذاك- بيل كلينتون.
هكذا بدا ذلك قبل 22 سنة:
توقيع اتفاق المبادئ بين مندوبي الدولتين: إسرائيل والأردن بحضور رئيس الولايات المتحدة في البيت الأبيض (GPO)
رئيس الحكومة الإسرائيلية رابين يتحدث مع ملك الأردن، الملك الحسين، على شاطئ بحيرة طبريا بعد مراسم المصادقة على اتفاق السلام مع الأردن من الحكومة الإسرائيلية (GPO)
مراسم توقيع الاتّفاق بين كلا الدولتين في معبر العرابا (AFP)
انتهاء المراسم في معبر العرابا وتطيير حمام وبالونات بألوان أعلام كلا الدولتين (GPO)
الملك حسين يزور إسرائيل ويحتضن رضيع زوجين إسرائيليين (Flash90)
الأسرة الملكية الأردنيّة، الملك الحسين والملكة نور في زيارة تعزية في بيت رئيس الحكومة الذي اغتيل، إسحاق رابين، 6 تشرين الثاني 1995 (Flash90)
ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال مع نجله العاهل الأردني عبد الله الثاني (AFP)
الأب والابن وروح السلام
لقد كان الملك حسين ملكا عربيا. ابنه عبد الله، بالمُقابل، ملك غربي. يسهّل ذلك الأمرَ على إسرائيل والغرب التفاوض معه، لكنه يقيّد الملك أيضًا في علاقاته مع شعبه وقدراته، بل وفي شرعيته، وفي أن يكون صريحًا في تصريحاته العلنية
“التطرف اليوم, فيه تطرف اسلامي وفيه تطرف صهيوني ايضا […] اذا نحن اليوم, كدولة اردنية, بالتعاون مع تحالف عربي-اسلامي, بدنا نحارب التطرف اللي عم بصير داخل الاسلام, والاسرائيليين كل خمس دقايق بدهم يذبحو اولادنا بغزة والقدس, مشكلة”.
هذه الأقوال، أدلى بها عبد الله ملك الأردن الأسبوع الماضي، خلال لقاء مع إحدى أحزاب البرلمان. تمت في وسائل الإعلام الإسرائيلية تغطية التصريحات تغطية خفيفة، وعلى ما يبدو فقد عضت جهات إسرائيلية أناملها كي لا ترد. لم يتخطّ السفير الإسرائيلي في عمان حدود التوضيح المقبول في إسرائيل رسميا وفي الإعلام الإسرائيلي في حالات متشابهة: الحديث عن ضريبة كلامية يدفعها الملك للرأي العام محليا وعربيا المعترض على اتفاق السلام، ومن ضمن ذلك بسبب العنف في الأراضي المحتلة، وخاصة في غزة والقدس، التي تبث في القنوات الفضائية العربية. الرأي العام لا يدرك مدى التعاون بين إسرائيل وبين الأردن، الذي ما زال جارنا الأفضل، كما يقول السفير.
عمليًّا، خضعت إسرائيل بلا قتال لواقع فرضته عليها الأردن. في السنوات الأخيرة بعد توقيع اتفاق السلام سادت إسرائيل مشاعر مختلطة فيما يتعلق بالتعاون مع الأردن. لقد كانت الصفقة واضحة: توقعت الأردن من إسرائيل التعاون معها في مجالات كثيرة ومتنوعة ما دامت إسرائيل تحافظ على طيب العلاقات سريا، من خلال إدراك صعوبات النظام في الرأي العام. كل محاولة إسرائيلية لكسر هذه المعادَلة وإظهار ثمرات السلام على الملأ يجابهها غضب أردنيّ في أفضل الأحوال وبتجميد التعاون في الحالة الأسوأ، مثلما يقال: “خود صوفك وخروفك وعين ما تشوفك”. تعرضت معاهدة السلام لخَطَر حقيقي بعد محاولة اغتيال خالد مشعل سنة 1997، وبعد سنوات معدودة خلالَ الانتفاضة الثانية، حين تجمدت العلاقات كليا تقريبًا بين الحكومتين.
إيتسحاق رابين، العاهل الأردني الملك حسين والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في حفل توقيع اتفاقيات السلام (Nati ShohatFlash90)
منذ ذلك يبدو أن إسرائيل قد اتخذت قرارًا استراتيجيًّا: حني رأسها كحزمة القصب وتمتين علاقاتها مع الأردن، الذي كان وما زال الجانب العسكري الأمني من ناحيتها الأهم لإسرائيل، مقابل تبني الإملاءات الأردنية بخصوص السرية. هكذا تنازلت إسرائيل عن فرصة نادرة، وربما كانت الوحيدة لها، أن تفتخر على الملأ بثمرات السلام مع دولة عربية، وبهذا تحققه، توسعه وتعمقه.
يمكن بذلك، حقًا، رؤية واقعية إسرائيلية تنبع من فهم تعقيد ظروف شريكها العربي. يمكن بذلك، حقًا، رؤية قرار ينبع من استعداد إسرائيل التضحية باحتمال تطور علاقات مدنية بينها وبين الأردن لصالح تطوير العلاقات الأمنية معها. لكن نشأت بين إسرائيل وبين الأردن، علاقات أمنية كثيرة قبل اتفاق السلام بمدة مديدة، وستبقى وإن زال- لا سمح الله، لأن حالة تكاثف المصالح الأمنية بين الحكومتين لدولتين جارتين لا يتعلق بالسلام بل يمكن أن يتم من غير سلام. في الواقع، يتم ذلك بين إسرائيل و حماس وإلى حد ما حتى بين إسرائيل وسوريا، حزب الله وإيران.
هكذا تنازلت إسرائيل، سواء أكان بسبب سياسية الواقع أو من خلال خضوع مؤسف، على إنشاء تعاونها مع الأردن بحسب مبدأ “سلام غير معلن على الملأ، كأنه لم يكن”. كان لإسرائيل أن تتوقع استعراضًا أردنيّا شاملا للتعاون بين كلا الدولتين، على الأقل من نواحيه المدنية والاقتصادية، من خلال إدراك أن الأمر قد يضع صعوبات معينة على عاتق الحكومة لكنه سيساهم في تعويد المواطِنين على المرحلة الجديدة. لقد تنازلت إسرائيل عن هذه الورقة المهمة، وشهدت بأم عينيها مسؤولين أردنيّين، وأحيانا حتى على مستوى الملك نفسه، يتهربون من الإجابة- أو حتى إثارة نقاش- عن المعلومات التي تتعلق بالتعاون مع إسرائيل، يتملصون وينكرون بقصص ألف ليلة وليلة، وأحيانا يضربون إسرائيل بيد واحدة، وفي اليد الأخرى يعقدون صفقات سرية. إن من يدفع ثمن هذه المهزلة اليوم مع فائدة مضاعفة هي إسرائيل نفسها، والأردن، وطبعًا اتفاق السلام نفسه، الذي صار من عدة نواح خاليًّا من أي مضمون.
الملك حسين ملك الأردن الراحل ورئيس الوزراء الراحل اسحاق رابين (ويكيبيديا)
لا أبرّئ إسرائيل من المسؤولية لتفريغ اتفاق السلام من مضمونه مع الأردن. لم تكن إسرائيل مستعدة لسلام حقيقي مع الدول العربيّة، ومن ضمنها السلام مع الأردن، ولم تعمل اسرائيل على الأقل منذ 1996 من أجل هذا الاتفاق بجدية ومن خلال مفهوم مدني شامل. لا يناقض ذلك الحقيقة في أن الأردن لم يكن مستعدًا لفترة سلام مع إسرائيل بنفس المستوى. التفسير الفلسطيني صحيح، لكنه جزئي. أعتقد أن الفرق بين الملك عبد الله، الذي كان من المفروض أن يمتن اتفاق السلام مع إسرائيل، وبين أبيه الراحل، الذي أسس بنية هذا الاتفاق وفي النهاية أحياه، يكمن في أساس الفشل الأردنيّ.
قبل سنوات من موته، حين أٌتخم من الحروب وتعلم الصراعات السياسية العصيبة، ألقى الملك حسين أحد خطاباته الشهيرة. لقد تحدث كالعادة، بلغة إنسانية، مؤثرة وقوية. لم يعد لديه ما يخفيه، وقد طلب من المستمعين له أن يفهموا أيضًا إسرائيل: دولة ما بعد الكارثة التي أقيمت على أنقاض الهولوكوست ومر شعبها بمخاوف متواصلة من الإبادة والتدمير. لا يضر من ناحيتنا، قال، إن حاولنا أيضًا فهم الجانب الآخر. في حوار عربي مشبع، حتى يومنا هذا، بتفهم للجانب العربي فقط، كانت أقوال الملك حسين وبقيت نافذة نور. في نفس الفترة تقريبًا نقل الملك لإسرائيل تعويضًا بمليون دولار لعائلات الفتيات اللواتي قتلن على يد الجندي الأردنيّ أحمد الدقامسة في نهرايم. وهذا بعد أن وصل للتعزية وجثا على ركبتيه أمام الأهالي الثكالى المصدومين. لم يأبه بالانتقاد العام الشديد في بلاده بأنه قد أهان نفسه أمام اليهود: لقد كان أكبر من ذلك. ككل قائد، كان ينكسر أحيانا ويخطئ أحيانا، لكنه عرف كيف يظهر الشجاعة- أحيانا أمام شعبه، وأحيانا أمام الآخرين؛ أحيانا بصدام مع إسرائيل، وأحيانا بالامتناع عن الصدام معها؛ وأحيانا بعلاقات السلام مع إسرائيل. لقد كان الملك حسين ملكا عربيا.
ابنه عبد الله، بالمُقابل، ملك غربي. يسهّل ذلك الأمرَ على إسرائيل والغرب التفاوض معه، لكنه يقيّد الملك أيضًا في علاقاته مع شعبه وقدراته، بل وفي شرعيته، وفي أن يكون صريحًا في تصريحاته العلنية. فضلًا عن ذلك، لم يحارب إسرائيل، ولذا من المحتمل أنه يستصعب لذلك صنع سلام معها. منذ سنواته الأولى في المنصب، كان جليًّا أن تعامله مع إنهاء النزاع كان كإزالة عقبة كؤود تسدّ الطريق أمام مستقبل اقتصادي وأفق اجتماعي أجودَ في المنطقة. “لقد سئم الناس تاريخ النزاعات”، ادعى مرة بعد أخرى، وتوقع “انتعاشا في المنطقة، منظورا جديدا للحكم على الأمور”. لقد أظهر حقًا شجاعة عامة نادرة، عندما ادعى مثلا أن على العالَم العربي أن يكون مستعدا لطرح ضمان جماعي لأمن دولة إسرائيل واندماجها في الشرق الأوسط مقابل إقامة دولة فلسطينية، لكنه وصل لزيارة إسرائيل مرة واحدة ووحيدة، بصورة شبه صامتة، في منطقة إيلات. منذ اندلاع الانتفاضة الثانية قام برفع حدة انتقاده العلني حيال إسرائيل، ومع أنها قد هدأت منذ ذاك الحين، قام بالتوقف عن التحدث غاضبا على إسرائيل. على خلفية ذلك، إن تفاخر إسرائيل بتمتين العلاقات الاستراتيجية مع الأردن تفاخر فارغ المضمون. لا صلة قرابة بينها وبين السلام.
رئيس الوزراء نتنياهو يجتمع مع العاهل الأردني الملك عبد الله (Flash90/Avi Ohayon)
فيما يظهر للجميع بأن العلاقات مع إسرائيل تتمتن، بل وفي المعارضة – وحتى المعارضة الاسلامية – وُجد تفهم معين لحسنات التعاوُن مع إسرائيل في عصر انهيار الأمن الشخصي في الدول العربية (وأحيانا انهيار الدولة ذاتها)، وبينما الملك نفسه يقوم بإبداء البرود نحو إسرائيل كمن أُكره على العلاقات: ما هو الاحتمال في أن يتحول السلام إلى أخوة بين الشعوب لا صفقات سرية بين الحكومات فحسب؟
على الحقيقة أن تذكر: ليست إسرائيل فقط هي من يكتفي بالتعاون العسكري الأمني مع الأردن، والأردن أيضًا يكتفي بالتعاون العسكري الأمني مع إسرائيل. للنخبة في كلا الدولتين لا مصلحة في تهيئة المواطنين لعصر السلام المدني، مع أو بلا علاقة بالقضية الفلسطينية. هذه العلاقات لا تُسمى سلاما، وبالتأكيد ليس سلام الشجعان. بل يسمونها تعاونا بين جبناء.
تتولى عينات شلاين منصب سفيرة إسرائيل في الأردن، وبذلك تكون أول سفيرة إسرائيليّة في دولة عربيّة. هناك تطبيع تامّ بين إسرائيل والأردن منذ معاهدة السلام عام 1994
أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيليّة في الأمس عن تعيين نمطيّ لـ 12 سفيرًا إسرائيليّا جديدا، من بينهم ما لا يقلّ عن سبعِ نساء. التوظيف الأكثر إثارةً للاهتمام كان تعيين عينات شلاين التاريخي وغير المسبوق بوظيفة سفيرة إسرائيليّة في الأردن. وبين باقي التوظيفات، عُيّنت امرأة أخرى لوظيفة السفيرة في فرنسا، وكذلك تم تعيين سفير جديد في أذربيجان، التي وطّدت إسرائيل علاقاتِها معها مؤخرًا.
ستصنع شلاين التاريخ، فبتعيينها المندوبةً الإسرائيليّة المسئولة في المملكة الهاشميّة تكون السفيرة الإسرائيليّة الأولى في دولة عربية. وبالنسبة لشلاين، التي تتكلم اللغة العربية بطلاقة، ستكون هذه المرة الثانية لها للعمل بالسفارة في عمّان، التي ابتدأت فيها مهنتها الدبلوماسية.
شلاين هي دبلوماسيّة متمرّسة ومُخضرمة، إذ تُعتبر خبيرةً في شؤون الشرق الأوسط. عملت في الماضي أيضا كمستشارة لشؤون الشرق الأوسط في السفارة الإسرائيليّة، في الولايات المتحدة، ومؤخرا شغلت شلاين منصبَ رئيس التقسيم الدوليّ في مركز للدراسات السياسية. من المتوقّع أنّ يحظى تعيين شلاين بتعزيز من قِبل مجلس الوزراء، وفقا للإجراءات المقبولة، وكذلك أيضا بالنسبة لباقي السفراء.
هناك تطبيع تامّ بين إسرائيل والأردن منذ معاهدة السلام التي وُقّعت عام 1994. إذ تمّ توقيع الاتفاقية بين ملك الأردن السابق حُسين بن طلال ورئيس الحكومة الإسرائيلي إسحاق رابين، الذي اُغتيل بعد عام تقريبًا من ذلك.
الملك حسين ملك الأردن الراحل ورئيس الوزراء الراحل اسحاق رابين (ويكيبيديا)
شمِلَت المُعاهدة، مما تضمنته، تعديلات حدوديّة طفيفة، موافقات سمحت فيها إسرائيل للأردن استعمالَ مياهها وموافقة على تطبيع تام بين الدولتين، والتي شملت فتح الحدود بين الطرفين، إشغال سفارة نشطة بشكل كامل بكل واحدة من الدولتين، وغيرها من القضايا العديدة.
عُقبَ اتفاقية السلام، توجد بين الدولتين علاقات اقتصادية متفرّعة، ووفقا لتقارير عديدة هناك أيضا تعاون أمنيّ واستخباراتيّ بين الدولتين. في هذه الأثناء، الأردن قلقة من غزو تنظيم الدولة الإسلاميّة لأراضيها، ووفقا للمنشورات فإنّ إسرائيل تُساعد الأردن بالدفاع عن نفسها ضد هذا التهديد.
نجد أحيانًا أنّ شمعون بيريس وُجِدَ قبل التّاريخ. وهو الرّجل الّذي نجده عند كلّ مفترق تاريخيّ لدولة إسرائيل بدءًا بخضم الأزمات الأكثر صعوبة وانتهاءً بأيّام التّطلّع للسّلام، وسيترك منصبه بعد اختيار الكنيست رؤوفين ريفلين وريثًا له.
سياسيّ منذ الولادة
بدأ بيريس البالغ من العمر91 عامًّا حياته المهنيّة في المجال السّياسيّ منذ صغره، وُلد في بولاندا عام 1923، وقدم إلى إسرائيل في سنة 1934. ثم انضمّ إلى قرية تعاونيّة، عمل في مجال الزّراعة ورعي الأغنام، أظهر نبوغًا وخاصّة في منصبه أمين صندوق. بعد أن أصبح أحد قيادي حركة “الشّبيبة العاملة”، لفت انتباه القيادات الصّهيونيّة في إسرائيل، وانضمّ للعمل مع دافيد بن غوريون.
لم يتخل بيريس عن طريق السّلام مع الفلسطينيين ومع باقي الدّول العربيّة
عند بلوغه 30 عامًّا فقط، أشغل بيريس منصب المدير العام لمكتب الدّفاع الإسرائيليّ، وعمل فيه على توطيد العلاقات التّجاريّة بين إسرائيل حديثة العهد وفرنسا، ووقّع على صفقات سلاح ليزوّد بها الجيش الإسرائيليّ الصغير بأفضل ذخيرة في تلك الفترة. وزوّدت فرنسا إسرائيل بعشرات الدّبابات، الطائرات النفّاثة، ونُظم المدفعيّة والرادارات. لقد أشغل المنصب طيلة سنوات الخمسينات، وشغل منصب مهمّ في إقامة معمل البحث النّوويّ في ديمونا.
إن تقدُّم بيريس لم يتوقّف، وتابع إشغال العديد من المناصب، بصفته نائب وزير ووزير. عُيّن في سنة 1974، وزيرًا للدّفاع في حكومة إسحاق رابين الأولى، وكان له العديد من المواجهات مع رابين خلال هذا المنصب. كان رابين وبيريس خلال هذه السّنوات بمثابة عدوّين لدودين، رّغم انتسابهما لنفس الحزب. عُيّن بيريس على رأس قائمة حزب العمّال إبان انتخابات سنة 1977، وبهذه الطّريقة كان على وشك أن يكون رئيسًا للحكومة. إلّا أنّ خسارته في الانتخابات أمام نظيره مناحم بيجن حالت دون ذلك.
رئيس الحكومة إسحاق رابين مع شمعون بيريس (PATRICK BAZ / AFP)
كانت هذه الخسارة الأولى من جملة الخسائر الّتي مُنِي بها بيريس إثر ترشّحه للانتخابات. عشيّة انتخابات 1981، كان جليًّا أنّ بيريس هو الفائز، إضافة إلى ذلك سُوِّق “كرئيس جديد لحكومة إسرائيل”، ولكن، اتّضح عشيّة الانتخابات أنّ بيجن قد نجح مرّة أخرى في الانتخابات.
ولقد خسر بيريس الانتخابات لرئاسة الحكومة في عامي 1988 و 1996، ولم ينجح أبدًا في أي من الانتخابات الّتي ترشّح فيها لرئاسة الحكومة. وقد نجح في الترشح لرئاسة الحكومة سنة 1984، ولكنّه لم يشكّل العدد المطلوب في الكنيست لذلك اضطرّ لمشاركة إسحاق شامير رئيس حزب الليكود المنافس.
المعركة من أجل السّلام و الخسائر الفادحة
أكثر بيريس عند تولّيه منصب وزير الخارجيّة في الحقبة الرّئاسيّة لشامير، من الاجتماع مع العاهل الأردنيّ حسين بهدف التوصل معه إلى تسوية سياسيّة تتيح الانسحاب الإسرائيلي من الضّفة الغربيّة، إلّا أنّ شامير رفض كلّ تسوية من هذا القبيل، الأمر الّذي أدّى إلى فشل محاولاته.
رجال بيريس هم من أعدّوا “لاتّفاقيّة أوسلو” الّتي أفضت في نهاية الأمر إلى تسوية بين إسرائيل ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة
بلغت قدرات بيريس السّياسيّة ذروتها في سنة 1992، عند تقلّده منصب وزير الخارجيّة في فترة رابين الرّئاسيّة. فرجال بيريس هم من أعدّوا “لاتّفاقيّة أوسلو” الّتي أفضت، في نهاية الأمر، إلى تسوية بين إسرائيل ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة، الأمر الّذي تمخّض عنه الانسحاب من مدن الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة وإقامة سلطة فلسطينيّة. وكانت مصافحة رابين لياسر عرفات إلى حدٍّ بعيد ثمرة عمل شمعون بيريس. وبهذا تحوّل من الرّجل الّذي يهتمّ بتسلّح جيش إسرائيل إلى رجل يحارب من أجل السّلام.
شمعون بيريس يخاطب الكنيست (SVEN NACKSTRAND / AFP)
وصلت علاقاته برابين الّتي لا طالما كانت متوتّرة، إلى ذروة التّعاون عندما خدم في إطار حكومته. ولكنّ رابين اُغتِيل على يد إسرائيليّ معارض لعمليّة السّلام في تشرين الثّاني من عام 1995، ونعى بيريس وفاة خصمه – صديقه وعيّن رئيسًا للحكومة بدلًا منه. وقف القاتل، يغئال عمير، بجانب بيريس قبل اغتياله لرابين، ولكنّه قرّر قتل رئيس الحكومة، رابين.
منذ حادثة اغتيال رابين، لم يتخل بيريس عن طريق السّلام مع الفلسطينيين ومع باقي الدّول العربيّة، فكان شريكًا للسلام في فترة عرفات، محمود عبّاس، حافظ الأسد أو ابنه بشّار. في عام 1996، حُسِمت الانتخابات الإسرائيليّة ضدّ بيريس، وتم اختيار بنيامين نتنياهو لرئاسة الدّولة. بعد الخسارة أُقِيم “مركز بيرس للسّلام”، الّذي كان يهدف إلى تطوير عمليّة السّلام باشراك إسرائيل جاراتها، وهذا حسب رؤيته “للشّرق الأوسط الحديث”.
بعد خسارته المتكرّرة في الانتخابات وُسِمت شخصيّة بيريس بعد ذلك بلقب “الخاسر”، ولكن بعد انتخابه رئيسا تخلّص من لقبه
مُنّي بخسارة فادحة في سنة 2000، وخاصّة عند ترشّحه لرئاسة الدّولة، لكنّه هُزِمَ أمام مرشّح الليكود موشيه كتساف. بعد خسارته المتكرّرة في الانتخابات وُسِمت شخصيّته بعد ذلك بلقب “الخاسر”. وبعد عدّة سنوات، قرّر ترشيح نفسه لرئاسة حزب العمل، إلّا أنّه خسر مجدّدًا أمام نظيره عمير بيريس. هذا كان الحدث الأكثر كآبة سياسيًّا في حياة شمعون بيريس.
رئيس الدولة بيريس في كنيس (Moshe Milner / GPO / FLASH90)
لهذا قرّر اختيار طريق أريئيل شارون السّياسيّة، الّذي أقام في حينها حزب “كاديما”، ونفّذ عمليّة فكّ الارتباط عن قطاع غزّة. في سنة 2007، حاول شمعون بيريس فحص احتمالاته ثانية وترشّح لرئاسة دولة إسرائيل، وفي هذه المرّة أُخْتيِر بغالبيّة عظمى، وبهذا تخلّص من لقبه “الخاسر”.
سيادة الرّئيس
كان بيريس دومًا في مركز الجدل فكان له مؤيّدون ومعارضون. ولكن بعد توليه الرئاسة أصبح بيريس يتخطى كلّ جدل ومحبوبًا من قِبَل كلّ الشّعب
تعتبر سبع سنوات من تقلّده منصب رئيس الدّولة نهاية مشرّفة وناجحة لحياته المهنيّة المشتعلة. قبل وصوله لمنصبه الرّفيع، كان دومًا في مركز الجدل فكان له مؤيّدون ومعارضون، محبّون وكارهون. ولكن بعد توليه الرئاسة أصبح بيريس يتخطى كلّ جدل ومحبوبًا من قِبَل كلّ الشّعب. واتّضح كثيرًا، أنّه ليس لديه أي حالات فشل؛ بل كان مصدر إعجاب لدى العديدين. لم يشكّل عمره المتقدم عقبة، بل كان مصدرًا للانفعال. ويتّضح أنه حافظ على شعبيّته خلال تلك السّنين.
تحوّل بيريس إلى المتحدّث الأكثر خبرة لإسرائيل الحديثة، والمتنوّرة والليبراليّة، المتّجهة نحو السّلام. في حديثه أمام هيئة الأمم المتّحدة في سنة 2008، تطرّق إلى رؤيته المستقبليّة للشّرق الأوسط، حين قال “الحدود التّرابيّة يُمكن أن تتحوّل إلى حدود اقتصاديّة تتيح للجميع التّنقّل عبرها بحرّيّة، والتجارة والأفكار. وستتيح تلك الحدود الاقتصادية تشجيع السّياحة وبناء دفيئات لتطوير التّكنولوجيا الناشئة.
لم يتخلَّ بيريس في أي وقت عن الحديث عن رؤيته للسّلام، وتابع لقاء صديقه، محمود عبّاس. فكان الأمر منوطًا أحيانًا بمزاج رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، المتمسك بالتّوجّه المتشكك حول القدرة للوصول إلى اتّفاقيّة سلام مع عبّاس.
بيريس وعباس (Mark Neyman/GPO)
كانت الصّلاة المشتركة لبيريس، عبّاس وبابا الفاتيكان بمثابة الوتر الرّمزيّ في منصبه رئيس الدولة. لم يستطع اتخاذ أي عمل سلميّ ملموس، ولكنّه مثّل الرّمز للوصول إليه. الآن، بعد انقضاء فترة رئاسته لم يبق له سوى أن يصلي من أجل السلام.