القاضي أهرون باراك

القاضي العربي الأول في محكمة العدل العليا سليم جبران (Flash90/YOnatan Sindel)
القاضي العربي الأول في محكمة العدل العليا سليم جبران (Flash90/YOnatan Sindel)

سليم جبران.. العربي الذي تولى المنصب القضائي الأرفع في إسرائيل

ينهي القاضي جبران، الذي مثل المجتمع العربي في محكمة العدل العليا، وظيفته بعد 14 عاما من تمديد فترة عمله في مناصب قضائية إسرائيلية رفيعة المستوى

لا يشكل الحصول على مديح من وزيرة العدل اليمينيّة، أييلت شاكيد، أمرا مفهوما ضمنا. وفي الوقت ذاته، لا يُعد الثناء الكثير من رئيس محكمة العدل العليا سابقا، القاضي أهارون براك، ممثل اليسار الإسرائيلي، أمرا مفهوما ضمنا أيضا.

لقد أثنت هذا الأسبوع وزيرة العدل، أييلت شاكيد، ورئيس المحكمة العُليا سابقا، باراك، على القاضي العربي الأول، سليم جبران، الذي خرج للتقاعد اليوم (الخميس) صباحا، بعد انتهاء 14 عاما من العمل في المحكمة العُليا الإسرائيلية. وفق القانون الإسرائيلي يخرج قاضي المحكمة إلى التقاعد عندما يصبح عمره 70 عاما.

ويشكل القاضي جبران العربي المسيحي الأول الذي شغل منصب دائم في المحكمة العليا، مثالا على المساواة، الحفاظ على حقوق الأقليات، وإثباتا على أن الأشخاص القديرين والمهنيين يشغلون مناصب تليق بقدراتهم دون أهمية لهويتهم.‎ ‎

عام 2003، عُيّنَ جبران (في الوسط) قاض في المحكمة العُليا في القدس (Flash90/Yonatan Sindel)
عام 2003، عُيّنَ جبران (في الوسط) قاض في المحكمة العُليا في القدس (Flash90/Yonatan Sindel)

وقد يكون هذا هو السبب الذي أدى إلى أن يحظى القاضي جبران بدعم زملائه في العمل، عندما تجنب إنشاد النشيد الوطني، “هتكفاه” أثناء مراسم أداء رئيس المحكمة العُليا سابقا، آشر جرونيس، في عام 2012. أثار هذا الموقف غضبا عارما في اليمين الإسرائيلي كما هو متوقع، وناشد بعض أعضاء الكنيست بإقالته من منصبه، إلا أن زملائه في المحكمة تفهموا موقفه طالبين “عدم إجبار المواطنين العرب على إنشاد نشيد لا يمت لهم بصلة ولا يعبّر عن أصولهم”.

وتعرض القاضي جبران إلى انتقادات كثيرة بسبب استقامته كما يتعرض لها القضاة الآخرين، ولكنه تعرض لها بشكل خاصّ كونه عربيا إسرائيليا تعامل كثيرا مع قضايا تتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، إذ أنه دعم في هذه القضايا العرب.

وفي عام 2014، كان جبران من الأقلية التي اعتقدت أنه يجب التدخل في قرار لجنة الأخلاقيات في الكنيست حول إقصاء عضو الكنيست، حنين زعبي، لستة أشهر عن عملها في الكنيست، بسبب تصريحاتها حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. عمل جبران بموجب حرية التعبير أيضا عندما أقر أنه يجب إلغاء إدانة الشيخ رائد صلاح بتهمة التحريض على العنف وطالب بإدانته بتهمة التحريض على العنصرية فقط.

وزيرة العدل الإسرائيلية أييلت شاكيد (Marc Israel Sellem/flash90)
وزيرة العدل الإسرائيلية أييلت شاكيد (Marc Israel Sellem/flash90)

وأعرب القاضي جبران في ملفات الفساد في الدولة التي نظر فيها عن معارضته الشديدة لجرائم كهذه. مثلا، اعتقد أنه يجب إدانة رئيس الحكومة الإسرائيلية سابقا، إيهود أولمرت، بتهمة تلقي رشاوى بما معدله نصف مليون شيكل من أجل أخيه وكان من بين القلائل الذين أعربوا عن موقف شبيه. ولكن عندما نظر في إمكانية تعيين أرييه درعي (الأسير الإسرائيلي بتهمة الفساد) في منصب وزير الداخلية أعرب عن تأييده.

وبدأ يعمل القاضي جبران في المحكمة العليا في عام 2003، بعد أن اهتم بملفات جنائية في المحكمة المركزية في حيفا، إذ إنه خبير في هذا المجال. القاضي جبران هو مسيحي ماروني وُلِد في حيفا عام 1947. وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة تراسنطا في عكا ودرس للقب الأول في القانون في عام 1968 في الجامعة العبرية في القدس. في عام 1970، حصل على رخصة ممارسة مهنة المحاماة وبدأ العمل بشكل مستقل حتى عام 1982. وفي عام 1982 عُين لشغل منصب قاض في محكمة الصلح في حيفا. وفي عام 1993، عُين لشغل منصب قاض في المحكمة المركزية في حيفا وبالمقابل عمل محاضرا في كلية القانون في جامعة حيفا. وفي عام 2003، عُيّنَ قاض في المحكمة العُليا في القدس بوظيفة مؤقتة، لمدة سنة، وفي أيار 2004، عُيّنَ بوظيفة دائمة.

وتطرقت وزيرة العدل، أييلت شاكيد، اليوم صباحا (الخميس) في مراسم وداع القاضي جبران إلى أعماله ومساهمته من أجل دولة إسرائيل ومدحته. وفق أقوالها: “صنع القاضي جبران تاريخا من أجل المجتمع العربي في إسرائيل”. تطرقت الوزيرة بإسهاب إلى عمله على مرّ السنين وإلى مساهمته من أجل المجتمَع الإسرائيلي في مجال القانون طيلة أكثر من خمسة وثلاثين عاما. “نجح جبران في أن يشغل مناصب هامة وبارزة في محكمة العدل العليا وشغل منصب نائب رئيس محكمة العدل العليا”.‎ ‎وأضافت قائلة إنه كان طيلة سنوات عمله إنسانيا.

اقرأوا المزيد: 566 كلمة
عرض أقل
المحكمة العُليا في إسرائيل (Lior Mizrahi/FLASH90)
المحكمة العُليا في إسرائيل (Lior Mizrahi/FLASH90)

المحكمة العُليا في إسرائيل: قاعة العدل أم برج عاجي؟

يفتخر القضاة في إسرائيل بالمحكمة العليا القوية، التي لا تتردّد في إلغاء قوانين وإيقاف الحكومة. إذا كان الأمر كذلك، لماذا يعتبرها الكثيرون غيرهم جهة معادية لدولة إسرائيل؟

يعلم رؤساء الحكومات وأعضاء الكنيست الإسرائيليين أنّ قوّتهم، رغم أنها كبيرة، فهي محدودة. وضعت الديموقراطية الإسرائيلية، التي تفخر بنظام من “الضوابط والتوازنات”، أمام السلطة التنفيذيّة والسلطة التشريعية ذراعا سلطويّا آخر، والذي يبدو أحيانا هو الأقوى من الجميع: السلطة القضائية.

تُعرف المحكمة العُليا في إسرائيل كواحدة من الأقوى في العالم. قاد هذا التصور أهرون باراك، رئيس المحكمة العُليا بين عامي 1995 – 2006، والذي صيغ بعده شعار  “كل شيء قابل للتقاضي”. وسّع باراك حدود المحكمة العُليا الإسرائيلية كثيرًا، رسّخ حقّ المحكمة في إلغاء قوانين غير دستورية في الكنيست، وحوّل المحكمة العُليا إلى ما هي عليه اليوم  إلى حدّ كبير.

أهرون باراك، رئيس المحكمة العُليا بين عامي 1995 - 2006 (Yossi Zamir /Flash90)
أهرون باراك، رئيس المحكمة العُليا بين عامي 1995 – 2006 (Yossi Zamir /Flash90)

في مرات عديدة، وقفت المحكمة في طريق الحكومة والكنيست، ومنعتهما من اتخاذ خطوات غير دستورية. هكذا حظرت نية الكنيست بإقامة سجن بإدارة القطاع الخاص، إضافة إلى أنها ألغت أيضا الإجراء الذي تم بموجبه تمديد اعتقال المشتبه بهم في غيابهم، وحُظر على الدولة إعفاء المواطنين المتديّنين من التجنيد للجيش وكما ألغيَ مرّتين القانون الذي سمح بسجن المتسللين من إفريقيا.

وكان رئيس الحكومة الراحل إسحاق رابين هو من صاغ عبارة “دون المحكمة العُليا ودون بتسيلم” – واصفًا الحالة التي يمكن فيها للحكومة العمل دون قيود، مثل التقيد الذي تفرضه عليها المحكمة العُليا ومنظمات حقوق الإنسان مثل “بتسيلم”. ومثل رابين علم رؤساء الحكومة بعده أنّ الكلمة الفصل هي للمحكمة العُليا.

الكثيرين في إسرائيل، وخصوصا في أوساط اليمين، يعتبرون المحكمة العُليا مجموعة متعجرفة ومنقطعة عن الشعب

ولكن الكثيرين في إسرائيل، وخصوصا في أوساط اليمين، يعتبرون المحكمة العُليا مجموعة متعجرفة ومنقطعة عن الشعب، إذ تقضي دون أن تأخذ في الحسبان الحاجيات الحقيقية للطبقات الضعيفة. النقاش حول عدم شرعية الأحكام آخذ بالازدياد في السنة الأخيرة في أعقاب إلغاء قانون منع التسلُّل، الذي حظر السجن الطويل للمتسلّلين.

كانت الانتقادات الأساسية هي أنّ القضاة قد نصّبوا أنفسهم حكّاما، بدلا من الحكومة التي تم انتخابها انتخابا ديمقراطيًّا. والادعاء هو أنّ حكومة اليمين في إسرائيل لا تستطيع في الحقيقة تطبيق سياساتها، التي تتضمّن النضال بلا هوادة وسجن المتسللين الأفارقة والبناء غير المراقب في الضفة الغربية، لأنّ المحكمة تحدّ من خطواتها، ولا تسمح لها بالسيطرة.

يعتقد مؤيدو اليمين في إسرائيل أنّ القضاة يمثّلون جناحا سلطويا لأحزاب اليسار، التي فشلت في الانتخابات ولكنها مستمرة في الإمساك بالحكم بواسطة المحكمة العليا. بل وصف إعلامي يميني يُدعى أريك غرينشطاين هذه الظاهرة بـ “حكومة المحكمة”. واتّهم إعلامي آخر يُدعى أوهاد شكيت المحكمة بـ “الفاشية اليسارية”.

المحكمة العليا الإسرائيلية (Flash90/Noam Moskowitz)
المحكمة العليا الإسرائيلية (Flash90/Noam Moskowitz)

لم يتأخر أيضًا أعضاء الكنيست الإسرائيليون كثيرا عن الصحفيين الذين هاجموا المحكمة العليا. في الأسبوع الماضي فقط قال عضو الكنيست اليميني موطي يوغيف إنه يجب “الصعود بجرافة” على المحكمة، في أعقاب حكم ألزم بهدم مبنى غير قانوني تم بناؤه في إحدى المستوطنات. بل قالت الوزيرة ميري ريغيف هي أيضًا إنّ حكم المحكمة “منقطع عن الشعب”، وقال عضو الكنيست يريف ليفين من حزب الليكود أيضًا إنّ المحكمة “تهدّد وجود إسرائيل”.

على ضوء ذلك، تم اتخاذ مبادرات عديدة في السنوات الماضية من أجل الحدّ من خطوات المحكمة العليا، وتقييد مجالات تدخّل القضاة أو زيادة قوة السياسيين في مسألة تعيين القضاة. وعلى الرغم من ذلك، بقيت قوة المحكمة العليا حتى الآن كبيرة.

ومع ذلك، ففي إحدى القضايا الحاسمة في دولة إسرائيل، وهي قضية الصراع من الفلسطينيين، لم يوفّر أحد انتقاداته تجاه المحكمة العليا. يعتقد اليمين كما ذُكر آنفًا أنّ المحكمة تخدم مصالح اليسار، وتسعى لتقويض سياسات الحكومة، وخصوصا في كل ما يتعلق بالبناء في المستوطنات. ولكن اليسار أيضًا يعتقد أنّ المحكمة العليا لا تقوم بما يكفي من أجل الحدّ من أعمال إسرائيل في الضفة الغربية.

جدار الفصل (Anna Kaplan/Flash90)
جدار الفصل (Anna Kaplan/Flash90)

قبلت المحكمة الادعاء أنّ الجدار نفسه هو وسيلة أمنية مشروعة لدولة إسرائيل

وجسّدت قضية جدار الفصل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية ذلك أكثر من كل شيء. من جهة، انتقد اليمين بشدّة أحكاما للمحكمة العليا بحسبها فإنّه ينبغي تغيير مسار الجدار، لأنّه يضرّ بالسكان المحليّين الذين بنيَ الجدار على أراضيهم. تضمن أحد الأحكام في هذا الشأن للقاضي باراك أيضًا انتقادات شديدة لإسرائيل، التي حاولت استخدام حجّة الأمن من أجل توسيع المستوطنات.

ومع ذلك، قبلت المحكمة الادعاء أنّ الجدار نفسه هو وسيلة أمنية مشروعة لدولة إسرائيل، ممّا أثار غضب الفلسطينيين واليساريين. بالإضافة إلى ذلك، يدّعي اليسار، بأنّ المحكمة العليا لم تلغِ أبدا هدم منازل العائلات الفلسطينية، أو تسمح بالبؤر الاستيطانية غير القانونية.

اقرأوا المزيد: 638 كلمة
عرض أقل