كان قرار إسرائيل تعليق المفاوضات المعقدة مع الفلسطينيين بمثابة الضربة الأخيرة وربما القاضية لعملية سلام غير مثمرة تقريبا بدأت منذ عقدين.
لكن في اليوم التالي على تجميد المحادثات التي قادتها الولايات المتحدة وسط تبادل للاتهامات لم تتجمع حشود غاضبة في رام الله للدعوة إلى إعادة التفكير في الأمر ولم يحتشد محتجون من دعاة السلام في شوارع تل أبيب.
كانت الآمال في الفوز بمستقبل مستقر من خلال الحوار السياسي قد تبخرت على الجانبين في السنوات الأخيرة وانصب التركيز على صراعات الحياة اليومية.
قال جي كوهين وهو مدير مشروعات بنية أساسية يبلغ من العمر 40 عاما “لم تكن هذه مفاجأة. منذ البداية لم أكن أعتقد أنه سيكون هناك اتفاق سلام.”
وواصل حديثه وهو واقف أمام سيارته بينما أطفاله بداخلها “عملية السلام والسياسة لا يردان أبدا على ذهني بشكل يومي. أمور الأسرة والمعيشة والرياضة أهم. السياسة تجيء في مرتبة أدنى بكثير.”
وفي مدينة رام الله المجاورة بالضفة الغربية بدا أن محمود إدريسي وهو سائق سيارة أجرة عمره 28 عاما يوافقه الرأي.
وقال “أعيش حياتي وأحاول أن أستمتع بوجودي مع أصدقائي وأسرتي. قد تتحسن الأحوال يوما لكني لا أعرف كيف.”
ومضى يقول “أحاديث السياسيين جوفاء.. لا تلق لها بالا. سمعناها كلها من قبل ولا شيء يتغير.”
حين أبرمت اتفاقات أوسلو التاريخية للسلام عام 1993 ونال الفلسطينيون حكما محدودا كان يبدو أن الحوار هو أفضل السبل لتحقيق سلام دائم.
لكن انتشار المستوطنات اليهودية وتكرار الانتفاضات الفلسطينية وموجات العنف المتبادل حجرت القلوب وأشاعت أجواء التسليم بالمقدرات.
وبنبرة متذمرة قالت أم وديع (50 عاما) التي تعيش بالقدس “لا مستقبل ماداموا هم حولنا. إنهم يسيطرون على كل ما هو طيب.”
وأضافت السيدة المحجبة التي كانت ترتدي ثوبا تقليديا أسود “أرجو أن يحل السلام يوما ما.. لكن هذا كله في يد الله.” ويسعى الفلسطينيون لإقامة دولة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وتقول إسرائيل إنها مستعدة للعيش إلى جوار دولة فلسطينية لكنها تختلف مع الجانب الفلسطيني على حدود هذه الدولة وتسعى لضمانات تكفل أمنها وتريد أن يعترف بها الفلسطينيون “كدولة يهودية”.
النساء اليهوديات والنساء العربيات في مركز التسوق في القدس (Sarah Schuman/FLASH90)
* قضايا بعيدة عن الواقع
لكن هذه المطالب المتناثرة على عناوين الصحف والمتداولة في اجتماعات الدبلوماسيين المخضرمين تبدو بعيدة كل البعد عن نقاط التفتيش والطرق غير الممهدة في الضفة الغربية وعن المباني الزجاجية الشاهقة والشواطيء العامرة في تل أبيب.
قال البروفسور شمويل ساندلر الأستاذ بجامعة بار إيلان “تخلى الناس عن الأمل في رؤية اتفاق شامل في المستقبل المنظور. مطالب الحياة اليومية أهم بكثير لدى المواطن الإسرائيلي العادي. هذا المواطن ليست عنده رفاهية التشبث بقضايا بعيدة عن الواقع.”
وفي مارس آذار أظهر مؤشر السلام الذي وضعه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية وجامعة تل أبيب للسلام والذي يقيس اتجاهات الرأي منذ عام 1994 أن نسبة قياسية بلغت 92 في المئة من اليهود المشاركين في الاستطلاع لديهم توقعات ضعيفة أو ضعيفة نسبيا إزاء نجاح المحادثات.
وهذا الإحباط يوحي بأنه حتى وإن تغلب زعماء الطرفين على انعدام الثقة العميق وعادوا للمحادثات فسيظل المواطن الإسرائيلي العادي متشككا. والأمر نفسه ينطبق على الفلسطينيين الذين يساورهم منذ فترة طويلة الشك في العملية برمتها.
وعارض ما يزيد عن نصف المشاركين في بحث أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في مارس آذار تمديد أجل محادثات السلام. وتباينت تقييمات أكثر من 70 في المئة لأحوال الفلسطينيين بما بين نصف نصف وغاية في السوء.
ومع علو الحواجز الفاصلة بين البلدات الفلسطينية المعلقة على تلال الضفة الغربية وبين المدن الممتدة على السهل الساحلي الإسرائيلي يقصر مدى رؤية كل شعب للآخر شيئا فشيئا حتى أن كلا منهما بات يرى الآخر كمصدر إزعاج -على أفضل تقدير- لا على أنه جار.
قال باسم دياب (46 عاما) الذي يعمل بأشغال غير ثابتة في بلدة بيتونيا الصناعية بالضفة الغربية “اعتدت على العمل في إسرائيل .. في نتانيا.. في مجال الإنشاء. تعلمت قدرا من العبرية من رئيسي ولدي أصدقاء طيبون هناك.”
وأضاف أن الحصول على التصريح المطلوب لدخول إسرائيل كان يسيرا “أما الآن فهو شبه مستحيل. نحن محبطون وتبدو الأمور جامدة.”
الإسرائيليين والعرب في محطة حافلات في القدس (Daniel Dreifuss/Flash90)
* مصالحة وأمان
انهيار جهود السلام مع إسرائيل ربما كان الضارة النافعة في عيون الفلسطينيين إذ فتح السبيل أمام اتفاق مصالحة طال غيابه بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة.
فالنزاع القائم منذ سبع سنوات بين الطرفين بعد حرب أهلية قصيرة دامية أضعف معنويات الفلسطينيين بقوة. ورغم أن من الصعب معرفة كيف يمكن عقد مصالحة بين جانبين يمثلان طرفي نقيض تم الترحيب بالاتفاق ووصف بأنه مدعاة فخر وطني.
وسرت البهجة في أوصال رسوم الكاريكاتير السياسي في الصحف اليومية الفلسطينية. وصور أحدها رئيس الوزراء الإسرائيلي ورأسه محشورة في كلمة “مصالحة”.
وقال عادل منعم (21 عاما) وهو طالب جامعي في قطاع غزة “اللعنة على عملية السلام… نعم أنا سعيد لأن إسرائيل أنهتها… المصالحة أهم. سبع سنين ونحن نعاني كعائلات وكأصدقاء وكشعب. سبع سنين ضاعت فيها حياتنا.”
ورغم أن معدل شن هجمات كبرى على مدنيين إسرائيليين تراجع بنهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2005 ترك العنف بصمته على كثير من الإسرائيليين حتى أنهم يقولون إنه لابد لهم مهما حدث أن يتوخوا الحذر تجاه شعب يشكون في أنه يريد سلاما حقيقيا.
قال حاييم ديامانت (62 عاما) وهو مشرف أنظمة كمبيوتر من تل أبيب “لو كان الفلسطينيون أذكياء لأدركوا أنه يمكنهم أن يكسبوا الكثير من أي عملية سلام حقيقية. المشكلة هي أنهم مازالوا يلقنون الجيل الأصغر “عدم شرعية” إسرائيل كدولة يهودية.”
وتابع قائلا “ولهذا نحن مضطرون للعيش بالسيف وبناء جدران أمنية تقينا الإرهاب وإقامة دفاعات جوية تقينا الصواريخ.” (شارك في التغطية نضال المغربي من غزة وألين فيشر إيلان وآري رابينوفيتش ومايان لوبل وأوري لويس وجيفري هيلر من إسرائيل
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني