بعد أقل من عامين من قدوم تنظيم داعش من الصحراء واحتلاله مدينة الموصل، هدمه للمعابر الحدودية بين العراق وسوريا، وإعلانه عن تمدّد “الخلافة” لدول أخرى في الشرق الأوسط، يبدو أنّ زخمه قد توقف. في الأشهر الأخيرة حققت الحرب الدولية ضدّ التنظيم نتائج، وتنجح القوات المحلية في العراق، سوريا وليبيا، بمساعدة أمريكية، في احتلال أراض من أيدي الدولة الإسلامية. ما الذي تغيّر، وهل يرمز هذا التغيير إلى نهاية التنظيم؟
يتجسد الإضرار في قوة داعش في الأشهر الأخيرة في نقاط رئيسية: الأرض، القيادة، والموارد. من حيث الأراضي، فقد احتل الجيش العراقي في شهر حزيران مدينة الفلوجة من داعش، وفي بداية شهر آب حررت قوات الأكراد مدينة منبج شمال سوريا من التنظيم. في الشهر ذاته، نجحت ميليشيات محلية، بمساعدة قوات أمريكية خاصة، في احتلال مدينة سرت من جديد، والتي اعتُبرت “عاصمة” قوات داعش في ليبيا. إنّ تحرير الموصل، وهي المدينة الثانية في حجمها في العراق، من داعش هي المهمّة القادمة للحرب الدولية ضدّ التنظيم. يُشجّع جميع هذه التطورات الحوار حول “اليوم الذي بعد” داعش في أوساط بعض المحللين.
ويُضاف إلى فقدان الأراضي الكبير، اغتيال قادة كبار في التنظيم. فكان آخر من تم اغتياله، أبو محمد العدناني، الذي كان ناطقا باسم التنظيم، حاكما في سوريا، ومسؤولا عن مجموعة هجمات داعش خارج البلاد. وبالإضافة إلى العدناني تم اغتيال أبو عمر الشيشاني، الذي عمل في الماضي قائدا عسكريا كبيرا في داعش بسوريا، وأبو دعاء الأنصاري، قائد “ولاية سيناء” (وفي السابق تنظيم “أنصار بيت المقدس”) التابعة لداعش في مصر. يتم اغتيال قادة آخرين في التنظيم ببطء ولكن بانتظام أثناء الهجمات الجوية الأمريكية وعلى أيدي قوات عسكرية محلية. لم يُسمع صوت أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، منذ كانون الأول عام 2015، مما لا يزيد من الاستقرار في صفوف قيادات داعش.
إلى جانب كل ذلك يواجه التنظيم أزمات داخلية. في أعقاب الإضرار بدخله، من بين أمور أخرى، كنتيجة للإضرار المتعمّد بالبنية التحتية لإنتاجه للنفط، اضطرّ داعش إلى تخفيض رواتب مقاتليه بنسبة خمسين بالمائة في بداية العام. أصبح المتطوّعون الأجانب يرون أن التنظيم ذو جاذبية أقل. فإذا قدِم إلى سوريا عام 2014 أكثر من ألفي مقاتل أجنبي بهدف الانضمام إلى “الخلافة الإسلامية”، فقد استجاب في الأشهر الأخيرة أقل من خمسين شخصا في الشهر لدعوة التنظيم بالهجرة إلى أراضيه. يبدو أن التنظيم الذي كفّ عن احتلال الأراضي وانتقل إلى سلسلة طويلة من الخسائر لم يعد برّاقا في نظر الآخرين.
وهناك حقيقة معروفة بشكل أقل في الإعلام وهي أنّ داعش يواجه مقاومة مدنية في الموصل، “عاصمته” في العراق. بعد مدة قصيرة من احتلال المدينة في حزيران 2014 تشكّلت فيها حركة مقاومة باسم “كتائب الموصل” والتي بدأت بحرب عصابات، اغتيالات وعمليات ضدّ أهداف لداعش، وفي أحيان كثيرة بواسطة ذخيرة وأسلحة من التنظيم نفسه. وفقا لتقرير في موقع إخباري عراقي، فإنّ حركة المقاومة هذه قد نفّذت 29 عملية مسلّحة ضدّ تنظيم داعش في محافظة نينوى في شهر نيسان 2015. تشكل صفحة الفيس بوك الخاصة بتلك المجموعة أيضًا مصدرا بديلا للأخبار حول ما يحدث في المدينة.
وورد في الأيام الأخيرة أنّ الناطق باسم داعش في الموصل قد اغتيل عبر إطلاق النار عليه وتم أيضًا اغتيال مسؤول كبير في الجهاز الأمني للتنظيم في المحافظة أثناء مداهمة مكاتب الحسبة (الشرطة الدينية لداعش). من المرجح أنّ من يقف وراء هذه العمليات هي “كتائب الموصل”. تضغط هذه الاغتيالات على مقاتلي الدولة الإسلامية وتضعهم أمام أرقام قياسية جديدة من الأعمال الوحشية ضدّ السكان في المدينة. في نهاية آب ورد أنّ تسعة شبان قد تم إعدامهم بمنشار كهربائي في الميدان الرئيسي في الموصل، بتهمة العضوية في مجموعة مضادة لداعش.
ومع ذلك، فمن المُبكّر جدا الإعلان عن نهاية عصر داعش. ففي فتراته المختلفة أظهر التنظيم قدرة عالية على البقاء والتكيّف، ونجح في التعافي والعودة إلى القتال ضدّ قوات الجيوش النظامية. وحدث ذلك أيضًا بعد أنّ تم القضاء تماما تقريبا على قيادة التنظيم بعد أن توحّدت العشائر المحلية في العراق ضدّ النسخة السابقة له، “القاعدة في العراق”، في إطار قوات “الصحوة” التي قادتها قوات الجيش الأمريكي. ففي خطاب العدناني الأخير في شهر أيار سخر من الأمريكيين قائلا: “هل خسرنا عندما فقدنا مدنا في العراق وكنا في الصحراء، من دون أية مدن أو أراض؟ هل سنكون نحن المهزومون وأنتم المنتصرون إذا احتللتم الموصل، سرت أو الرقة، أو حتى سيطرتم على كل المدن وعدنا نحن إلى حالتنا الأصلية؟ بالتأكيد لا!”.
https://www.facebook.com/MosulBrigades/videos/535579409969052/
تكمن قوة داعش بقدرته على تجنيد نواة صلبة من الراديكاليين المخلصين، المستعدين لأن يقتلوا ويُقتَلوا باسم ما يعرضه التنظيم كدفاع عن الإسلام النقي. من خلال تقسيم واضح للعالم كله إلى مؤمنين وكفار نجح تنظيم داعش في توسيع رقعة تأييده، ولم تعرقل مواجهته العسكرية جاذبيّته دائما، بل أحيانا كانت ذات جدوى. أدت الضربات الإقليمية المستمرة التي تلقاها التنظيم إلى تغيير في أنماط عملياته: من السيطرة على الأراضي إلى العمليات الإرهابية العالمية التي تستند إلى جاذبيّتها الأيديولوجية. في الأيام الماضية فقط تم إحباط عملية قرب باريس، والتي أدت إحدى المخطّطات لها يمين الولاء لزعيم داعش، وتم اعتقال خلية إرهابية في ألمانيا مؤلفة من ثلاثة سوريين تم إرسالهم من قبل داعش بهدف تنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا. كما يبدو، سترافقنا الحرب الأبدية ضدّ الكفار، حتى لو تكبّد داعش هزائم أخرى في ساحة المعركة.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في منتدى التفكير الإقليمي